الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وليس لذكر جاركس المذكور محل في تاريخنا هذا لما شرطناه من أننا لا نذكر إلا من دولة الأتراك إلى يومنا هذا، وقد تقدم الكلام على اسم جاركس في ترجمة السابق.
811 - جاركس المصارع أخو الملك الظاهر جقمق
810 - 1407م
جاركس بن عبد الله القاسمي الظاهري، الأمير سيف الدين، والمعروف بجاركس المصارع. انتهت إليه الرئاسة في فن الصراع شرقاً وغرباً.
أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، ومن أعيان خاصكيته، وتأمر بعد موته في الدولة الناصرية فرج بن برقوق إمرة عشرة، ثم صار دوادار ثانيا، ثم نقل بعد مدة إلى تقدمة ألف بالديار المصرية، ثم صار أمير آخورا كبيراً في يوم الإثنين سابع جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانمائة عوضاً عن سودون المحمدي المعروف بتلى يعنى مجنون، واستمر على ذلك إلى أن توجه الملك الناصر فرج إلى حلب في سنة تسع وثمانمائة، ولاه نيابة حلب، عوضاً عن الأمير دمرداش المحمدي، فباشر نيابة حلب يوماً واحداً أو يومين، وتوجه صحبة الملك الناصر أيضاً عائداً نحو الديار المصرية، وعدم مكثه بحلب خوفاً من الأمير جكم من عوض.
ودام بالديار المصرية إلى تجرد الملك الناصر فرج ثانياً نحو البلاد الشامية، فلما وصل إلى دمشق وقبض على الأميرين الأتابك يشبك الشعباني وشيخ المحمودي نائب الشام، أعنى المؤيد، وحبسهما بقلعة دمشق، وكان الأمير جاركس هذا قد تأخر عن الخدمة في ذلك اليوم، فلما بلغه الخبر فر من ساعته، فلم يدرك، وذلك في يوم الأحد خامس عشرين شهر صفر سنة عشرة وثمانمائة، وتوجه إلى جهة حلب، فلما كان ليلة الإثنين ثالث ربيع الأول فر الأميران يشبك وشيخ من حبس قلعة دمشق باتفاق من نائبها الأمير منطوق، وفر معهما، فاختفى شيخ بدمشق، وسار يشبك حتى اجتمع بالأمير جاركس المصارع هذا على حمص.
وأما منطوق فكان من خبره أنه لما خرج مع الأتابك يشبك وسارا إلى جهة حلب، وبلغ الملك الناصر خبرهما، أرسل بطلبهما الأمير بيغوت، فساق يشبك ونجا بنفسه، وتخلف منطوق عن السوق حتى قبض عليه بيغوت وقطع رأسه، وبعث به إلى الملك الناصر فرج لأن منطوقاً كان مجسماً بديناً قد كلت به خيوله حتى قبض عليه، ثم أرسل السلطان الملك الناصر فرج بالأمير سلامش إلى الأمير نوروز الحافظي، وعلى يده تقليده بنيابة دمشق، عوضاً عن الأمير شيخ المحمودي، وندبه لقتال العصاة من أمرائه.
ثم أن شيخاً اجتمع بالأمير يشبك والأمير جاركس هذا وطرق دمشق بهما في ليلة الأحد ثامن شهر ربيع الآخر
من السنة، ففر من كان بها من الأمراء، وملكها شيخ وأقام بها، وعنده يشبك وجاركس، أياماً قلائل حتى ورد عليهم الخبر بنزول بكتمر جلق على مدينة بعلبك، فعند ذلك برز إليه الأميران يشبك وجاركس بمن معهم غارة لقتاله، فوافاهم الأمير نوروز على غفلة وقاتلهم، فكانت بينهم وقعة هائلة، قتل فيها يشبك وجاركس صاحب الترجمة، وذلك في يوم الجمعة ثالث عشر شهر ربيع الآخر سنة عشر وثمانمائة، رحمهما الله تعالى.
وكان الأمير جاركس المذكور اميراً جليلاً، شجاعاً مقداماً، رأسا في الصراع، معدوداً من نوادر الدنيا، لم يخلف بعده مثله في فنه، بل ولا رأى هو مثل نفسه، هذا مع الخلق الحسن، وصباحة الوجه، وكان طوالا جسيماً، أسود اللحية جيدها، وكان مع شدته وعظيم قواه هينا ليناً، بشوشاً لطيفاً، حلوا المحاضرة، كريماً، وهو أخو الملك الظاهر جقمق، نصره الله، وهو الأسن والسبب في ترقية، وكلاهما جاركسى الجنس، رحمه الله.