الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: فيما يقع به الحنث
وفيه أنواع:
النوع الأول: الدخول والمساكنة
قوله: ويجوز أن لا يعد الشخص داخلًا ولا خارجًا كما أن من دخل ببعض بدنه أو خرج ببعضه لا يحنث في يمين الدخول والخروج. انتهى.
وفي هذا الكلام تفصيل، ذكر بعضه في أثناء الحلف على الدخول.
فنقول: كلامه هذا مشتمل على مسألتين:
الأولى: أن يكون خارج الدار فيحلف على الدخول، فينظر: إن حلف على الإتيان به فأدخل رأسه أو يده أو رجليه وهو قاعد ونحو ذلك لم يبر.
وإن أدخل رِجْلًا واحدة، فإن اعتمد على الخارجة -أي كان قواه عليها بحيث لو رفع الداخلة لم يسقط فإنه لا يبر أيضًا، كما قاله البغوي في "فتاويه".
وإن اعتمد على الداخلة بر، وإن اعتمد عليهما ففيه نظر.
وإن حلف على النفي فيكون الحكم بالعكس من الإثبات، فإذا أدخل يده مثلًا أو رجله من غير اعتماد لم يحنث، وإن كان مع الاعتماد حنث، فإن اعتمد عليهما ففيه نظر.
ولو اضطجع وأخرج بعض بدنه فيحتمل اعتبار الأكثر بالمساحة، ويتجه اعتباره بالنقل لأن استقراره في الحقيقة عليه فأشبه الاعتماد على الرِّجْل.
قوله: والحالف على أن لا يدخل لا يحنث بدخول الطاق المعقود خارج الباب؛ لأنه لا يقال دخل؛ وقيل: يحنث؛ لأنه من الدار، ألا ترى أنه يدخل في بيعها. انتهى.
والطاق في عرف أهل بغداد رحبة خارجة عن الباب عليها عقد معقود، والباب في صدر تلك الرحبة.
قال الإمام: والذي أراه أن محل الخلاف في الطاقات التي هي أمام أبواب العظماء نهيًا للأتباع الذين لا يحجبون، فأما الأبراج التي تخرج فيه وابتدأ إلى الشارع وليست من تربيع الدار فلا يحنث بها وجهًا واحدًا.
قوله: ولو حلف لا يتزوج وهو متزوج، أو لا يتطهر وهو متطهر، أو لا يتوضأ وهو متوضيء فاستدام النكاح والطهارة والوضوء لا يحنث. انتهى.
ذكر مثله في "الشرح الصغير" أيضًا، وجزم في "المحرر" بالحنث، قال في "المنهاج" من "زوائده": وهذا غلط للذهول.
والأمر كما قاله، فقد نص الشافعي في "الأم" على عدم الحنث في هذه المسائل، ونقله عنه القاضي أبو الطيب في "تعليقه".
قوله في "الروضة": وهل استدامة الطِّيب تَطَيّب؟ فيه وجهان:
أصحهما: لا، وذكر الوجهين في ما لو حلف لا يطأ وهو في خلال الوطء فلم ينزع، أو لا يصوم وهو شارع في الصوم، أو لا يصلي وهو في خلال الصلاة.
ويتصور ذلك في ما لو حلف ناسيًا. انتهى.
ومقتضى هذا الكلام تصحيح عدم الحنث في الجميع، وليس مطابقًا لكلام الرافعي فإنه إنما عبر بقوله: وذكر وجهين أيضًا، أعني بدون "أل" واعلم أن مسألة الصلاة لها صورة أخرى، وهو ما إذا كان أخرس فحلف بالإشارة فإن الصلاة لا تبطل كما يعرف من كلامهم في الطلاق.
قوله: قال في "التهذيب": لو حلف لا يغصب لم يحنث باستدامة
المغصوب في يده. انتهى كلامه.
وهذا الحكم الذي نقله عن "التهذيب" وأقره عليه مشكل، فإنه يصدق أن يقال: غصبته شهرًا وسنة ونحو ذلك، وقد صرح الأصحاب في باب الغصب وفي مواضع كثيرة أن الغاصب في دوام الغصب غاصب، فوجب القطع بالحنث، وقد جزم به الماوردي في "الحاوي" فلتكن الفتوى عليه.
وقد اغتر النووي بهذا النقل فظنه صحيحًا من جهة المعنى، ومجزومًا به عند الأصحاب فأطلقه في "الروضة" من غير إعزائه إلى "التهذيب" فزاد الأمر خللًا وإيهامًا فليجتنب.
قوله: ولو حلف لا يسافر وهو في السفر فتوقف أو أخذ في العود في الحال لم يحنث، وإن سافر على وجهه حنث، وكأن الصورة في من حلف على الامتناع من ذلك السفر، وإلا فهو في العود مسافر. انتهى كلامه.
وما ذكره من حمل العود على هذه الصورة قد تابعه عليه في "الروضة" وهو ذهول عن المنقول، فقد جزم الماوردي في "الحاوي" بأنه لا يحنث، وعلله بقوله: لأنه قد أخذ في ترك السفر.
وحكى وجهين في ما لو أقام بمكانه:
أحدهما: يحنث، لبقائه على السفر.
والثاني: لا، لِكَفِّه عن السير.
واعلم أنه لابد في الوقوف من النظر في أنه وقف ناويًا للإقامة أو قاصدًا لشيء لا يقطع السفر.
قوله: وأصح الوجهين أن الخيام في حق القروي بيت.
ثم قال: واعترض عليه بأن من حلف ببغداد وغيرها أن لا يركبن دابة، لا يحنث بركوب الحمار، وإن كان أهل مصر يسمونه دابة.
ولو كان بيوت العرب عند قوم تقتضي التعميم لكان يحنث. انتهى.
وهذه المسألة -أعني: ركوب الحمار- قد أسقطها من "الروضة"، والحكم فيها لا يعرف إلا بتنصيص كما قاله الرافعي في الخيام، وكما قالوه في الوصية أنه يعطى إليه الحمار، وإن كان الموصي في غير مصر على الصحيح.
قوله: ولو حلف لا يسكن، فمكث مشتغلًا بأسباب الخروج، بأن انتهض لجمع المتاع، وبأمر أهله بالخروج وبلبس ثوب الخروج فهل يحنث؟ فيه وجهان:
أحدهما وينسب إلى العراقيين: نعم، لأنه أقام فيها مع التمكن من الخروج.
وأرجحهما عند كثير من المعتبرين وربما لم يذكروا سواه: المنع وبه قال القفال، ويؤيده ما ذكروا أنه لو خرج في الحال ثم عاد لنقل متاع أو زيارة أو عيادة مريض لا يحنث. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن الأصح عدم الحنث كذا جزم به في "المحرر"، وقال في "الشرح الصغير": إنه الأظهر.
وفي "الروضة": إنه الأصح، ولم يُنَبِّه فيها على أنه من "زوائده" بل أدخله في كلام الرافعي فتفطن له.
واعلم أن كلام الرافعي يقتضي التوقف في نسبة الحنث إلى العراقيين، وليس فيه وقفة فإن كتبهم مصرحة بذلك، فقد جزم به شيخهم الشيخ أبو حامد والماوردي وابن الصباغ وصاحب "البيان" حتى أنهم جعلوا المسألة خلافية بيننا وبين الحنفية.
الأمر الثاني: أنه قد جعل من هذه الصور الاشتغال بلبس الثياب، وفيه نظر، فقد جزم الماوردي فيه: بأنه لا يحنث مع جزمه بالحنث في الاشتغال بجمع المتاع ونحوه، وهو ظاهر فإن الاستنابة فيه ممكنة بخلاف اللبس.
قوله: فإذا قال: والله لا أساكن فلانًا، فمكث الحالف وبنى بينهما حائلًا ولكل واحد من الجانبين مدخل أو أحدثًا مدخلًا، فوجهان:
أحدهما: لا يحنث لانشغاله برفع المساكنة، وهذا ما رجحه في "التهذيب".
وأصحهما عند الجمهور: الحنث، لحصول المساكنة إلى أن يتم البناء من غير ضرورة. انتهى كلامه.
وما ذكره من ترجيح الحنث ذكر نحوه في "الشرح الصغير" أيضًا، وأطلق الأصح من غير نقله عن الجمهور، وخالف في "المحرر" فقال: أظهر الوجهين أنه لا يحنث، وتبعه النووي في "الروضة" و"المنهاج" على هذا الاختلاف.
قوله في "الروضة": الحالة الثانية: أن لا تعد المساكنة لفظًا فينظر إن نوى موضعًا معينًا من بيت أو دار أو درب أو محلة أو بلد فالمذهب والذي قطع به الجمهور: أن اليمين محمولة على ما نوى.
وقيل: إن كانا يسكنان بيتًا من دار متحدة المرافق ونوى أن لا يساكنه، حملت اليمين عليه، وإن لم يكن كذلك ولا جرى ذكر تلك المساكنة كقول صاحبه: ساكني في هذا البيت، لم يقبل قوله ويحمل اليمين على الدار. انتهى كلامه.
وتعبيره بقوله: ولو نوى أن لا يساكنه حملت اليمين عليه، قد شاهدته بخط النووي كذلك كما هو في النُّسخ أيضًا وهو غير مستقيم، وقد سقط
منه شيء ذكره الرافعي.
فإنه قال: ونوى أن لا يساكنه في ذلك البيت، وهذا واضح.
وقوله كقول صاحبي إلى آخره مثال لجريان تلك المساكنة فاعلمه.
قوله: ولو حلف أنه لا يصعد السماء ففي انعقاد يمينه وجهان: أصحهما على ما نقل في "التهذيب": المنع، لأن الحنث غير متصور. انتهى.
صحح في "أصل الروضة" ما صححه في "التهذيب".