الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال رحمه الله: النظر
الثاني: في أحكام النذر والملتزمات
أنواع
النوع الأول: الصوم
قوله: وهل يجب تبييت النية في الصوم المنذور أم تكفي نيته قبل الزوال؟
إن قلنا: إن المنذور ينزل على أقل الواجب وهو الأصح، أوجبنا التبييت، وإن قلنا: على أقل الجائز، فلا. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن النووي قد صحح هنا في "الروضة" ما صححه الرافعي من سلوك المنذور مسلك الواجب، ثم خالف ذلك في باب الرجعة فقال من "زوائده": المختار أنه لا يطلق ترجيح واحد من الوجهين بل يختلف الراجح منهما بحسب المسائل لظهور دليل أحد الطرفين في بعضها وعكسه في بعض. انتهى.
وقال في "شرح المهذب": إنه الصواب.
وقد أعلمتك مرات أن لفظ "المختار" و"الصواب" في "الروضة" ليس بالمعنى المذكور في "تصحيح التنبيه"، بل بمعنى: الراجح والأصح، ونحوهما.
الأمر الثاني: أن النووي في "الروضة" أيضًا قد تابع الرافعي على تخريج التبييت على هذا الخلاف، وخالف ذلك في "شرح المهذب" هنا وفي كتاب الصيام فإنه حكى في ذلك طريقين:
إحداهما: هذه.
والثانية: الجزم بالوجوب سواء سلكنا به مسلك الواجب أم الجائز،
وصحح هذه الطريقة فقال: وفي صوم النذر طريقان: المذهب وبه قطع الجمهور وهو المنصوص في "المختصر": لا يصح بنية من النهار.
والثاني فيه وجهان بناء على أنه يسلك به في الصفات مسلك واجب الشرع أم جائزه؟
ثم قال: والمذهب أنه يفرق بين هذه المسائل وباقي مسائل الخلاف في أن النذر هل يسلك به مسلك الواجب أو المنذور؟ فإن الحديث هنا عام. هذا كلامه في الصيام، وذكر هنا قريبًا منه.
قوله: وهل يجوز أن يصلي الصلوات المنذورة قاعدًا مع القدرة على القيام؟ فيه وجهان بناء على الأصل المذكور وهو سلوكه مسلك الواجب أم الجائز؟
ثم قال: وإن نذر أن يصلي قاعدًا جاز أن يقعد، كما لو صرح في نذره بركعة له الاقتصار عليها، فإن صلى قائما فقد أتى بالأفضل. انتهى كلامه.
وما ذكره من جواز القعود عند تصريحه به قد ذكر بعده بنحو ثلاثة أوراق ما يخالفه مخالفة عجيبة، فقال في أول الكلام على ما إذا نذر صوم يوم قدوم فلان ما نصه: ثم حكى الإمام عن الأصحاب أنه لو قال: عليّ أن أصلي ركعة لم يلزمه إلا ركعة.
ولو قال: عليّ أن أصلي كذا قاعدًا، يلزمه القيام عند القدرة إذا حملنا المنذور على واجب الشرع، وأنهم تكلفوا فرقًا بينهما، قال: ولا فرق. انتهى كلامه.
فانظر إلى هذا الاختلاف العجيب كيف جزم أولًا بأنه لا يلزمه القيام وإن سلكنا به مسلك الواجب، ونقل ثانيًا عن الأصحاب أنه يلزمه ولم ينقل خلافه.
ووقع الموضعان كذلك في "الشرح الصغير" على وجه أشد مما وقع هنا فإنه نفي الخلاف في الموضع الأول: فقال: ولو نذر أن يصلي قاعدًا جاز له القعود بلا خلاف. هذا لفظه، وذكر نحوه في "الروضة" أيضًا، فقال: جاز القعود قطعًا.
قوله: أما لو نذر أن يعتكف فليس جنس الاعتكاف واجبًا بالشرع، وقد سبق في باب الاعتكاف وجهان في أنه هل يشترط اللبث أم يكفي المرور في المسجد مع النية؟ والأول أصح.
ثم قال: وإن اكتفينا بالمرور، فللإمام احتمالان:
أحدهما: يشترط اللبث؛ لأن لفظ الاعتكاف يشعر به.
والثاني: لا، حملًا له على حقيقته شرعًا. انتهى.
وما حكاه هنا عن الإمام في كيفية الخلاف قد حكى عنه في باب الاعتكاف ترتيبًا غيره، فقال: وفي اعتبار اللبث وجهان حكاهما في "النهاية":
أصحهما: لابد منه.
والثاني: يكفي الحضور.
ثم فرع فقال: إن اكتفينا بالحضور حصل الاعتكاف بالعبور من باب والخروج من باب. هذا كلامه من غير زيادة عليه.
قوله في "الروضة": ولو عَيّن في نذره زمنًا للصوم تعين على المذهب وبه قطع الجمهور، وقال الصيدلاني وغيره: فيه وجهان. انتهى.
وما رجحه هنا من طريقة القطع قد سبق منه في كتاب الاعتكاف ما يخالفه وسبق ذكر لفظه هناك فراجعه.
قوله: ولو عَيّن يومًا من أسبوع والتبس عليه فينبغي أن يصوم يوم الجمعة لأنه آخر الأسبوع، فإن لم يكن هو المعين أجزأه وكان قضاء. انتهى كلامه.
وهو صريح في أن أول الأسبوع السبت وآخره الجمعة، وقد تابعه في "الروضة" عليه، وخالف ذلك في باب صوم التطوع من "شرح المهذب" في الكلام على صوم يوم الإثنين فقال: يسمى يوم الإثنين لأنه ثاني الأيام، ثم قال: وأما يوم الخميس فسمي بذلك لأنه خامس الأسبوع. هذا لفظه.
وهو صريح في أن أوله الأحد، وذكر مثله في "لغات التنبيه"، والصواب الأول، فقد روى مسلم في "صحيحه" في الربع الأخير من الكتاب عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: "خلق الله التربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر فيها يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق الله آدم بعد العصر يوم الجمعة في آخر ساعة من ساعات الجمعة في ما بين العصر إلى الليل"(1). هذا لفظه في مسلم.
وفي الصحيح أيضًا في حديث الأعرابي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب: "فادع الله أن يسقينا"(2) الحديث إلى أن قال في آخره: "فوالله ما رأينا الشمس سبتًا" أي: جمعة، فعبر بأول أيامها، على أنه قد روي أيضًا ستًا أي بكسر السين على أنه اسم للعدد الذي بين الخمس والسبع، وكذلك قول الشاعر (3):
ألم تر أن الدهر يوم وليلة
…
يَكُرَّان من سبت عليك إلى سبت
واعلم أنك إذا أردت ضبط ترتيب المخلوقات [الواقعة في الحديث فأت
(1) أخرجه مسلم (2789) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (890، 969، 975) من حديث أنس رضي الله عنه.
(3)
نسب هذا البيت لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. لكن بلفظ: يَكُرَّان من سبت جديد إلى سبت.
ثم أتبعه ببيت آخر هو:
فقل لجديد الثوب لابد من بلى
…
وقل لاجتماع الشمل لابد من شت
بلفظ حروفه مرتبة على ترتيب أوائلها] (1) وحينئذ سهل استحضاره فقل: يجشم ندا.
قوله: والخلاف في أن اليوم المعين هل يتعين؟ يجري مثله في الصلاة إذا عيّن لها في النذر وقتًا، وفي الحج إذا عيّن له سنة، والتعيين في الصلاة هو الذي أورده في "التهذيب". انتهى.
وقد تحصل منه: أن المشهور تعيين وقت الصوم وأن الصلاة مثله، بل أولى.
إذا علمت ذلك فقد جزم في كتاب الاعتكاف في أوائل الركن الرابع بأن وقت الصلاة لا يتعين، وقد سبق ذكر لفظه هناك، ووقع هذا الاختلاف أيضًا في "الشرح الصغير" و"الروضة" و"شرح المهذب"، والتعيين هو الصواب المفتى به، فقد نص عليه الشافعي في "البويطي" في باب السنة في النذور فقال: ومن نذر صلاة في يوم بعينه أو صيامًا فعليه أن يأتي بذلك في ذلك اليوم، فإن أخره قضاه. هذا لفظه بحروفه ومنه نقلت.
قوله: ولو عَيّن للصدقة وقتًا، قال الصيدلاني: يجوز تقديمها عليه بلا خلاف. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة"، وقد سبق في باب الاعتكاف ما يقتضي امتناع التقديم على خلاف ما نقله هنا عن الصيدلاني وأقره عليه.
قوله: فإذا نذرت المرأة صوم سنة متتابعة فأفطرت بعذر الحيض والنفاس ففي قول: لا يجب القضاء كيوم العيد.
وفي قول: يجب كما إذا وقع الحيض في الصوم الواجب شرعًا.
(1) سقط من أ.
ثم قال: وهذا أصح عند صاحب "التهذيب"، والأول أصح عند أبي علي الطبري وأبي الحسين ابن القطان، ونسبه ابن كج إلى المشهور وتابعهم الروياني. انتهى كلامه.
ومقتضاه أن الأكثرين على عدم الوجوب، وبه صرح في "الشرح الصغير" فقال: أظهرهما عند الأكثرين: لا يجب كيوم العيد. هذا لفظه.
إذا علمت ذلك فقد خالف في "المحرر" وصحح الوجوب وعبر بالأظهر، واستدرك عليه في "المنهاج"، وغالب نسخ الرافعي في "الكبير" في هذه المسألة سقيمة حصل فيها إسقاط من النساخ، وقد أصلحت ما وقع لي منها.
قوله: ولو نذر أن يصوم يوم قدوم فلان صح نذره في أظهر الوجهين، فإن قدم وهو مفطر لزمه صيام يوم آخر، وهل نقول: يلزمه بالنذر أن يصوم من أول اليوم، أو نقول: يلزم من وقت القدوم إلا أنه لا يمكن صوم بعض اليوم فأوجبنا يومًا تامًا؟ فيه وجهان، ويقال: قولان، أصحهما: الأول.
ثم قال: وللخلاف فوائد:
منها: لو نذر أن يعتكف اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم نصف النهار، فإن قلنا: بالأول اعتكف باقي اليوم وقضى ما مضى، وإن قلنا بالثاني: اعتكف باقي اليوم ولم يلزمه شيء آخر. انتهى كلامه.
وحاصله أنه يلزمه في الاعتكاف قضاء ما فات على الأصح.
إذا علمت ذلك فهاهنا أمور:
أحدها: أنه قد سبق منه في كتاب الاعتكاف ما يخالفه فإنه حكى في ذلك قولين، وقال أظهرهما: أنه لا يجب ذكر ذلك في أثناء الكلام على
استتباع الليالي للأيام وبالعكس، وقد سبق ذكر لفظه هناك.
ووقع هذا الاختلاف أيضًا في "الروضة" وكذلك في "شرح المهذب" لأنه صحح في آخر كتاب الاعتكاف أنه لا يلزم وبالغ في تصحيحه فقال: نص الشافعي عليه، واتفقوا على أنه الصحيح، ثم صحح في هذا الباب في الكلام على نذر صومه أنه يلزمه، لكنه صحح بعده في فصل معقود له عدم اللزوم أيضًا ولم يذكرها في "الشرح الصغير" إلا في النذر موافقًا للكبير.
الثاني: أن ما قاله الرافعي في الاعتكاف من أن الخلاف في قضاء ما مضى قولان كيف يستقيم مع بناء ذلك على الوجهين في الصوم؟ فإن الخلاف إن كان وجهين لم يصح ما قاله في الاعتكاف، وإن كان قولين لم يصح بناؤهما على وجهين، كما نبّه عليه الرافعي في غير موضع.
الثالث: أن الرافعي قد نقل هنا أثناء تعليل الوجه الثاني من أصل المسألة عن البغوي أن المحرم إذا اختار الصيام في جزاء الصيد فإنه يصوم عن كل مد يومًا فإن فضل بعض مد صام يومًا تامًا يكون بعضه واجبًا وبعضه غير واجب، وأسقط النووي هذه المسألة وفي ما قاله البغوي نظر، بل المتجه الحكم على الكل بالوجوب لأنه من باب ما لا يتم الواجب إلا به، ولكن وجوب البعض بطريق [الأصالة](1) والباقي بطريق التوقف عليه.
قوله: ولو نذر صوم الأثانين ولزمه صوم شهرين متتابعين فيقدم صوم الكفارة، ثم إن لزمت الكفارة بعد ما نذر صوم الأثانين قضى الأثانين الواقعة في الشهرين، وإن لزمت الكفارة قبله فوجهان:
أظهرهما عند صاحب "التهذيب" وطائفة من العراقيين: أنه يجب.
(1) في ب: الإضافة.
والأظهر عند الإمام والغزالي والقاضيين أبي الطيب وابن كج: أنه لا يجب. انتهى ملخصًا.
لم يصحح شيئًا في "الشرح الصغير" أيضًا، والصحيح وجوب القضاء كذا صححه الرافعي في "المحرر"، وصحح النووي في "شرح المهذب و"زوائد الروضة" و"المنهاج": أنه لا يجب، والصواب الأول فإن الربيع قد نقله عن نص الشافعي، كذا نقله عنه العمراني في "البيان" والنووي في "شرح المهذب"، لكن يشكل على الرافعي ما لو نذر صوم الدهر وكان عليه كفارة حين النذر فإن زمانها مستثنى كما قاله الرافعي وكان قياسها مما قاله في الأثانين أن يفدي عن النذر كما لو لزمت الكفارة بعد أن نذر.
قوله: في الكلام على نذر صوم الدهر ولو أفطر هذا الناذر في رمضان بعذر أو غير عذر فعليه القضاء ويقدمه على النذر، ثم إن أفطر بعذر فلا فدية عليه، وإن كان متعديًا لزمه. انتهى.
وما ذكره هنا في وجوب الفدية من الفرق بين أن يكون لعذر أو لا لعذر قد جزم بخلافه في آخر صوم التطوع، فإنه سوّى بينهما فحكى فيهما معًا وجهين، ولم يصرح بتصحيح، وقد سبق إيضاحه هناك.
قوله: ولو أفطر يومًا فلا سبيل إلى قضائه لاستغراق أيام العمر بالأداء وعليه الفدية إن أفطر بلا عذر، ثم أفاد الإمام هاهنا شيئين:
أحدهما: أنه لو نوى في بعض الأيام قضاء يوم أفطر فيه متعديًا، فالوجه أن يصح، وإن كان الواجب غير ما فعل لم يلزمه المد لما نزل عن الأداء في ذلك اليوم، ولك أن تقول يجيء في الصحة الخلاف المذكور فيما إذا عَيّن وقتًا للصوم بنذره فعقد فيه صومًا آخر.
والثاني: قال: وهل يصوم عن المفطر المتعدي وليه في حياته تفريعًا على
أنه يصوم عن الميت وليه؟ والظاهر عندنا: جوازه لتعدد القضاء منه، وفيه احتمال من جهة أنه قد يطرأ عذر يجوز ترك الصوم له، ويتصور تكليف القضاء منه وقد يستفاد مما ذكره أنه إذا سافر يقضي ما يفطر فيه متعديًا، وينساق النظر إلى أنه هل يلزمه أن يسافر ليقضي؟ انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن ما ذكره بحثًا من مجيء الوجهين قد تابعه عليه في "الروضة"، وهو يقتضي أنهما لم يظفرا فيه بنقل، وقد صرح بنقلهما الروياني في "البحر"، ورأيتهما أيضًا في "فتاوى القفال" مع أمور أخرى لم يتعرض لها الرافعي فقال: فإذا أفطر هذا الرجل بالمرض أو غيره فهل تلزمه الفدية؟ على وجهين:
أحدهما: لا تلزم إلا أنه يعصي إذا أفطر بغير عذر.
والثاني: تلزمه، وعلى هذا فهل يجوز له إخراجها في حياته؟ على وجهين:
أحدهما: نعم لأن القضاء لا يمكن لاستغراق جميع الزمان باستحقاق الأداء.
والثاني: لا بل إنما يخرجها بعد الموت كما في الصوم الذي عليه من غيره إنما يخرج فديته بعد الموت، وذلك لأن الفدية إنما تجوز عند اليأس من القضاء، وهاهنا يمكنه أن يقضي في هذه الأيام ما فاته، ثم إذا قضى صار تاركًا بعض الأداء ثم يقضيه بعد ذلك، ولا يزال الأمر هكذا.
ثم قال: فرجع حاصل الكلام إلى أن الأداء أولى بهذا الزمان لأنه عين له أو أن القضاء أولى به إذ جميعه متعلق بذمته فهو كالمانع للأداء. انتهى كلامه.
وقد استفدنا منه أيضًا حكاية وجهين في وجوب الفدية مطلقًا على خلاف ما جزم به الرافعي من التفصيل وحكاية وجهين في إخراجها في الحال.
الأمر الثاني: أن ما نقله عن الإمام وأقره من أن الظاهر جواز صوم وليه في حياته قد تابعه عليه في "الروضة"، وقد سبق له في كتاب الصيام من "زوائده" ما يناقضه مناقضة عجيبة فراجعه.
الأمر الثالث: أن من تعاطى سبب الترخص لقصد الترخص [لا يترخص](1) كما إذا سلك الطريق الأبعد لغرض القصر، وقياسه من هاهنا أنه إذا سافر لقصد الترخص بترك المنذور أنه لا يستبيح تركه وفيه بحث، وقريب من هذه الصورة ما إذا حلف ليطأن زوجته في نهار رمضان، قال ابن الصلاح والنووي وغيرهما: طريقه كما قاله أبو حنيفة رضي الله عنه لسائل سأله عن ذلك أن يسافر.
ومثار الوقفة في ما ذكرناه من الأمثلة أنه يسافر لقصد الترخص ويترتب على الترخص غرض آخر.
(1) سقط من أ.