الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الضحايا والعقيقة
والنظر في أمرين: الأركان والأحكام
النظر الأول في الأركان
قوله: الضحايا: جمع ضحية، كهدية وهدايا وهي التي يُضَحَى بها من النعم، ويقال لها: أضحية أو ضحية، والجمع أضاحي وأضاح وأضحاه أيضًا، والجمع أضحا، بالتنوين كأرطاة وأرطًا، ومنها سمي يوم الأضحى، وذكر أن جميع ذلك مأخوذ من وقت التضحية وهو ضحوة النهار. انتهى كلامه.
وحاصل ما حكاه من اللغات أربع والثانية والثالثة منها بهمزة مضمومة إحداهما بياء مشددة، والأخرى مخففة، وجمع المشددة بالتشديد أيضًا والمخففة بالتخفيف، فالأول على وزن أناسى ونجابى، والثاني على وزن جوار وغواشي، ويستعمل استعمال المنقوص.
قوله: واحتج الأصحاب على عدم وجوبها بأشياء:
منها: ما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شعره وبشره شيئًا"(1) علق التضحية بالإرادة. انتهى.
وهذا لا دلالة فيه؛ لأن الأضحية بتقدير وجوبها قد يريد الشخص فعلها وقد لا يريد وذلك على حسب اجتماع الشرائط وعدم اجتماعها، وهذا كقول الشيخ في "التنبيه": إذا أراد الصلاة قام إليها بعد فراغ المؤذن
(1) أخرجه مسلم (1977) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
من الإقامة.
وقوله: إذا أراد المحرم دخول مكة اغتسل مع أن أداء الخمس ودخول المحرم مكة واجبان لابد منهما.
قوله: وفي "البحر" للروياني أنه لو قال: إن اشتريت شاة فلله علي أن أجعلها أضحية، فهذا نذر مضمون في الذمة، فإذا اشترى شاة فعليه أن يجعلها أضحية. . . . إلى آخره.
واعلم أن صورة المسألة أن يقصد الشكر على حصول الملك، فإن قصد الامتناع فيأتي فيه ما في نذر اللجاج والغضب.
وقد ذكر "الرافعي" في أوائل النذر هذا التفصيل في اعتاق العبد إذا ملكه وهو نظير المسألة.
قوله: ولا يجزئ من الإبل إلا الثني أو الثنية وهو ما استكمل خمس سنين، والمعنى فيه أن الثنايا تتهيأ للحمل والنزوان. فانتهاؤها إلى هذا الحد كالبلوغ في حق الآدمي، وحالها قبل ذلك حال الصغير من الإنسان. انتهى كلامه.
وهو صريح في أن التهيؤ للحمل والنزوان لا يحصل إلا باستكمال الخامسة والطعن في السادسة وقد خالف ذلك في الزكاة في أوائل باب صدقة النعم مخالفة عجيبة، فإنه جزم بأن الاستحقاق الذي هو أبلغ من التهيؤ يحصل قبل ذلك بعامين وهو استكمال الثالثة والطعن في الرابعة، وقد ذكرت لفظه في موضعه فراجعه.
قوله: ثم قضية ما أورده الأصحاب تصريحًا ودلالة ونسبوه إلى نصه في الجديد أن الجَرَب يمنع الإجزاء، يسيرًا كان أو كثيرًا؛ لأنه يفسد اللحم
والودك.
وفي وجه أن الكثير هو الذي يمنع كما في سائر الأمراض، وهذا ما اختاره الإمام وأورده صاحب الكتاب. انتهى كلامه.
ذكر نحوه في "الشرح الصغير"، فقال: والظاهر الذي أورده الأصحاب المنع مطلقًا، ثم خالفهما في "المحرر" فقال: والجَرْبَاء الكثيرة الجَرَب كالمريضة. هذا لفظه، فشرط في المنع كونه كثيرًا، وقد استدرك عليه في "المنهاج" فصحح أن القليل مانع أيضًا.
قوله: وروي عن علي رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء (1).
وفي الحديث أيضًا النهي عن المصفرة.
اعلم أن "الرافعي" قد فَسّر معاني هذه الأشياء. وأما اللفظ فالمقابلة والمدابرة بباء موحدة مفتوحة، والشرقاء بشين معجمة مفتوحة وراء ساكنة بعدها قاف ممدودة، والخرقاء بالخاء المعجمة.
(1) أخرجه أبو داود (2804) والترمذي (1498) والنسائي (4372) وابن ماجه (3143) وأحمد (851) والدارمي (1952) وابن خزيمة (2915) وابن حبان (5920) والحاكم (7532) والطيالسي (160) والطبراني في "الأوسط"(7973) وأبو يعلى (333) والبزار (753) والبيهقي في "الكبرى"(18882) من حديث عليّ رضي الله عنه.
قال الترمذي: حسن صحيح.
وقال الحاكم: صحيح.
وقال الألباني: حسن صحيح.
والمقابلة: أن يقطع طرف الأذن.
والمدابرة: أن يقطع من مؤخر الأذن.
والشرقاء: أن يشق الأذن.
والخرقاء: أن تخرق أذنها للسمة.
قوله: ولو جعل جميع البدنة أو البقرة مكان الشاة فهل يكون الجميع واجبًا حتى لا يجوز كل شيء منه أم الواجب السبع فقط حتى يجوز الأكل من الباقي؟
فيه وجهان كالوجهين في ماسح جميع رأسه في الوضوء [هل يقع جميعه فرضًا؟ أم الفرض ما يقع عليه الاسم؟ انتهى.
قال في الروضة: ] (1) قيل الوجهان في المسح في ما إذا مسح دفعة واحدة، فلو مسح شيئًا فشيئًا فالثاني سنة قطعًا، وقيل: الوجهان في الحالين. ومثلهما إذا طَوّل الركوع والسجود والقيام زيادة على الواجب [وفائدته في زيادة الثواب في الواجب](2) والأرجح في الجميع أن الزيادة تقع تطوعًا. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن "النووي" قد ذكر هذا الخلاف في مواضع من "الروضة" واختلف فيها كلامه اختلافًا عجيبًا وهو من الاختلاف الواقع على ثلاثة أوجه، وتقدم ذكره واضحًا وذكر نظائره، وفائدة الخلاف فيه في باب صفة الصلاة في الكلام على ركن القيام.
الأمر الثاني: أن [الأصح من](3) هذين الوجهين المذكورين في مسح الرأس هو الوجه الثاني، وهو أن الخلاف في الحالين، كذا صححه "النووي" في باب صفة الوضوء من "شرح المهذب".
قوله: ويدخل وقت التضحية بدخول وقت صلاة العيد يوم النحر ومضي
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من أ.
(3)
سقط من أ.
وقت ركعتين وخطبتين بعده. انتهى كلامه.
ومقتضاه أنه لا يشترط ارتفاع الشمس مع هذا المقدار لأن الصحيح عنده عدم اشتراطه في العيد كما جزم به في "المحرر" ولم يخالفه في غيره.
إذا علمت هذا فقد جزم في "المحرر" أيضًا باشتراط هذا الوقت فقال: ويدخل وقت التضحية إذا ارتفعت الشمس يوم النحر قيد رمح، ومضى قدر ركعتين وخطبتين خفيفتين، هذا لفظه.
وخالفه "النووي" فصحح في كتبه أن وقتها يدخل بالطلوع لكنه أقر صاحب "التنبيه" على اشتراط الارتفاع، وقد تقدم طرف من المسألة في صلاة العيد.
قوله: وعن "الحاوي" وجه أنه كان يعتبر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته ويعد المعتبر قدر الصلاة. انتهى.
هذا الوجه أسقطه من "الروضة".
قوله: إحداهما: ذكر الإمام أن من فاته التضحية المتطوع بها فلينتظر وقتها من قابل وحينئذ تقع عن حق الوقت. ولا يصفو هذا عن إشكال. انتهى.
واعلم أن مراد الإمام أنه يقع عن الماضي لا عن الحاضر على خلاف ما يوهمه كلام "الرافعي" فإنه قال: فإن قيل: التضحية عندكم سنة مؤقتة والسنة المؤقتة لكم في قضائها قولان، فهلا خرجتم قضاء التضحية على هذا الخلاف.
قلنا: إن أراد تدارك الأضحية فلينتظر وقتها في قابل والسنين التي تفوت مواقيتها لو لم يجز القضاء فيها لتحقق الفوات فيها وانقطع المستدرك، ثم إذا فرض قصد التدارك عند دخول وقت التضحية في السنة القابلة، فهذا
القصد عندي لا معنى له فإن ما يوقعه من التضحية يكون أداء، ويتصور أن يتقرب الرجل بأضاحي في نوبة واحدة فلا يكاد ينقدح معنى القضاء في ما هذا سبيله، وإذا كان الرجل يعتاد صوم أيام تطوعًا فترك الصوم فلا يتحقق عندي قضاؤه، وكذلك لو أفسده بعد التحرم به فإن الذي يأتي به يكون ابتداء تطوع.
والأيام التي رغب الشارع في التطوع بصومها إذا لم يصمها فلا معنى لتقدير قضائها ولو تحرم بالصوم ثم أفسده، فقد يتخيل إمكان القضاء، ولست أراه أيضًا والعلم عند الله تعالى.
هذا لفظ الإمام وكأن النووي رحمه الله لما أشكل عليه هذا الكلام حالة اختصاره راجع "النهاية"، فإنه عَبّر في "الروضة" بقوله: فإن ضحى في السنة الثانية في الوقت وقع عن الوقت لا عن الماضي. هذا لفظه.
قوله: فروع: يجوز إنابة الحائض لحل ذبيحتها، وعن "الحاوي" أن في كراهة ذبحها الأضحية وجهين، وأن ذبح الصبي لها مكروه. انتهى.
والأصح عدم الكراهة في الحائض كذا نقله الروياني في "البحر" عن الأصحاب، قال: إلا أنه خلاف الأولى، وصححه النووي، في "شرح المهذب" و"زوائد الروضة" وجزم في "الروضة" بالكراهة في الصبي، ولم ينقله عن "الحاوي" كما نقله الرافعي، وخالف في "شرح المهذب" فذكر ما حاصله الجزم بعدم الكراهة ذكر ذلك في باب الصيد والذبائح لا في باب الأضحية.
قوله: وهل يجب أن تكون النية مقرونة بالذبح، أم يجوز تقديمها عليه؟
قضية ما ذكر الإمام تخريجه على وجهين ذكرناهما في جواز تقديم النية على تفرقة الزكاة والأظهر الجواز. انتهى.
واعلم أن شرط ذلك في الزكاة أن تكون النية صدرت بعد تعيين القدر الذي يخرجه، فإن كانت قبله لم يجز كما أوضحناه هناك نقلًا وتعليلًا فتكون الأضحية كذلك فاستحضره.
قوله في "الروضة": ولو قال جعلت هذه الشاة أضحية فهل يكفيه التعيين والقصد عن نية الذبح؟ فيه وجهان: أصحهما عند الأكثرين لا يكفيه؛ لأن التضحية قربة في نفسها فوجبت النية فيها، واختار الإمام والغزالي: الاكتفاء. انتهى.
وهذا الذي صححه من عدم الاكتفاء قد جزم بخلافه في الفصل المعقود لأحكام الأضحية، فقال: العاشرة: لو ذبح أجنبي أضحية معينة ابتدأ في وقت التضحية أو هديًا معينًا بعد بلوغ المنسك فالمشهور أنه يقع الموقع، لأن ذبحها لا يفتقر إلى النية، فإذا فعله غيره أجزأ كإزالة النجاسة. هذا كلامه.
وعبارة الرافعي في "الشرحين" تشعر بالمخالفة أيضًا.
وصحح في "المنهاج" أنه لا يكفي، واختلف كلامه في "شرح المهذب" فصحح في هذا الباب وفي باب العقيقة عدم الاكتفاء، وجزم قبل ذلك في أوائل باب الهدي بأنه يكفي في الهدي والأضحية معًا.
قوله: فرع: لو ضحى عن الغير بغير إذنه لم يقع عنه.
قاله في "التهذيب" واستدرك عليه في "الروضة" فقال: إن كانت الشاة معينة بالنذر وقعت عن المضحي وإلا فلا. كذا قاله صاحب "العدة" وغيره وأطلق الشيخ إبراهيم المروروزي أنها تقع عن المضحي، قال هو وصاحب "العدة": ولو أشرك غيره في ثواب أضحيته وذبح عن نفسه جاز.
قالا: وعليه يحمل الحديث: "اللهم تقبل من محمد وآل محمد"(1).
قوله في الكلام على ما إذا قطع من القفا: قال الإمام: ولو كان فيه حياة مستقرة عند ابتداء قطع المريء ولكنه إذا قطع المريء وبعض الحلقوم. انتهى إلى حركة المذبوح لما ناله من قبل سبب قطع القفا فهو حلال، وأقصى ما وقع التعبد به أن يكون فيه حياة مستقرة عند الابتداء بقطع المذبح، ثم قال بعده: الثانية يجب أن يسرع إلى القطع ولا يتأنى بحيث يظهر انتهاء الشاة قبل استتمام قطع المذبح إلى حركة المذبوح، وهذا قد يخالف ما سبق أن المرعي والمعتبر أن يكون في الحيوان حياة مستقرة عند الابتداء بقطع المذبح، ويشبه أن يكون المقصود هاهنا إذا تبين مصيره إلى حركة المذبوح وهناك إذا لم يتحقق الحال. انتهى.
استدرك في "الروضة" فقال: هذا الذي قاله الإمام الرافعي خلاف ما سبق تصريح الإمام به، بل الجواب: أن هذا مقصر في التأني فلم تحل ذبيحته بخلاف الأول فإنه لا تقصير ولو لم نحلله أدى إلى الحرج. انتهى كلامه.
واعلم أن النووي في "الروضة" لم ينقل الكلام الثاني عن الإمام بل جزم به ثم ذكر هنا أصلًا وزيادة أن هذا الكلام مخالف لما سبق عن الإمام وهو اختصار عجيب وفيه التباس فاحش.
قوله في "الروضة" لو أخذ الذابح في قطع الحلقوم والمرئ وأخذ آخر في نزع حشوته أو نخس خاصرته أو قطع رقبة الشاة من قفاها لم تحل سواء كان قطع الحلقوم والمرئ مذففًا لو انفرد أو تعين على التذفيف، لأن التذفيف لم يتمحص منهما. انتهى ملخصًا.
ومقتضاه أنه لا فرق بين أن يكون المقارن لقطع الحلقوم والمريء مذففًا أم لا.
(1) أخرجه مسلم (1967) من حديث عائشة رضي الله عنها.
فأما الأول وهو المذفف فواضح، وأما الثاني فتوقف فيه الرافعي ومال إلى أنه يحل، فقال: ولك أن تقول: إن كان المقارن لقطع الحلقوم والمرئ مذففًا فيظهر التحريم لأن إضافة الزهوق إلى أحدهما ليست بأولى من الإضافة إلى الثاني.
فأما إذا لم يكن مذففًا فيجوز أن يقال كما لا أثر له إذا تقدم على قطع الحلقوم والمرئ لا أثر له عند المقارنة. وبتقدير أن يؤثر ويمنع الإضافة إلى قطع الحلقوم والمريء مع كونه مذففًا، فينبغي أن يقال: إذا جرح جارح جراحة غير مذففة مع حز الرقبة من آخر، لا يختص الثاني بالقصاص. هذا كلامه وهو واضح حق لا إشكال فيه.
قوله: وإن لم يكن فيه حياة مستقرة لم يحل، وذكر القاضي ابن كج أن أبا حفص ابن الوكيل، حكى فيه قولًا آخرًا أنها تحل والمذهب الأول.
وهذا الخلاف في الشاة إذا مرضت فصارت إلى أدنى الرمق فذبحت تحل؛ لأنه لم يوجد سبب يحال عليه الهلاك، ويحصل قتلًا.
قال: ولو أكلت الشاة نباتًا مضرًا فصارت إلى أدنى الرمق فذبحت، فقد ذكر -شيخي يعني: القاضي الحسين- فيه وجهين ثم قطع في كرة بنفي الحل؛ لأنا وجدنا سببًا يحال الهلاك عليه فصار كجرح السبع. انتهى كلامه.
وحاصل ما ذكره حكمًا وتعليلًا وتشبيهًا أن الحيوان يحل بالذبح، إذا انتهى إلى عدم الحياة المستقرة بسبب المرض، وتابعه عليه في "الروضة".
والمسألة مذكورة في مواضع حصل فيها اضطراب أوضحته في أوائل الجنايات في الطرف الرابع المعقود لاجتماع مباشرين.
قوله: ومن الأمارات على بقاء الحياة المستقرة الحركة الشديدة بعد قطع
الحلقوم والمريء، وكذلك انفجار الدم وتدفقه، وذكر الإمام أن منهم من اعتمد على كل واحد منهما وأن الأظهر أن كلًا منهما لا يكفي لأنهما قد يحصلان بعد الانتهاء إلى حركة المذبوح، لكن قد ينضم إلى أحدهما أو كليهما قرائن أو أمارات أخر تفيد الظن [أو التعيين](1) فيجب النظر والاجتهاد. انتهى.
والأصح على ما قاله في "شرح المهذب" و"زوائد الروضة" الاكتفاء بالحركة الشديدة.
قوله: ومهما كانت في ملكه بدنة أو شاة فقال: جعلت هذه ضحية، أو هذه ضحية أو عليَّ أن أضحي بها، صارت أضحية.
وكذا لو جعلها هديًا، ثم قال: وشرط بعضهم أن يقول مع ذلك: لله تعالى.
قال في "التهذيب": والمذهب الأول. وشبه ذلك بتوجيه العتق تنجيزًا على العبد، قال الإمام: تشبيهه بتعيين الشيء للوقف والحبس أقرب، فإن الأضحية لا تخرج عن المالية وإن تعينت كالعين المحبسة والعبد الذي وجه عليه العتق يخرج عن المالية بالكلية وهذا لا يسلمه الأولون بل صرحوا بزوال الملك عن الهدي. انتهى كلامه.
والذي نقله رحمه الله عن الإمام سهو فإن الأضحية وإن خرجت عن ملكه فماليتها باقية لم تزل لأنها خرجت عن ملكه إلى ملك الفقراء، وكذلك في الوقف بخلاف العتيق فإنه خرج عن كونه مالًا، وهذا البحث لم يذكره في "الروضة" وكأن "الرافعي" تحرف عليه المالية بالمالك.
قوله في "أصل الروضة": فلو قال ابتداءً: عليَّ التضحية بهذه البدنة أو الشاة، لزمه التضحية قطعًا. انتهى.
(1) سقط من ب.
وما ذكره من دعوى القطع ليس كما قاله؛ ولذلك لم يذكره الرافعي لأن هذا التزام لم يعلق على شيء، وفي صحته قولان مشهوران ثابتان في كتاب النذر.
وأيضًا فلأن بعض الأصحاب يذهب إلى أن النذر لا يصح إلا إذا أضافه لله تعالى وقد حكاه هو في هذا الباب قبل هذا الموضع بقليل.
قوله: من أراد التضحية فدخل عليه عشر ذي الحجة كره أن يحلق شعره وأن يقلم ظفره حتى يضحي.
وقيل: إنما يكرهان بعد العشر، وتعيين ما يضحى به، وفي قول: لا يكره القَلْم، وفي وجه: يحرمان انتهى.
قال في "الروضة" من "زوائده": قال الشيخ إبراهيم المروزي في "تعليقه": حكم سائر أجزاء البدن [كالشعر](1). والله أعلم.
وهذه الزيادة التي ذكرها لم يوضح ما يستفاد منها فإنه قد سبق ذكر القَلْم، والشعر يتناول جميع ما على الجسد ولا شك أن ما يزال من أجزاء البدن قد تكون إزالته واجبة كختان البالغ، وقطع يد السارق والجاني بعد المطالبة ونحوها، وقد تكون مستحبة كختان الصبي، وقد تباح كقطع السن الموجعة وكذلك الفصد والحجامة ونحوها بشروط، فإن الدم من الأجزاء كما صرحوا به في كتاب الطلاق.
فأما الأول فتأخير الواجب لا يجوز، فضلًا عن كونه مستحبًا.
وأما الثاني فالتضحية من مال الصبي ممتنعة.
وأما الثالث فالأمر بمقاساة الآلام وكراهة التأخير فيه بُعد، وقد تقدم أن الأضحية سُنَّة على الكفاية في حق أهل البيت.
(1) في أ، ب: كالعشر.
وتقدم أيضًا من "زوائد" النووي عن المروروزي وصاحب "العدة" أنه لو ضحى عن نفسه وأشرك غيره معه في الثواب جاز. وحينئذ فقد يقال: صورته ما إذا كان في البيت صبي أو أشرك الصبي معه. ولقائل أن يمنعه وهو الأوجه ويقول: الأحاديث الواردة بالأمر، وعبارات الأئمة إنما دلت عليه في حق من أراد التضحية وهذا لم يردها.
نعم أقرب ما تصور به الفصد والحجامة وقطع السلغة ونحو ذلك مما يؤتي به بغير ألم عاجل.
قوله: ولو نذر أن يتصدق بمال بعينه زال ملكه عنه، بخلاف ما لو نذر إعتاق عبد بعينه فإنه لا يزول ملكه عنه ما لم يعتقه؛ لأن الملك في الصدقات ينتقل إلى المساكين وفي العبد لا ينتقل إليه بل ينتقل عن الملك بالكلية. انتهى كلامه.
وما ذكره في نذر الصدقة من زوال الملك قد خالفه في أوائل النذر، وسأذكر لفظه فيه هناك إن شاء الله تعالى.