المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث: في التسوية - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٩

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصيد والذبائح

- ‌النظر الأول فيما يفيد الحل وهي أركان الذبح وما يقوم مقامه وهو العقر

- ‌ النظر الثاني في بيان ما يملك به الصيد

- ‌كتاب الضحايا والعقيقة

- ‌النظر الأول في الأركان

- ‌ النظر الثاني في أحكام الأضحية

- ‌ الكلام على العقيقة

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌الفصل الأول في حالة الاختيار

- ‌الفصل الثاني في حال الاضطرار

- ‌كتاب السبق والرمي

- ‌الباب الأول في المسابقة

- ‌الباب الثاني في الرهن

- ‌كتاب الأيمان

- ‌الباب الأول: في نفس اليمين

- ‌فصل في لغات الباب

- ‌الباب الثاني: في كفارة اليمين

- ‌الباب الثالث: فيما يقع به الحنث

- ‌النوع الأول: الدخول والمساكنة

- ‌النوع الثاني: لفظ الأكل والشرب

- ‌النوع الثالث: في العقود

- ‌النوع الرابع: في الإضافات

- ‌النوع الخامس: في الكلام

- ‌النوع السادس: في تأخير الحنث وتقديمه

- ‌النوع السابع: في الخصومات

- ‌كتاب [النذر]

- ‌الأول: في الأركان

- ‌ الثاني: في أحكام النذر والملتزمات

- ‌النوع الأول: الصوم

- ‌النوع الثاني: الحج والعمرة

- ‌النوع الثالث: إتيان المسجد

- ‌النوع الرابع: الهدايا والضحايا

- ‌ مسائل منثورة

- ‌كتاب القضاء

- ‌الباب الأول: في التولية والعزل

- ‌الفصل الأول: في التولية

- ‌الفصل الثاني: في العزل والانعزال

- ‌الباب الثاني: في جامع آداب القضاء

- ‌الفصل الأول: في آداب متفرقة وهي عشرة

- ‌الفصل الثاني: في مستند قضائه

- ‌الفصل الثالث: في التسوية

- ‌الباب الثالث: في القضاء علي الغائب

- ‌الباب الرابع: في القسمة

- ‌كتاب الشهادات

- ‌الباب الأول: في الصفات المعتبرة في الشاهد

- ‌الباب الثاني: في العدد والذكورة

- ‌الباب الثالث: في مستند علم الشاهد

- ‌ فصل في آداب التحمل والأداء منقولة من مختصر الصيمري

- ‌الباب الرابع: في الشاهد واليمين

- ‌الباب الخامس: في الشهادة على الشهادة

- ‌الباب السادس: في الرجوع عن الشهادة

- ‌كتاب الدعاوى والبينات

- ‌الركن الأول: في الدعوى

- ‌ الركن الثاني: جواب المدعى عليه

- ‌ الركن الثالث: في اليمين

- ‌ الركن الرابع: النكول

- ‌ الركن الخامس: البينة

- ‌الباب الأول: في مسائل منثورة

- ‌الباب الثاني: في دعوى النسب

- ‌كتاب التدبير

- ‌كتاب الكتابة

- ‌الحكم الثاني: في الأداء والإتيان

- ‌الحكم الثالث: في تصرفات السيد في المكاتب وفي تصرفات المكاتب

- ‌الحكم الرابع: في ولد المكاتبة

- ‌الحكم الخامس: في جناية المكاتب والجناية عليه

- ‌كتاب عتق أمهات الأولاد

الفصل: ‌الفصل الثالث: في التسوية

‌الفصل الثالث: في التسوية

وفيه مسألتان: إحداهما: يسوي القاضي بين الخصمين في الدخول عليهما والقيام لهما والنظر إليهما والاستماع وطلاقة الوجه وسائر أنواع الإكرام. انتهى كلامه.

وتعبير الرافعي في أول كلامه بقوله: في الدخول عليهما، وقع كذلك في النسخ، وهو سبق قلم وصوابه في دخولهما عليه.

قوله: ويسوى بينهما أيضًا في جواب سلامهما، فإن سلما أجابهما معًا، وإن سلم أحدهما قال الأصحاب: يصبر حتى يسلم الآخر فيجيبهما معًا، وقد يتوقف في هذا إذا طال الفصل، فإنه يمتنع من انتهاضة جوابًا. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما نقله عن الأصحاب من كونه لا يسلم على الأول إلا بتقدير سلام الثاني، واقتضى كلامه عدم الوقوف على غيره حتى أبداه بحثًا عند الطول خاصة، ذكره البغوي تبعًا للقاضي الحسين فقلده فيه الرافعي متوهمًا عدم الخلاف فيه.

ثم إن النووي قلّد الرافعي في ذلك، وهو عجيب فإن الإمام قد حكى هذا عن القاضي وحده ثم ضعفه، وينبغي ذكر لفظه لغرض آخر يأتي ذكره فنقول: قال الإمام بعد باب القسمة: وإن سلم أحدهما فقد أفرط بعض الأصحاب، وقال: لا يرد جوابه بل يسكت لأن القاضي في شغل شاغل، وإن أراد قال لخصمه: سَلّم، ثم يرد جواب سلامهما، وهذا عندي سرف وإن ذكره القاضي فإن رد السلام محمول على ابتداء أحدهما به، وهذا مما لا يخفي، ولا يظهر ميلًا. هذا كلامه وهو ظاهر.

ص: 270

وذكر نحوه الغزالي في "البسيط" فقال: أفرط بعض الأصحاب فقال: لا يجبه إلى أن يُسَلِّم الآخر، ثم قال: وهذا بعيد وعذره في الجواب بين، وصححه أيضًا في "الوسيط"، وحكى الماوردي ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه يرد السلام عليه وحده في الحال.

والثاني: بعد الحكم.

والثالث: يرده في الحال عليهما.

ولم يحك ما عزاه الرافعي إلى الأصحاب وجهًا بالكلية، وذكر مثله الروياني في "البحر" والشاشي في "الحلية" وصاحب "الذخائر" والعراقي شارح "المهذب" وابن يونس في "شرح التنبيه" وحكى كثير من هؤلاء وجهًا آخرًا: أنه لا يجب الرد أصلًا لأن شغل القاضي مانع من مشروعية السلام.

وحكى الروياني أيضًا عن القفال: أنه صحح الرد على أحدهما عقب سلامه، وجزم به أيضًا أبو الطيب في أوائل كتاب أدب القضاء من تعليقته في أثناء مسألة أولها: قال الشافعي وأحب أن يقضي في موضع بارز.

وعبر الطبري في "العدة" بما يدل عليه لمن تأمله فقال: ينبغي أن يسوي بينهما في رد السلام. هذه عبارته.

وذكر مثلها الغزالي في "الوجيز" ومدلولها: أنهما إذا سلما فليس له أن يرد على أحدهما ويمتنع من الرد على الآخر، وحكى ابن أبي الدم في "أدب القضاء" وجهين من غير ترجيح في المسألة، وأجراهما أيضًا في ما إذا سبق وسلم قبل دخول الآخر بالكلية، وسكت عن التصريح بالمسألة جماعة كثيرون منهم الدارمي في "الاستذكار" والشيخ في "المهذب" وأبو نصر البندنيجي صاحب "المعتمد" والجرجاني في "الشافي" والخوارزمي في "الكافي" والعمراني في "البيان" وابن عصرون في "المرشد" وغيرهم.

ص: 271

فتلخص أن ما قاله الرافعي من إسناد ذلك إلى الأصحاب غلط محض أوقعه فيه جزم صاحب "التهذيب".

الأمر الثاني: أن ما ذكراه في هذه المسألة لا يوافق ما جزم به في كتاب السير، فقد قالا هناك: إن ابتداء السلام سُنّة على الكفاية، فإذا حضر جماعة وسلّم أحدهم كفى ذلك عن سلام الباقين.

قوله في المسألة: وذكروا أي الأصحاب أنه لا بأس أن يقول للأخر: سَلِّم، فإذا سَلَّم أجابهما، وفي هذا اشتغال منه بغير الجواب، ومثله بقطع الجواب عن الخطاب. انتهى كلامه.

واعلم أنه قد ذكر في كتاب "السير": أنه يجب أن يكون رد السلام متصلًا به الاتصال المشروط بين الإيجاب والقبول في العقود، وقد اختلفوا في اللفظ اليسير الفاصل بينهما هل يضر أم لا؟ على وجهين، واختلف كلامهم في الراجح منهما كما أوضحته في الكلام على أركان النكاح فراجعه، وهذه الصورة فرد من أفراد ذلك فيأتي فيها ما سبق هناك فاعلمه.

قوله أيضًا في المسألة: وحكى الإمام أنهم -أي: الأصحاب- جوزوا للقاضي ترك الجواب مطلقًا واستبعده. انتهى كلامه.

وما ذكره من كون الإمام نقله عن الأصحاب وتابعه عليه في "الروضة" أيضًا غلط، فإن الإمام إنما نقله عن بعضهم وقد تقدم ذكر لفظه.

قوله: فإن كان أحدهما مسلمًا والآخر كافرًا فوجهان:

أصحهما وهو ما أورده العراقيون: أنه يرفع المسلم في المجلس.

والثاني: يسوي.

ويمكن أن يجري الوجهان في سائر وجوه الإكرام. انتهى.

فيه أمران:

ص: 272

أحدهما: أن النووي في "الروضة" عبر بقوله: أصحهما وبه قطع العراقيون، وما قاله من قطع العراقيين باطل، فقد حكى الماوردي في "الحاوي" وجهين، وكذلك الشيخ في "المهذب" والشاشي في "الحلية" وابن عصرون في "الانتصار" والعمراني في "البيان" وكل هؤلاء عراقيون.

الأمر الثاني: أن النووي قد تابعه في "الروضة" على احتمال جريانهما، وقد أجاب الفوراني في "الإبانة" بما ذكراه بحثًا، فقال بعد ذكر أنواع التسوية: فرع: إذا كان أحدهما كافرًا هل يسوى بينهما؟ وجهان:

أحدهما: يسوي [لأنهما] استويا في الدعوى.

والثاني: لا. هذه عبارته.

وذكر الشيخ في "التنبيه" أنه يقدم المسلم في الدخول ويرفعه في المجلس، وذكر الماوردي في "الحاوي" ما يخالف الفوراني، فقال: وفي التسوية بين المسلم والكافر في المجلس وجهان:

أحدهما: يسوي بينهما فيه كما يسوي بينهما في المدخل والكلام.

والثاني: يقدم المسلم. انتهى.

وهو يدل على أن المدخل والكلام محل اتفاق، وكذلك ذكر صاحب "الاستقصاء" وغيره.

ولو كان أحدهما مرتدًا والآخر ذميًا فيتجه تخريجه على التكافؤ في القصاص، والصحيح، أن المرتد يُقتل بالذمي دون عكسه.

قوله: وإذا كان يدعي دعوى غير محررة، قال الإصطخري: يبين له كيفية الدعوى الصحيحة، وقال غيره: لا يجوز لانكسار قلب الآخر، وتعريف الشاهد كيفية أداء الشهادة على هذين الوجهين، قال في "العدة": والأصح الجواز. انتهى كلامه.

ص: 273

لم يرجح منهما شيئًا في "الروضة" أيضًا، وقد صحح في "التنبيه" منع تلقين الدعوى وأقره عليه النووي فلم يستدركه في كتابه "التصحيح".

قوله: وإذا ادعى المدعي طالب خصمه بالجواب وقال: ماذا تقول؟ وفيه وجه أنه لا يطالبه بالجواب حتى يسأل المدعي. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أنه ليس في كلامه ما يدل على أن الخلاف في الجواز أو في الأولوية، وقد بينه الماوردي والشيخ في "المهذب" وغيرهما.

وقالوا: إن الخلاف في الجواز، وعللوا المنع بأن ذلك حق للمدعي فلا يجوز استيفاؤه من غير إذنه، والجواز بقرينة الدعوى.

وفائدة الخلاف كما قاله الماوردي: في الاعتداد بالإنكار، وفي الحكم بالبينة قبل سؤال المحكوم له.

واقتصر ابن يونس في "شرح التنبيه" على الفائدة الثانية.

الأمر الثاني: أن ما ذكره هاهنا من ترجيح الجواز ذكر مثله في "الشرح الصغير" أيضًا هنا، ثم خالف فيه -أعني: في "الصغير"- في أوائل كتاب الدعاوى فقال ما نصه: فيه وجهان: أشبههما ويحكي عن أبي حنيفة: لا، لأنه حقه فلا يستوفي إلا بسؤاله هذا لفظه ولم يذكر ترجيحًا غيره.

والرافعي في "الكبير" حكى هناك وجهين من غير ترجيح، ونقضه النووي فقال في "زوائده": الأقوى أن له ذلك، ولم يستحضر تصحيح الرافعي له في هذا الباب ولا تصحيحه هو حتى أنه بالغ هنا فقال: وفيه وجه ضعيف أنه لا يطالبه بالجواب حتى يسأله المدعي.

قوله: وهل يثبت المدعي بمجرد الإقرار، أم يفتقر ثبوته إلى قضاء

ص: 274

القاضي؟ فيه وجهان:

أحدهما: يفتقر إليه كالثبوت بعد إقامة البينة.

وأصحهما: المنع، فإن دلالة الإقرار على الحق بينة، والإنسان على بصيرة من نفسه، وأما البينة فيحتاج في قبولها إلى النظر والاجتهاد، هكذا ذكروه والطبع لا يكاد يقبل هذا الخلاف، لأنه إن كان الكلام في ثبوت الحق [المدعى](1) به في نفسه فمعلوم أنه لا يتوقف على الإقرار، فكيف على الحكم بعد الإقرار؟ ، وإن كان المراد مطالبة المُدَّعِي وإلزام القاضي فلا خلاف في ثبوتهما بعد [الإقرار](2). انتهى.

وما ذكره من أن المُدّعِي له الطلب بعد الإقرار بلا خلاف قد تبعه عليه أيضًا في "الروضة"، ولكن قد جزم الماوردي بما ظاهره المخالفة فقال: له أن يلازمه بعد الحكم وليس له ملازمته قبله.

قوله: وإن أنكر المُدَّعَى عليه فللقاضي أن يسكت وله أن يقول للمدعي: ألك بينة؟ وقيل: لا يقول ذلك إلا بعد طلب المدعي لأنه كالتلقين. انتهى.

تابعه في "الروضة" على إطلاق التخيير، وكذلك أطلقه أيضًا بعضهم وقيده جماعة بما إذا كان المدعي يعلم أنه وقت التنبيه، فإن كان لا يعلم ذلك لم يسكت بل يسأله عن البينة، كذا ذكره الشيخ في "المهذب" والعمراني في "البيان" وابن يونس شارح "التنبيه".

ومقتضى كلام "النهاية": أن الأصح أن القاضي يقول للمدعي: ألك بينة؟ مطلقًا سواء أكان المدعي عالمًا أو جاهلًا.

وكلام الماوردي يقتضي أنه مُخَيّر بين أن يقول للمدعي: قد أنكرك فهل

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

ص: 275

لك بينة؟ وبين أن يقول له: قد أنكرك فما عندك؟ سواء كان المدعي عالمًا أو جاهلًا، لكن الأول أولى عند الجهل.

والثاني أولى عند العلم.

ويتلخص من مجموع ذلك وجوه أربعة، وإن أخذنا كلام الرافعي على إطلاقه جاء منه وجه خامس، إلا أن حمله على الإطلاق بعيد.

قوله: فإن قال المدعي: ليس لي بينة حاضرة، فحلف المدعي عليه، ثم أحضر البينة سُمِعت، وكذا لو قال: لا حاضرة ولا غائبة في أظهر الوجهين.

ولو قال: لا بينة لي، واقتصر عليه، ففي "التهذيب": أنه كالقسم الأول، وفي "الكتاب": أنه كالثاني حتى يكون على وجهين. انتهى ملخصًا.

لم يصحح شيئًا من الطريقين في "الروضة" أيضًا، والصحيح: هو الطريق الثاني، وهو ما ذهب إليه الغزالي، كذا صححه الرافعي في "الشرح الصغير"، وحكى الماوردي والشاشي في الصورة الثانية وجهًا: أنه إن كان هو الذي استشهدهم لم تقبل، وإن استشهدهم وكيله أو موروثه قُبِلت.

وقريب من هذه المسألة ما إذا قال: اشتريته بعشرة، ثم قال: بل بعشرين، وقد تقدمت في باب المرابحة، وكذا إذا قال: لست بشاهد في هذا الشيء، ثم جاء فشهد فيه، فقد ذكره الرافعي قبل الركن الرابع المعقود للنكول فقال: إن قالاه حين تصديا لإقامة الشهادة لم تقبل شهادتهما، وإن قالاه قبل ذلك بشهر أو يوم لم يندفع، وأطلق القاضي الحسين في "فتاويه" عدم القبول.

قوله: ولو قال: شهودي عبيد، أو فسقة، ثم أتى بعدول قبلنا شهادتهم إن مضى زمان يمكن فيه العتق والاستبراء. انتهى كلامه.

ص: 276

هذا الحكم ذكره البغوي تبعًا للقاضي الحسين، فقلده فيه الرافعي ثم النووي، ويتعين تصوير المسألة بما إذا عين شهوده الذين وصفهم بالرق أو الفسق، فإن أطلق أو عيّن ولكن أقام غير المعينين فقياس ما ذكرناه في المسألة السابقة أنها تقبل، وقد صرح في "الإشراف" بنقله عن نص الشافعي فقال: لو قال بعد اليمين أو قبلها: كل بينة لي زور أو كاذبة، ثم أقامها قُبِلت على النص لأنه لا يجوز أن لا يعرفها.

قوله: والظاهر أن تقديم المسافر والمرأة ليس هو بمستحق، وإنما هو نوع رخصة يجوز الأخذ به. انتهى.

قال في "الروضة": المختار أنه مستحب لا يقتصر فيه على الإباحة.

قوله: فرع: المقدم بالسفر يجوز أن لا يقدم إلا بدعوى واحدة، ويجوز أن يقدم جميع دعاويه، لأن سبب تقديمه أن لا يتخلف عن رفقته، ويجوز أن يقال: إذا عرف أن له دعاوى فهو كالمقيمين، لأن تقديمه بالجميع يضر بغيره، وتقديمه بدعوى لا يحصل الغرض. انتهى.

قال في "الروضة": الأرجح أن دعاويه إن كانت قليلة أو خفيفة بحيث لا تضر بالباقين إضرارًا بينًا قدم بجميعها، وإلا فيقدم بواحدة لأنها مأذون فيها، وقد يقتنع بواحدة ويؤخر الباقين إلى أن يحضر. انتهى.

وما ذكره النووي من التقديم بالواحدة فقط مردود، بل القياس على ما قاله أن يسمع في عدد لا يضر كما لو لم يكن معه غيره.

قوله: ولو جهل القاضي إسلام الشاهدين لم يقنع بظاهر الدار، ولكن يبحث عنه، ويكفي فيه الرجوع إلى قول الشاهد ويخالف الحرية، فإنه لا يرجع إليه فيها في أظهر القولين على ما قال في "المهذب"، لأن الإسلام مستقل به فيرجع إليه فيه بخلاف الحرية. انتهى ملخصًا.

ص: 277

وقد اختلف كلام الرافعي وكذا كلام "الروضة" في الحكم على الكافر بالإسلام إذا قال: أنا مسلم، وقد تقدم إيضاحه في باب الردة، والأصح في الإقرار بالحرية: ما رجحه في "المهذب"، كذا صححه الرافعي في "الشرح الصغير" والنووي في أصل "الروضة".

قوله: من نُصِّب حاكمًا في الجرح والتعديل اعتبر فيه صفات القضاة. انتهى.

واعلم أنه قد سبق أن من شروط القاضي بلوغ رتبة الاجتهاد، ولكن ذكر الرافعي قبل ذلك في الكلام على الاستخلاف كلامًا ينبغي استحضاره هنا فقال: يشترط في الذي يستخلفه ما يشترط في القاضي، قال الشيخ أبو محمد وغيره: فإن فوض إليه أمرًا خاصًا كفاه من العلم ما يحتاج إليه في ذلك الباب حتى أن نائب القاضي في القُرى إذا كان المفوض إليه سماع البينة دون الحكم كفاه العلم بشروط سماع البينة ولا يشترط فيه رتبة الاجتهاد.

قوله: ولابد في شاهد الإعسار والتزكية من الخبرة الباطنة، قال في "الوسيط": ويجب على القاضي أن يعرف أن المزكي هل هو خبير بباطن الشاهد في كل تزكيته؟ إلا إذا علم من عادته أنه لا يُزكِّي إلا بعد الخبرة. انتهى.

وما ذكره هنا في شروط شاهد التزكية، قد ذكر خلافه في شاهد الإعسار، وقد سبق إيضاح وجه المخالفة في التفليس فراجعه.

قوله: وهل يشترط ذكر سبب رؤية الجرح أو سماعه؟ فيه وجهان:

أشهرهما: نعم، فيقول مثلًا: رأيته يزكي، وسمعته يقذف، وعلى هذا القياس يقول في الاستفاضة: استفاض عندي.

وأقيسهما: أنه لا يشترط. انتهى.

ص: 278

وهذا الكلام صريح في أن الشاهد إذا كان مستنده الاستفاضة وصرح بذلك في شهادته لم يكن قادحًا في شهادته فتفطن لذلك فإنه الصواب، وسيكون لنا عودة لذلك في الشهادات إن شاء الله تعالى.

قوله: ولا يجعل الجارح بذكر الزنا قادحًا للحاجة، كما لا يجعل الشاهد قاذفًا، فإن لم يوافقه غيره فليكن كما لو شهد ثلاثة بالزنا هل يجعلون قذفه؟ فيه القولان. انتهى.

قال في "الروضة": المختار أو الصواب: أنه لا يجعل قاذفًا وإن لم يوافقه غيره، لأنه معذور في شهادته بالجرح فإنه مسئول عنها وهي في حقه فرض كفاية أو متعينة بخلاف شهود الزنا فإنهم مندوبون إلى الستر فهم مقصرون، والله أعلم. انتهى كلامه.

فيه أمور:

أحدها: أن ما اختاره النووي من كونه لا يصير قاذفًا هو المعروف في "المهذب"، فقد جزم به الشيخ أبو حامد والقاضي الحسين والروياني وغيرهم تفريعًا على الوجوه فيما إذا شهد ثلاثة بالزنا، ولم يقل أحد منهم بتخريج المسألة هنا على ذلك الخلاف كما فعله الرافعي.

نعم حكى الإمام وجهين:

أحدهما: أنه لا يكون قذفًا في هذا المقام، لكونه مسئولًا كما سبق.

والثاني: نعم كغيره، فعلى هذا لا يكلفون التصريح به بل يكفي التعريض، هذا كلام الإمام، وقد تلخص أن ما اقتضاه كلام الرافعي هنا من وجوب ذكر الزنا ووجوب الحد عليه باطل غير معروف، قال: فإن القائل قائلان: قائل بعدم وجوب الذكر، وقائل بوجوبه وأنه لا حد عليه هنا، ولا شك أنهما لم يقفا في هذه المسألة على نقل بل تفقها فيها، فصادف أن ما ذكره النووي فيها هو الصواب نقلًا ودليلًا.

ص: 279

الثاني: أن تعليل النووي بقوله فإنه مسئول عنها يوهم أن الشهادة على الجرح تتوقف على السؤال، وليس كذلك بل يقبل فيها شهادة الحسبة كما ذكره في آخر الباب.

الأمر الثالث: أن ما ذكره في آخر كلامه وهو أن شهود الزنا هل يستحب لهم الشهادة أو الستر؟ ذكره في مواضع من "الروضة": أحدها: في حد الزنا.

وثانيها: في هذا الموضع.

وثالثها: في الباب الأول من أبواب الشهادات في أثناء السبب السادس.

واختلف فيها كلامه وكذلك كلام الرافعي أيضًا، وقد سبق إيضاحه في حد الزنا فراجعه.

قوله: وهل يشترط لفظ الشهادة من المزكي؟ فيه وجهان:

أظهرهما: نعم، فيقول: أشهد أنه عدل.

وقال في "الوسيط": إن اعتبرنا مشافهة القاضي فلابد من لفظ الشهادة وإن لم نعتبر ففي اشتراطه في الكتابة والرسالة وجهان. انتهى.

وحاصله حكاية وجهين عنه في "الوسيط" فيما إذا كتب، أو أرسل ولم يكتب.

وهذا النقل عنه ليس مطابقًا لما فيه فإنه إنما حكى الوجهين في الكتابة خاصة فقال: وإن اكتفينا بالرقعة مع الرسول ففي اشتراط كتابة لفظ الشهادة خلاف كما في المترجم، هذه عبارته.

ولا شك أن الغزالى أخذ ذلك من "النهاية"، فإنه قال: ذهب أبو إسحاق المروزي إلى أن الجرح والتعديل لا يثبتان إلا بتصريح الشاهدين ولا تعويل على الرقاع ولا على أجوبة الرسل.

وقال الإصطخري: يكفي الرسل حتى لا يشتهر المزكون، ولا تكفي

ص: 280

الكتابة، فإن اكتفينا بقول الرسل، فقد ذكر صاحب "التقريب" وجهين في اشتراط لفظ الشهادة: وجه التردد: أنّا شرطنا العدد وقبلناهم مع إمكان الوصول إلى الأصول. انتهى ملخصًا.

فالغزالي حكى الخلاف تفريعًا على "الكتاب"، والإمام إنما حكاه تفريعًا على الاكتفاء بالمرسل، فتلخص هذه الكتب الثلاث لا توافق بعضها وإن كُنّا نقطع أن كلام "النهاية" هو الأصل، وإنما حصل ذلك من تصرفهم في النقل، وقد سَلِمَ في "الروضة" من ذلك فإنه لم يصرح بالبناء ولا بالمنقول عنه.

قوله: ولا يقبل الجرح المطلق، بل لابد من بيان سببه. انتهى.

ذكر مثله في "الروضة" وهو يقتضي: أنه لا يبقى للبينة في هذه الحالة اعتبار بالكلية حتى يقدم عليها بينة التعديل، وليس كذلك بل معنى عدم قبولها، وهو أنه يجب التوقف عن العمل بها إلى أن يبحث عن السبب، كذا ذكره النووي في "شرح مسلم" بالنسبة إلى جرح الراوي، ولا فرق في ذلك بين الرواية والشهادة.

قوله: والأصح أنه يكفي أن يقول: هو عدل، وقيل: لابد أن يقول: عدل على ولي، واختلف القائلون به، فقيل: لأن الشخص قد يقبل في القليل دون الكثير، وقيل: لبيان أنه ليس بوالد ولا ولد. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن فائدة الخلاف كما قاله الماوردي في ما إذا علم الحاكم انتفاء البنوة بينهما، وحذف هذا الخلاف من "الروضة".

واعلم أنه لا يلزم من كونه مقولًا للمزكي، وعليه أن يكون كذلك بالنسبة إلى المدعى عليه في الواقعة التي احتيج إلى التعديل بسببها، فإنه قد يكون ابنًا له أو أبًا فلابد من التعرض لذلك، وقد أهمله الأصحاب حتى قال الإمام: ومن أبلغ عبارات المزكين وأوقعها: عدل على ولي، وهذه

ص: 281

العبارة شائعة على مر الدهور، والأصحاب مجمعون على حملها على موجب ما يتفاهمون منها، هذه عبارته.

الأمر الثاني: أن الرافعي قد حكى عن [نص الشافعي في "الأم"، و"المختصر" أنه لابد أن يقول: عدل على ولي، وحكى عن](1) نصه في "حرملة": أنه لا يشترط ذلك، بل يشترط أن يقول: عدل رضى أو مرضي أو مقبول الشهادة، قال: ومدلول هذه الزيادة غير مدلول تلك، فتلخص أن الشافعي جازم بأنه لا يكفي العدل وحده، وفي ما يشترطه معه قولان ولا يؤخذ ذلك من "الروضة".

قوله: وذكر في "الوجيز" أنه يقول: عدل مقبول الشهادة، وفيه أمران:

أحدهما: أن الوصف بقبول الشهادة تغني عن العدالة.

الثاني: يشبه أن يقال: إن الحال يختلف بحسب سؤال القاضي، فإن سأل عن عدالته كفاه التعرض لها، وإن سأل عن قبول شهادته فلابد من التعرض لها لتدخل فيه المروءة وعدم السقط من ولادة أو عداوة. انتهى كلامه.

وأهمل النووي ذكر الأمرين المذكورين وهما أمران مهمان، واستفدنا من هذا أنه إذا قال المزكي: هو عدل على ولي، لا يحكم الحاكم بقوله إلا إذا عرف مروءته وخلُوّه من الموانع؛ ولهذا قال إمام الحرمين ما نصه: نعم تثبت العدالة بقوله: عدل رضى، ثم يستخير بعد هذا عن الأسباب المانعة من قبول الشهادة، هذه عبارته.

قوله: ثم حكى القاضي تفريعًا على اعتبار كلمتي "على" و"إلى" وجهين:

(1) سقط من أ.

ص: 282

أحدهما: أن اعتبارهما مخصوص بما إذا أخبر المزكون أصحاب المسائل.

والثاني: أنهما شاملان لذلك ولإخبار أصحاب المسائل للقاضي، ولا فقه في الفرق. انتهى.

أسقط هذا الخلاف من "الروضة".

قوله: وذكر في "الوجيز": أنه لا يجوز التعديل بالتسامع، وهو يوافق ما سبق أنه يعتبر في المعدل الخبرة الباطنة، ولكن المخبرون الذين يحصل الاستفاضة بهم لو كانوا خبيرين بباطن حاله فلا يبعد أن يجوز للشاهد التعديل وتقام خبرتهم كما أقيم في الجرح ورؤيتهم مكان رؤيته. انتهى.

وما ذكره بحثًا واقتضى كلامه عدم الوقوف عليه وتابعه عليه في "الروضة" قد جزم به القاضي الحسين في "تعليقه"، فقال: يجوز الاعتماد في التعديل على ما يسمع من أفواه الناس مرة بعد أخرى بحيث يخرج عن حد التواطؤ. انتهى.

ونقله أيضًا الهروي في "الإشراف" عن القفال الشاشي، ونقل في "الروضة" المسألة إلى قبل هذا الموضع بقليل.

قوله: ونابه. . . . إلى آخره.

هذه اللفظة عبر أيضًا بها في -آخر كتاب الفلس وسبق الكلام عليه هناك فراجعه.

ص: 283