الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
812 - جار قطلو نائب الشام
837هـ -؟ - 1434م
جار قطلو بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين، نائب الشام، أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، اشتراه في سلطنته وأعتقه وجعله خاصكياً بسفارة إنياته الأمير سودون المارديني الدوادار، ثم صار في الدولة الناصرية فرج من جملة أمراء العشرات، وضرب الدهر ضرباته إلى أن صار نائب حماة في الدولة المؤيدية شيخ، عوضاً عن الأمير تنبك البجاسى بحكم عصيانه وفراره، واستمر في نيابة حماة إلى أن تجرد الملك المؤيد إلى البلاد الشمالية ونازل القلاع التي بها، وأخذ البعض وحاصر البعض، ثم عاد إلى البلاد الشامية، وخلف على حصار قلعة كختا الأمير آقباى نائب دمشق، والأمير قجقار القردمى
نائب حلب، والأمير جار قطلو المذكور نائب حماة، وأمرهم بحصار قلعة كحتا المذكورة حتى يأخذوها عنوة، فلما رحل الملك المؤيد عنها، أقاموا بعده أياماً قلائل، ثم رحلوا عنها لما بلغهم مجئ قرا يوسف إلى نواحي تلك الجهات من غير إذن الملك المؤيد، وساروا خلف الملك المؤيد حتى أدركوه بحلب، فعظم ذلك عليه، وعزل قجقار القردمى عن نيابة حلب بالأمير يشبك المؤيدي نائب طرابلس، وعزل جار قطلو عن نيابة حماة، وولاه نيابة صفد، عوضاً عن الأمير خليل الجشارى، فاستمر في نيابة صفد إلى أن طلب إلى الديار المصرية، فلما وصل إلى قطيا قبض عليه وحمل مقيدا إلى ثغر الإسكندرية، فحبس بها، وذلك في سابع شهر ربيع الآخر سنة أحدى وعشرين وثمانمائة، فاستمر في الحبس مدة، بطالاً إلى أن استقر به الملك الظاهر ططر في نيابة حماة ثانياً، عوضاً عن تنبك، ثم أطلق البجاسى المنتقل إلى نيابة طرابلس.
والغريب أن جار قطلو المذكور ولى نيابة حماة مرتين، وكلاهما عن الأمير تنبك البجاسى، وأغرب من ذلك أن جار قطلوا المذكور كان أغاة تنبك البجاسى المذكور في الطبقة، وله عليه تربية وفضل، وكان تنبك معترفاً بإحسانه ويرعى له الحرمة القديمة، على إنه كان أعلى منزلة منه بولايته نيابة حلب.
واستمر الأمير جار قطلو في نيابة حماة إلى أن نقله الملك الأشرف برسباى إلى نيابة حلب، عوضاً عن الأمير تنبك البجاسى أيضاً، بحكم انتقال تنبك البجاسى
إلى دمشق، بعد موت الأمير تنبك العلائي ميق، وذلك في شوال سنة ست وعشرين وثمانمائة، فباشر جار قطلو نيابة حلب إلى أن عزل عنها في شهر جمادى الأولى سنة احدى وثلاثين وثمانمائة، وطلب إلى القاهرة وصار من جملة المقدمين بها مدة يسيرة، وأخلع عليه باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية بعد موت الأمير الكبير يشبك الساقى الأعرج في خامس جمادى الآخرة سنة أحدى وثلاثين وثمانمائة.
ولما صار أتابكا عظم في الدولة وحظى عند الملك الأشرف برسباى حتى أتى لقد سمعت الملك الاشرف غير مرة يقول في أمر لا ينعم به لأحد لو جاء جار قطلو ما فعلت كذا وكذا ثم نقله الملك الأشرف إلى نيابة الشام، عوضاً عن الأمير سودون من عبد الرحمن، واستقر سودون من عبد الرحمن عوضه أتابك العساكر بالديار المصرية في سنة خمس وثلاثين وثمانمائة.
وفي توليتهما نادرة، وهو أن الأمير سودون
من عبد الرحمن لما طلب إلى القاهرة وطلع إلى قلعة الجبل ودخل إلى الخدمة الشريفة بالقصر مع الأمراء فلما خرج السلطان إلى القصر البراني، وقف أيضاً جار قطلو على الميمنة، ووقف سودون من عبد الرحمن نائب الشام على الميسرة، فطلب السلطان الخلع، وأخلع على جار قطلو بنيابة الشام، وعلى سودون من عبد الرحمن بالأتابكية، وقبلا الأرض، ثم مشى جار قطلو حتى وقف في الميسرة، وقف سودون من عبد الرحمن في الميمنة،
ثم انقضت الخدمة ونزلا معاً، فحجب جار قطلو سودون من عبد الرحمن ومشى أمامه، كل ذلك من غير أن يشير إليهما أحد بذلك، وما ذلك إلا لعظم ما كانا عليه من التربية والآداب والمعرفة بقواعد المملكة والترتيب.
واستمر الأمير جار قطلو في نيابة دمشق، رسافر صحبة الملك الأشرف إلى آمد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وكثر الكلام في حقه في حصار آمد، وأشيع عنه أنه يريد الوثوب على السلطان، وما أظن ذلك كان له حقيقة، حتى عاد الملك الأشرف إلى دمشق، فأخلع عليه أيضاً خلعة الإستمرار، وعاد الأشرف إلى الديار المصرية.
واستمر جار قطلو هذا في نيابة دمشق إلى أن توفي بها في تاسع عشر شهر رجب سنة سبع وثلاثين وثمانمائة وهو من أبناء السبعين.
وكان أميراً جليلاً، وقوراً، معظماً في الدولة، كريماً، إلا أنه كان مسرفاً على نفسه، وفيه دعابة، وكان غير مشكور السيرة في نيابته بحلب، ورجمه أهلها غير مرة، وحمدت سيرته في نيابته بدمشق إلى الغاية، وكان شيخاً أبيض اللحية، قصيراً جداً، سميناً، متجملاً في ملبسه ومركبه، كريماً على حواشيه ومماليكه، وكان عفيفاً عن أموال الرعية، قليل الطمع، إلا أنه كان عنده بادرة وحدة خلق مع سفه وسطوه، وكان جاركسى الجنس.
وجار قطلو، بجيم الأعاجم، وبعدها ألف، وراء ساكنة مهملة، وقاف مضمومة، وطاء مهملة ساكنة، ولام مضمومة، ويجوز كسرها، كلاهما بمعنى واحد، وجار قطلو لفظ مركب من أعجمي وتركى، فجار بالعجمي أربعة، وقطلو بالتركى مبارك انتهى.