الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع: في القسمة
قوله: ويشترط في القاسم أن يكون عالمًا بالمساحة والحساب، وحكى أبو الفرج الزاز وجهين في أنه هل يشترط أن يحسن التقويم لأن في أنواع القسمة ما يحتاج إليه؟ . انتهى كلامه.
والراجح منهما: عدم الاشتراط، فقد جزم باستحبابه القاضي البندنيجي والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهم، وحينئذ فإن لم يكن عارفًا سأل من عدلين عن قيمة ما يقسمه إذا احتاج إليه، وسكت في "الشرح الصغير" و"المحرر" عن عدِّه من جملة الشروط، فدل على عدم اشتراطه.
قوله: ولا يشترط في منصوب الشركاء العدالة والحرية، فإنه وكيل من جهتهم كذلك أطلقوه، وينبغي أن يكون العبد في القسمة على الخلاف في توكيله في البيع والشراء. انتهى كلامه.
تابعه في "الروضة" على هذا البحث وفيه أمران:
أحدهما: أن الخلاف المذكور محله في ما إذا كان التوكيل بغير إذن السيد، كذا ذكره الرافعي في باب معاملات العبيد، وحينئذ فلا يحسن في تقرير هذا البحث نصب الخلاف في اشتراطه الحرية، فإنها لا تشترط جزمًا، بل الصواب نصبه في الافتقار إلى إذن السيد.
الأمر الثاني: أن الرافعي علل هناك عدم الجواز بتعلق العهدة بالعبد، والظاهر: أن ذلك المعنى لا يأتي هنا.
قوله: ولو حكم الشركاء رجلًا ليقسم بينهم، قال أصحابنا العراقيون: هو على القولين في التحكيم، إن جوزناه فالذي حكموه كمنصوب القاضي. انتهى كلامه.
سكت هو و"النووي" عما إذا لم نجوز التحكيم، والحكم فيه: أنه لا يبطل بل يصح ويكون وكيلًا، حتى لا تشترط فيه العدالة، كذا ذكره في "الشرح الصغير"، ويظهر أنه كان هكذا في "الكبير"، ولكن سقط ذلك من النُّسخ.
قوله: ويجب على الإمام أن يرزق قاسمًا من سهم المصالح، فإن لم يكن فيها فضل فلا يتعين قاسمًا لئلا يغالي في الأجرة، ولئلا يواطئه بعضهم فيحيف، بل يدع الناس ليستأجروا من شاؤوا. انتهى كلامه.
لم يبين هل المنع من التعيين على جهة التحريم أم لا؟ وقد اختلفوا فيه: فقال القاضي الحسين: إنه حرام، وقال الفوراني: إنه مكروه.
قوله: ولو استأجروا قاسمًا وسمى كل واحد أجرة التزمها، فله على كل واحد ما التزم، هذا إذا استأجروا جميعًا، بأن قالوا: استأجرناك لتقسم بيننا كذا بدينار على فلان وبدينارين على فلان مثلًا، أو وكلوا وكيلًا عقد لهم كذلك.
فلو استأجروا في عقود مرتبة فعقد واحد لإقرار نصيبه، ثم الثاني كذلك، ثم الثالث، فقد جوزه القاضي حسين، وأنكره الإمام وقال: هذا بناء على أنه يجوز استقلال بعض الشركاء باستئجار القاسم لإقرار نصيبه، ولا سبيل إليه لأن إقرار نصيبه لا يمكن إلا بالتصرف في نصيب الآخرين ترددًا وتقديرًا، ولا سبيل إليه إلا برضاهم، لكن يجوز انفراد أحدهم برضى الباقين، فيكون أصيلًا ووكيلًا ولا حاجة إلى عقد الباقين. انتهى كلامه.
ذكر مثله في "الروضة" أيضًا وفيه أمور:
أحدها: أن التصور الأول قد ذكره القاضي أبو الطيب، وغيره ومعناه: أن كل واحد يعقد بنفسه خاصة، ويسمى ما عليه، إلا أن لفظ الجميع وقع دفعة واحدة، وليس المراد أن كل واحد يعقد لنفسه ولغيره، وإلا جاء المحذور الآتي بعد هذا من كونه ليس وكيلًا.
الأمر الثاني: أن ما ذكره الإمام من المنع محله في غير صورة الإخبار، كذا صَرّح هو به في "النهاية".
الأمر الثالث: أن المعروف هو ما قاله القاضي حسين، وقد لخص في "الكفاية" بعضه، فقال: ولو استأجر كل واحد منهم القاسم في حقه خاصة دون شركائه، قال الماوردي والبندنيجي وابن الصباغ وغيرهم: جاز بلا خلاف عندنا وعليه نص الشافعي. هذا كلامه، ثم ذكر عقيبه ما قاله الإمام وأن الغزالي تبعه عليه.
قوله: فلا يُكسر جوهر نفيس، ولا يُقطع ثوب رفيع، ولا يُقسم زوجا خف، أو مصراعا باب إن طلبه أحدهما، فإن تراضيا بقسمته وطلبوها من القاضي، فإن بطلت المنفعة بالكلية لم يجبهم ويمنعهم أن يقتسموها بأنفسهم لأنه سفه، وإن نقصت كَسَيْف يكسر لم يجبهم في الأصح، لكن لا يمنعهم أن يباشروا القسمة. انتهى كلامه.
وما ذكره هنا من امتناع ذلك على القاضي وأنه لا يمنعهم، وتابعه عليه في "الروضة" أيضًا قد ذكر مثله في كتاب الصلح في قسمة الجدار طولًا، قال: لا يجيبهما إليه؛ لأنه إتلاف ولكنهما يباشرانه بأنفسهما إن أرادا، كما لو هدما الجدار واقتسما نقضه، والذي ذكروه مشكل، لأنه إن لم يكن حرامًا: يمتنع على القاضي ذلك، وإن كان حرامًا: فليس له التمكين منه ويتفرع على ما ذكره فرعان فيهما نظر:
أحدهما: لو كان القاضي أحد الشريكين.
والثاني: لو فوضا القسمة إلى ثالث فهل يكون كالقاضي أم لا؟ وهذه المسألة قد تكلموا أيضًا فيها في البيع فينبغي هناك استحضار ما ذكروه هاهنا فيها.
قوله في "الروضة": وإذا لم يكن في القسمة تقويم كفى قاسم واحد على المذهب، وقيل: قولان: ثانيهما: يشترط اثنان. انتهى كلامه.
وما ذكره من تصحيح طريقة القطع، قد خالفه في "المنهاج" فجزم بطريقة القولين.
اعلم أن ما في "الروضة" مخالف لكلام الرافعي فإن حاصل المذكور فيه: إنما هو ترجيح طريقة القولين، فإنه قد قال: وإذا لم يكن في القسمة تقويم فيكفي قاسم واحد أم لابد من اثنين؟ فيه قولان، ووجّها بأن منصب القاسم منصب الحاكم أو منصب الشاهد؟ والأصح: الأول، ولم يجب المعظم إلا به وقطع به قاطعون. هذا لفظه.
فتوهم النووي أنه أراد بقوله: أن المعظم أجابوا به حكاية الطريقة القاطعة وهو كثيرًا ما يتوهم ذلك، ويدفعه هنا حكايته بعد ذلك لطريقة القطع وجزمه أولًا بحكاية قولين؛ ولهذا جزم في "المحرر" بذلك وصححه في "الشرح الصغير" فقال بعد حكاية القولين: والأصح الأول، وقطع به بعضهم.
قوله: وقول "الوجيز": وإن كانت بالإخبار فهل يشترط العدد في القاسم؟ فيه قولان، يجوز أن يعلم لفظ القولين بالواو لقطع من قطع بالاكتفاء بواحد، وتخصيص القولين بقسمة الإخبار لم يتعرض له في "الوسيط" بل أطلقها، وكذلك فعل الروياني، فيمكن أن يقال: أشار بهذا التقييد إلى أن الشركاء لو فوضوا القسمة إلى واحد بالتراضي جاز لا محالة، لأنه وكيل من قبلهم. انتهى كلامه.
وفيه أمران:
أحدهما: أن مقتضاه أنه لم يقف في ما أفهمه كلام الغزالي على نقل، وقد صرح بذلك الماوردي في "الحاوي" والروياني وغيرهما، وقالوا: إنه
يكفي فيه الواحد بلا خلاف، وسأذكر لك لفظ الروياني عقب هذا.
وقد جزم في "الروضة" بما فهمه الرافعي [فجزم به نقلًا.
الأمر الثاني: أن ما ذكره من كون الروياني أيضًا قد أطلق ذلك ولم يقيده، قد تابعه عليه أيضًا في "الروضة"] (1) وهو عجيب، فقد صرح الروياني في "البحر" بالتقييد المذكور فقال: فأما العدد، فإن تراضوا فالعدد على ما اتفقوا عليه من واحد أو اثنين.
ثم قال: وإن أمر الحاكم بالقسمة ولم يكن فيها تعديل ولا تقويم فقولان. هذا كلامه.
وزاد على ذلك فحكى قبله بقليل أن ذلك جائز، وإن كان القاسم عبدًا أو فاسقًا، وكلامه في "الحلية" يشعر أيضًا بما صرح به في "البحر"، وكأن الرافعي اقتصر هنا على "الحلية" غير متأمل له أيضًا.
قوله في "الروضة": ثم إن استأجر الشركاء قاسمًا وسموا له أجرة وأطلقوا، فتلك الأجرة توزع على قدر الحصص على المذهب، وقيل: قولان: ثانيهما: على عدد الرؤوس. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن الرافعي لم يصحح شيئًا من الطريقين بالكلية لا في "الكبير" ولا في "الصغير"، وجزم في "المحرر" بطريقة القولين، وتبعه عليه في "المنهاج".
الثاني: أن تصحيحه لطريقه القطع مناقض لما جزم به في "المنهاج" كما ذكرناه.
قوله: وإذا كان لواحد النصف وللثاني الثلث وللثالث السدس، فيجري القاسم المقسوم على أقل السهام وهو السدس، فيجعله ستة أجزاء في ست
(1) سقط من ب.
رقاع ويخرجها على الأسماء، فإذا بدأ باسم صاحب النصف فإن خرج الأول باسمه فله الأول والثاني والثالث، فإن خرج الثاني فكذلك، فيعطي معه ما قبله وما بعده. انتهى.
وما ذكره من أنه يعطي مع الثاني ما قبله وما بعده، تابعه عليه في "الروضة" وهو تحكم، فلم لا أعطي السهمان مما بعده ويتعين الأول لصاحب السدس والثاني لصاحب الثلث، وقد ذكر الرافعي نظير هذا في أمثلة، أو يقال: لا يتعين هذا بل يتبع نظر القاسم، كما قاله الرافعي أيضًا في نظائر لهذا، إلا أن يقال: إذا علمنا الطريق الأول أخذ الجميع بالقسمة.
قوله: فإن خرج الثالث له -أي لصاحب النصف- ففي "شرح مختصر الجويني": أنه يتوقف فيه ويخرج لصاحب الثلث، فإن خرج الأول أو الثاني فله الأول والثاني ولصاحب النصف الثالث والرابع والخامس ويتعين السادس لصاحب السدس، وإن خرج الخامس -أي لصاحب- الثلث فله الخامس والسادس، ثم أهمل باقي الصور، وكان يجوز أن يقال: إذا خرج لصاحب النصف الثالث فهو له مع الذين قبله.
وإن خرج الرابع: فهو له مع الذين قبله، ويتعين الأول لصاحب السدس، وإن خرج الخامس: فهو له مع الذين قبله، ويتعين السادس لصاحب السدس، وإن خرج السادس: فهو له مع الذين قبله، وإذا أخذ صاحب النصف حقه ولم يتعين حق الأخيرين أخرج رقعة أخرى باسم أحدهما فلا يقع تفريق. انتهى كلامه.
وما ذكره الرافعي تفقهًا على ما قاله الشارح المذكور عند خروج الثالث لصاحب النصف وفي ما سكت عنه وهو باقي الاحتمالات، قد تابعه عليه أيضًا في "الروضة" وهو عجيب، وتحكم بغير دليل، فإنه ذكر في ما إذا خرج الثالث لصاحب النصف: أنه له مع السهمين قبله فيقال له:
لم لا قلت: أنه يعطي سهمًا قبله وسهمًا بعده ويتعين الأول لصاحب السدس والأخيران لصاحب الثلث، أو يعطي مع الثالث سهمين بعده ويتعين الأخير لصاحب السدس والأولان لصاحب الثلث؟ فإن قيل: يراعى ما يمكن معه القرعة في الجميع وقدمه على ما يتعين بحسب الواقع.
قلنا: قد سلك عكس ذلك عند خروج الخامس كما سيأتي، وذكر أيضًا أنه إذا خرج الرابع له -أي: لصاحب النصف- أنه يعطي معه السهمان قبله، وأن الأول يتعين لصاحب السدس والأخيران لصاحب الثلث، وإن كان الرافعي لم يصرح بهما -أي بالأخيرين-، لكن علم ذلك من انحصاره بالواقع.
إذا علمت ذلك فيقال أيضًا للرافعي في هذا القسم: لم لا عكست فجعلت له مع الرابع سهمين قبله، وينحصر الأول لصاحب السدس والأخيران لصاحب الثلث؟ أو جعلت له مع الرابع سهمًا قبله وسهمًا بعده، ويتعين السادس أيضًا لصاحب السدس والأولان لصاحب الثلث؟ .
وذكر أيضًا أنه إذا أخرج الخامس له أي لصاحب النصف أنه يعطي معه سهمان قبله ويتعين السادس لصاحب السدس -أي ويتعين الأولان لصاحب الثلث- وسكت عنه لما ذكرناه.
فيقال له: لم لا أعطيت مع الخامس سهمًا قبله وسهمًا بعده ثم يقرع بين صاحب السدس والثلث؟ لاسيما وهذا الطريق يؤدي إلى الإقراع بين الكل بخلاف ما ذكره هو، وهو إعطاء السهمين قبل الخامس فإنا لا نعمل معه بالقرعة كما سبق.
والذي ذكره هنا عكس ما ذكره عند خروج الثالث، فإنه سلك هناك ما يفضي إلى القرعة وترك الطريق المفضية للتعيين من غير قرعة.
قوله: ويمكن أن يبدأ بصاحب الثلث، فإن خرج له الأول أو خرج له
الثاني دفع إليه الأول والثاني معًا، وإن خرج له الخامس أو السادس فيدفعان إليه معًا ثم يخرج باسم أحد الأخيرين، فإن خرج له الثلث أعطى الثالث والثاني ويتعين الأول لصاحب السدس، والثلاثة الأخيرة لصاحب النصف، وإن خرج الرابع فله الرابع والخامس وتعين السادس لصاحب السدس والثلاثة الأول لصاحب النصف. انتهى كلامه.
ذكر نحوه في "الروضة" وفيه إشكال يتوقف ذكره على شرح لفظه، فإن تركه ربما أدى بكثيرين إلى فهمه على غير ما هو عليه، فقوله: ثم يخرج باسم أحد الآخرين، هو بفتح الخاء المعجمة تثنية آخر، كما في قوله تعالى:{أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} (1).
وأشار الرافعي بهما إلى الاثنين الباقيين وهما صاحب السدس والنصف، وهو عائد إلى الأقسام الأربعة، وهي ما إذا خرج الأول أو الثاني أو الخامس أو السادس.
وتعبيره عقبه بقوله: فإن خرج. . . . إلى آخره هو بالواو وهو بقية أقسام صاحب الثلث.
إذا علمت ذلك فنعود إلى ذكر الإشكال فنقول: تعبيره بقوله في جواب الأربعة: ثم يخرج باسم أحد الأخيرين، حاصله أنه مخير بين أن يخرج باسم صاحب النصف أو لصاحب السدس وهو مشكل؛ لأنه إذا بدأ باسم صاحب السدس فقد يخرج له الربع؛ وذلك يؤدي إلى تفريق حق صاحب النصف، فإنه لا يبقى له إلا الثلث، والخامس والسادس بخلاف ما إذا بدأ بصاحب النصف، فإنه لا يؤدي إلى محذور.
قوله: أما إذا جرت القسمة بالتراضي بأن نصَّبا قاسمًا أو اقتسما بأنفسهما، ثم ادعى أحدهما غلطًا، فإن لم يعتبر الرضى بعد خروج القرعة
(1) سورة المائدة (106).
فالحكم كما لو ادعى الغلط في قسمة الإجبار، وإن اعتبرناه وتراضيا. . . . إلى آخر ما ذكره.
وهذا الخلاف الذي أحال عليه وهو الخلاف في اعتبار التراضي إذا اقتسما بأنفسهما، قد تابعه عليه أيضًا في "الروضة" وليس له ذكر في كلامه في هذا الباب بالكلية، بل في تعليق البندنيجي التصريح بأنه لابد من رضاهما بعد خروج القرعة بلا خلاف، وذكر -أعني: الرافعي- بعد هذا بأوراق وهو في الكلام على القاعدة الثانية حكاية القولين في ما إذا تراضيا بقاسم، ثم نقل عن الشيخ أبي حامد الجزم بالاشتراط في ما إذا اقتسما بأنفسهما، وأسقطه من "الروضة"، وذكر في "المهذب" نحو هذا، وكذلك في "النهاية" أيضًا فقال: لابد في هذه الصورة من الرِّضى؛ إذ لا متوسط بينهما حتى تكون قسمته مستندة لرضاهما، ثم قال: هذا هو الظاهر، وفيه احتمال.
وذكر القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما ما هو أبلغ منه فقالوا: إذا نصبوا من يقسم بينهم وكيلًا عنهم لا بالتحكيم، فلابد من التراضي بعد خروج القرعة بلا خلاف.
وبالجملة: فقد تظافرت النقول على بطلان ما قاله الرافعي هنا، وقد وقع في "التنبيه" هنا شيء غريب، فإنه جزم بعدم الاشتراط وحكى الخلاف في ما إذا نَصَّبا قاسمًا، واعترض عليه في "الكفاية" وقال: إنه لم يره في غير "التنبيه"، وحيث اشترط التراضي فهل هو كخيار العيب حتى يكون على الفور أو كخيار المجلس؟ فيه وجهان حكاهما الماوردي.
قوله: وإذا قُسِّمَت التركة بين الورثة ثم ظهر دين، فإن جعلنا القسمة إقرار حق: فهي صحيحة ثم تباع الأنصباء في الدين إن لم يوفوه، وإن جعلناها بيعًا: ففيه خلاف سبق في آخر الرهن، والأظهر صحته. انتهى.
تابعه عليه في "الروضة" ومقتضاه أن القسمة صحيحة على القول الأول سواء حصل الوفاء أم لا، والذي قاله العراقيون "والبغوي" أن القسمة تنقض لوفاء الدين.
قوله: ولو جرت قسمة ثم استحق من المقسوم جزء شائع كالثلث [بطلت](1) القسمة في المستحق، وفي الباقي طريقان.
قال أبو علي بن أبي هريرة: إنه على الخلاف في تفريق الصفقة، وهذا ما أورده في "الكتاب" وبه أخذ أكثرهم.
وقال أبو إسحاق: تبطل القسمة قولًا واحدًا، وبه أجاب الروياني في "الحلية"؛ لأن المقصود من القسمة وهو التمييز لم يحصل. انتهى.
ذكر نحوه في "الشرح الصغير" أيضًا وفيه أمران:
أحدهما: أن النووي في "الروضة" لما اختصر هذا الكلام لم يذكر في الطريق الأول أنه على الخلاف في تفريق الصفقة، بل عبر بقوله: وفي الباقي طريقان، أصحهما قولان:
أحدهما: تبطل به.
والثاني: تصح ويثبت الخيار، وبهذا الطريق قال الأكثرون.
وقال أبو إسحاق: تبطل فيه قولًا واحدًا.
هذا لفظه من غير زيادة عليه، فلزم منه عدم معرفة الصحيح في المسألة.
الأمر الثاني: أن ما نقله هاهنا عن الأكثرين من تخريجه على تفريق الصفقة حتى يكون الأصح فيه الصحة عجيب جدًا وغلط فاحش، فقد أمعنت النظر في كلام الأصحاب فوجدتهم على ثلاثة أقسام:
قسم لم يصرح بالمسألة بالكلية، وهم جماعة منهم ابن سراقة في "التلقين" والفوراني في "العمد" و"الإبانة".
(1) سقط من ب.
وقسم ذكرها ولم يصرح فيها بتصحيح، منهم القاضي أبو الطيب والدارمي في "الاستذكار" والشيخ في "المهذب" وابن الصباغ في "الشامل" والبغوي في "التهذيب" والشاشي في "الحلية" وشريح الروياني في كتابه المسمى "بالروضة" وصاحب "البيان" وصاحب "الذخائر" والعراقي شارح ["المهذب"](1) وغيرهم.
وقسم ذهبوا إلى البطلان وهم الأكثرون، منهم الشيخ أبو حامد في "التعليق" وأبو علي البندنيجي في تعليقته المعروفة المسماة "بالجامع" وعبر فيها: بالمذهب، وسليم الرازي، وعبّر في "المجرد": بالصحيح، والمحاملي وعبّر في "المقنع": بالأصح، والماوردي في "الحاوي" وعبّر: بالجمهور، والشيخ أبو إسحاق في "التنبيه" وأبو نصر البندنيجي في كتابه "المعتمد" جازمًا به، وقال الخوارزمي في "الكافي" والروياني في "البحر": إنه الأصح، وجزم به في "الحلية".
وقال أبو عبد الله الحسين الطبري في "العدة": إنه الصحيح، وقال ابن عصرون في "الانتصار": إنه الأصح، وجزم به في "المرشد" وفي كتابه المسمى "بالتنبيه"، وذكر نحو ذلك جماعة أيضًا، منهم القاضي الحسين في "تعليقه" وأبو منصور التميمي في كتابه المسمى "بالمسافر" فإنهم جزموا ببطلان القسمة بخروج شيء مستحق، ولم يفصلوا بين المعين والشائع، فهذه كتب الأصحاب شاهدة على بطلان ما وقع في الرافعي هنا وتابعه عليه في "الروضة".
والسبب في وقوع الرافعي في ما وقع فيه أن الإمام قال: ذكر العراقيون في ذلك قولين وخرجوهما على تفريق الصفقة. هذه عبارته من غير زيادة عليها، وهي عبارة توهم الواقف عليها أن العراقيين اقتصروا على هذه
(1) في ب: التنبيه.
الطريقة، وكأنه أراد أنه وقع ذكرها في كتبهم، وإلا فنقول: العراقيون كلهم -كما قدمته لك قاطبة- تغلط ما نسب إليهم، ثم إن الغزالي تابع إمامه على عادته فشرحه الرافعي مغترًا به وبإيهام كلام الإمام ولم يمعن [النظر في المسألة فوقع فيما وقع، ومما يدل على عدم إمعانه أنه اقتصر من](1) النقول التي نقلها عن أعلام المذهب في كتبهم المبسوطة والمتوسطة والمختصرة على نقل ذلك عن "حلية الروياني" خاصة، والحاصل: أنه هاهنا لم ينظر غير "النهاية" و"الوجيز" و"الحلية"، وقد أوضحت لك بطلان مستنده وهو كلام الإمام الموهم.
ولا شك أن المصنف قد لا يبسط في بعض الأوقات فيقلد فيقع في الغلط بسبب ذلك، فأحمد الله تعالى على التوفيق إلى الصواب.
واعتمد ما ذكرته فقد راجعت في هذه المسألة من المصنفات ما لعله لم يسمع به الرافعي فضلًا عن وقوفه عليه، وقد ذكرت لك عبارات أكثرها.
نعم صحح الجرجاني في "الشافي" و"التحرير" طريقة ابن أبي هريرة، وهي التخريج على تفريق الصفقة كما وقع في الرافعي، ورأيت مثل ذلك في "تتمة التتمة"، ولا اعلم أحدًا غير هذين إلا كلام الغزالي ومن تبعه لأجل الوهم أو الإيهام الواقع في كلام الإمام.
قوله: وإن استحق معين نظر: إن اختص المستحق بنصيب أحدهما أو كان المستحق من نصيب أحدهما أكثر بطلت القسمة. انتهى كلامه.
وما قاله من البطلان يستثنى منه ما إذا وقع في الغنيمة عين لمسلم أخذها منه الكفار ولم يعلم بها إلا بعد القسمة، فإنها ترد على صاحبها ويعوض عنها من وقعت في نصيبه من خُمْس الخُمْس ولا تُفْسخ القسمة، كما أوضحوه في بابه.
(1) سقط من ب.
قوله: القسم الأول: قسمة التعديل فيما يعد شيئًا واحدًا كالأرض تختلف أجزاؤها لاختلافها في قوة الإنبات أو في القرب من الماء والبعد منه، فيكون ثلثها مثلًا بحوزته مثل ثلثها بالقيمة فيجعل هذا بينهما وهذا بينهما إن كانت بينهما بالتسوية، وفي الإجبار على هذه القسمة قولان جاريان عند اختلاف الجنس أيضًا كالبستان الواحد بعضه نخيل وبعضه كرم، والدار المبني بعضها بالآجر وبعضها بالخشب والطين، والراجح منهما عند صاحب "التهذيب": هو عدم الإجبار، لكن العراقيون وغيرهم رجحوا خلافه.
ثم قال: واعلم أنه يشبه أن يكون الخلاف في الإجبار مخصوصًا به، فإن أمكن أن يقسم كل واحد منهما وحده فلا يجبر على قسمة التعديل كما لو كانا شريكين في أرضين يمكن قسمة كل واحد منهما بالآخر ألا يجري الإجبار على التعديل. انتهى كلامه.
وفي البحث المذكور آخرًا أمران:
أحدهما: في تقريره، فإن معناه بعيد عن الفهم مع كونه سهل التقرير مستورًا بشيء لطيف، وصدر البحث واضح، وأما عجزه فمعناه أنه بتقدير أن لا يكون الخلاف مخصوصًا بهذه الحالة فيجاب أيضًا بتخصيصه ويفتى به، فالحاصل: أن الفتوى عليه، أما مع عدم الخلاف أو مع إثباته، فقد صرح بذلك في "الشرح الصغير" فقال: ويشبه أن يكون [الخلاف في](1) الإجبار مخصوصًا بما إذا لم يمكن قسمة الجيد وحده والرديء وحده، أو يكون قول الإجبار مخصوصًا به، فإن أمكن قسمة كل واحد منهما وحده فينبغي أن لا يجبر على قسمة التعديل، [هذا] لفظه.
ولما أشكل هذا الموضع على الواقفين عليه تصرفوا في لفظه، ففي بعضها إسقاط هذا اللفظ، وهو فإن لم يكن الخلاف مخصوصًا، وكذلك
(1) سقط من أ.
أسقطه النووي من "الروضة" أيضًا.
الأمر الثاني: أن ما ذكره الرافعي بحثًا واقتضى كلامه عدم الوقوف عليه وتابعه عليه في "الروضة" غريب جدًا فقد جزم به جماعة كثيرة منهم الماوردي في "الحاوي" والشيخ في "المهذب" والروياني في "البحر" والعمراني في "البيان".
قوله: وأما الأقرحة. . . . . إلى آخره.
هي بالقاف والراء والحاء المهملتين: مفردها قَراح -بفتح القاف- وهي المزرعة التي لا غراس فيها ولا بناء.
كذا قاله الجوهري في فصل القاف، وذكر أيضًا في فصل الباء الموحدة أن البراح -بفتح الباء- هي الأرض الواسعة لا زرع فيها ولا شجر، فيجوز أن يقرأ كلام الرافعي بالوجهين.
قوله: إحداهما: قسمة المتشابهات إقرار حق أو بيع؟ فيه قولان، قال صاحب "التهذيب" وآخرون: الأصح كونها بيعًا، وقال الغزالي في الرهن: الأصح كونها إقرارًا، قال صاحب "العدة": وعليه الفتوى. وهذا يوافقه جواب الأصحاب في مسائل مخرجة على القولين. انتهى.
وحاصله ترجيح الإقرار، وقد ذكر نحوه في "الشرح الصغير" أيضًا وكذلك في "المحرر"، فإنه قال: فيه قولان، ذكر أن الفتوى على الإقرار.
إذا علمت ذلك فقد صح في موضعين من هذا الكتاب أنه بيع على خلاف ما ذكره هنا:
أحدهما: في زكاة المعشرات قبيل الكلام على الخرص بأسطر، فقال ما نصه: ولأن المقاسمة بيع على الصحيح، وبيع الرطب بالرطب لا يجوز، هذا لفظه وذكر أيضًا قبله ما يقتضيه.
والموضع الثاني: في باب الربا في الكلام على طريق المماثلة، فقال: فمن فروعه: أن يريد شريكان في شيء من مال الربا قسمته بينهما، وهو مبني على أن القسمة بيع أو إقرار حق؟ فإن قلنا بالأول، وهو [الصحيح](1)، فلا تجوز قسمة المكيل بالوزن، ولا قسمة الموزون بالكيل، وما لا يباع بعضه ببعض كالعنب والرطب فلا يقسم أصلًا.
وإن قلنا بالثاني: جاز، هذا لفظه.
وقد اختلف كلام النووي أيضًا في المسألة، فقال في "المنهاج" هنا: الأظهر أنها إقرار، وقال في "زوائد الروضة" هنا: إنه المختار، وقال في "شرح المهذب" في الكلام على قسمة لحم الأضحية: الأصح جوازه، قال: لأن الأصح أن القسمة إقرار لا بيع، ثم خالف ذلك كله في باب الربا في الموضع المتقدم ذكره فقال: الأظهر أنها بيع.
قوله: وفي محل القولين طريقان:
أحدهما: أن القولين في ما إذا جرت هذه القسمة بالإجبار، أما إذا جرت بالتراضي فهي بيع لا محالة.
والثاني: أنهما يطردان إن جرت بالتراضي أو بالإجبار، وحكى الطريقين صاحب "التهذيب" وقال: الأصح الأول. انتهى كلامه.
وما نقله عن صاحب "التهذيب" من تصحيح الطريقة الأولى تابعه على نقله عنه في "الروضة" أيضًا وهو غلط، فإن الصحيح في "التهذيب": تصحيح الطريقة الثانية وهي طريقة القولين مطلقًا، فإنه قال بعد حكاية القولين وتصحيح كونها بيعًا ما نصه: والصحيح أنه لا فرق بين أن تكون قسمتها بالتراضي أو بالجبر، أنه على قولين، وقيل: القولان في ما إذا
(1) في ب: الأصح.
اقتسما جبرًا، فإن كان بالتراضي فهو بيع له، قولًا واحدًا. هذا لفظ البغوي بحروفه فانعكس على الرافعي.
قوله: لا يجوز قسمة الوقف عن الوقف، وأما قسمة الملك عن الوقف، فإن قلنا بيع: لا تجوز، وإن قلنا إقرار، جازت.
قال الروياني [: وهو الاختيار. انتهى.
قال في "الروضة": هذا الذي اختاره الروياني] (1) هو المختار، قال: وهذا إذا لم يكن فيها رد، وكان رد من أصحاب الوقف، فإن كان من صاحب الملك لم يجز، لأنه يأخذ مقابله جزءًا من الوقف، ذكره صاحب "التهذيب" وغيره.
واعلم أن كثيرًا من الأصحاب ذكر المسألة في كتاب الوقف.
قوله: القاعدة الثانية: قسمة الإجبار لا يعتبر فيها التراضي لا عند إخراج القرعة ولا بعد خروجها، فلو تراضى الشريكان بقاسم يقسم بينهما فهل يعتبر التراضي بعد خروج القرعة أم يكفي الرضا الأول؟ فيه قولان كالقولين في ما إذا حكما رجلًا فحكم بينهما، والذي يميل إليه كلام المعتبرين: أنه يعتبر وذكر أنه المنصوص. انتهى.
وما ذكره هنا من حكاية الخلاف قولين ذكر مثله في "الشرح الصغير"، ثم خالف في "المحرر" فجعله وجهين، فقال: والقسمة التي يجبر عليها إذا جرت بالتراضي هل يعتبر فيها تكرير التراضي بعد خروج القرعة؟ فيه وجهان رجح منها التكرير. انتهى.
وعبارة "الروضة": وذكروا عوضًا عن قول الرافعي وذكروا بينهما تفاوت ظاهر.
(1) سقط من أ.
واعلم أن النووي في "المنهاج" قد انعكست عليه المسألة فجعل الخلاف في ما لا إجبار فيه، [فقال في اختصاره لكلام "المحرر": ولو تراضيا بقسمة ما لا إجبار فيه] (1) اشترط الرضى بعد القرعة على الأصح.
وهذا الكلام فيه اعتراض من وجوه:
منها: ما ذكرناه.
ومنها: أنه ذكر هذه المسألة بعينها قبل ذلك من غير فصل، فقال: ويشترط في الرد أيضًا الرضى بعد خروج القرعة، ثم قال: ولو تراضيا بقسمة ما لا إجبار فيه. . . . إلى آخره، والذي ليس فيه إجبار هو قسمة الرد فقط؛ لأن قسمة المتشابهات يجبر عليها قطعًا، وكذا التعديل على الصحيح.
ومنها: أنه مع تكراره غاير في الجواب، فجزم به أولًا، وحكى فيه الخلاف ثانيًا وجعله قويًا فإنه عبر بالأصح.
ومنها: أنه جعل الخلاف المذكور قويًا كما بيّناه، وهو عكس ما في "الروضة" فإنه جعل الخلاف ضعيفًا فعبر بالصحيح، والمذكور في "الروضة" هو الصواب، فإنهما في "الشرح" و"الروضة" لم ينقلا مقابله [إلا](2) عن الإصطخري.
قوله: ولا تجوز المهاياة في الحيوان اللبون ليحلب هذا يومًا وهذا يومًا، ولا في الشجرة المثمرة ليكون ثمرها لهذا عامًا ولهذا عامًا، لما فيه من التفاوت الظاهر. انتهى.
وطريقهما والحالة هذه ما قاله في "الروضة": أن يتيح كل واحد نصيبه لصاحبه.
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من ب.
قوله: ولو تقدم جماعة في أيديهم دار أو أرض إلى القاضي فطلبوا القسمة قسمها ولم يقيموا عليه بينة، ففيه قولان: أصحهما عند الإمام وصاحب "الكتاب" وإليه ميل ابن الصباغ: أنه يجيبهم، والأصح عند الشيخ أبي حامد وطبقته: أنه لا يجيبهم ويدل عليه أن الشافعي لما ذكر القول الآخر قال: ولا يعجبني هذا القول. انتهى ملخصًا.
فيه أمران:
أحدهما: أن محل هذا الخلاف ما إذا لم يكن لهم منازع، فإن كان لم يجبهم قطعًا كما صرح به الماوردي والروياني وابن الرفعة وغيرهم، وعللوه بأن قسمة الحاكم إثبات لملكهم واليد توجب إثبات التصرف ولا توجب إثبات الملك.
الثاني: أن الأصح من هذا الخلاف: أنه لا يجيبهم، كذا صححه النووي في "زوائد الروضة" و"تصحيح التنبيه"، وهذه المسألة مخرجة على أن تصرفات الحاكم هل هى حكم أم لا؟ وقد سبق الكلام على هذه القاعدة مطولًا في كتاب النكاح عقب الكلام على الموانع فراجعه.