الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال رحمه الله:
النظر الثاني في أحكام الأضحية
قوله: كما لا يصح بيع الأضحية لا يصح إجارتها ويجوز إعارتها لأنها إرفاق، ولو أجرها فركبها المستأجر فتلفت ضمن المؤجر قيمتها والمستأجر الأجرة. ثم هل يكون مصرفها مصرف الضحايا أم الفقراء، فقط؟ وجهان في "البحر" انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن تقييد ضمان الأجرة بركوب المستأجر لا يستقيم؛ لأن الأجرة في الإجارة الفاسدة تستقر بما يستقر به المسمى في الإجارة الصحيحة لو كانت ملكًا له فما ليس ملكه بطريق الأولى.
ولا يشترط لاستقرار المسمى في الإجارة الصحيحة نفس الانتفاع بل مضي الزمان عند المستأجر فكذلك هاهنا.
الثاني: أن القياس في هذه المسألة أن يضمن كلًا من المؤجر والمستأجر القيمة والمنفعة وقرارهما على المستأجر إن علم، فإن لم يعلم فالقرار في الأجرة عليه وفي العين على المؤجر في الأصح لتغريره، وسيأتي في آخر الباب الثالث من أبواب الرهن في نظير المسألة ما ذكرناه.
نعم ذكر في الغصب أن المغصوب الموهوب قراره على الموهوب له في الأصح، وعلله بأنه أخذه للتملك فاعلمه.
الأمر الثالث: أن الأصح من الوجهين في الأجرة أنها تصرف مصرف الضحايا كذا صححه النووي في "شرح المهذب" و"زوائد الروضة".
الأمر الرابع: أن كلامهما يشعر بأنها لو تلفت في يد المستعير لم يجب ضمانها، وهو كذلك وسببه أن المعير وإن لم يكن مالكًا إلا أن يده ليست يد ضمان وكذلك من أثبتت يده عليه وهذا بعينه قد ذكره الرافعي وغيره في المستعير من المستأجر ومن الموصي له بالمنفعة.
قوله: فإن فرض إتلاف فينظر إن وجد من أجنبي فعليه القيمة يشتري بها مثل الأولى فإن تعذر فدونه، فإن لم يجد بالقيمة ما يصلح للأضحية، ففي "الحاوي": أنه يلزم الناذر أن يكمل من عنده، والصحيح عند الجمهور أنه لا شيء عليه لعدم تقصيره. فعلى هذا فوجهان أصحهما على ما ذكره الروياني أنه يلزمه شراؤه والذبح مع الشريك.
والثاني: يجوز إخراج القيمة لأن في شراء الشقص مشقة، ويحكى هذا عن أبي إسحاق، وقيل: يشتري به لحمًا ويتصدق به، ورتب الماوردي هذه الصور ترتيبًا حسنًا، فقال: إن كان المتلف ثنية ضأن مثلًا ولم يمكن أن يشتري بالقيمة مثلها وأمكن شري جذعة ضأن وثنية معز تعين الأول رعاية للنوع، وإن أمكن ثنية معز ودون جذعة ضأن فيتعين أيضًا الأول، لأن الثاني لا يصلح للتضحية.
وإن أمكن دون الجذعة، وشري سهم في ضحية تعين أيضًا لأن التضحية لا تحصل بواحد منهما، والأول إراقة دم كامل.
وإن أمكن شري سهم وشرى لحم فالأول أيضًا متعين لأن فيه شركة في إراقة دم.
وإن لم يمكن إلا شرى اللحم وتفرقة الدراهم تعين الأول لأنه مقصود الأضحية. انتهى.
والذي صححه الروياني قد صححه الرافعي في "الشرح الصغير" وعبّر: بالأصح وكذلك النووي في "شرح المهذب" و"الروضة".
ولم ينبه فيها على أنه من "زوائده" بل أدخله في كلام الرافعي، فتفطن له فإنه غريب.
وقد جزم الرافعي في كتاب "الوقف" في الكلام على ما إذا أتلف الموقوف بخلافه، فقال: وهذا الخلاف فيما إذا أتلف الأضحية، ولم يوجد بقيمتها إلا شقص شاة لأنه لا يضحي بشقص الشاة. انتهى.
والصواب الإجزاء كما هو المذكور هنا تعميمًا وتصريحًا وصَرّح به أيضًا الإمام وغيره.
قوله: فإن قلنا بالوجه الثاني فقد أطلق مطلقون أنه يتصدق بها وعبارة الإمام: أنه يصرفها مصرف الضحايا، حتى لو أراد أن يتخذ منه خاتمًا يقتنيه ولا يبيعه كان له ذلك، وهذا أوجه، ويشبه أن لا يكون فيه خلاف محقق، بل المراد أن لا يجب شقص ويجوز إخراج الدراهم.
وقد يتساهل في ذكر المصرف في مثل هذا. انتهى.
قال في "الروضة": هذا الذي حكاه عن الإمام من جواز اتخاذ الخاتم تفريع على جواز الأكل من الأضحية الواجبة.
قوله: وإن وجد إتلاف من المضحي فوجهان ذكرهما الإمام:
أحدهما: أن الواجب عليه قيمة يوم الإتلاف كالأجنبي.
وأصحهما: أنه يلزمه أكبر الأمرين من قيمته، وتحصيل مثله. انتهى.
وحاصل ما ذكره هنا وفي كلام آخر بعده متصل به أنه يجب أن يشتري بالقيمة من جنس التالف، ثم إن الرافعي ذكر المسألة أيضًا في أواخر النذر في أثناء كلام أوله: قال: وإذا قال لله عليَّ أن أضحي ببدنة، وذكر فيها
خلافًا لم يذكره هنا بالكلية، فقال: وفي طريقة الصيدلاني حمل النص على ما إذا عين بعيرًا، وقال: لله على أن أهدي هذا، ثم أتلفه، فعليه أن يأتي بمثله، وذكر الأصحاب وجهين في أنه يتخير بين بدنة مثلها وبين البقر والغنم أو هي على الترتيب. انتهى.
وهذا الخلاف أسقطه من "الروضة" هناك فكأنه توهم أن ذكره سبق منه هاهنا.
قوله في "الروضة": وإذا ذبح أجنبي الأضحية المعينة وجب عليه الأرش على الأصح المنصوص.
ثم قال: وهل هو للمضحي أو للمساكين؟ أو يسلك به مسلك الضحايا؟ فيه أوجه أصحها: الثالث.
فعلى هذا يشتري به شاة فإن لم يتيسر عاد الخلاف السابق أنه يشتري به جزء ضحية أو لحم أو يفرق بنفسه. انتهى.
وقد أهمل من الوجوه الأخيرة وجهًا آخرًا ذكره الرافعي، فقال عقب حكايته كما في "الروضة": وقيل: هو مُخيّر بين أن يصرفه إلى آخره وبين أن ينتفع به ولا يبيعه.
قوله: ولو ذبح أجنبي الأضحية المعينة وأتلف لحمها فقولان:
الجمهور: أنه يضمن قيمتها عند الذبح.
والثاني: يضمن بالأكثر من قيمتها وقيمة اللحم، وروى بعضهم بدل الثاني: أنه يغرم أرش الذبح وقيمة اللحم، ثم قال: ولا اختصاص لهذه الحالات بصورة الضحية، بل يطرد في كل من ذبح شاة إنسان ثم أتلف اللحم. انتهى كلامه.
تابعه عليه في "الروضة"، واعلم أن الشاة متقومة واللحم مثلي على
الصحيح، وقد ذكر في باب الغصب أن من غصب متقومًا ثم صار مثليًا ثم تلف يلزمه قيمة المتقوم وإن كانت أكثر قيمة من قيمة المثلى، وإن كانت أقل أو استويا لزمه المثل، وقد ذكرت مسألة الغصب في بابها فراجعها.
قوله: ولو أشار كذاب عبث فقال: جعلت هذه أضحية، أو نذر أن يضحي بها وجب ذبحها لالتزامه ويثاب عليها ولكن لا تجزئ عن الضحايا المشروعة.
وهل يختص ذبحها بيوم النحر وتجري مجرى الضحايا في المصرف؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا. لأنها ليست أضحية.
وأصحهما: نعم لأنه أوجبها باسم الأضحية ولا محمل لكلامه إلا هذا. فعلى هذا لو ذبحها قبل يوم النحر تصدق بلحمها ولا يأكل منه شيئًا، وعليه قيمتها يتصدق بها. انتهى.
وحاصله أنه لما عَبّر بالأضحية وتعذر وقوعها أضحية، حملنا التعبير بها على إرادة حكمها وهو تعيين الوقت والمصرف للضرورة، ويكون كالمصرح بها.
إذا علمت هذا فما ذكره من تعيين المصرف مُسَلّم، وأما الوقت حتى يمتنع التقديم فعجيب؛ لأنه لو صرح به فقال: لله تعالى عليَّ أن أتصدق بهذا في يوم كذا، جاز التقديم عليه، كما سبق إيضاحه في باب الاعتكاف فغير الملفوظ به وهو المقدر للضرورة بطريق الأولى.
قوله: فأما إذا تعيبت المعينة ابتداءً أو عما في الذمة بفعله فعليه ذبح صحيحة وفي انفكاك المعينة عن حكم الالتزام الخلاف الذي سبق. انتهى كلامه.
والأصح من ذلك الخلاف السابق هو الانفكاك وعودها إلى الملك. كذا صرح به قبل هذا بنحو ورقة فقال: إنه الأصح المنسوب إلى النص، وحينئذ فيكون الأصح هنا العود أيضًا على مقتضى ما قاله الرافعي.
إذا علمت هذا فاعلم أن ما قاله في المعينة عمّا في الذمة صحيح، وأما المعينة ابتداءً فقد خرج فيها قبل ذلك بعدم العود، فقال في أول الحكم الثاني في الكلام على التي عينت ابتداءً ما نصه: ولو تعيبت يوم النحر قبل التمكين من الذبح فيذبحها ويتصدق بلحمها وإن تعيبت بعد التمكن يذبحها ويتصدق بلحمها أيضًا، وعليه ذبح بدلها وتقصيره بالتأخير كالتعيب. هذا كلامه.
ثم ذكر بعده أن المعينة عما في الذمة تعود إلى ملكه بالتعيين على الصحيح كما تقدم نقله عنه، والذي يظهر أن الموضع الأول وقع سهوًا وقد تابعه في "الروضة" على هذا الاختلاف.
قوله: ولو ذبح الأضحية المنذورة يوم النحر أو الهدي المنذور بعد بلوغ المنسك ولم يفرق اللحم حتى تغير وفسد فعليه قيمة اللحم ويتصدق بها ولا يلزمه شراء شيء آخر لأنه حصلت إراقة. وكذا لو غصب اللحم غاصب وتلف عنده أو أتلفه متلف يأخذ القيمة ويتصدق بها. انتهى كلامه.
تابعه عليه في "الروضة" وهو يحتمل أن يكون مفروضًا في المعين ابتداء؛ ويحتمل أن يكون في الذبح عما في الذمة، وعلى كل حال لا يستقيم إخراج القيمة.
أما الأول وهو المعين ابتداء، فلأن اللحم المذكور ملك للفقراء، إذ يملكونه بمجرد النذر، واللحم مثلي على الصحيح كما صححناه في باب الغصب، فجزمهما هنا بإخراج القيمة مخالف لما صححناه هناك.
وأما الثاني فلأن الحق واجب في الذمة ولا يزال كذلك حتى يملكه
الفقراء وهم لا يملكونه إلا بالقبض، فكيف يحسن الاكتفاء بالقيمة عن اللحم، وهي عندنا لا تجزيء وإنما يحسن الاكتفاء بها، أن لو أتلفه بعد قبضهم إياه، وقد ذكر المسألة على الصواب في آخر كتاب الحج، وصحح وجوب الذبح أو إخراج اللحم، وضعف وجوب القيمة فقال في آخر باب الدماء الواجبة على المحرم: وإذا ذبح المحرم في الحرم فسرق منه لم يجزئه عما في ذمته وعليه إعادة الذبح، أو شراء اللحم والتصدق به، وفيه وجه أنه يكفي التصدق بالقيمة. هذا لفظه بحروفه.
زاد في "الروضة" على هذا بتصريح تضعيف الوجه، فقال: وفيه وجه ضعيف، فتلخص أن ما ذكراه في هذا الفرع مردود، وسيجيء بعد هذا كلام آخر متعلق بما نحن فيه فينبغي استحضاره مع المذكور هنا.
قوله: وإن مضى بعض أيام التشريق ثم ضَلّت فهل هو تقصير حتى يضمن؟ فيه وجهان. انتهى.
والراجح في هذه والمسألة على ما ذكره الرافعي فيها وفي نظائرها أنه يضمن فقد قال في أوائل الحكم الثاني: فلو قال: جعلت هذه البدنة أو الشاة أضحية أو نذر أن يضحي ببدنة أو شاة عينها، فماتت قبل يوم النحر أو سرقت قبل أن يتمكن من الذبح يوم النحر فلا شيء عليه، وكذا الهدي المعين إذا تلف قبل بلوغ المنسك أو بعده وقبل التمكن من الذبح. انتهى.
فاشتراطه في عدم الضمان أن تكون السرقة أو التلف قبل التمكن دليلًا على أنه يضمن إذا حصل بعده، وذكر أيضًا في آخر هذا الحكم ما هو أصرح منه فقال: وإذا تمكن من ذبح الهدي بعد بلوغ المنسك، أو من ذبح الأضحية يوم النحر فلم يذبح حتى تلفت فهو كالإتلاف لتقصيره بتأخير الذبح. انتهى.
وذكر أيضًا في أول النوع الثاني مثله وأبلغ منه فقال: ولو تعيبت يوم
النحر قبل التمكن من الذبح فيذبحها ويتصدق بلحمها، وإن تعيبت بعد التمكن يذبحها ويتصدق بلحمها أيضًا، وعليه ذبح بدلها وتقصيره بالتأخير كالتعيب. هذا كلامه.
ووافق النووي في "الروضة" على هذه المواضع فجزم بها كما جزم بها الرافعي، ثم ذهل عن ذلك كله فرجح من زوائده عقب الوجهين المذكورين في صدر المسألة عدم الوجوب فقال: قلت: الأرجح أنه ليس بتقصير كمن مات في أثناء وقت الصلاة، والله أعلم.
وصَرّح بتصحيحه أيضًا في "شرح المهذب".
ومن نظائر المسألة ما إذا حلف ليأكلن الرغيف غدًا فتلف من الغد بعد التمكن من أكله والصحيح فيه الحنث.
ومنها: إذا مات في أثناء يوم العيد قبل إخراج الفطرة وقد ذكرت فيها كلامًا ينبغي الوقوف عليه في كتابنا المسمى "بالهداية إلى أوهام الكفاية" ومنها: تلف الصيد بعد الإحرام وقبل التمكن من الإرسال، وقد سبق إيضاحه في الحج.
قوله: فإن عين هديًا أو أضحية عما ثبت في ذمته فَضَلّ ما عينه بقي الأصل في ذمته عند الجمهور، فإن ذبح واحدة عما عليه ثم وجد الضالة فهل يلزمه ذبحها؟ فيه وجهان، وقيل: قولان:
أصحهما: على ما ذكر في "التهذيب" أنه لا يلزم.
والثاني: يلزم وهو ما أورده ابن الصباغ. انتهى.
لم يصحح شيئًا في "الروضة" أيضًا، والذي صححه البغوي هو الصحيح، كذا صححه الرافعي في "الشرح الصغير" وعبَّر: بالأصح.
قوله في "أصل الروضة": فلو عين عن الضالة واحدة ثم وجدها قبل
ذبح البدل فأربعة أوجه:
أحدها: يلزمه ذبحهما معًا.
والثاني: يلزمه ذبح البدل فقط.
والثالث: ذبح الأصل فقط.
والرابع: يتخير بينهما. انتهى.
والأصح من هذا الخلاف هو الثالث، فقد قال الرافعي في "الشرح الصغير": إنه الأظهر، والنووي في "شرح المهذب" و"زوائد الروضة": إنه الأصح، وفي "الرافعي" إشعار بترجيحه لمن تأمله، ولكن حذفه من "الروضة".
قوله: ولو عَيّن من عليه كفارة عبدًا عما عليه ففي تعيينه خلاف، والذي أجاب به الشيخ أبو حامد: أنه يتعين. انتهى.
والمشهور الذي نص عليه الشافعي هو التعيين ومقابله قول مُخَرّج كذا ذكره الرافعي في باب الإيلاء فقال: المنصوص وقول عامة الأصحاب: أنه يتعين. هذا لفظه.
ثم قال: واختار المزني أنه لا يتعين، وخَرّجه على أصل الشافعي، واستشهد بأن نظيره من الصوم لا يتعين على المنصوص، وبه قال الأكثرون.
ولو نذر أن يصرف زكاته إلى أشخاص معينين فالأكثرون ما نقله القاضي: أنه لا يتعين، فقد صحح في "الروضة" هنا من "زوائده" التعيين في العبد ولم يستحضر ما سبق في الإيلاء.
قوله: فكل هدي وجب ابتداءً من غير التزام كدم التمتع والقران ودماء الجبرانات في الحج لا يجوز الأكل منه.
فلو أكل منها شيئًا غرمه ولا يجب إراقة الدم ثانيًا، وفيما يغرم ثلاثة أوجه:
أظهرها: ويحكي عن نصه في القديم: أنه يغرم قيمة اللحم، كما لو أكله أو أتلفه غيره.
والثاني: أنه يلزمه مثل ذلك اللحم، لأنه لو أتلف الشاة التي عينها لما عليه أو أتلف الهدي لزمه مثله، فكذلك إذا أتلف بعضه لزمه مثله.
والثالث: عليه أن يشتري شقصًا من حيوان مثله ويشاركه في الذبح لأن ما أكله بطل إراقة الدم فيه، فصار كما إذا ذبح وأكل الجميع يلزمه دم آخر ثم قال بعد ذلك: وحيث لا يجوز الأكل من الأضحية المنذورة، فلو أكل ففي ما يغرم الوجوه الثلاثة. انتهى كلامه.
وقد اشتمل على أنه إذا أكل البعض أجنبي لزمه القيمة وإن أكله هو فكذلك على الصحيح، وإن أكل الجميع لزمه دم آخر وتابعه على ذلك في "الروضة" وفيه أمران:
أحدهما: أن ما جزم به هنا من غرامة القيمة للفقراء، قد جزم بعكسه في [الباب](1) الذي يليه المعقود للأكل من الأضحية المتطوع بها، فإنه قال إذا أكل الجميع ضمن ما يطلق عليه الاسم.
وقيل المقدار المستحب.
وقيل: الكل.
ثم قال ما نصه: ثم ما ضمنه على الخلاف السابق لا يتصدق به ورقًا وهل يلزمه صرفه إلى شقص أضحية أم يكفي صرفه إلى اللحم وتفرقته؟ وجهان. هذا لفظ النووي في "الروضة"، ونقله الرافعي عن الروياني
(1) في ب: الفصل.
وأقره.
وهو اختلاف عجيب، فإن المتطوع بها لم يحب فيها إراقة الدم فإجزاء القيمة فيها أقرب من إجزائها في الواجبة على عكس ما قال.
الأمر الثاني: أن ما ذكره من إيجاب الدم عند أكل الجميع مخالف لكلام ذكره في آخر الحج، ونقلناه عنه قبيل هذا بقليل فإنه خير هناك بين الدم وبين إخراج اللحم.
إلا أنه فرض المسألة هناك في سرقة اللحم، وفرضه هنا في أكله، ولا أثر لاختلاف هذا التصوير، إلا أن يقال: لَمّا أكله تبينا أن إراقة الدم كان لأجل ذلك فيلزمه إعادته بخلاف السرقة.
قوله: فإن علق التزام الأضحية أو الهدي بشفاء المريض وقدوم الغائب حرم عليه الأكل، فإن أطلق الالتزام فوجوه، ثم قال: وبالمنع قال أبو إسحاق، وذكر المحاملي أنه المذهب والجواز هو اختيار الإمام والقفال.
وفي "العدة": إنه المذهب.
ويشبه أن يتوسط فيرجع في المعين الجواز، وفي المرسل المنع سواء عَيّن عينه ثم ذبح المعين أو ذبح بلا تعيين لأنه عن دين في الذمة كجبرانات الحج. وإلى هذا ذهب صاحب "الحاوي" وعليه ينطبق سياق الشيخ أبي عليّ. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ذكره عن الماوردي في الهدي والأضحية ليس كذلك إنما نقله الماوردي في الأضحية خاصة، وأما الهدي فإنه ذكر فيه الخلاف، وصحح المنع ولم يتعرض للتفصيل.
الثاني: أن ما رجحه في المعينة من جواز الأكل قد ذكر قبل ذلك في أول الحكم الثاني ما يخالفه، فقال: وإن تعيبت -أي المعينة- يوم النحر
قبل التمكن فيذبحها ويتصدق بلحمها.
وذكر أيضًا بعد هذا بدون ورقة نقلًا عن "التهذيب" من غير إنكار عليه ما يوافقه، وصرح فيه بأنه لا يأكل منها شيئًا، وذكر أيضًا في آخر الباب في الكلام على ولد الأضحية، ما حاصله: أنه يجوز الأكل في المعينة عما في الذمة، فتأمله.
ولهذا قال: ويجوز أن يعلم قول "الوجيز" وولد الأضحية له حكم الأم بالواو لأنه يتناول المعينة ابتداء، والمعينة عما في الذمة، وفي الثانية خلاف كما عرفت. هذا لفظه.
قوله: قال العلماء: كان ادخار الأضحية فوق الثلاث منهيا عنه لأجل الدافة وهم جماعة كانوا دخلوا المدينة قد أقحمتهم السنة في البادية، والمشهور أن النهي أولًا كان نهي تحريم، وعن صاحب "الإفصاح" أنه يحتمل الإرشاد والاستحباب وذكروا تفريعًا على الأول وجهين في أن ذلك التحريم كان عامًا ثم نسخ، أو كان مخصوصًا بتلك الحالة الحادثة فلما أنهيت انتهى التحريم.
ووجهين تفريعًا على الثاني في أنه لو حدث مثل ذلك في زماننا وبلادنا هل يحكم بالتحريم، والظاهر أنه لا يحرم اليوم بحال. انتهى كلامه.
تابعه في "الروضة" على ذلك كله والصحيح أن النهي كان مخصوصًا بحالة الضيق والصحيح أيضًا: أنه إذا حدث ذلك في زماننا أنه يعود المنع على خلاف ما رجحه الرافعي، فقد نص الشافعي على ذلك كله فقال في "الرسالة" في آخر باب العلل في الحديث ما نصه: فإذا دفت الدافة [ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث. وإن لم تدف دافة](1)
(1) سقط من أ.
فالرخصة ثابتة بالأكل والتزود والادخار والصدقة.
قال الشافعي: ويحتمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث منسوخ في كل حال. هذا لفظه بحروفه ومن "الرسالة" نقلته.
واعلم أن الدافة: بالدال المهملة والفاء المشددة، هي الطائفة القادمة من البادية لما أصابهم من المجاعة مشتقة من الدفيف وهو السير اللين.
وأما أقحمتهم فمعناه: أهلكتهم، مشتق من القُحمة بضم القاف وإسكان الحاء المهملة وهو الهلاك.
وأما السنة فهو العام المجدب قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} (1) أي أهلكناهم بالأعوام المجدبة.
قوله: وقال الغزالي في "الوجيز": ويتأدى كمال الشعار بأن يتصدق بالثلث ويأكل الثلث ويدخر الثلث، ثم قال: ثم التثليث بالكيفية التي أوردها بعيد نقلًا ومعنى.
أما النقل: فإنه لا يكاد يوجد في كتاب متقدم ولا متأخر ولا في "النهاية" ولا في "الوسيط" تصريح بذلك. انتهى كلامه.
وهذا الذي قاله الغزالي منقول في المذهب ثابت، وإنكار الرافعي عليه هو المنكر المردود فقد صرح القاضي الحسين في "تعليقه" بحكاية ما قاله الغزالي، قولًا للشافعي وزاد على حكايته فنقله عن الجديد وجعل مقابله قولًا قديمًا، وشتان بين الكلامين حيث تكون المقالة هي الجديد ويدعي فيها أنها لم توجد لأحد، وهذا الكتاب أعني "تعليقة" القاضي هي من جملة الأصول الكبار التي فاتت الرافعي فلم يقف عليها، وقد أنكر النووي في "الروضة" أيضًا هذه المقالة تبعًا للرافعي، وكذلك في "شرح المهذب".
(1) سورة الأعراف (130).
قوله: وإن عينت عما في الذمة فحكم الولد كما ذكرنا في المعينة بالنذر ابتداءً وفي "الشامل" لابن الصباغ وجه آخر: أنه لا يتبعها الولد فتكون ملكًا للمضحي والمهدي لأن ملك الفقراء غير مستقر في هذه، ألا ترى أنها لو غابت عادت إلى ملكه. انتهى كلامه.
ذكر مثله في "الشرح الصغير" أيضًا وهو يقتضي أن الحمل في الأضحية ليس بعيب لأنه لا يجوز تعيين المعيب عما في الذمة، فلو كان الحمل عيبًا لكان مانعًا للإجزاء سواء كان مقارنًا للتعيين أم طارئًا بل تعليله بقوله: أنها لو غابت عادت إلى ملكه صريح في ذلك أيضًا وما دل عليه كلام الرافعي قد نقل ابن الرفعة التصريح به عن "شرح الوسيط" للعجلى وعن "الإفصاح" للصيمري ونقل عن حكايته وجهًا أنه عيب ثم قال -أعني ابن الرفعة: إن المشهور خلافه.
وقد رأيت ما قاله ابن الرفعة في كلام العجلي فكأنه لم يظفر بكونه عيبًا إلا في هذا الكتاب، ولهذا لم ينقله عن غيره وادعى عدم شهرته.
وذلك في غاية العجب فقد صرح بكونه عيبًا في الأضحية خلائق كثيرة منهم صاحب "التتمة" في كتاب الزكاة في الكلام على الخلاف بين الشافعي وداود في أن الحامل هل تجزئ في الزكاة أم لا؟ ، ونقله هو عنه في ذلك الموضع وأقره ولم يحك خلافه ولم يتعقبه بإنكار ولا تضعيف، وجزم به أيضًا هناك شيخ الأصحاب الشيخ أبو حامد، في "تعليقه" والعمراني في كتاب "البيان" والنووي في "شرح المهذب" نقلًا عن الأصحاب فقال ما نصه: قال القاضي أبو الطيب: قال الأصحاب: إنما قلنا: لا تجزئ الحامل في الأضحية لأن المقصود من الأضحية اللحم، والحمل يهزلها، ويقل بسببه لحمها فلا تجزئ والمقصود من الزكاة كثرة القيمة.
هذا لفظه من غير اعتراض عليه.
ورأيته أيضًا في "الذخيرة" للبندنيجي في باب صدقة الغنم في آخر المسألة الثانية منه مجزومًا به وفي "شرح المهذب" المسمى "بالاستقصاء" في كتاب الأضحية نقلًا عن الأصحاب.
وبالجملة فيها وأئمة المذهب قد جزموا به، وهذه كتبهم شاهدة فمن أحب الوقوف على ذلك فليقف فقد أعلمناه مواضعها، ولعل السبب في قول ابن الرفعة ذلك أن المسألة مذكورة في غير مظنتها، وذكر الرافعي أيضًا ما يؤيده في كتاب البيوع في آخر خيار النقص فقال: وأطلق بعضهم أن الحمل الحادث عيب؛ لأنه في الجارية يؤثر في النشاط والجمال وفي البهيمة ينقص اللحم ويضر بالحمل عليها. هذا لفظه، وهو كالصريح فيه لأن تنقيص اللحم هو ضابط عيوبها، وذكر أيضًا قريبًا منه في كتاب الصداق.
قوله: بعد ذكر ولد الأضحية الواجبة والمتطوع بها: ثم إذا ذبح الولد والأم ففي تفرقة لحمها وجوه:
أحدها: أنه يسلك بلحم كل واحد منهما [مسلك الضحايا يتصدق من كل واحد منهما](1) بشيء لأنهما أضحيتان، قال الروياني: وهو المذهب.
والثاني: يكفي التصدق من أحدهما لأن الولد بعض منها.
والثالث: أنه لابد من التصدق من لحم الأم لأنها الأصل.
والوجهان الأخيران يشتركان في تجويز [أكل](2) جميع الولد وهو الذي صححه صاحب "الكتاب". انتهى ملخصًا.
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من ب.
ذكر مثله في "الشرح الصغير" أيضًا وفيه أمور:
أحدها: أن هذا الذي صححه الغزالي من أكل الجميع هو الصحيح فقد جزم به في "المحرر" فقال: فصل: يجوز الأكل من أضحية التطوع، ثم قال: وولد الأضحية الواجبة سواء كانت معينة في الأصل أو عينت عما في الذمة، له حكم الأم، يذبح معها لكن يجوز أكل جميعه هذا لفظه. وتبعه عليه في "المنهاج".
الأمر الثاني: أن النووي في "الروضة" اختصر كلام الرافعي على غير وجهه، فإنه نقل عن الغزالي أنه صحح وجوب التصدق بشيء من لحم الأم فالرافعي إنما نقل عنه جواز أكل الولد كما تقدم وهو يصدق مع كل من الوجهين الأخيرين.
الأمر الثالث: أن القول بوجوب ذبح الولد مع جواز أكل جميعه مدركه أن الولد كالجزء فجاز أكله كما يأكل يد الأم ورجلها وحينئذ فيلزم بالضرورة من جواز أكل جميع الولد [جواز الأكل من الواجب بل الأكل من الواجب أولى](1)، فإن بعض من جوز الأكل من الواجب منع أكل جميع الولد، وقال: لابد أن يتصدق بشيء منه، لكونه كأضحية مستقلة.
وإذا علمت ذلك علمت أن ما قاله في "المحرر" من منع الأكل من الواجب مع جواز أكل الولد كلام غير منتظم وإن كان قد وقع أيضًا في "المنهاج" وفي "الروضة" فإنه صحح من "زوائده" جواز أكل جميعه.
قوله: فإذا ضَحّى بشاة فوجد في بطنها جنينًا فيمكن أن يطرد فيه هذا الخلاف ويمكن أن يقطع بأنه بعضها. انتهى.
قال في "الروضة": ينبغي أن يبني هذا على الخلاف المعروف في أن
(1) سقط من أ.
الحمل له حكم وقسط من الثمن أم لا؟
فإن قلنا: لا، فهو بعض كبدها وإلا فالظاهر طرد الخلاف ويحتمل القطع بأنه بعض والأصح على الجملة أنه يجوز أكل جميعه هذا كلامه. وذكر مثله في "شرح المهذب" أيضًا.
قوله: ويجوز ركوب الهدي والأضحية المنذورين وإركابهما بالعارية والحمل عليهما من غير إجحاف فإن نقصا بذلك ضمن. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة" وفيه أمران:
أحدهما: أن جواز الركوب والإركاب مشروط بالحاجة إليه، كذا نص عليه الشافعي فقال: ويركب الهدي إن اضطر إليه ركوبًا غير قادح ويحمل المضطر عليها، هذا لفظه. حكاه الماوردي فعلى هذا لا يجوز ذلك للقادر على المشي إذا ركب مترفهًا ككثير من الناس.
ولا للقادر على غيرهما بملك أو إجارة وفي الإعارة نظر.
وذكر النووي في باب الهدي من "شرح المهذب" نحو ما ذكره الشافعي، فقال: يشترط أن يحتاج إلى ذلك.
وقال الماوردي: يجوز بلا ضرورة، هذا كلامه.
الأمر الثاني: أن تقييد الشافعي بغير القادح، والرافعي بغير إجحاف، قد فسره ابن الرفعة في "الكفاية": بأن لا يلحق الحيوان بذلك مشقة، وقد سبق في أوائل الكلام على أحكام الأضحية أمور متعلقة بالمسألة فراجعها.
قوله في "الروضة": السابعة: لو اشترى شاة فجعلها ضحية ثم وجد بها عيبًا قديمًا، لم يجز ردها لزوال الملك عنها كمن اشترى عبدًا فأعتقه، ثم علم به عيبًا لكي يرجع على البائع بالأرش.
وفي ما يفعل به وجهان:
أحدهما: يصرف مصرف الأضحية، فينظر أيمكنه أن يشتري به أضحية أو جزءًا أم لا؟ ويجوز فيه ما سبق في نظائره، وفرقوا بينه وبين أرش العيب بعد إعتاق العبد، بأنه الذي أعتقه.
فإن المقصود من العتق تكميل الأحكام، والعيب لا يؤثر فيه، والمقصود من الأضحية اللحم ولحم المعيب ناقص.
والوجه الثاني: أنه للمضحي لا يلزمه صرفه للأضحية؛ لأن الأرش لسبب سابق للتعيين، وبالوجه الأول قال الأكثرون.
لكن الثاني أقوى، ونسبه الإمام إلى المراوزة وقال: لا يصح غيره، وإليه ذهب ابن الصباغ والغزالي والروياني.
قلت: قد نقل في "الشامل" هذا الثاني عن أصحابنا مطلقًا ولم يحك فيه خلافًا فهو الصحيح، والله أعلم.
وهذا الذي نقله النووي في "زياداته" من أن صاحب "الشامل" نقل عن الأصحاب أنه للمالك ثم استند إلى ذلك فصححه، غلط فاحش فإن الذي ذكره صاحب "الشامل" إنما هو الأول فمن أحب الوقوف عليه فليراجع كلامه.
قوله: في "مجموع أبي الحسن ابن المرزبان": أن من أكل بعض الأضحية وتصدق ببعضها هل يثاب على الكل أو على ما تصدق؟ .
وجهان كالوجهين في من نوى صوم التطوع ضحوة، هل يثاب من أول النهار، أو من وقته؟ وينبغي أن يقال له: ثواب التضحية بالكل والتصدق بالبعض. انتهى.
قال النووي في "شرح المهذب" و"زوائد الروضة": إن ما قاله
الرافعي هو الصواب الذي تشهد به الأحاديث والقواعد.
قال: وممن جزم به تصريحًا الشيخ الصالح إبراهيم المروذي، والوجهان المذكوران حكاهما الدارمي في "الاستذكار" عن حكاية ابن القطان وهو شيخ المرزبان المتقدم.
قوله نقلًا عنه أيضًا: إن في جواز الصرف من الأضحية إلى المكاتب وجهين، في وجه يجوز كالزكاة. انتهى.
والأصح على ما قاله في "شرح المهذب" و"زوائد الروضة": هو الجواز.
قوله نقلًا عن "البحر": ومن ضحى بعدد فليفرق على أيام الذبح، فإن كان شاتين ذبح شاة في اليوم الأول، والأخرى في آخر الأيام. انتهى.
قال في "الروضة": هذا الذي قاله وإن كان أرفق بالمساكين إلا أنه خلاف السنة فقد نحر النبي صلى الله عليه وسلم في يوم واحد مائة بدنة أهداها (1).
فالسنة التعجيل والمسارعة إلى الخيرات إلا ما ثبت خلافه.
قوله: وخرج في نقل الأضحية المنذورة وجهان من القولين في نقل الزكاة. انتهى كلامه.
وما ذكره من تخريجها على خلاف الزكاة تابعه عليه في "الروضة"، وهو يشعر بتصحيح المنع، ولكن الصحيح هو الجواز فاعلمه فإنهما قد صححا في كتاب قسم الصدقات جواز نقل المنذور، وهذه الأضحية فرد من أفرادها.
(1) تقدم.