الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثالث: إتيان المسجد
قوله: ولو قال: أمشي إلى بيت الله، أو آتيه ولم يذكر الحرام ولا نواه فوجهان أو قولان:
أحدهما: أن مطلقه يحمل على البيت الحرام لأنه السابق إلى الفهم.
وأصحهما: لا ينعقد لأن جميع المساجد بيت لله تعالى. انتهى.
ذكر مثله في "الشرح الصغير"، وخالف في "المحرر" فصحح اللزوم، فقال: ولو نذر أن يمشي إلى بيت الله تعالى أو يأتيه فالأصح: أنه يلزمه إتيانه ويحج أو يعتمر. هذا لفظه.
ووقع هذا الاختلاف أيضًا بين "الروضة" و"المنهاج"، ونص الشافعي في "البويطي" على أنه لا يلزم، كذا ذكره في باب السنة في النذور، ونقله أيضًا النووي في "شرح المهذب" عن جماهير الأصحاب في الطريقين فتكون الفتوى عليه، وقد عبر في "المنهاج": بالأصح، واستفدنا من تعبيره أن الخلاف وجهان.
قوله: ولو نذر المشي إلى بيت الله الحرام فليس له الركوب على الأظهر، بل يلزمه المشي من دويرة أهله على الأظهر، وقيل: لا يلزمه إلا من الميقات، ثم قال: ولو قال: أمشي إلى المسجد الأقصى، أو مسجد المدينة، وأوجبنا الإتيان ففي وجوب المشي وجهان بناهما الشيخ أبو علي على إلزام المشي قبل الميقات، والأظهر: الوجوب. انتهى.
والصحيح في هذه المسألة: عدم الوجوب على خلاف ما يقتضيه نقله عن الشيخ أبي علي فقد نص عليه الشافعي في "البويطي" فقال في باب السنة في النذور ما نصه: ومن نذر المشي إلى بيت المقدس أو المدينة ركب إليهم. هذا لفظه.
وصحح النووي في أصل "الروضة" الوجوب ذهولًا عن النص واعتمادًا على مقالة الشيخ أبي على، أو اعتمادًا على ما يحتمل أنه من لفظ الرافعي.
قوله: وإذا نذر الصلاة في مسجد المدينة أو الأقصى، ففي تعيينه طريقان: قال الأكثرون: فيه القولان في لزوم الإتيان، وقد تقدم أن أصحهما: أنه لا يجب.
والثاني: يتعين قطعًا، ثم قال: ولا يبعد أن يرجع التعيين هاهنا وإن ثبت الخلاف. انتهى كلامه.
ذكر نحوه في "الشرح الصغير" أيضًا وما دل عليه كلامه في الشرحين من رجحان التعيين، قد صحح في "المحرر" خلافه، واستدرك عليه في "المنهاج" فصحح أنه يتعين وأطلق ترجيحه أيضًا في أصل "الروضة" فقال: والتعيين أرجح.
قوله: وإن عين مسجد المدينة أو الأقصى للصلاة، وقلنا بالتعيين فصلى في المسجد الحرام خرج عن نذره على الأصح بخلاف العكس، وفيه احتمال للإمام. انتهى كلامه.
وهذا [الاحتمال](1) عائد إلى المسألة الأولى وهي الصلاة في المسجد الحرام عوضًا عن أحد المسجدين، كذا ذكره في "النهاية"، فقال: ولو قال: أصلي في مسجد المدينة، فصلى في المسجد الحرام، فالأصح: أنه يخرج عن النذر، وفيه شيء أخذًا من الالتزام. هذا كلامه.
والاحتمال المذكور هو مقابل الأصح فإنه لم يذكر غيره، وأيضًا فلو كان مقابله قولًا أو وجهًا لم يكن لذكر الاحتمال معه فائدة، وتعبيره بالأصح لا يدل على خلاف، فإنه لم يصطلح على شيء من ذلك بل هو
(1) في ب: الكلام.
كتعبيره بالقياس والظاهر والراجح ونحوها، وقد فهم النووي أيضًا ذلك فإنه لم يذكر في "الروضة" هذا الاحتمال بالكلية، فدل على أنه ليس عائدًا إلى الصورة الثانية بل إلى الأولى، واستغنى عن التصريح به اعتمادًا على فهم ذلك من تعبيره بالأصح، غير أن تركه لفظ الأصح يشعر على اصطلاحه بأن في المسألة وجهين والمعروف الجزم بأنه يقوم مقام المسجدين المذكورين وهو المجزوم به في "تعليق القاضي الحسين" وغيره والمنصوص عليه في "البويطي" كما ستعرفه.
نعم من يجعل احتمالات الإمام وجوهًا كالغزالي فيحسن منه إثبات الخلاف.
قوله: وهل تقوم الصلاة في أحدهما -أي مسجد المدينة وبيت المقدس- مقام الآخر؟ فيه وجهان. انتهى.
والصواب وجه ثالث وهو أن مسجد المدينة يقوم مقام الأقصى بخلاف العكس، فإن الشافعي قد نص عليه في "البويطي" وهو المذكور في "تعليقة القاضي الحسين" و"التتمة" وغيرهما، وصححه النووي في "الروضة" و"شرح المهذب"، وقد صحح الرافعي والنووي أيضًا ذلك في نظير المسألة وهو نذر الاعتكاف في أحدهما كما أوضحته في موضعه، ويتجه في المسألة وجه آخر وهو أنه إن كانت المسافة بين المسجدين من مكانه متساوية فتجزئه الصلاة في أحدهما عن الآخر، وإن كانت متفاوتة فلا يجزئه الأخف عن الأثقل كما ذكروه في ميقات الحج، وكذلك في نذر الجهاد على الأصح، إلا أن المنصوص أصوب وأقيس.
قوله: فروع: قد عرفت أن الظاهر في نذر المشي إلى بيت الله الحرام وجوب الحج أو العمرة، فلو قال في نذره: أمشي إلى بيت الله الحرام بلا حج ولا عمرة، [ففيه وجهان:
أحدهما: ينعقد نذره ويلغو تقييده بقوله: لا حج ولا عمرة] (1).
والثاني: لا ينعقد، فإذا أتاه فعليه حج أو عمرة إن أوجبنا إحرامًا لدخول مكة، فإن لم نوجبه لدخولها فعلى ما ذكرناه في مسجد المدينة ومسجد الأقصى. انتهى.
والأصح في المسجدين: عدم الانعقاد، وفي داخل مكة: أنه لا يجب عليه الإحرام، وحينئذ فلا تبقى للنذر فائدة، ويلزم من ذلك أن يكون الأصح عدم صحته.
إذا علمت ذلك فقد تابعه في "الروضة" على هذا كله ثم صحح من "زوائده" انعقاد النذر، وذكر مثله في "شرح المهذب"، وهو كلام متدافع على أن كلام الرافعي أيضًا فيه إيهام.
قوله: وقال القاضي ابن كج: إذا نذر أن يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم فعندي أنه يلزمه الوفاء وجهًا واحدًا، ولو نذر أن يزور قبر غيره ففيه وجهان عندي. انتهى.
وتعبيره في آخر كلامه بقوله: عندي، يدل على أنه أراد بالوجهين احتمالين، ولم يتعرض لهذه اللفظة في "الروضة".
(1) سقط من أ.