المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: في التولية - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٩

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصيد والذبائح

- ‌النظر الأول فيما يفيد الحل وهي أركان الذبح وما يقوم مقامه وهو العقر

- ‌ النظر الثاني في بيان ما يملك به الصيد

- ‌كتاب الضحايا والعقيقة

- ‌النظر الأول في الأركان

- ‌ النظر الثاني في أحكام الأضحية

- ‌ الكلام على العقيقة

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌الفصل الأول في حالة الاختيار

- ‌الفصل الثاني في حال الاضطرار

- ‌كتاب السبق والرمي

- ‌الباب الأول في المسابقة

- ‌الباب الثاني في الرهن

- ‌كتاب الأيمان

- ‌الباب الأول: في نفس اليمين

- ‌فصل في لغات الباب

- ‌الباب الثاني: في كفارة اليمين

- ‌الباب الثالث: فيما يقع به الحنث

- ‌النوع الأول: الدخول والمساكنة

- ‌النوع الثاني: لفظ الأكل والشرب

- ‌النوع الثالث: في العقود

- ‌النوع الرابع: في الإضافات

- ‌النوع الخامس: في الكلام

- ‌النوع السادس: في تأخير الحنث وتقديمه

- ‌النوع السابع: في الخصومات

- ‌كتاب [النذر]

- ‌الأول: في الأركان

- ‌ الثاني: في أحكام النذر والملتزمات

- ‌النوع الأول: الصوم

- ‌النوع الثاني: الحج والعمرة

- ‌النوع الثالث: إتيان المسجد

- ‌النوع الرابع: الهدايا والضحايا

- ‌ مسائل منثورة

- ‌كتاب القضاء

- ‌الباب الأول: في التولية والعزل

- ‌الفصل الأول: في التولية

- ‌الفصل الثاني: في العزل والانعزال

- ‌الباب الثاني: في جامع آداب القضاء

- ‌الفصل الأول: في آداب متفرقة وهي عشرة

- ‌الفصل الثاني: في مستند قضائه

- ‌الفصل الثالث: في التسوية

- ‌الباب الثالث: في القضاء علي الغائب

- ‌الباب الرابع: في القسمة

- ‌كتاب الشهادات

- ‌الباب الأول: في الصفات المعتبرة في الشاهد

- ‌الباب الثاني: في العدد والذكورة

- ‌الباب الثالث: في مستند علم الشاهد

- ‌ فصل في آداب التحمل والأداء منقولة من مختصر الصيمري

- ‌الباب الرابع: في الشاهد واليمين

- ‌الباب الخامس: في الشهادة على الشهادة

- ‌الباب السادس: في الرجوع عن الشهادة

- ‌كتاب الدعاوى والبينات

- ‌الركن الأول: في الدعوى

- ‌ الركن الثاني: جواب المدعى عليه

- ‌ الركن الثالث: في اليمين

- ‌ الركن الرابع: النكول

- ‌ الركن الخامس: البينة

- ‌الباب الأول: في مسائل منثورة

- ‌الباب الثاني: في دعوى النسب

- ‌كتاب التدبير

- ‌كتاب الكتابة

- ‌الحكم الثاني: في الأداء والإتيان

- ‌الحكم الثالث: في تصرفات السيد في المكاتب وفي تصرفات المكاتب

- ‌الحكم الرابع: في ولد المكاتبة

- ‌الحكم الخامس: في جناية المكاتب والجناية عليه

- ‌كتاب عتق أمهات الأولاد

الفصل: ‌الفصل الأول: في التولية

‌كتاب القضاء

وفيه أربعة أبواب.

‌الباب الأول: في التولية والعزل

وفيه فصلان:

‌الفصل الأول: في التولية

قوله: والقضاء والإمامة من فروض الكفاية بالإجماع، لأن الظلم من شيم النفوس، ويجوز أن يوضع على لفظ المسألة من الكتاب وأولان بعض الأصحاب في ما حكى القاضي ابن كج ذهب إلى أن القضاء مكروه للأحاديث المحذرة في الباب، وظاهر المذهب الأول، ثم قال: وإذا قلنا بظاهر المذهب فإذا قام بعض الصالحين للقضاء به سقط الفرض عن الباقين. . . . إلى آخره.

واعلم أن الرافعي أشار بقوله: لأن الظلم من شيم النفوس. . . . إلى قول المتنبي:

الظلم من شيم النفوس فإن تجد

ذا عفة فلعله لا يظلم

وكلامه صريح في أن الخلاف المذكور محله في الفرضية وعدمها، وقد أثبته كذلك في "الشرح الصغير"، وأسقطه النووي من "الروضة" وسببه أنه قد ذكر أولًا الإجماع على كونه فرضًا فكيف يكون مختلفًا فيه؟ فلما أشكل عليه حالة حذفه، وغاية ما يقال فيه: أن الوجوه لابد أن تكون مخرجة من قواعد المجتهد ولازمة لأصوله التي قررها، وللناس خلاف مشهور في أن لازم المذهب هل هو مذهب أم لا؟ فالذاهب إلى أنه ليس بمذهب قد يذهب إلى أنه لا يقدح في الإجماع، وحينئذ تستقيم دعوى الإجماع مع إثبات الوجه، وقد صرح في "المطلب" بعد هذا بقليل بحكاية

ص: 211

خلاف في أنها هل تقدح في الإجماع أم لا؟ وصحح أنها تقدح، وقد يجاب بجواب فيه منع لما فهمه الرافعي فيقال: ليس الخلاف عائدًا إلى الفرضية وعدمها بل في الكراهة فقط وإن كان مجمعًا على كونه فرضًا، ولا منافاة لأن المنافاة إنما هي حاصلة بين الكراهة وفرض العين لا بينهما وبين فرض الكفاية، ألا ترى أنّا نرد شهادة أصحاب الحرف على ما سيأتي وإن كان القيام بتلك الحرف فرضًا؟

قوله: وربما تردد الناظر في إخبار الممتنع من القضاء من جهة أن الامتناع من هذا الفرض الذي هو مناط المصالح العامة بعد ما تعين يشبه أن يكون من الكبائر، وحينئذ فيفسق به ويخرج عن أهلية القضاء لفوات شرط العدالة فكيف يولى ويجبر على القبول؟ ويمكن أن يكون المراد: أن يؤمر بالتوبة أولًا فإذا تاب تولى. انتهى كلامه.

وهذا الجواب الذي ذكره الرافعي بتقدير الفسق قد سلمه له في "الروضة" وهو غير مستقيم، وذلك لأنه إن صح ما قاله من كونه فسقًا فالفاسق إذا تاب لا تجوز ولايته ولا نقبل شهادته إلا إذا مضت عليه مدة الاستبراء، ولم يشترط ذلك هو ولا غيره، والصواب: الجواب بما أشار به في "الروضة" أن هذا لا ينبغي أن يكون فسقًا لأن من يمتنع عن مثل هذا إنما يمتنع غالبًا متأولًا والمتأول ليس عاصيًا قطعًا وإن كان مخطئًا في تأويله.

قوله: فإن كان أصلح منه بنى على أن الإمامة العظمى هل تنعقد للمفضول مع وجود الفاضل؟ وفيه خلاف للمتكلمين والفقهاء، والأصح: الانعقاد لأن تلك الزيادة خارجة عن شرط الإمامة، وفي القضاء خلاف مرتب وأولى بالانعقاد. انتهى.

تابعه في "الروضة" على إطلاق الخلاف ومحله ما إذا لم يكن عذر، فإن كان أطوع في الناس وأقرب إلى القلوب انعقدت قطعًا، قاله الماوردي.

ص: 212

قوله: في الجماعة المتماثلين: وإن كان مع الشهرة مكفيًا فيكره له الطلب، ومنهم من لا يطلق لفظ "الكراهة"، ويقتصر على أن الأولى أن لا يطلب. انتهى.

وما ذكره من تضعيف الاقتصار على الأولوية ذكر مثله في "الشرح الصغير"، وخالف في "المحرر" فجزم بما ضعفه هنا فقال: وإن كان مشهورًاً مكفيًا فالأولى أن لا يطلب. انتهى.

ووقع الموضعان في "الروضة" و"المنهاج" كذلك أيضًا.

قوله: في أصل "الروضة": والصحيح تفصيل ذكره "الروياني" وهو أنه إن تَعَيّن عليه القضاء أو كان ممن يستحب له فله بذل المال، ولكن الآخذ ظالم بالأخذ وهذا كما إذا تعذر الأمر بالمعروف إلا ببذل مال، وإن لم يتعين ولم يكن مستحبًا جاز له بذل المال ليتولى، ويجوز له البذل بعد التولية لئلا يعزل. انتهى كلامه.

وما ذكره في أواخره من جواز البذل عند انتفاء التعيين والاستحباب غلط على العكس مما نقله الرافعي عن الروياني، فإن المذكور فيه، أنه لا يجوز وهو الذي ذكره أيضًا الروياني في "البحر" و"الحلية" وهو الصواب.

قوله: الثالث: طرق الأصحاب متفقة في تعيين الشخص للقضاء، وعدم تعينه على النظر إلى البلد والناحية لا غير.

وقضيته أن لا يجب على من يصلح للقضاء طلبه ببلدة أخرى لا صالح بها، ولا قبوله إذا ولى. انتهى.

وما ذكره من حكاية الاتفاق، وتابعه عليه في "الروضة" قد سبقهما إليه جماعة وليس كذلك، بل فيه خلاف حكاه ابن الرفعة في "الكفاية" عن ابن الصباغ وغيره.

ص: 213

قوله: وزاد المصنف تحقيقات أوردها في أصول الفقه منها: أنه لا حاجة إلى تتبع الأحاديث على تفرقها وانتشارها، بل يكفي أن يكون له أصل مصحح وقعت العناية فيه بجمع أحاديث الأحكام كسنن أبي داود، ويكفي أن يعرف مواقع كل باب فيراجعه إذا احتاج إلى العمل بذلك الباب.

ومنها: أن كل حديث أجمع السلف على قبوله أو تواترت عدالة رواته فلا حاجة إلى البحث عن عدالة رواته، وما عدا ذلك ينبغي أن يكتفي في عدالة رواته بتعديل إمام مشهور عرف صحة مذهبه في الجرح والتعديل. انتهى.

أما الأول: فقد اعترض عليه في "الروضة" فقال: لا يصح التمثيل بسنن أبي داود، فإنه لم يستوعب الصحيح من أحاديث الأحكام [ولا معظمه، وهذا الذي ذكره لا يرد فإنه لم يدع استيعاب الأحكام](1) بل ادعى الاعتناء فيه بالجمع.

ولا شك أن السنن المذكورة كذلك، ونظيره أن تقول: إن الرافعي قد اعتنى في شرحه بجميع الأحكام وإن فاته مسائل كثيرة مذكورة في المطولات والمختصرات حتى من "التنبيه" للشيخ أبي إسحاق.

وأما الثاني: فقال: إن هذه المسألة مما أطبق جمهور الأصحاب عليه وشذ من شرط في التعديل اثنين، ثم إن تواتر العدالة لا يكفي بل لابد مع ذلك من الضبط، والمراد بقبول السلف له: هو علمهم به ولا يكفي عملهم على وفقه فقد يكون ذلك لأجل غيره لا له.

قوله: ويشترط في القاضي وراء ما ذكره في "الكتاب" صفات أخر، منها الإسلام والكفاية، فلا يجوز تقليد المغفل والذي اختل رأيه ونظره بكبر ومرض ونحوهما. انتهى.

(1) سقط من ب.

ص: 214

واعلم أن هذين الشرطين ليسا زائدين على ما في "الوجيز" فإنهما شرطان لأهلية الاجتهاد والفتوى، والأهلية كذلك قد صرح باشتراطها في القاضي، فكأن اشتراطه للأهلية المذكورة في القاضي اشتراطًا للإسلام والكفاءة أيضًا، والشرط الأول بخصوصه داخل أيضًا في العدالة، وقد صرح بها في "الوجيز".

قوله: قال في "الوسيط": لكن اجتماع هذه الشروط متعذر في عصرنا لخلو العصر عن المجتهد المستقل، فالوجه: يتقيد قضاء كل من ولاه سلطان ذو شوكة وإن كان جاهلًا أو فاسقًا، لئلا تتعطل مصالح الناس، ويؤيده أنّا ننفذ قضاء قاضي البغاة لمثل هذه الضرورة، وهذا أحسن لكن في بعض الشروح أن قاضي البغاة إذا كان منهم وبغيهم لا يوجب فسقًا كبغي أصحاب معاوية رضي الله عنه جاز قضاؤه.

وإن أوجب الفسق كبغي أهل النهر وإن لم يجز. انتهى.

فيه أمور:

أحدها: أن ما قاله الغزالي قد جزم به الرافعي في "المحرر"، وكذلك صاحب "الحاوي الصغير"، ولم يحك في "الشرح الصغير" غيره، ونقل الرافعي في كتاب البغاة ذلك فقال: قال المعتبرون: ينظر إن كان قاضيهم لا يستحل دماء أهل العدل وأموالهم نفذ حكمه، وإن كان يستحل دمهم لا ينفذ حكمه، لأن من شرط القضاء العدالة، ومنهم من يطلق القول بنفوذ حكمه. هذا كلامه.

وقال في "البحر": يحتمل وجهين: أحدهما: لا ينفذ ويتحاكمون إلى من هو من أهل القضاء، فإن لم يجدوا أهلًا نفذت أحكامه للضرورة. هذا كلامه.

ص: 215

ونقل ابن الرفعة في "الكفاية" عن "الكافي" له مثله أيضًا.

وقال ابن الصلاح وابن أبي الدم: لا نعلم أحدًا ذكر ما ذكره الغزالي، والذي قطع به العراقيون والمراوزة أن الفاسق لا تنفذ أحكامه.

وقد ظهر لك بما قلناه بطلان ما قالاه، وتقييد الغزالي بالفاسق والجاهل يشعر بأنه لا ينفذ من المرأة والكافر، وهو ظاهر.

الثاني: أن كلامه يقتضي: تصحيح تنفيذ الحكم من قاضي البغاة وإن كان بغيه يوجب الفسق، وهو مخالف لما سبق في قتال البغاة.

الثالث: أن ما جزم به من انقسام البغي إلى فسق وغيره، قد ضعفه في قتال البغاة في الكلام على الحكم، وصحح أنه ليس [بفسق] مطلقًا فراجعه أيضًا.

الرابع: أن هذا التفصيل الذي نقله عن بعض الشروح المجهولة، واقتضى كلامه استغرابه غريب لأجل ما نقلناه عنه أيضًا الآن من كلامه في قتال البغاة.

قوله: وهل على المجتهد تجديد الاجتهاد إذا وقعت الحادثة مرة أخرى أو سئل عنها مرة أخرى أم يجتهد اجتهاده الأول؟ وجهان، كما سبق في القِبْلَة انتهى.

والأصح كما قاله في "شرح المهذب" و"زوائد الروضة": لزوم التجديد، قال: وهذا إذا لم يكن ذاكرًا للدليل الأول: ولم يتجدد ما قد يوجب رجوعه، فإن كان ذاكرًا: لم يلزمه قطعًا، وإن تجدد ما قد يوجب الرجوع: لزمه قطعًا.

قوله: وإنما يسأل ممن عرف علمه وعدالته، وإذا لم يعرف العلم بحث على الحال من الناس، وإذا لم يعرف العدالة فلصاحب "الكتاب" فيه

ص: 216

احتمالان ذكرهما في الأصول:

أحدهما: أن الجواب كذلك.

وأشبههما: الاكتفاء بأن الغالب من حال العلماء العدالة، بخلاف البحث عن العلم فليس الغالب من الناس العلم، ثم ذكر احتمالين في أنه إذا وجب البحث فيفتقر إلى عدد التواتر أم يكفي إخبار عدل أو عدلين؟ أقربهما الثاني. انتهى كلامه.

استدرك عليه في "شرح المهذب" و"زوائد الروضة" فقال: الاحتمالان في ما إذا لم يعلم العدالة، هما في ما إذا كان مستورًا: وهو الذي ظاهره العدالة ولم يختبر باطنه، وهما وجهان ذكرهما غيره.

أصحهما: الاكتفاء لأن العدالة الباطنة تعز معرفتها على غير القضاة فيعسر على العوام تكليفهم بها.

وأما الاحتمالان المذكوران ثانيًا فهما محتملان، ولكن المنقول خلافهما والذي قاله الأصحاب أنه يجوز استفتاء من استفاضت أهليته، وقيل لا يكفي الاستفاضة ولا التواتر، بل إنما يعتمد قوله: أنا أهل للفتوى، ويجوز استفتاء من أخبر ثابت الأهلية بأهليته.

قوله: وإذا وجد مفتيين فأكثر فهل يلزمه أن يجتهد ويسأل أعلمهم؟ فيه وجهان: أصحهما عند عامة الأصحاب: لا، بل يتخير ويسأل من شاء منهم لأن الأولين كانوا يستفتون من شاءوا من الصحابة.

ثم قال: وذكر صاحب "الكتاب" في الأصول: أنه إذا كان يعتقد أن أحدهم أعلم لم يجز أن يقلد غيره، وإن كان لا يجب عليه البحث عن الأعلم إذا لم يعتقد اختصاص أحدهم بزيادة علم. انتهى كلامه.

ص: 217

وهذا الذي ذكره الغزالي قد ذكره أيضًا غيره، قال في "الروضة": وهو إن كان ظاهرًا ففيه نظر لما ذكرناه من سؤال أحاد الصحابة رضي الله عنهم مع وجود أفاضلهم فقد يمنع هذا، ثم قال -أعني: النووي- وعلى الجملة [المختار](1) ما ذكره الغزالي، فعلى هذا يلزمه تقليد أورع العالمين وأعلم الورعين، فإن تعارضا قدم الأعلم على الأصح.

قوله: في "أصل الروضة": فرع: إذا استفتى وأجيب فحدثت له تلك الحادثة ثانيًا، فإن عرف استناد الجواب إلى نص أو إجماع فلا حاجة إلى السؤال ثانيًا وكذا لو كان المقلد ميتًا وجوزناه.

وإن عرف استناده إلى الرأي والقياس أو شك والمقلد حي فوجهان:

أحدهما: لا يحتاج إلى السؤال ثانيًا، لأن الظاهر استمراره على جوابه.

وأصحهما: يلزمه السؤال ثانيًا. انتهى.

ومحل هذا الخلاف إذا لم يكثر وقوع المسألة، فإن كثر لم يجب على العامي تجديد السؤال جزمًا، كذا ذكره النووي في أوائل "شرح المهذب".

قوله: وإذا [سأل](2) بالرقعة فليكن كاتبها حاذقًا ليبين موضع السؤال ويسقط مواضع الاشتباه لئلا يذهب الوهم إلى غير ما وقع عنه السؤال.

كما يحكي أنه كتب عقلًا في زمان أبي الحسين الكرخي: ما يقول الفقهاء في رجل قال لامرأته: [أنت طالق إن، ثم](3) وقف عند "إن"، [فقرأوا: إن تم وقف عبدان] (4) وأجابوا بأنه إن تم وقفه طلقت وإلا فلا، فعرضت الرقعة على الكرخي فلما تأملها عرف أنهم صحفوا وأن الكاتب أراد

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

(3)

سقط من ب.

(4)

سقط من أ.

ص: 218

أنه قال: أنت طالق إن، ثم أمسك بعد "إن"، فلم يذكر شرطًا. انتهى كلامه.

وهذه المسألة وهي الوقوف على أداة شرط لم يصرح هنا بحكمها، وقد يتشرف الواقف على هذا الوضع إلى معرفة ذلك، وقد ذكرها الرافعي في موضعين بجوابين مختلفين، تبعه عليهما في "الروضة":

أحدهما: في باب عدد الطلاق.

والثاني: في أوائل الشرط في الطلاق فراجع ذلك، وعبدان: بباء موحدة تثنية عبد.

قوله: وإذا رأى في الفتيا جواب من لا يصلح للفتوى لم يفت معه.

قال الصيمري: وله أن يضرب عليه بإذن صاحب الرقعة وبغير إذنه، ولا يحبسها إلا بإذنه. انتهى.

وما نقله عن الصيمري من الضرب على خط الأول بغير إذن مالكها، قد ذكر العبادي في "الزيادات" بالنسبة إلى إصلاح كتب العلم ما يخالفه، فإنه قال: لا يجوز إصلاح ما يقع فيها من الغلط بغير إذن إلا أن يكون قرآنًا، فإنه يجب.

قوله: ويجوز أن يكتفي برسول ثقة وبالرقعة. انتهى.

ومحل الاعتماد على الرقعة إذا أخبره من يقبل خبره أنه خطه أو كان يعرف خطه، ولم يشك فيه، كذا نبّه عليه في "شرح المهذب" و"زوائد الروضة" وهو واضح.

قوله: ولو نكح مجتهد امرأة خالعها ثلاثًا، لأنه رأى الخلع فسخًا ثم تغير اجتهاده، قال صاحب "الكتاب" في "الأصول": يلزمه تسريحها، وأبدى ترددًا في ما إذا فعل المقلد مثل ذلك، ثم تغير اجتهاد مقلده، قال: والصحيح

ص: 219

أن الجواب كذلك، كما لو تغير اجتهاد المقلد في الصلاة فإنه يتحول. انتهى.

وهذا الذي قاله الغزالي نقله النووي عن الصيمري والخطيب البغدادي وغيرهما.

قال: ولا نعلم فيه خلافًا لأصحابنا.

قوله: ولو قال المجتهد للمقلد في صورة النكاح المذكورة: أخاطبك من قلدته؟ فإن كان الذي قلده أعلم من الثاني، أو استويا فلا أثر لقوله.

وإن كان الثاني أعلم فالقياس: أنّا إن أوجبنا تقليد الأعلم فهو كما لو تغير اجتهاد مقلده، وإلا فلا أثر له.

اعترض في "الروضة" فقال: هذا الذي زعم الإمام الرافعي أنه القياس ليس بشيء، بل الوجه الجزم بأنه لا يلزمه شيء، ولا أثر لقوله الثاني، وهذا كله إذا كانت المسألة اجتهادية. هذا كلامه.

والذي ذكره رحمه الله-أعني النووي- ضعيف أو باطل.

والصواب ما ذكره الرافعي، فقد ذكر هو والرافعي وغيرهما في الصلاة ما هو أبلغ منه فقالوا: إنه إذا صلى بالتقليد، ثم قال له: من هو أعلم من الذي قلده أخاطبك الذي قلدته.

فهو كتغير اجتهاده حتى يجب عليه الأخذ بالثاني وهو مع ما قاله هنا في غاية التنافي.

ثم إنه هل يخص ما قاله هنا بهذه المسألة أو يطرده في سائر المسائل؟

قوله: من "زوائده" قال الصيمري: وتقبل فتاوى أهل الأهواء والخوارج ومن لا يكفر ببدعته ولا بفسقه، وذكر الخطيب هذا، ثم قال: وأما الشراة بضم الشين المعجمة، والرافضة الذين يسبون السلف -رضي الله تعالى

ص: 220

عنهم- ففتاويهم مردودة وأقاويلهم ساقطة. انتهى.

وهذا الذي نقله عن الخطيب في الشراة والرافضة قد جزم به في أوائل "شرح المهذب"، لكن نقل الرافعي، في كتاب الشهادات أن الأكثرين على قبول شهادة الذين يسبون الصحابة، وزاد في "الروضة" على هذا فقال: إنه الصواب.

والجمع بين المقالتين مشكل، فما الفرق بين قبول شهادته وقبول فتواه إذا كان مجتهدًا مع اشتراط العدالة في الموضعين؟

واعلم أن هذه المسألة مع المسائل الستة الآتية بعدها جميعها من الزوائد.

والشراة: جمع شاري وهو البائع قال تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} (1) أي باعوه ولقبوا أنفسهم بذلك، لأنهم يقولون إنهم باعوا أنفسهم لله تعالى في القيام بنصرة دينه.

قوله: وهل يشترط في المفتي أن يعرف من الحساب ما يصحح به المسائل الحسابية الفقهية؟ وجهان: حكاهما الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني وصاحبه أبو منصور البغدادي. انتهى.

والأصح: هو الاشتراط كذا صححه النووي في أوائل "شرح المهذب" وابن الصلاح في "أدب المفتي"، وقال الروياني: المذهب أنه لا يشترط.

قوله: وإن كان له أي للمفتي رزق لا يجوز أخذ الأجرة، وإن لم يكن له رزق لم يجز أخذ أجرة من أعيان المستفتين كالحاكم، واحتال الشيخ أبو حاتم القزويني في "حيله" فقال: يقول للمستفتي: يلزمني أن أفتيك قولًا ولا يلزمني أن أكتب لك. فإن استأجره عن الكتابة جاز.

وهذا الذي ذكره، وإن كان مكروهًا فينبغي: أن لا يأخذ من الأجرة إلا قدر أجرة كتابة ذلك القدر لو لم تكن فتوى، لئلا يكون آخذًا زيادة بسبب

(1) سورة يوسف (20).

ص: 221

الإفتاء. انتهى كلامه.

وما ذكره من جواز استئجار المفتي للكتابة قد ذكره الرافعي بعد هذا في الباب الثاني قُبيل الأدب السادس العقود للمشاورة وأشعر كلامه بحكاية خلاف فيه، فإنه حكى وجهين في القاضي وصحح الجواز، ثم قال: وكذا استئجار المفتي ليكتب الفتوى.

وقوله: واحتال الشيخ، هو بالحاء المهملة وباللام في آخره.

قوله: قال الصيمري والخطيب وغيرهما: لو اجتمع أهل البلد على أن جعلوا للمفتي رزقًا من أموالهم ليتفرغ لفتاويهم جاز. انتهى.

وما ذكره من "زوائده" قد ذكره الرافعي في الباب الذي يلي هذا الباب في الأدب الثالث المعقود لترتيب الكتاب المزكيين والمترجمين في الكلام على رزق القاضي، ونقله عن الصيمري كما نقله النووي، وحذفه النووي من هناك لكونه وقع بطريقة التبعية فلزم خلو كلام الرافعي عنه.

قوله: فإذا كان أحد القولين منصوصًا للشافعي والآخر مُخَرّجًا، فالمنصوص هو الراجح المعمول به غالبًا، كما إذا رجح الشافعي أحد القولين بل هو أولى. انتهى.

واعلم أن كلام النووي هذا ظاهر في ترجيح أحد القولين على الآخر بكونه منصوصًا والآخر مخرّجًا، وهذا إنما حكاه في "شرح المهذب" احتمالًا لنفسه بعد أن نقل أنه لا مدخل لذلك في الترجيح.

واعلم أن الشافعي إذا نص في مسألة على قولين ثم أجاب في موضع آخر بأحد القولين فهل يكون ذلك اختيارًا منه لذلك القول؟ قال: أبو علي الطبري وغيره: نعم، وقال قائلون: لا، إذ ليس من شرط القولين أن يذكرا في جميع المواضع، كذا ذكره الرافعي قبل كتاب الديات بنحو خمسة أوراق وحذفه من "الروضة".

ص: 222

قوله: واعلم أن نقل العراقيين لنصوص الشافعي وقواعد مذهبه، ووجوه المتقدمين أيقن وأثبت من نقل الخراسانيين. انتهى.

وقد سبق الكلام على طوائف أصحابنا، ومما ينبغي استحضاره في ذلك أن "الرافعي" قبل كتاب المسابقة بنحو ورقة وهو آخر الأطعمة قد عبر في مسألة بقوله: وهو الذي أورده "العراقيون" و"الطبريون" من أصحابنا هذه عبارته وتبعه عليه في "الروضة".

قوله: واعلم أنه متى كان في المسألة قولان قديم وجديد فالعمل على الجديد، إلا في نحو عشرين أو ثلاثين مسألة أوضحتها في "شرح المهذب". انتهى.

واعلم أن كلامه هذا موقوف على مقدمة في بيان القديم والجديد وما يتعلق به، وها أنا ذاكرها ملخصة ثم أعود إلى ما أشار إليه من عد الصور وإلى ذكر ما يتعلق بها.

فنقول: القديم: هو ما صنفه الشافعي بالعراق ويسمى كتاب "الحجة"، ورواته كما قال الروياني أربعة: أحمد بن حنبل، والزعفراني، وأبو ثور والكرابيسي.

وأما الجديد: فهو ما صنفه في مصر أو أفتى به، ورواته سبعة: المزني، والبويطي، والربيع المرادي، والربيع الجيزي، وحرملة، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وعبد الله بن الزبير المكي.

وبعض هؤلاء أشد صحبة له من بعض، وذكر الإمام في كتاب الخلع أن "الأم" من الكتب القديمة.

قال ابن الرفعة: ولم أظفر بذلك في غيره.

قلت: وقد ظفرت بما قاله الإمام للخوارزمي في مقدمة كتابه "الكافي"

ص: 223

فإنه قال: وأما "الأم" و"الإملاء" فصنفهما الشافعي بمكة بعد أن فارق بغداد في المرة الأولى وقبل رجوعه إليها في المرة الثانية، ثم رجع بعد تصنيفهما إلى بغداد فأقام شهرًا ثم خرج إلى مصر فصنف بها كتبه الجديدة.

هذا لفظه وهو صريح في ما قلناه إلا أن المعروف خلافه، قال في "الاستقصاء": روى المزني أنها بمصر.

ومنها: "الأمالي"، صنفها رحمه الله بمصر، كذا رأيته في أول تعليق الشيخ أبي حامد.

ومنها: "الإملاء" صرح جماعات منهم الرافعي في مواضع كثيرة من شرحه بأنه من الجديد وفيه ما قدمناه من كلام الخوارزمي، وهو غير "الأمالي" كما قاله في "تهذيب الأسماء واللغات"، وقد ذكرت في مقدمة الكتاب بقية كتبه وأمعنت الكلام عليها فراجعه.

ومما ذكرته هناك أن "الأم" رواية "البويطي" وترتيب الربيع المرادي إلا أنه زاد فيها أشياء مميزة فتفطن له.

إذا تقرر هذا فما قاله في كتابه القديم أو أفتى به هناك ونحوه تارة ينص في الجديد على خلافه، وتارة لا يتعرض له.

فإن لم يتعرض له في الجديد بنفي ولا إثبات بل ذكر المسألة في القديم ونص على حكمها وسكت عنها في الجديد كما نقل في مسائل:

منها: استحباب الغسل للحجامة، وللخروج من الحمام فإن الفتوى تكون عليه ويكون مذهب الشافعي، كذا ذكره في أول "شرح المهذب"، وفيه نظر: فإن ظاهر كلام الشافعي الرجوع عن كل ما قاله في القديم إلا أن ينص على وفقه في "الجديد"، فإنه غسل تلك الكتب ثم قال: ليس في حِلٍ من روى عني القديم، كذا ذكره الشيخ تاج الدين الكندي المعروف

ص: 224

بالفركاح في كراسة صنفها في الرد على من زعم أنه يفتي على القديم في مسائل.

وإن تعرض له في الجديد فإما أن يكون على وفق القديم أو على خلافه.

فإن كان على وفقه فالحكم المعمول به لا يختلف، لكنه منسوب إلى الجديد فقط أم إليهما؟ ظاهر كلام الأصحاب قاطبة أن ذلك منسوب إليهما حتى يقال: لم يزل رأي الشافعي على ذلك قديمًا وجديدًا، وفيه بحث مستنده ما تقدم.

وإن نص على خلافه فتارة يشير إلى الرجوع عن السابق وتارة لا يشير.

فإن أشار للرجوع عنه فلا يعمل بالقديم، وليس من مذهب الشافعي في شيء بل نسبته له كنسبة أقوال الغير، كما قال في مسألة صوم المتمتع أيام التشريق.

وقد قال قوم: بصوم المتمتع أيام التشريق، وقد كنت أراه، وكذا ما ذكره في القديم من أن مسح الخف لا يتأقت، فإن الشيخ أبا حامد حكى في "التعليق" عن الزعفراني: أن الشافعي رجع عنه قبل خروجه إلى مصر فلم تصر المسألة على قولين.

وإن نص على خلافه في الجديد ولم يصرح بالرجوع عن القديم ففيه خلاف للأصحاب حكاه الإمام في باب العاقلة، والفوراني في كتابه المسمى "بالعمد" في باب اختلاف نية الإمام والمأموم، وكذا الرافعي في "الشرح الكبير"، والراجح عند الإمام: أنه رجوع.

قال في باب العاقلة: وقد ذكرت مرارًا أنه لا يحل عد القول القديم من مذهب الشافعي مع رجوعه عنه، وقد حكى القاضي والصيدلاني في ذلك

ص: 225

خلافًا للأصحاب.

وبالجملة فمن قال شيئًا ثم قال بخلافه فلا وجه لمقلده إلا [العمل](1) بالمتأخر. انتهى.

وذكر أيضًا عند الكلام على سبق الحدث: أن الشافعي إذا نص في القديم على شيء وجزم بخلافه في الجديد فمذهبه الجديد وليس القديم معدودًا من المذهب.

لكن أئمة المذهب يعتادون توجيه الأقوال القديمة، واختار النووي في "شرح المهذب" ما رآه الإمام ونسب خلافه إلى الغلط، والذي اختاره هو الظاهر، وإن كان الأول ظاهر كلام الشيخ أبي حامد والبندنيجي وابن الصباغ وغيرهم حيث ذكروا القول المتقدم قريبًا من عدم تأقيت المسح، وادعوا أن المسألة ليست على قولين لأن الشافعي رجع عنه قبل خروجه إلى مصر فدل على أن القولين إذا لم يصرح بالرجوع عنه يكون له الآن في تلك المسألة قولان.

وإنما رجحنا الأول لأمور:

منها: أن المقلد مع المجتهد كالمجتهد مع الرسول، فكما أن الحادث من أدلة الشرع ناسخ للمتقدم منها إجماعًا يجب على المجتهد أن يأخذ به كذلك المقلد مع المجتهد. فإن المجتهد مأمور في حق نفسه بما أدى إليه اجتهاده آخرًا وهو المنسوب إليه، فمن قلده كذلك، وأيضًا فإن نصه في الجديد على خلاف نصه في القديم لا جائز أن يكون إلا كدليل، وذلك الدليل لا جائز أن يكون مساويًا لدليل القديم وإلا لم يثبت القول، بل كان يتوقف كما توقف في كثير من المسائل فقال: ولا يتبين إلى أن أوجب كذا أو أقول كذا، ولا مرجوحًا أيضًا فتعين رجحانه في نظيره على دليل القديم.

(1) سقط من ب.

ص: 226

ومذهب المجتهد إنما هو الراجح في نظره دون المرجوح.

وأما المسائل التي عدوها وجعلوها مما يفتى فيه على القديم سببه أن جماعة من المنتسبين لمذهب الشافعي بلغوا رتبة الاجتهاد في مذهبه وربما جاوزها بعضهم إلى التحري في أقوال العلماء فلاح لهم في بعض المسائل أن القديم أظهر دليلًا من الجديد فأفتوا به بناء على ظهور الدليل غير ناسبين ذلك إلى الشافعي.

وكذلك القول المُخَرّج حكمه حكم القول القديم، فمن بلغ رتبة التخريج ولاح له الدليل أفتى بالقديم والمخرج، ومن لم يبلغ هذه الأهلية فلا وجه لعمله ولا لفتواه بشيء منهما، كذا ذكره جماعة منهم النووي في أوائل "شرح المهذب" على أن المسائل التي عددها لا يسلم أن الإفتاء فيها على القديم لأمرين:

أحدهما: أن الأكثرين خالفوا في معظمها فأفتوا فيها بالقول المشهور بالجديد.

والثاني: أن أكثرها فيها قول جديد موافق للقديم فتكون الفتوى على الجديد لا على القديم.

إذا علمت ذلك فقد آن لنا أن نسرد تلك المسائل التي أشار إليها وذكرنا هذا الفصل بسببها.

فنقول: الذي ذكره رحمه الله في "شرح المهذب" ثمانيه عشرة مسألة أخذها من ابن الصلاح إلا مسألة واحدة، منها ثلاثة اقتصر عليها الإمام.

إحداها: عدم [وجوب](1) التباعد في الماء الكثير بقدر قلتين.

الثانية: استحباب التثويب في الأذان للصبح.

(1) في ب: وجود.

ص: 227

الثالثة: لم يصرح بها الإمام في "النهاية" لكن لما وصل إلى قراءة السورة في الركعتين الأخيرتين ذكر أن العمل فيها على القديم وهو عدم القراءة، وقال الإمام في مختصره لكتاب "النهاية": إن الثالثة تأتي في باب زكاة التجارة، وقال بعضهم: هي أربع عشرة مسألة، هذه الثلاثة.

والرابعة: عدم تنجس الماء الجاري إذا لم يتغير.

الخامسة: عدم النقض بلمس المحارم.

السادسة: استحباب تعجيل العشاء، فإنه القديم.

والسابعة: امتداد وقت المغرب إلى مغيب الشفق.

الثامنة: جواز اقتداء المنفرد في أثناء الصلاة.

التاسعة: كراهة تقليم أظفار الميت.

العاشرة: عدم اعتبار النصاب في الركاز.

الحادية عشرة: جواز اشتراط التحلل من الإحرام بعذر المرض.

الثانية عشرة: تحريم أكل جلد المدبوغ.

الثالثة عشرة: وجوب الحد بوطء المحرم بملك اليمين.

وقال بعضهم: إنها ثماني عشرة منها الثلاث عشرة السابقة.

والرابعة عشرة: الجهر بالتأمين للمأموم في الصلاة الجهرية.

الخامسة عشرة: استحباب الخط بين يدي المصلي عند عدم الشاخص.

السادسة عشرة: صيام الولي عن الميت الذي عليه صوم.

والسابعة عشرة: إجبار الشريك على العمارة.

الثامنة عشرة: جعل الصداق في يد الزوج مضمونًا، ضمان يد، انتهى ما قاله في "شرح المهذب".

ص: 228

وكان قد ادعى قبل ذلك أن بعضهم عدها أربع عشرة من غير ذكر هذه الخمس التي عدها، فلما شرع في العد لم يذكر إلا ثلاث عشرة وأهمل الرابعة عشرة وهي: جواز الاستنجاء بالحجر في ما جاوز المخرج، ولم يبلغ ظاهر الإلية، نبّه عليها ابن الصلاح في "أدب المفتي" له.

والصورة التي ذكرنا أولًا أن النووي زادها هي: الجهر بالتأمين للمأموم في الصلاة الجهرية، وقد نجز ما أردناه من الكلام على هذه المسألة ملخصًا مختصرًا، فإن كان فيه طول بالنسبة إلى قاعدتنا في هذا الكتاب فهو قليل بالنسبة إلى ما تحمله المسألة، غير أنه مشتمل على فوائد لا توجد في غيره صالحة لأن تكون تصنيفًا مستقلًا.

قوله: ويستحب أن يكتب في أول فتواه: "الحمد لله" أو "الله الموفق" أو "حسبنا الله" أو "حسبي الله" ونحو ذلك. انتهى.

قال النحاس كما نقله عنه في أوائل "شرح المهذب": حسبي الله أولى من حسبنا الله لما في الثانية من التعظيم.

قال: ويؤيد ما قاله أن الله سبحانه وتعالى لما أمر نبيه بالتفويض وعلمه ما يقول أمره بها فقال: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} (1).

وإن كان قد ورد المدح أيضًا على قول الثانية حيث قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ} إلى أن قال: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)} (2) لكن الأولى أولى لأنها شرعت لتعليم ما يقال والثانية وردت على حسب ما وقع، وأيضًا ففي "البخاري" (3) عن ابن عباس قال: كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل.

(1) سورة التوبة (129).

(2)

سورة آل عمران (173).

(3)

حديث (4288).

ص: 229

لكن ورد عن ابن عباس أيضًا بالنون فروى عنه "البخاري"(1) أيضًا أنه قال: حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار، ومحمد صلى الله عليه وسلم حين قيل له: إن الناس قد جمعوا لكم.

وهذه المسألة أحد المسائل السبع التي هي من "زوائد النووي" كما ذكرنا في المسألة الأولى فتفطن لذلك.

قوله: الثانية: إذا نهاه عن الاستخلاف لم يجز الاستخلاف فإن كان ما فوضه إليه لا يمكنه القيام به، فقال القاضي أبو الطيب: هذا النهي كالعدم والأقرب أحد أمرين، إما بطلان التولية، وبه قال ابن القطان، وإما اقتصاره على الممكن وترك الاستخلاف. انتهى.

والثاني: هو الصحيح، فقد جزم به الماوردي وغيره، وقال ابن الرفعة في "الكفاية": إنه المشهور، وقال في "الروضة" من "زوائده": إنه الأرجح.

وإطلاقهم يقتضي أنه لا فرق في تعاطي الممكن بين أن يكون إمكانه مقارنًا للتولية أو طارئًا عليها.

قوله: وجميع ما ذكرناه في الاستخلاف العام، أما الخاص كتحليف وسماع بينة فقضية إطلاق الأكثرين جعله على الخلاف، وعن القفال: القطع بجوازه، لأن القاضي لا يستغني عنه فيجري مجرى التوكيل. انتهى.

وما ذكره هنا من إلحاق التفويض الخاص بالعام قد ذكر ما يخالفه في الكلام على العزل، لأنه حكى الخلاف في انعزال الخلفاء بموت القاضي وانعزاله، وجزم بانعزال الخليفة في شيء خاص، ولو ولاه شيئًا خاصًا كتزويج اليتامى والنظر في أمرهم فليس له أن يستنيب، ذكره شريح الروياني في "أدب القضاء" له.

(1) حديث (4287).

ص: 230

قوله: فإن اتفق نصب قاضيين ولم يشترط اجتماعهما ولا استقلالهما فقال صاحب "التقريب": يحمل على إثبات الاستقلال تنزيلًا للمطلق على ما يجوز، وقال غيره: التولية باطلة حتى يصرح بالاستقلال. انتهى.

قال في "الروضة": قول صاحب "التقريب"[أصح](1) وبه قطع الرافعي في "المحرر" والله أعلم.

وما ذكره من قطع "المحرر" غلط، بل حكى وجهين وعبر بقوله: أصح الوجهين، ويحتاج إلى الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة في الوصية يأتي الكلام عليها في أول الفصل المعقود للعزل.

قوله: وإذا تنازع الخصمان في اختيار القاضيين، فقد أطلق الغزالي أنه يقرع، وقال الماوردي: يجاب الطالب دون المطلوب. انتهى.

جزم الروياني في "البحر" بما قاله الماوردي.

قوله: وبم يلزم حكم المحكم؟ فيه قولان، ويقال: وجهان:

أحدهما: بتراضيهما بعد الحكم، لأن رضاهما معتبر في الحكم فكذلك في لزومه، وهذا أشبه بما قيل في قسمة من تراضى الشريكان بقسمته على ما سيأتي.

وأصحهما: على ما ذكر القاضي الروياني: أنه يلزم بنفسه. انتهى.

والصحيح ما قاله الروياني، فقد قال الرافعي في "المحرر": إنه الأظهر، وكذلك النووي في أصل "الروضة".

قوله: وإذا ولى من لم يعرف حاله لم تنعقد التولية وإن عرف من بعد أنه بصفات القضاء. انتهى.

وما ذكره من عدم الصحة قد اشتهر على الألسنة قديمًا إشكاله، وذلك

(1) سقط من أ.

ص: 231

لأنه قد تبين اجتماع الشروط حالة الولاية وليس هو مما تعتبر فيه النية حتى يقال: إنه أقدم عليه مترددًا، فلا يصح كما لو اقتدى بخنثى ثم تبين أنه رجل، بل هذا نظير البيع والإجارة والنكاح وغيرها من العقود المستجمعة للشروط في نفس الأمر لا في ظن العاقد، وقد أجابوا في جميعها بالصحة كما صرحوا به في الكلام على ما إذا باع مال أبيه على ظن حياته فبان ميتًا، بل مسألتنا أولى بالصحة لظنه هناك عدم وجود الشروط، لأن الغرض أنه ظنه لغيره، وفي مسألتنا لم يظن شيئًا وقد صحح النووي في "الروضة": أنه إذا عقد بشهادة خنثيين ثم بان أنهما رجلان أن العقد يصح.

قال: وليس كالاقتداء بخنثى وتبين أنه رجل لتردده في النية، ولم يصحح الرافعي في تلك شيئًا.

فأقل مراتب هذه المسألة أن تكون على ذلك الخلاف، والصحيح فيه الصحة.

والجواب: أن تولية الحاكم حكم بأهلية المولى، وليس للحاكم أن يحكم إلا بعد قيام المستند حتى لو حكم ثم قامت بينة بعد ذلك على وفق الحكم لم يكن ذلك الحكم نافذًا، وما ذكرناه من كون تصرف الحاكم حكمًا فيه نزاع قدمناه مبسوطًا في أوائل النكاح في الكلام على الموانع فراجعه.

قوله: وفيه -أي: في "الأحكام السلطانية"- أن صريح التولية: وليتك، واستخلفتك، وأَن: فوضت إليك؛ كناية، ولا يكاد يتضح فرق بين وليتك وفوضت إليك. انتهى ملخصًا.

وبينهما فرق ظاهر تعرض له أيضًا في "الروضة"، وهو: أن "وليتك" متعين لجعله قاضيًا، وأما فوضت: فيحتمل ذلك، وتوكيله في نصب قاض.

ص: 232