الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال رحمه الله:
الركن الرابع: النكول
قوله في "الروضة": وإذا أنكر المدعى عليه واستحلف فنكل عن اليمين لم يقض بالنكول عندنا، بل يرد اليمين على المدعي، فإن حلف قضي له، فإن لم يعرف المدعي تحول اليمين إليه بنكول المدعي عرفه القاضي. انتهى.
وتعبيره في آخر كلامه بقوله: بنكول المدعي. وقع هكذا في النسخة التي هي بخط المصنف وفي غيرها وصوابه: المدعى عليه، أي بزيادة لفظة "عليه".
قوله: وإذا تَفَرَّسَ الحاكم سلامة جانب شرح له حكم النكول، فإن لم يشرحه له وحكم بأنه ناكل، فقال المدعى عليه: لم أعرف حكم النكول، ففي نفوذ الحكم احتمالان للإمام: أصحهما: النفوذ. انتهى.
ذكر نحوه في "الروضة" وفيه أمران:
أحدهما: أنه ليس في كلامه ما يدل على أن شرح النكول هو واجب على القاضي أو مستحب، وأنه لم يقف فيه إلا على هذين الاحتمالين اللذين حكاهما الإمام في نفوذ الحكم ورجح منهما النفوذ.
وقد صرح الماوردي بالمسألة وجزم بوجوب البيان، وجزم الروياني في "البحر" بالاستحباب وتبعه أبن الرفعة في "الكفاية".
الأمر الثاني: أن كلام الإمام يقتضي أن هذين الاحتمالين محلهما إذا علم القاضي أنه لا يدري حكم النكول، وكلام الغزالي يقتضي أن محلهما عند جهل القاضي بحاله.
قوله: فرع: نقل الروياني في "جمع الجوامع": أن قول القاضي
للمدعي أتحلف أنت؟ كقوله إحلف، حتى لا يتمكن المدعى عليه من الحلف بعد ذلك، قال: وعندي فيه نظر. انتهى.
واعلم أن ما نقله الروياني من جعل الفعل المضارع كالإقرار وأقره الرافعي، قد سبق من كلام الرافعي في جانب المدعى عليه ما يخالفه، فقال قبل هذا الموضع بنحو ورقة: ولو قال -أي: المدعى عليه- أتحلف بالله؟ فقال: لا. فليس بنكول. هذا لفظه.
واعلم أن المذكور في "البحر" للروياني إلحاق المضارع بالأمر إذا قاله القاضي للمدعى عليه أيضًا فالروياني ماش على قاعدة واحدة، وأما كلام الرافعي أولًا مع كلامه ثانيًا فلا يستقيم الجمع بينهما، وحاصله أنه وقف أولًا على طريقة، ووقف ثانيًا على أخرى مخالفة لها فأثبتهما ذاهلًا عما سبق، وتابعه النووي في "الروضة" عليه.
قوله: ويمينه بعد نكول المدعى عليه بمنزلة بينة يقيمها، أو بمنزلة إقرار المدعى عليه؟ فيه قولان: أصحهما: الثاني، وللقولين فروع كثيرة منها: أن المدعى عليه لو أقام بينة بالأداء أو الإبراء بعد ذلك، فإن قلنا: إنها كالبينة، سُمعت، وإن قلنا: كالإقرار، فلا لكونه مكذبًا للبينة بإقراره. انتهى ملخصًا.
وهذا الذي رجحه هنا من عدم سماع البينة قد خالفه بعد ذلك في أثناء الركن الخامس قبل المدرك الثالث من مدارك ترجيح البينة وبينه وبين موضعنا هذا نحو كراس وستعرف لفظه في موضعه.
قوله: وحكى القاضي أبو سعد الهروي اختلافًا للأصحاب في أنه يجب الحق بفراغ المدعي من اليمين المردودة أم لابد من حكم الحاكم به؟ انتهى.
قال النووي: الأرجح: الأول، ولم يذكره من "زوائده" بل أدخله في كلام الرافعي فافهمه، غير أن الرافعي لما ذكر الوجهين قال: ويمكن
بناؤهما على أنهما كالإقرار أو كالبينة؟ فإن جعلناهما كالإقرار: فلا حاجة إلى الحكم.
قوله: ولو أقام المدعي شاهدًا ليحلف معه فلم يحلف فهو كما لو ارتدت اليمين إليه فلم يحلف، فإن علل امتناعه بعذر أمهل ثلاثًا، وقيل: دائمًا، وإن لم يعلل بشيء أو صرح بالنكول فقد ذكر الغزالي والبغوي: أنه يبطل حقه من الحلف وليس له العود إليه، واستمر العراقيون على ما ذكروه قبل ذلك من جواز الدعوى في مجلس آخر والحلف حتى قال المحاملي: لو امتنع من الحلف مع شاهده واستحلف الخصم انتقلت اليمين من جانبه إلى جانب صاحبه فليس له العود والحلف إلا إذا استأنف الدعوى في مجلس آخر وأقام الشاهد فله أن يحلف معه، وعلى الأول: لا ينفعه إلا بينة كاملة. انتهى كلامه.
وحاصله: أن الراجح في ما إذا امتنع من الحلف مع شاهده خلاف ما يقوله المحاملي، لأن الراجح خلاف ما ذهب إليه العراقيون، فقد قال الرافعي قبل هذا: إنه أحسن وأقوى، وقال في "الروضة": إذا علمت هذا فاعلم أن محل ذلك فيما إذا لم يحلف المدعى عليه اليمين المردودة، فإن حلف انقطعت الخصومة ولا كلام.
ومحله أيضًا إذا لم ينكل عنها، فإن نكل حلف على أصح القولين، هذا هو مقتضى كلام الرافعي في آخر باب القسامة، قُبيل الركن الرابع فاعلمه.
قوله: ولو ادعى ولي الصبي أو المجنون دينًا له على إنسان فأنكر ونكل، ففي الرد على الولي وجوه:
أحدها: أن اليمين ترد عليه لأنه المستوفى، والصبي والمجنون ليس لهما أهلية اليمين.
والثاني: المنع لأن إثبات الحق للإنسان بيمين غيره مستبعد.
والثالث: أنه إن ادعى ثبوته بسبب باشره بنفسه رد عليه، وإلا فلا.
ويجري هذا الخلاف فيما إذا أقام شاهدًا واحدًا، هل يحلف معه، ثم قال: ومال المذهبيون إلى ترجيح المنع من الوجوه الثلاثة، ولا بأس بوجه التفصيل، ولقد رجحه العبادي. انتهى كلامه.
وهذا الذي ذكره هنا من كون المشهور في ما إذا باشره الولي هو المنع، قد خالفه في الباب الخامس من أبواب الصداق مخالفة عجيبة فإنه رجح الحلف، ونقله عن أهل المذهب كما نقل عنهم هنا المنع، وعبر بقوله: أظهرهما في المذهب، وعبر في "الروضة" بقوله: أصحهما عند الأصحاب.
ووقع الاختلاف المذكور في "المحرر" وكذلك في "الروضة" و"المنهاج"، والفتوى على ما وقع فيه هذا الاختلاف، وهو الذي باشره الولي، إنما هو الحلف على وفق ما بحثه الرافعي، فقد نص عليه الشافعي رحمه الله في "الأم".
فقال في كتاب الصداق المذكور عقب المسابقة في أول باب الاختلاف في المهر: إن الزوجين إذا اختلفا تحالفا، ثم قال ما نصه: وهكذا إذا اختلف الزوج وأبو الصبية البكر. هذا لفظه.
وهذا الخلاف كما قاله الرافعي في الصداق يجري في وكيل النكاح، وفي وكيل المشتري مع البائع، وفي وكيل البائع مع المشتري، وفي وكيلهما، قال: ومنهم من رتب فقال: وإن لم يحلف الولي فالوكيل أولى، وإلا فوجهان لقوة الولاية.