المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الركن الأول: في الدعوى - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٩

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصيد والذبائح

- ‌النظر الأول فيما يفيد الحل وهي أركان الذبح وما يقوم مقامه وهو العقر

- ‌ النظر الثاني في بيان ما يملك به الصيد

- ‌كتاب الضحايا والعقيقة

- ‌النظر الأول في الأركان

- ‌ النظر الثاني في أحكام الأضحية

- ‌ الكلام على العقيقة

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌الفصل الأول في حالة الاختيار

- ‌الفصل الثاني في حال الاضطرار

- ‌كتاب السبق والرمي

- ‌الباب الأول في المسابقة

- ‌الباب الثاني في الرهن

- ‌كتاب الأيمان

- ‌الباب الأول: في نفس اليمين

- ‌فصل في لغات الباب

- ‌الباب الثاني: في كفارة اليمين

- ‌الباب الثالث: فيما يقع به الحنث

- ‌النوع الأول: الدخول والمساكنة

- ‌النوع الثاني: لفظ الأكل والشرب

- ‌النوع الثالث: في العقود

- ‌النوع الرابع: في الإضافات

- ‌النوع الخامس: في الكلام

- ‌النوع السادس: في تأخير الحنث وتقديمه

- ‌النوع السابع: في الخصومات

- ‌كتاب [النذر]

- ‌الأول: في الأركان

- ‌ الثاني: في أحكام النذر والملتزمات

- ‌النوع الأول: الصوم

- ‌النوع الثاني: الحج والعمرة

- ‌النوع الثالث: إتيان المسجد

- ‌النوع الرابع: الهدايا والضحايا

- ‌ مسائل منثورة

- ‌كتاب القضاء

- ‌الباب الأول: في التولية والعزل

- ‌الفصل الأول: في التولية

- ‌الفصل الثاني: في العزل والانعزال

- ‌الباب الثاني: في جامع آداب القضاء

- ‌الفصل الأول: في آداب متفرقة وهي عشرة

- ‌الفصل الثاني: في مستند قضائه

- ‌الفصل الثالث: في التسوية

- ‌الباب الثالث: في القضاء علي الغائب

- ‌الباب الرابع: في القسمة

- ‌كتاب الشهادات

- ‌الباب الأول: في الصفات المعتبرة في الشاهد

- ‌الباب الثاني: في العدد والذكورة

- ‌الباب الثالث: في مستند علم الشاهد

- ‌ فصل في آداب التحمل والأداء منقولة من مختصر الصيمري

- ‌الباب الرابع: في الشاهد واليمين

- ‌الباب الخامس: في الشهادة على الشهادة

- ‌الباب السادس: في الرجوع عن الشهادة

- ‌كتاب الدعاوى والبينات

- ‌الركن الأول: في الدعوى

- ‌ الركن الثاني: جواب المدعى عليه

- ‌ الركن الثالث: في اليمين

- ‌ الركن الرابع: النكول

- ‌ الركن الخامس: البينة

- ‌الباب الأول: في مسائل منثورة

- ‌الباب الثاني: في دعوى النسب

- ‌كتاب التدبير

- ‌كتاب الكتابة

- ‌الحكم الثاني: في الأداء والإتيان

- ‌الحكم الثالث: في تصرفات السيد في المكاتب وفي تصرفات المكاتب

- ‌الحكم الرابع: في ولد المكاتبة

- ‌الحكم الخامس: في جناية المكاتب والجناية عليه

- ‌كتاب عتق أمهات الأولاد

الفصل: ‌الركن الأول: في الدعوى

‌كتاب الدعاوى والبينات

وفيه خمسة أركان:

‌الركن الأول: في الدعوى

قوله: وحيث جوزنا لصاحب الدين أن يأخذ من مال المديون المنكر أو المماطل، نظر: إن كان المأخوذ من جنس حقه فله تملكه. انتهى.

تابعه في "الروضة" على التعبير بأنه له التملك ومقتضاه أنه لا يملكه بمجرد الأخذ وكلامه في أول المسألة الثالثة من هذه المسائل يدل عليه أيضًا تقليدًا في التعبير لصاحب "البحر"، وليس كذلك.

ووجهه: أن هذا الفعل إنما يجوز لمن يقصد أخذ حقه بلا شك؛ ولهذا قال صاحب "البحر" وغيره: لو أخذه ليكون رهنًا عنده بحقه لم يجز وكان ضامنًا بلا خلاف، وإذا وجد القصد مقارنًا للأخذ كفى ولا حاجة إلى اشتراطه بعد ذلك؛ ولهذا عبر الإمام بقوله: فإن قصد أخذه عن حقه ملكه.

وعبر في "التهذيب" بقوله: فإذا أخذ جنس حقه تملكه.

نعم هل يشترط التلفظ أم لا؟ يحتمل تخريجه على الملتقط إذا عرف ومضى الحول، واختار التملك، والصحيح فيه: عدم الاشتراط.

قوله: وإن أخذ من غير جنس حقه فوجهان:

أحدهما: أنه يرفع الأمر إلى القاضي ليبيعه.

وأصحهما عند العراقيين والروياني والعبادي: أنه يستقل ببيعه، ثم قال ما نصه: وبه أجاب صاحب "التهذيب"، ولكن فيما إذا كان القاضي جاهلًا بالحال ولا بينة للآخذ، فإن كان عالمًا: فظاهر المذهب أنه لا يبيعه إلا بإذنه. انتهى كلامه.

ص: 386

فيه أمور:

أحدها: أن تعبيره في آخره بقوله فظاهر المذهب كذا وكذا هو من تتمة كلام البغوي، كذا رأيته في "التهذيب" بهذه العبارة بعينها.

وإذا علمت ذلك فيحتمل أن تكون مقالة البغوي استدراكًا لما تقدم، وأن يكون إطلاق من أطلق محمولًا، ويحتمل أن تكون حكاية لمقالة مرجوحة والأول باق على عمومه كما هو الغالب في استعمالهم، والأول هو المراد على ما أفاده كلام الرافعي في "المحرر" و"الشرح الصغير"، فإنه لم يثبت فيهما هذه المقالة بالكلية، وحذفها وحذف الوجوه المرجوحة، وقد حمل في "الروضة" ذلك على الاحتمال الأول حملًا بلا دليل، فإنه لم يحك وجهًا بل جزم به، ويدفعه ما تقدم، ثم إنه عبر عن قول البغوي وظاهر المذهب بقوله والمذهب ذهولًا عن اصطلاحه في التعبير به عن الطريقين وهو غريب.

الأمر الثاني: أن قول الرافعي: ولا بينة له، لم يتكلم هو ولا النووي على مفهوم هذا القيد، وهكذا وقع في "التهذيب" أيضًا، وكان حق التقسيم أن يقول: فإن كان عالمًا أو له بينة.

لكن قد ذكر الرافعي أن المنكر إذا كانت عليه بينة يجوز الأخذ من ماله بلا مرافعة إلى الحاكم على الصحيح لما في المرافعة من المشقة والمؤنة وتضييع الزمان، وهذا المعنى قد يوجد في البيع أيضًا.

الأمر الثالث: أن إطلاق القول بجواز الأخذ من غير الجنس محله إذا لم يجد أحد النقدين، فإن وجده تعين ولم يعدل إلى غيره، كذا نقله في "المطلب" عن المتولي وارتضاه ولم ينقل غيره وهو واضح.

الأمر الرابع: كما يجوز للظافر أن يبيع بنفسه، يجوز له أن يوكل فيه، كذا أطلقه النووي من "زوائده" في آخر تعليق الطلاق.

ص: 387

قوله: وبنى الشيخ أبو محمد الخلاف على الخلاف في أن ملتقط اللقيط هل يستقل بالإنفاق على اللقيط من ماله أم يرفع الأمر إلى القاضي؟ ويحكى مثل هذه عن القفال، لكن المذكور في باب اللقيط، أنه لا يستقل بالإنفاق من غير تعرض لخلاف، وإنما الخلاف في أنه هل يستقل بالحفظ؟ . انتهى كلامه.

وما ادعاه من نفي الخلاف في باب اللقيط عن استقلال الملتقط بالإنفاق غريب، فقد ذكر الرافعي هناك وجهًا موافقًا لكلام الشيخ أبي محمد والقفال هنا، فإنه حكى وجهًا: أنه إن فعله فلا ضمان عليه كما سبق ذكري له في موضعه، وهذه العبارة مرادفة لجواز الإنفاق ولهذا عبر هنا بقوله:

وإنما الخلاف في أنه هل يستقل بالحفظ؟ ولو استحضر ذلك الخلاف وكان مغايرًا للجواز لكان ذكره أقرب، ولكان يرد عليه أيضًا في دعواه حصر الخلاف في الحفظ.

قوله: ثم إذا باع، فإن كان الحق من جنس نقد البلد بيع المأخوذ به، وإن لم يكن بأن ظفر بثوب والدين حنطة بيع الثوب بنقد البلد ثم يشتري به حنطة، وحكى الإمام عن محققي الأصحاب: أنه لا يجب هذا التوسط، بل يجوز أن يشتري الحنطة بالثوب. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن إطلاقه النقل عن المحققين تبعه عليه في "الروضة" أيضًا وليس بصحيح، بل عبر الإمام بقوله: وقد ذهبت طائفة من محققينا إلى الجواز وهذا متجه حسن هذه عبارته.

والطائفة قيل: أقلها واحد، وقيل: اثنان، وقيل: ثلاثة.

الأمر الثاني: أن ما رجحه هاهنا من امتناع البيع بغير نقد البلد قد سبق في الفلس ما يوافقه، فقال: يجب على القاضي أن يبيع مال المفلس بنقد

ص: 388

البلد حالًا، ثم إن كانت الديون من غير جنس ذلك النقد ولم يرض المستحقون إلا بجنس حقهم فيحصل به ذلك الجنس، فإن رضوا صرفه إليهم إلا أن يكون سلمًا.

إذا علمت ذلك فقد خالف في كتاب الرهن في الكلام على بيع العدل، فقال: ولو رأى الحاكم أن يبيعه بجنس حق المرتهن جاز، وذكر مثله في أول الباب الثاني من أبواب الوكالة.

قوله: وهل يكون المأخوذ مضمونًا على الآخذ حتى إذا تلف قبل البيع أو التملك يتلف من ضمانه أم لا؟ فيه وجهان: أقواهما: نعم، وهو الذي أورده الصيدلاني والإمام. انتهى.

ومحل الخلاف إذا تلف قبل التمكن من البيع، فإن تمكن منه فلم يفعل كان ضامنًا بلا خلاف.

كذا ذكره الماوردي في "الحاوي" والروياني في "البحر".

قوله: وإن لم يظفر إلا بمتاع قيمته على قدر حقه، فإن قلنا: لو كان المأخوذ قدر حقه لا يكون مضمونًا عليه فكذلك الزيادة، وإن قلنا: يكون مضمونًا عليه، ففي الزيادة وجهان:

أرجحهما على ما يقتضيه نظم الكتاب: المنع. انتهى.

والراجح: هو عدم الضمان، فقد قال الرافعي في "الشرح الصغير": إنه أرجح الوجهين، والنووي في "الروضة": إنه الأصح، ولم ينبه على أنه من "زوائده" بل أدخله في كلام الرافعي فتفطن له.

قوله: وإن استحق المكسر وظفر بالصحاح حكى الإمام فيه طريقين.

أحدهما: جواز الأخذ لاتحاد الجنس.

الثاني: أنه على الخلاف المذكور في ما إذا ظفر بغير الجنس، لأن اختلاف العرض باختلاف الصفات كاختلافه باختلاف الأجزاء. انتهى.

ص: 389

لم يرجح شيئًا في "الشرح الصغير" أيضًا.

وفيه أمران:

أحدهما: أن الصحيح: هو الطريقة الثانية، كذا صححها الإمام وعبر بالأصح، والعجب من حذف الرافعي لهذه الزيادة من كلام الإمام.

الثاني: أن النووي قد صحح في "الروضة": الطريقة الأولى ولم ينبه على أنه من "زوائده" بل أدخله في كلام الرافعي فقال: المذهب جواز الأخذ لاتحاد الجنس، وقيل: فيه الخلاف في اختلاف الجنس هذا لفظه فتفطن له.

قوله: فرع: كما يجوز الأخذ من مال الغريم الجاحد أو المماطل يجوز الأخذ من مال غريمه، بأن يكون لزيد على عمرو دين ولعمرو على بكر مثله: يجوز لزيد أن يأخذ من مال بكر ماله على عمرو، ولا يمنع من ذلك رد عمرو وإقرار بكر له ولا جحود بكر استحقاق زيد على عمرو. انتهى.

واعلم أن الأخذ وإن كان جائزًا لكن الدعوى به لا تسمع كما ذكره الرافعي في كتاب الفلس، ونقله أيضًا هنا عن تصحيح القاضي الحسين. ذكر ذلك في الكلام على تعارض البينتين في المدرك الثالث من مدارك الترجيح فقال: فرع: المشتري من المشتري إذا استحق المال في يده وانتزع منه ولم يظفر ببائعه هل له أن يطالب الأول بالثمن؟ في فتاوى "القاضي الحسين": الأصح: أنه لا مطالبة.

قوله: فرع: آخر جحد دينه وله عليه دين بصك آخر قد قبضه وشهود الصك لا يعلمون القبض، قال القاضي أبو سعد: يدعي ذلك ويقيم البينة ويقتضيه بدينه الآخر، وفي فتاوى القفال: أنه ليس له إقامة أولئك الشهود، لأنهم لو شهدوا فاستحلفه على بقائه لم يكن له أن يحلف، وذلك يدل على أن ما يشهدون به غير ما يدعيه. انتهى.

ص: 390

والصحيح قول أبي سعد كذا قاله في "الروضة" من "زوائده".

قوله: وفي حد المدعي قولان: أحدهما: أن المدعي من المتخاصمين هو الذي إن سكت خلي ولم يطالب بشيء، والمدعي عليه من يوافق قوله الظاهر، فإن ادعى زيد دينًا في ذمة عمرو أو عينًا في يده وأنكر فزيد هو الذي لو سكت ترك وهو الذي يذكر خلاف الظاهر، لأن الظاهر براءة ذمة عمرو وفراغ يده عن حق الغير، وعمرو هو الذي لا يترك وسكوته يوافق قوله الظاهر فزيد مدع بموجب العبارتين وعمرو مدعى عليه، ولا يختلف موجبهما في الأغلب، وقد يختلف كما إذا أسلم الزوجان قبل المسيس واختلفا فقال الزوج: أسلمنا معًا فالنكاح باق بيننا، وقالت المرأة: بل على التعاقب ولا نكاح بيننا، فإن قلنا: المدعى من لو سكت لترك فالمرأة المدعية والزوج مدعى عليه، لأنه لا يترك لو سكت، فإنها تزعم انفساخ النكاح فتحلف ويحكم باستمرار النكاح إذا حلف، وإذا قلنا: المدعى من يخالف قوله الظاهر والزوج هو المدعي؛ لأن التساوي الذي يزعمه خلاف الظاهر والمرأة مدعى عليها لموافقتها الظاهر فتحلف وإذا حلفت حكم بارتفاع النكاح. انتهى.

وما ذكره في آخر كلامه من فائدة الخلاف فيه نظر، فإنه إذا ادعى عليها استحقاق دوام التمكين بحكم دعواه، فإنها لا تخلى وسكوتها، وكأن الكلام مفروض في ما إذا ادعت عليه رفع يده عنها بحكم التعاقب في الإسلام ويتعين ذلك ليكون في كل جانب أحد المعنيين، وإلا فلو كان الزوج مدعيًا لكان يجتمع في حقه الوصفان كونه مدعيا أمرًا خفيًا ويخلى وسكوته، وهذا كما إذا ادعى زيد دينًا على عمرو فقد اجتمع فيه الأمران كونه يخلى وسكوته، وكون دعواه تخالف الظاهر، وعمرو هو الذي لا يترك لو سكت ويوافق قوله الظاهر، لكن مجيء القولين ممكن في الطرفين بمعارضة الأصل والظاهر كيف ما فرض سواء ابتدأ الزوج أم لا، وحينئذ لا

ص: 391

دلالة في ذكر القولين على الاستنباط المذكور، لأن مأخذ الخلاف حاصل في الطرفين، بل ظاهر كلامهم: أن التصوير في ما إذا ابتدأ الزوج بالدعوى، فكان ينبغي أن لا يجيء خلاف والحالة هذه لوجود المعنيين فيه.

قوله في المسألة: ولو قال الزوج: أسلمت قبلي ولا نكاح ولا مهر، وقالت: بل أسلمنا معًا وهما بحالهما.

فقوله في الفراق لم يلزمه، وأما في المهر فالقول قول الزوج، إن قلنا: المدعي عليه [من يوافق قوله الظاهر لأن التعاقب الذي مدعيه هو الظاهر، وقول المرأة إن قلنا: المدعى عليه](1) من يترك لو سكت، لأنها لا تترك بالسكوت، إذ الزوج يزعم سقوط المهر فإذا سكتت ولا بينة جعلت ناكلة وحلف الزوج ويحكم بالسقوط. انتهى كلامه.

وهذا الذي ذكره الرافعي رحمه الله مشكل، لأنها إن لم تكن قبضت المهر: فهي مدعية على كلا القولين، وإن كانت قد قبضته: فالزوج مدعي به وهو يخلي وسكوته وهي مدعية، إن قلنا: المدعي من يدعي خلاف الظاهر.

قوله: وإذا ادعى ولم تقل للقاضي: مره بالخروج عن حقي أو سله جواب دعواي، فهل يطالبه القاضي؟

فيه وجهان: أظهرهما عند ابن الصباغ: نعم، للعلم بأنه الغرض من الحضور، وأصحهما عند القاضي أبو سعد: لا. انتهى كلامه.

وهذه المسألة قد اختلف فيها كلام الرافعي، وقد تقدم ذلك مبسوطًا في الباب الثاني من أبواب القضاء في أوائل الفصل الثالث المعقود للتسوية فراجعه.

قوله: وإذا قامت البينة على المدعى عليه فادعى إبراء أو أداء في الدين أو

(1) سقط من أ.

ص: 392

بيعًا أو هبة أو إقباضًا في العين، وأسنده إلى ما قبل الشهادة، فإن لم يحكم القاضي حلف المدعي على نفيه، وإن حكم فوجهان، ذكر في "التهذيب" أن الأصح: عدم التحليف. انتهى.

والصحيح: ما صححه البغوي فقد صححه الرافعي في "الشرح الصغير" والنووي في "أصل الروضة".

قوله: ولو قال: إن الشهود فسقة والمدعي يعلم ذلك فهل له تحليفه أنه لا يعلم؟ وجهان طردوهما في كل صورة ادعى فيها ما لو أقرّ به الخصم لنفعه بأن قال للمدعي عليه: إنك قد أقررت لي بكذا، أو قال وقد توجهت عليه الدعوى: إن المدعي حلفني مرة، وأراد تحليفه، ويشبه أن يكون الأصح: أن له التحليف، لكن ذكر البغوي: أن الأصح: عدم التحليف إذا ادعى فسق الشهود أو كذبهم. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن هذه المسألة قد تعارض فيها بحث الرافعي مع تصحيح البغوي ولم يطلع الرافعي على تصحيح صريح إلا للبغوي مع أنها قد نص عليها الشافعي في "البويطى"، فقال: وإن أراد المشهود عليه أن أحلفه أنها في ملكه أحلفته، ولا يحلفه على أن المشهود شهدوا الحق، ثم قال عقبه من غير فاصل: وكلما ادعى عليه سوى هذا أحلفته له مثل أن يقول: غصبنيه أو باعنيه، أو قد علم أن الشهود شهدوا بغير الحق أحلفته على علمه في الشهود أنهم لم يشهدوا بباطل وعلى البت في ما سوى ذلك هذا لفظه بحروفه، ومن "البويطي" نقله، وحينئذ تعين أن يكون الجواز في باقي الأمثلة كذلك.

الأمر الثاني: أنه قد أطلق محل الخلاف في التحليف، ومحله إذا ادعى التحليف عند قاض آخر فإن قال للقاضي: إن حلفني عندك مرة، فكلام

ص: 393

الرافعي بعد هذا قبيل الكلام على النكول بقليل مشعر بأنه لا يحلفه.

قوله: ولو قال المدعي عليه بعد قيام البينة: إنه قد أبرأني عن هذه الدعوى، فهل يسمع لدعواه ليحلف المدعي؟ فيه وجهان: المذهب منهما على ما ادعاه الروياني: أنه يجاب لأنه لو أقر أنه لا دعوى عليه برئ.

واختيار القفال: أنه لا يحلف وهو الذي أورده صاحب "الكتاب" لأن الإبراء عن نفس الدعوى لا معنى له إلا بتصوير وصلح على الإنكار وإنه باطل. انتهى.

ذكر مثله في "الروضة" أيضًا، والصحيح: الثاني فقد قال الرافعي في "الشرح الصغير": إنه أظهر الوجهين.

قوله: وإن شرطنا التفصيل في دعوى النكاح والشهادة به وهو الصحيح ففي الإقرار وجهان في "الوسيط": أظهرهما: الاكتفاء بالإطلاق.

والفرق: أن المقر لا يقر إلا عن تحقيق وتثبيت. انتهى كلامه.

وهذا الذي صححه هنا قد ذكر ما يخالفه في كتاب النكاح في الركن الرابع، ووقع هذا الاختلاف في "الروضة" أيضًا على وجه أشد مما وقع في الرافعي، وقد تقدم إيضاحه في النكاح فراجعه.

قوله: ولو ادعت أنها زوجته فأنكر فليس لها أن تنكح غيره، إذا لم نجعل الإنكار طلاقًا إلى أن يطلقها أو يموت.

قال في "التهذيب": أو ينسخ بإعساره أو لامتناعه إذا جعلنا الامتناع مع القدرة ممكنًا من الفسخ وليكن هذا مبنيًا على أن للمرأة أن تنفسخ بنفسها، أما إذا أحوجناها إلى القاضي فما لم يظهر له النكاح كيف يفسخ أو يأذن في الفسخ؟ انتهى كلامه.

والمتجه ما أطلقه البغوي وتكون الضرورة مجوزة لاستقلالها بالفسخ كما

ص: 394

يستقل من ظفر بغير جنس حقه بالبيع والاعتياض لأجل ذلك.

قوله: ولو قامت بينة أحدهما على النكاح وبينة الآخر على إقرارها بالنكاح فبينة النكاح أولى كما لو شهدت بينة واحد بأنه غصب منه كذا، وبينة الآخر بأنه أقر به. انتهى.

واعلم أن الرافعي قد ذكر بعد هذا قبل الباب المعقود لدعوى النسب وإلحاق القائف بنحو ورقة عن البغوي ما يقيد هذا الإطلاق فقال: وفي "فتاوى الشيخ الحسين الفراء": أنه إذا ادعى رجل نكاح امرأة فأقرت بأنها زوجته منذ سنة، ثم جاء آخر وأقام بينة أنها زوجته ونكحها منذ شهر، يحكم للمقر له لأنه قد ثبت بإقرارها أن النكاح للأول فما لم يثبت الطلاق لا حكم لنكاح الثاني.

قوله: وفي سماع الدعوى بالدين المؤجل ثلاثة أوجه: أصحها عند الهروي: لا تسمع.

وثالثها: إن كانت له بينة فتسمع دعواه لتسجل فيأمن غيبتها وموتها، وإلا فلا. انتهى ملخصًا.

والراجح: عدم السماع، كذا صححه النووي في "المنهاج" وفي "أصل الروضة" فقال: إنه الأصح.

وكلام الرافعي يُشعر به أيضًا فإنه قال: فيه وجهان: رجح منهما: المنع، وكذلك في "الشرح الصغير".

قوله: وفي دعوى الجارية الاستيلاد، ودعوى الرقيق التدبير وتعليق العتق بصفة طريقان: أحدهما: أنها تسمع، لأنها حقوق ناجزة.

والثاني: أنها على الخلاف في دعوى الدين المؤجل والاستيلاد

ص: 395

[أولاها](1) بالسماع لفائدة امتناع البيع والرهن وغيرهما. انتهى.

لم يصحح شيئًا في "الشرح الصغير"، والصحيح: سماع الدعوى في الكل كذا صححه في "الروضة" هنا وفي باب التدبير فقال في الموضعين: إنه المذهب، لكنه هنا من "زوائده"، وهناك من الأصل، ومقتضى كلام الرافعي هناك ترجيحه أيضًا.

قوله: وهذا المذكور في التدبير هو إذا لم نجوز الرجوع فيه باللفظ، فإن جوزناه فإنكار السيد رجوع يبطل مقصود الدعوى، وقال الإمام: لا يبعد أن تسمع الدعوى وإن جعلنا إنكاره جميعًا لأن المدعى عليه قد يقر وقد يسكت انتهى.

وقد اشتمل كلامه على مسألتين:

إحداهما: أنَّا إذا جوزنا الرجوع عن التدبير كان إنكاره رجوعًا ولم يحك فيه خلافًا.

والثانية: أنا إذا قلنا: يكون رجوعًا لا تسمع الدعوى على الصحيح.

فأما الأول: فقد صحح خلافه في باب التدبير في أثناء الكلام على الرجوع فقال: أظهر الوجهين، وهو المنصوص للشافعي: أنه لا يكون رجوعًا، ووقع الموضعان كذلك في "الروضة" أيضًا.

وأما الثاني: فقد نقله في التدبير عن الإمام كما نقله عنه هاهنا ولم ينقل خلافه ولم يضعفه فأشعر ذلك باختياره له.

(1) في أ: أولًا.

ص: 396