الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس: في الرجوع عن الشهادة
قوله: وكذا الحكم لو شهدوا بالردة فقتل، أو بزنا المحصن فرجم، أو على بكر فجلد ومات منه ثم رجعوا، وذكر أبو الحسين العبادي احتمالين في أنهم يرجمون أو يقتلون بالسيف؟ ، والأظهر: الأول. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن في هذين الاحتمالين وجهين للأصحاب ونقلهما من هو أقدم من العبادي المذكور وهو القاضي الحسين ونقلهما عنه ابن الرفعة في "الكفاية" و"المطلب"، وقد سبق ذكرهما أيضًا من كلام الرافعي في باب استيفاء القصاص لكن في مثال آخر.
الأمر الثاني: أن الاحتمال الذي صححه الرافعي وهو كونه يرجم، قد جزم به البغوي في "فتاويه"، وهو لا يوافق القواعد المقررة في كتاب القصاص لأن شرط الاقتصاص بالحجر معرفة موضع الجناية وقدر الحجر وعدده كما أوضحوه في موضعه، والمرجوم في الزنا لا تنضبط [هذه الأمور في حقه قطعًا، ولو فرضنا أنها انضبطت فهي لا تنضبط](1) أيضًا في حق الشاهد حتى يرجم فيتعذر القصاص بما فعل، وتعين أن يكون الصواب هو الانتقال إلى السيف، وقد سبق في باب استيفاء القصاص تعرض للمسألة، وهذه المسألة ذكرها الرافعي في آخر الباب فنقلها النووي إلى هنا فتابعته عليه.
قوله: ولو رجع الولي مع الشهود فوجهان:
(1) سقط من أ.
أحدهما: أن القصاص أو الدية بكمالها على الولي، لأنه المباشر وهم معه كالممسك، وهذا أظهر: عند الإمام.
والثاني: وهو الأصح عند صاحب "التهذيب": أنهم معه كالشريك انتهى كلامه.
لم يصحح شيئًا في "الشرح الصغير" أيضًا ولا في "المحرر"، فإنه قال -فيه أعني في "المحرر"-: رجح كلام كلًا منهما مرجحون.
والأصح: هو الأول، كذا جزم به الرافعي في أوائل الجنايات في الكلام على القتل بشهادة الزور، وقال في "الروضة" من "زوائده" هنا: إنه الأصح نقلًا ودليلًا.
قوله: ولو رجع الشهود بعد القتل وقالوا: أخطأنا، وكان الجانى أو الزاني غيره، فلا قصاص وتجب الدية.
قال الإمام: وقد يرى القاضي والحالة هذه تعزير الشهود لتركهم التحفظ. انتهى كلامه.
وما اقتضاه كلام الإمام من جواز التعزير، وتابعه عليه الرافعي والنووي قد ذكره أيضًا الغزالي في "البسيط" و"الوسيط" وعبر بالعبارة المنقولة عن الإمام، والمعروف: عدم التعزير على خلاف ما قالاه، فقد جزم به القفال والقاضي أبو الطيب في آخر الباب من "تعليقته" والبندنيجي في "تعليقته" أيضًا، وابن الصباغ في "الشامل" والبغوي في "التهذيب" والروياني في "البحر" وأبو نصر البندنيجي في "المعتمد" والقاضي مجلي في "الذخائر".
نعم ذكر الرافعي في أول الباب: أن شهود الزنا إذا رجعوا وقالوا: أخطأنا يحدون على الصحيح لما فيه من التعبير وكان حقهم أن يثبتوا، قال: وعلى هذا فترد شهادتهم، والفرق ما أشار إليه الرافعي من التعبير بالرمي من
الزنا ولهذا وجب فيه الحد بخلاف نسبته إلى القتل ونحوه من الكبائر.
قوله: وقول "الوجيز": ولو قال: تعمدت ولكن ما علمت أنه يقتل بقولي هذا يدخل فيه ما إذا قال: لم أعلم أنه يقتل بما شهدت عليه بل ظننت أنه يحبس أو يؤخذ منه المال، وهي الصورة التي ذكرناها وفرقنا بين أن يكون قريب العهد بالإسلام أو بعيدًا، أو يدخل في ما إذا قال: لم أعلم أنه يقتل بقولي؛ لأنني ظننت أنني أجرح بأسباب تقتضي الجرح، ويمكن أن يجعل هذا خطأ. انتهى كلامه.
واعلم أن الصورة الأولى: وهي ما إذا ظن الحبس ونحوه، قد صرح بها قبل ذلك، وصحح أن القصاص لا يجب فيها، بل الواجب فيها دية شبه العمد.
وأما الصورة الثانية: وهي ما إذا ظن الجرح فقد اقتضى كلامه أنها أولى بعدم وجوب القصاص مما قبلها فإنه أدرجها في كلام الغزالي، ومال إلى أنها من صور الخطأ لا من شبه العمد، وهذه الصورة قد حذفها من "الروضة" فلم يذكرها بالكلية، والحكم الذي ذكره فيها الرافعي مشكل، وذكر في "الشرح الصغير" قريبًا مما ذكره في "الكبير".
قوله: فرع: قال أبو الحسين ابن القطان: لو رجع الشهود وقالوا: أخطأنا [وادعوا أن العاقلة تعرف أنهم أخطأوا و](1) عليهم الدية، فقالت العاقلة: لا نعلم، ليس للشهود تحليفهم وإنما تطالب العاقلة إذا قامت البينة. قال ابن كج:[ويحتمل](2) أن يقال: لهم تحليفهم لأنهم لو أقروا غرموا. انتهى كلامه.
واعلم أن الجاني إذا اعترف بالخطأ أو شبه العمد وكذبته العاقلة فله
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من أ.
تحليفهم على نفي العلم كذا جزم به الرافعي في باب العاقلة فيكون الصحيح خلاف ما قاله ابن القطان، فإن الشاهد فرد من أفراد ما دخل هناك في كلامه فاعلمه.
قوله: أما إذا شهدوا بطلاق رجعي، ثم رجعا، نظر: إن راجعها: فلا غرم إذا لم يعنت عليه بشهادتهما شيء، وإن لم يراجعها حتى انقضت العدة: التحق بالطلاق البائن ووجب الغرم، هكذا ذكره صاحب "التهذيب"، وحكى أبو الفرج السرخسي عن القاضي الحسين وجهًا: أنه لا غرم إذا لم يراجع لتقصيره بترك التدارك، وأطلق "ابن كج" وجهين في أن الشهادة على الطلاق الرجعي والمرجوع عنها هل تقتضي غرمًا؟ ، ومال إلى المنع؟ وحكاه عن ابن أبي هريرة، فإن أوجبنا فغرموا ثم راجعها الزوج، فهل عليه رد ما أخذ؟ فيه احتمالان ذكرهما أبو الحسن العبادي، زاد النووي فقال: الصواب: الجزم بالرد والله أعلم.
فيه أمور:
أحدها: أن الغرم له ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يكون بعد الرجعة.
والثاني: قبلها وبعد انقضاء العدة.
والثالث: أن يكون قبل الرجعة وقبل انقضاء العدة أيضًا.
والذي دل عليه كلام الرافعي فإن البغوي ساكت عن هذا القسم الثالث وهو كذلك، فإنه قال: ولو شهدا على طلاق رجعي ثم رجعا بعد الحكم، فإن لم يراجعها الزوج حتى انقضت العدة: يجب المهر على الشهود، فإن راجعها: فلا غرم، هذه عبارته.
وإذا علمت ذلك فقد ذكر القاضي الحسين في "تعليقته" هذا القسم،
وأجاب فيه بالغرم، فقال ما نصه: فإن شهدوا بالطلقة الرجعية ثم رجعوا يحتمل أن يقال: لا يغرمون شيئًا راجعها أم لم يراجعها، لأنهم ما أزالوا الملك بل الزوج أزاله بترك المراجعة، والظاهر: وجوب الغرامة لقول الشافعي في "المختصر" لأنهم حرموه عليه ثم ينظر: إن راجعها: فيستردون الغرم من الزوج، وإن لم يراجعها: استقر الغرم على الشهود. هذا كلامه.
ذكره في أثناء فرع أوله: قد ذكرنا أن الشهود، وقد أعلمتك في أول الكتاب أن "التهذيب" ملخص من هذه التعليقة التي هي لشيخه وخلاصتها فلما لخص البغوي هذه المسألة عبر بعبارة قاصرة.
ثم على ما قاله القاضي إذا غرمهم في العدة، ثم قبل انقضائها مات الزوج أو ماتت المرأة أو طلقها طلاقًا بائنًا فلا استرداد، وكلامه يشير إليه أيضًا.
الأمر الثاني: أن تعبير الرافعي بقوله: وحكى السرخسي عن القاضي الحسين وجهًا أنه لا غرم، لا يعلم منه هل هو ناقل له أو قائل به؟ وقد ظهر لك انتفاء كل منهما، وإنما نسبت إليه كنسبة قولين للشافعي ذكرهما في وقت واحد، ورجح أحدهما على الآخر.
الأمر الثالث: أن النووي رحمه الله قد اختصر كلام الرافعي بقوله: ولو شهدا بطلاق رجعي، ثم رجعا فلا غرم إذا لم يفوتا شيئًا، فإن لم يراجع حتى انقضت العدة التحق بالبائن ووجب الغرم هذه عبارته، فأوجب الرجوع في القسم الثالث مع أن الرافعي لم يذكره وزاد على ذلك فصححه، ووقع في "الكفاية" لابن الرفعة هذا الغلط أيضًا وقد نبهت عليه في "الهداية إلى أوهام الكفاية" ولم يصحح الرافعي أيضًا شيئًا في هذه المسألة من "الشرح الصغير"، ولم يذكرها في "المحرر"، وحكى الروياني في "البحر" في المسألة طريقين: حاكية لوجهين، وقاطعة بعدم الرجوع،
وصحح الطريقة القاطعة، وجزم أيضًا أبو نصر البندنيجي في "المعتمد": بأنه لا يرجع، وأما غير من ذكرناه فقل من تعرض في المسألة لتصحيح.
فائدة: يتلخص مما حكاه الرافعي في الرجعية أربعة أوجه، وإن كان بعضها احتمالات فإن احتمالات أصحاب الوجوه وجوه، ويؤخذ تعليل جميعها من كلامه:
أحدها: يغرمهم الزوج من حين الرجوع، وتستقر الغرامة لأنه إن لم يراجع فقد حصل التفويت، وترك السعي فيه غير مانع كترك المداواة في الجراحة، وإن راجع فقد حصل نقصان العدد فأشبه الطلاق البائن إذا حصل بعد التجديد، وهذا الوجه قد ضعفه النووي.
والثاني: لا يغرمون أصلًا، لأنه إن راجع: فلم يفت عليه شيء بخلاف تجديد النكاح فإنه لابد فيه من الرضى وبذل المال، ومجرد تبعيض العدد لا يقابل بالعوض، وإن لم يراجع: فهو المفوت على نفسه، وليس كترك المداواة فإن حصول أثرها مظنون بخلاف رجعة الزوج.
والثالث: لا يغرمهم إلا إذا انقضت العدة، ولم يراجع وهو ما صححه النووي.
والرابع: يغرمهم من حين الرجوع، ولكن إن راجع فيستردون ويعرف تعليل هذين مما سبق.
وإذا اختصرت فقل:
أحدهما: يغرمهم وتستقر الغرامة.
والثاني: يغرمهم ولكن إذا راجع فيستردون منه.
والثالث: يغرمهم ولكن عند انقضاء العدة بدون رجعة.
والرابع: لا يغرمهم مطلقًا.
قوله: وإن زادوا عن الحد المعتبر بأن شهدا بالحد أو القتل ثلاثة أو بالزنا
خمسة، فإن راجع الكل فالغرم يوزع عليهم بالتسوية وإن رجع البعض فإن ثبت العدد المعتبر فوجهان، ويقال قولان، أصحهما وبه قال الإصطخري وابن الحداد: أنه لا غرم على الراجع، لأنه نفى من تقوم به الحجة، قال في "التهذيب": ولا خلاف أن القصاص لا يجب والحالة هذه، لكن في "الفروق" عن القفال وجوبه [انتهى ملخصًا.
وما نسبه هنا إلى ابن الحداد من عدم التغريم خلاف مذهبه] (1) فإن الذي قاله إنما هو الوجه الثاني، كذا رأيته في فروعه [في مسألة ما إذا شهد بالقتل ثلاثة فرجع واحد، وصرح أيضًا في فروعه](2) بوجوب القصاص كما نقل عن القفال.
قوله: وهل يتعلق الغرم بشهود الإحصان مع شهود الزنا، وبشهود الصفة مع شهود تعليق الطلاق والعتق؟ فيه وجهان في رواية جماعة منهم: المحاملي، وصاحب "التهذيب"، وقولان في رواية آخرين منهم: الإمام وصاحب "الكتاب" والروياني، والصحيح على ما ذكره صاحب "التهذيب": أنه لا غرم عليهم انتهى ملخصًا.
فيه أمران:
أحدهما: أن الرافعي في "الشرح الصغير" والنووي في أصل "الروضة" قد رجحا أن الخلاف وجهان.
الثاني: أن الرافعي لما لم يقف على ترجيح إلا للبغوي، تابعه عليه في "المحرر": وعبر بالأظهر، وصرح أيضًا بموافقة أتباعه لصاحب "الحاوي" والنووي في أصل "الروضة" وغيرها، والمعروف، هو الغرم، فقد صححه الماوردي في "الحاوي" والجرجاني في "الشافي" وأبو نصر
(1) سقط من ب.
(2)
سقط من ب.
البندنيجي في "المعتمد".
قوله في المسألة: وإذا قلنا يتعلق الغرم برجوعهم فيعتبر نصاب الشهادتين حتى يكون ثلثا الغرم على شهود الزنا وثلثه على شهود الإحصان، وقيل: يجب عليهما نصفين، ثم قال ما نصه: ولا يجيء في شهود الصفة إذا علقنا الغرم برجوعهم إلا التنصيف. انتهى كلامه.
وما ذكره في آخر كلامه من أنه لا يتصور فيه إلا التنصيف تابعه عليه في "الروضة" أيضًا، وليس [كذلك فقد تكون الصفة لا تثبت إلا بأربعة كالزنا فينعكس الحكم فيكون الثلثان](1) على شهود الصفة والثلث على شهود التعليق.
(1) سقط من أ.