الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصيد والذبائح
والنظر في طرفين:
النظر الأول فيما يفيد الحل وهي أركان الذبح وما يقوم مقامه وهو العقر
قوله: وجواز المناكحة وحل الذبيحة يجريان مجرى واحدا لا يفترقان إلا أن الأمة [الكتابية](1) تحل ذبيحتها ولا تحل مناكحتها. انتهى.
واعلم أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن لا تحل مناكحتهن وتحل ذبيحتهن فلابد من إخراجهن أيضًا فينبغي أن يقول في الضابط: من لا يحل مناكحته لنقصه.
قوله: وفي المتولد بين الكتابي والمجوسية قولان.
كالقولين في مناكحته ثم قال: وحكى الإمام تفريعًا على إلحاق هذا المتولد بالوثني وجهين فيما إذا بلغ ودان بدين أهل الكتاب.
والأصح المنع. انتهى.
وهذه المسألة قد تقدم الكلام عليها في كتاب النكاح.
قوله: ففي ذبيحة المجنون والصبي الذي لا يميز قولان.
أجاب الشيخ أبو حامد والشيخ أبو إسحاق بالحل؛ لأن لهم قصدًا وإرادة في الجملة.
وأظهرهما: عند الإمام وصاحب "الكتاب" وجماعة: التحريم لأن قصودهم فاسدة. انتهى ملخصًا.
والصحيح هو الحل كذا صححه الرافعي في "المحرر" وعبّر بالأظهر،
(1) سقط من أ.
وكذلك النووي في "شرح المهذب" و"زوائد الروضة".
نعم كلام الرافعي هنا يؤخذ منه رجحان التحريم لأن القائلين فيه بالتحريم أكثر عددًا من القائلين بالحل وكلام "الشرح الصغير" في ذلك أظهر فإنه اقتصر على ذكر المصححين للتحريم ولم ينقل تصحيح الجواز عن أحد.
قوله: وفي اصطياد الأعمى بالرمي أو الكلب وجهان والأشبه أن الخلاف مخصوص بما إذا دَلَّه بصير على صيد وفيه صور صاحب "التهذيب" وقال: إن المذهب المنع وكذلك صور الموفق ابن طاهر لكنه أجاب بالحِل.
وفي "البحر" طريقة قاطعة بالمنع. انتهى مخلصًا.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ذكره الرافعي بحثًا في تخصيص الخلاف قد صرح بنحوه الإمام وقال: عندي أن الوجهين مخصوصان بما إذا أدرك حس الصيد وبنى إرساله عليه، وتعبيره وتعبير الرافعي قاصران عن المعنى والصواب التعبير بعبارة تعمهما.
الأمر الثاني: أن الصحيح ما قاله البغوي كذا جزم به في "الشامل" وصححه الرافعي في "الشرح الصغير"، فقال: وأظهرهما المنع، وقطع به بعضهم، وكذلك في "المحرر" فقال: إنه أشبه الوجهين.
وصححه أيضًا النووي في "شرح المهذب" و"الروضة" وعلى كلام الروضه هنا انتقادان:
أحدهما: أنه لم يُنَبّه على أن التصحيح من "زوائده" بل أدخله في كلام الرافعي.
الثاني: أنه حكى طريقة قاطعة بالحِل أيضًا، وهذه الطريقة لم يذكرها
الرافعي وكأنه توهم من قول الرافعي أن ابن طاهر أجاب به أنها طريقة قاطعة، وهو غلط فاحش إذ كل قائل بوجه مجيب به وكثيرًا ما يقول الرافعي في المسألة وجهان:
أحدهما: وبه أجاب فلان. . . . إلى آخر ما يقول، ولا يحكيها النووي إلا وجهين فإن كان ذلك يدل على طريقين فيكون قد أسقط طُرقًا لا حصر لها.
قوله: ويكره ذبح السمك ولكن لو كان كبيرًا يطول بقاؤه فالمستحب ذبحه إراحة له أو تركه حتى يموت حتف أنفه؟
فيه وجهان منقولان عن "الحاوي" والأول هو جواب الشيخ أبي حامد. انتهى.
والراجح الاستحباب كذا صححه النووي في "شرح المهذب" و"الروضة" ولم يُنَبّه في "الروضة" على أنه من "زوائده" بل أدخله في كلام الرافعي فتفطن له.
قوله: في أصل "الروضة" ولو ابتلع سمكة حية أو قطع فلقة لم يحرم على الأصح لكن يكره. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن الرافعي لم يحك الخلاف في الفلقة في إباحة فعله بل في إباحة أكله، والمتجه تحريمه ولفظ الرافعي يشعر به فإنه قال: ولا ينبغي أن يقطع فلقة من السمكة وهي حية لما فيه من التعذيب ولو فعل ففي حَدِّها وجهان:
أحدهما: المنع ويحكى عن ابن أبي هريرة كما لو قطع عضوًا من غيرها.
واحتج له بقوله عليه الصلاة والسلام: "ما أبين من حي فهو ميت"(1)، وأصحهما: الحل لأن المبان كالميت وميتة هذا الحيوان حلال. هذا كلامه.
الأمر الثاني: أن الرافعي لم يصرح هذا بالكراهة أصلًا لا في المسألة [الأولى](2) ولا في الثانية فاعلمه.
قال النووي من "زوائده": إن هذا الخلاف طردوه في الجراد، قال: ولو قلي السمك قبل موته في الزيت المغلي، قال الشيخ أبو حامد: لا يحل له فعله لأنه تعذيب وهذا تفريع على اختياره في ابتلاع السمكة حية أنه حرام وعلى إباحة ذلك يباح هذا. انتهى كلام النووي، وهو مشكل ولا يلزم من جواز الابتلاع جواز القلي.
قوله: في أصل "الروضة": ولو ركب عظم على سهم وجُعل نصلًا فَقُتِل به صيدٌ فلا يحل على المشهور. انتهى.
واعلم أن هذا الخلاف ليس خاصًا بما إذا قتل به صيدًا كما يوهمه كلام "الروضة" والرافعي، فإن الرافعي نقل الحل عن حكاية الماوردي عن نص الشافعي.
والماوردي قد نقل هذا النص في جواز الذبح بالعظم ثم اختاره على خلاف ما ذهب إليه الجمهور وعلله بأنه ليس من السن ولا من الظفر.
(1) أخرجه أبو داود (2858) والترمذي (1480) وأحمد (21953) والحاكم (7150) والدارقطني (4/ 292) والطبراني في "الكبير"(1277) وفي "الأوسط"(3099) وأبو يعلي (1450) والبيهقي في "الكبرى"(78) وابن الجعد (2952) وابن الجارود في "المنتقى"(376) من حديث أبي واقد رضي الله عنه.
قال الترمذي: حسن غريب.
وقال الحاكم: صحيح.
وقال الألباني: صحيح.
(2)
سقط من أ.
قلت: وبما نقله الماوردي يعلم أن ما قاله في "تصحيح التنبيه" من حكاية [الخلاف في](1) الذبح بالعظم صحيح فإنه عَبّر: بالأصح، لا: بالصواب، وأما ما ذكره في "شرح المهذب" من كونه لا يحل بلا خلاف فذهول عن المنقول.
قوله: ولو تردى بعير في بئر ولم يمكن قطع حلقومه فهو كالبعير النَادّ في جواز رميه وفي إرسال الكلب عليه وجهان:
أحدهما: الجواز كما في الصيد، والبعير النَادّ، وهذا ما اختاره البصريون.
والثاني: المنع لأن الحديد يستباح به الذبح مع القدرة وعقر الكلب بخلافه، هكذا أورد الوجهين القاضي الروياني حكمًا وتوجيهًا ورجح الثاني منهما، ولك أن تتوقف فيه. انتهى.
قال في "الروضة" من "زوائده": الأصح تحريمه وصححه أيضًا الشاشي انتهى.
وما اقتضاه كلامه من أن التصحيح للشاشي سهو، فإن الشاشي نقله عن الماوردي خاصة كذا ذكره في "الحلية" وهو الكتاب الذي ينقل منه النووي.
ثم راجعت كتابه المطول وهو المسمى بـ"المعتمد" فلم أر المسألة فيه بالكلية على أنه لم يظفر بهذا الكتاب، وظفر به الرافعي ثم راجعت أيضًا مختصره المسمى بـ"العمدة" فلم أرها أيضًا، وهذا لم يظفر به الرافعي ولا النووي واقتصر في "الشرح الصغير" على نقل ترجيح الروياني.
قوله: ولو رمي إلى صيد فقده قطعتين فكل منهما حلال ولو أبان منه
(1) سقط من أ.
عضوًا كيدٍ ورجلٍ بجراحة مدفقة ومات في الحال حل العضو وباقي البدن، فإن لم تكن الجراحة مدفقة فأدركه [صاحبه](1) وذبحه أو جرحه جرحًا آخر مدفقا، فالعضو حرام لأنه أُبين من حي وباقي البدن حلال، وإن مات من تلك الجراحة ولم يتمكن من الذبح حَلّ باقي البدن، وفي العضو وجهان:
أحدهما: الحِل لأن الجرح السابق كالذبح للجملة.
وأصحهما: التحريم لأنه أُبين من حيّ. انتهى ملخصًا.
وما ذكره هنا من تصحيح التحريم ذكر مثله في "الشرح الصغير" أيضًا، وخالف في "المحرر" فصحح الجواز، وعَبّر بلفظ: الأصح أيضًا، ووقع الموضعان كذلك في "الروضة" و"المنهاج".
قوله: كما يكتفي بالمشي بلا عدو في السعي إلى الجمعة وإن عرف التحرم بالصلاة بأماراته. انتهى.
ومقتضى ما ذكره أنه لا فرق بين أن تفوت معه الجمعة أم لا، وقد صَرّح به الماوردي في باب الجمعة من كتابه المسمى بـ"الإقناع" وحذف النووي هذه المسألة من "الروضة".
قوله: لو أرسل كلبًا في عنقه قلادة محددة فجرح بها الصيد حَلّ كما لو أرسل سهمًا قاله في "التهذيب".
وقد يُفْرق بأنه قصد بالسهم الصيد ولم يقصده بالقلادة. انتهى.
وهذا الفرق قد تبعه عليه في "الروضة" أيضًا لكن القاضي الحسين قد ذكر المسألة في "تعليقه" وصورها بما إذا علم الكلب أن يضرب بتلك الحديدة، قال: لأنه يصير كناب الصيد وإرسال الكلب. انتهى.
(1) سقط من أ.
و"التهذيب" مختصر تعليقة شيخه المذكور فهو مراده، إلا أنه لم يوضحه لكونه مختصرًا.
قوله: الثانية: إذا ظهر كون الكلب معلمًا ثم أكل من لحم الصيد حرم في أصح القولين.
ثم قال: قال الإمام: وكنت أود لو فصل مفصل بين أن يَنْكَفّ زمانًا ثم يأكل، وبين أن يأكل كما أخذ، فإن الزمان إذا تمادى بعد الإنكفاف ولم يتعرضوا له. انتهى.
وهذا الذي ذكره الإمام بحثًا وادعى أنهم لم يتعرضوا له قد ذكره الجرجاني في كتابيه "الشافي" و"التحرير"، فقال واللفظ "للتحرير" ما نصه: وإن أكل الكلب من الصيد غير متصل بالعقر حَلّ وإن أكله متصلًا بالعقر فعلى قولين: أصحهما: يحل. هذا لفظه.
قوله: وذكر الغزالي أن ما يقتله الفهد والنمر حرام لأنهما لا يتعلمان، ثم قال: وهذا خلاف ما نَصّ عليه الشافعي والأصحاب فإنهم جعلوهما مما يصطاد من السباع كالكلب. انتهى كلامه.
وما ذكره في النمر من كونه يصلح للصيد حتى يؤكل ما قتله قد خالفه في أول كتاب البيع في الكلام على اشتراط النفع فجزم بأنه لا يصح بيعه لأنه لا يصلح للصيد، وقد سبق ذكر لفظه هناك فراجعه فإنه غريب وتبعه في "الروضة" على الموضعين.
قوله: قال الإمام: ولو رمى إلى شاته الربيطة -أي المربوطة- آلة جارحة فأصاب الحلقوم والمرئ وفاقًا وقطعهما ففي حِلّ الشاة مع القدرة على إمرار السكين نظر، ويجوز أن يفرق بين أن يقصد المذبح بما يرميه وبين أن يقصد
الشاة فيصيب المذبح. انتهى كلامه.
والصحيح في هذه المسألة هو الحل، فقد قال الرافعي بعد ذلك في أوائل الفصل الثاني المعقود للاشتراك في الجرح: إنه الظاهر.
وقال في "الروضة" هنا من "زوائده": إنه الأرجح. ولم يعزه للرافعي ولم يصرح به هناك فأشعر كلامه أن لا ترجيح في المسألة للرافعي.
قوله: ولو قصد بالرمي ظبية فأصاب غيرها فوجهان: أصحهما وبه قال أبو حنيفة: إنها تحل لوجود قصد الصيد.
والثاني: المنع، وبه قال مالك. انتهى.
تابعه في "الروضة" على تصحيح الحِل، وهذا الذي صححاه خلاف ما نص عليه الشافعي فإنه قال في "البويطي" في باب السُّنة في الصيد ما نصه: وإن نوى صيدًا بعينه في جماعة صيد فقتل [آخر](1) فلا يأكل، وقد قيل: يأكل. هذا لفظه بحروفه ومن "البويطي" نقلته.
قوله: وإن جرحه جرحًا لم يقتله ثم غاب عنه فوجده ميتًا وليس عليه أثر جراحة أخرى ففي الحِل قولان:
أصحهما عند البغوي: الحل؛ لكن أصحابنا العراقيون وغيرهم إلى ترجيح التحريم أميل. انتهى.
صحح "النووي" أيضًا في "المنهاج" التحريم، وقال في "الروضة" من "زوائده": الحل أصح دليلًا وصححه [أيضًا](2) الغزالي في "الإحياء" وثبتت فيه أحاديث صحيحة ولم يثبت في التحريم شيء وعلق الشافعي الحِل على صحة الحديث، والله أعلم.
(1) في ب: غيره.
(2)
سقط من أ.
وللمسألة نظائر منها: إذا مَشّط المُحْرِم رأسه فانتتف منها شعر وشك هل انتتف بالشط أم كان منتتفًا، والأصح في "الروضة" أنه لا فدية، ولم يحيلوه على هذا السبب.
ومنها: إذا قطع ملفوفًا فادعى الولي أنه قتله، وادعى الضارب أنه كان ميتًا، والأصح فيهما تصديق الولي إحالة على السبب الظاهر.
ومنها: إذا بالت ظبية في ماء، ثم وجده متغيرًا، فإنّ المذهب المنصوص عليه نجاسته إحالة له على السبب الظاهر، وهو يشكل على "الرافعي" في تصحيحه عدم جواز الأكل في مسألتنا، إذ لو أحال على السبب لأباح.