الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: في مستند علم الشاهد
قوله: . وقسم الشافعي رضي الله عنه والأصحاب المشهود به على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يكفي فيه السماع ولا يحتاج إلى الإبصار.
والثاني: ما يكفي فيه الإبصار، وهو الأفعال كالزنا والشرب والغصب والإتلاف والولادة والرضاع والاصطياد والإحياء وكون المال في يد شخص فيشترط فيها الرؤية المتعلقة بها وبقاء علتها، ولا يجوز بناء الشهادة فيها على السماع من الغير.
والثالث: ما يحتاج فيه إلى السمع والبصر معًا كالأقوال، فلابد من سماعها ومشاهدة قائلها كالعقود والفسوخ والإقرار بها. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن هذا التقسيم ليس بحاصر، فإن الشهادة تجوز بما علم بباقي الحواس [الخمس](1) وهي الذوق والشم واللمس، كما لو اختلفا في مرارة المبيع أو حموضته أو في تغير رائحته أو في حرارته وبرودته ونحو ذلك.
الأمر الثاني: أن ما ذكره من امتناع الشهادة على اليد بمجرد الاستفاضة قد نقل في أثناء الباب خلافه، وأبدى ما جزم به هاهنا بحثًا وسأذكر لفظه في موضعه فراجعه.
قوله: فإن كان يعرف المشهود عليه باسمه واسم أبيه دون جده، قال في "الوسيط": يقتصر عليه فإن عرفه القاضي بذلك جاز، وكان يحتمل أن
(1) سقط من أ.
يقال: هذه شهادة على مجهول فلا يعتد بها كما ذكرنا في باب القضاء على الغائب أن القاضي لو لم يكتب إلا أني حكمت على محمد بن أحمد فالحكم باطل. انتهى كلامه.
واعلم أنه لا منافاة بين مقالة الغزالي وبين ما سبق في القضاء على الغائب، فإن كان كلام الغزالي مفروض في ما إذا حصلت المعرفة بذلك ولم يقع التصوير في الغائب بهذا، بل تصويرهم بمجرد محمد بن أحمد يدل على خلافه، وقد ذكر الرافعي هناك قبل هذا التصوير بنحو ورقة ما يدل لمقالة الغزالي فإنه نص على ذكر اسمه واسم أبيه وجده وحليته وصنعته، ثم قال: وإذا حصل الإعلام ببعض ما ذكرناه اكتفى بهذه، وهذا يدخل فيه المعرفة بذكر الأب والجد.
قوله: وإن كان يعرف المشهور عليه بعينه دون اسمه ونسبه فمات ودفن فعن القاضي الحسين: أنه لا ينبش، واستثنى منه في "الوسيط" ما إذا اشتدت الحاجة ولم يطل العهد بحيث يتغير المنظر، وهذا ما أورده الإمام على سبيل الاحتمال، وقال: الأظهر ما ذكره القاضي. انتهى.
وحاصله أن القاضى لم يتعرض لمسألة "الوسيط" بخصوصها، وأن الإمام والغزالي قد اختلفا فيها وتبعه عليه في "الروضة".
والراجح: عدم النبش فقد رجحه الرافعي في "الشرح الصغير" فقال: فإن دفن فعن القاضي الحسين: أنه لا ينبش وهو الأظهر الذي أورده في "الكتاب" وقيل: إن لم يطل العهد بحيث يتغير المنظور فيجوز أن ينبش، هذا كلامه.
وقد تقدم في أواخر تعليق الطلاق مسألة هي نظير هذه، حكى الرافعي فيها احتمالين عن أبي العباس الروياني وصحح فيها النووي من "زوائده" عدم النبش فراجعها.
قوله: ولك أن تقول: ينبغي أن لا يتوقف جواز التحمل على كشف
القناع ولا على المعرف، لأن حضور امرأة أو شخص تحت النقاب وإقرار ذلك الحاضر متيقن، فإذا رفعت المرأة إلى القاضي والمحتمل تلازمها تتمكن من الشهادة على عينها بأن أقرت بكذا، وهذا نظير صورة الضبط في شهادة الأعمى، وقد يحضر قوم يكتفي بإخبارهم في التسامع قبل أن تغيب المرأة إذا لم يعتبر في التسامع طول المدة كما سيأتي فيخبرون عن اسمها ونسبها فيتمكن من الشهادة على اسمها ونسبها، بل ينبغي أن يقال: لو شهد اثنان تحملا الشهادة على امرأة لا يعرفانها أن امرأة حضرت يوم كذا مجلس كذا فأقرت لفلان بكذا، وشهد عدلان أن المرأة المحضرة يومئذ في ذلك المكان كانت هذه ثبت الحق بالبينتين اللتين لو قامت بينة على أن فلان ابن فلان الفلاني أقر بكذا، وقامت أخرى على أن الحاضر هو فلان ابن فلان ثبت الحق، فما الفرق بين تعريف الشهود عليه المطلق باسم ونسب، وبين تعريفه بزمان ومكان؟ وإذا اشتمل التحمل على هذه الفوائد وجب أن يجوز مطلقًا، وإن لم يعرض ما يفيد جواز الشهادة على العين أو على الاسم والنسب فذاك شيء آخر. انتهى كلامه.
وهذا التصوير الذي ذكره الرافعي كل الخلاف واستشكله، قد تابعه عليه أيضًا في "الروضة" مع أنه ليس محل الخلاف، بل يجوز التحمل فيه قطعًا، وقد صرح بجوازه الروياني وغيره مع حكايتهم الخلاف في أصل المسألة، وقد استدرك ابن الرفعة هذا الموضع عليه ونبه على ما ذكرناه.
قوله: وإذا خاف الفتنة فيشبه، أن يقال: لا ينظر المتحمل، لأن في غيره غنية عنه، فإن تعين فينظر ويحترز. انتهى.
وما ذكره بحثًا واقتضى كلامه عدم الوقوف عليه وتابعه عليه في "الروضة"، قد جزم به الماوردي والروياني في "البحر"، وعبرا بقولهما إذا خاف من النظر إثارة الشهوة.
قوله: وتجوز هذه الحيلة كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل خيبر بمنع الجمع بالدراهم وشرى الخبيث (1). انتهى.
هذا الحديث تقدم الكلام عليه في باب الربا.
قوله: وفي النسب من الأم وجهان:
أحدهما: أنه لا تجوز الشهادة عليه بالسماع لإمكان رؤية الولادة.
والثاني: يجوز كما في جانب الرجل، وهذا أصح عند صاحب الكتاب، وحكى في "الوسيط" القطع به عن بعضهم. انتهى كلامه.
ذكر مثله في "الشرح الصغير" أيضًا، والصحيح، ما صححه الغزالي: فقد قال الرافعي في "المحرر": إنه أصح الوجهين، وصححه النووي أيضًا في "المنهاج" وفي أصل "الروضة".
قوله.: وهل يثبت الولاء والوقف والعتق والزوجية بالاستفاضة؟ فيه وجهان إلى آخره.
لم يصرح بترجيح، وقال في "الشرح الصغير": رجح كثيرون المنع، وقال في "المحرر": فيه وجهان رجح منهما المنع هذا لفظه.
وقال في "الروضة" من "زوائده": الجواز أقوى وأصح وهو المختار.
وقال في "المنهاج": إنه الأصح عند المحققين والأكثرين.
واعلم أن الصواب الذي عليه الفتوى إنما هو المنع، فقد نص عليه الشافعي، ونقله عنه ابن الرفعة في "الكفاية"، وإذا قلنا بالثبوت فقال النووي في "فتاويه": ولا تثبت بها شروط الوقف وتفاصيله بل إن كان وقفًا على جماعة معينين أو جهات متعددة قسمت الغلة [بين الجميع
(1) أخرجه البخاري (2089) ومسلم (1593) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما.
بالسوية، وإن كان على مدرسة مثلًا وتعذرت معرفة الشروط صرف الناظر الغلة] (1) في ما يراه من مصالحها، هذا كلامه.
وما أطلقه من عدم ثبوت الشروط ليس بجيد، بل الأرجح فيه ما ذكره ابن الصلاح في "فتاويه"، فإنه قال: يثبت بالاستفاضة أن هذا وقف ولا يثبت بها أن فلانًا وقفه، قال: وأما الشروط فإن شهدا بها منفردة فلا تثبت بالاستفاضة، وإن شهد بها ذاكرًا لها في شهادته فأصل الوقف في معرض بيان شرط الواقف سمعت؛ لأنه يرجح حاصله إلى بيان كيفية الوقف هذا كلامه.
ولا شك أن النووي لم يطلع عليه.
واعلم أن هاهنا مسألة كثيرة الوقوع وهي أن جماعة شهدوا بأن النظر في الوقف الفلاني لزيد، ولم يزيدوا على ذلك ولم يكونوا شهدوا على الواقف ولا قالوا: إن مستندنا الاستفاضة، وسئلوا عن مستندهم فلم يبدوه بل صمموا على الشهادة.
وأجاب ابن الصلاح بأن هذا محمول على استنادهم إلى الاستفاضة والشروط لا تثبت بمثل ذلك كما تقدم، قال: وأيضًا فإن إهمال السبب مقتضى لرد الشهادة [كما لو شهدا](2) بالإرث، كذا نقلت هذه المسألة من خط ابن الصلاح كما قاله الشيخ برهان الدين في "تعليقه".
قوله: أحدهما: فيما تحصل به الاستفاضة أوجه:
أشبههما لكلام الشافعي واختاره الماوردي: لابد من جمع كثير يقع العلم أو الظن القوي بخبرهم ويؤمن تواطؤهم على الكذب.
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من أ.
والثاني: يكفي عدلان.
والثالث: يكفي واحد إذا سكن القلب إليه، وإذا قلنا بالأول فينبغي أن لا تعتبر العدالة ولا الحرية ولا الذكورة انتهى ملخصًا.
فيه أمران تابعه عليهما في "الروضة":
أحدهما: أن الماوردي لم يكتف بالظن، بل اشترط العلم على خلاف المذكور هنا، فقال في أوائل باب التحفظ في الشهادة: وأقل هذا العدد أن يبلغوا عدد التواتر، وقال أبو حامد الإسفرايني: أقله عدلان، وهذا وهم؛ لأن قول الاثنين من أخبار الآحاد، فوجب أن يعتبر فيه العدد المقطوع بصدق مخبره وهو عدد التواتر المنتفى عنه المواطأة والغلط، هذا كلامه.
وقد نقله عنه الشيخ في "المهذب" على الصواب، وهو أحد الموضعين اللذين نقل فيهما عن الماوردي كما تقدم في "الطبقات".
الأمر الثاني: أن ما ذكره في آخر كلامه بحثًا واقتضى كلامه عدم الوقوف على نقله، قد جزم به الماوردي بالنسبة إلى العدالة، فإنه فرق بين الاستفاضة والتواتر من وجوه:
منها: أن عدالة المخبرين شرط في التواتر دون الاستفاضة، وجزم به الروياني بالنسبة إلى الحرية والذكورة، وحكى وجهين في انفراد الصبيان به مع شواهد الحال بانتفاء المواطأة.
قوله: الثانية إذا سمع رجلًا يقول لآخر هذا ابني وصدقه الآخر، أو أنا ابن فلان وصدقه فلان، قال كثير من الأصحاب. يجوز أن يشهد به على النسب، وكذا لو استحلف صبيان أو بالغًا وسكت، لأن السكوت في النسب كالإقرار، ألا ترى أنه لو بشر بولد فسكت عليه لحقه بخلاف ما إذا أنكر المستلحق، [فإن النسب](1) لا يثبت حينئذ، وفي "المهذب" وجه: أنه
(1) سقط من ب.
لا يشهد عند السكوت إلا إذا تكرر عنده الإقرار والسكوت، والذي أجاب به الإمام وصاحب الكتاب: أنه لا تجوز الشهادة على النسب بذلك، وهذا قياس ظاهر المذهب انتهى كلامه.
وما ذكره هنا من الاكتفاء بسكوت البالغ المستلحق مخالف للمذكور في الإقرار من "الشرح الكبير" وهنا من "الشرح الصغير"، فإنه قد صحح فيهما: أنه لابد من التصديق، وقد تقدم لفظه في الإقرار في موضعه لكنه موافق للمذكور في باب دعوى النسب وهو قبل كتاب العتق، وسوف أذكره أيضًا هناك فراجعه.
واعلم أن الغزالي قد ذكر أنه يثبت بالسكوت ومع ذلك قال: لا يشهد بالنسب، والرافعي مع ذهابه إلى أنه لا يثبت بذلك جوز الشهادة به.
قوله: فإن اجتمع اليد والتصرف، نظر: إن قصرت المدة فالحكم كما في اليد المجردة، وإن طالت فوجهان:
أحدهما: لا تجوز الشهادة له بالملك حتى ينضم إليها نسبة الناس الملك إليه.
والثاني: تجوز، وصححه البغوي وحكاه الإمام عن الجمهور انتهى.
وقد ذكر النووي في الباب الثاني من اللقيط في الحكم الرابع منه ما حاصله: استثناء الرقيق، وأنه لا تجوز الشهادة فيه بالملك إذا سمع من المشهود له أو من غيره أنه له، وقد تقدم ذكر لفظه هناك وكان الفرق وقوع الاستخدام في الأحرار كثيرًا مع الاحتياط في الحرية.
قوله: ونقل القاضي ابن كج وجهين في أنه هل يشترط أن يقع في قلب السامع صدق المخبر؟ ويشبه أن يكون هذا غير الخلاف المذكور في أنه هل يعتبر خبر عدد يؤمن منهم التواطؤ؟ انتهى كلامه.
ومراده أن هذا الخلاف ليس هو ذلك الخلاف بل مغايرًا له، وحينئذ فيكون مفرعًا على قولنا: أنه لا يشترط العدد الذي يؤمن فيهم التواطؤ فاعلمه فإنه وقع في كثير من نسخ الرافعى التعبير بلفظة عين بالعين المهملة والنون، وجزم الإمام وابن الصباغ بالاشتراط تفريعًا على هذا القول، وهو يقوي ما ذكرناه، ولم يتعرض في "الروضة" لهذا البحث، وقد سلك ابن الرفعة في "الكفاية" ما أشار إليه الرافعي من كون الصدق في القلب مفرعًا على أنه لا يشترط العدد الذي يؤمن معه التواطؤ، إلا أنه نقل عن العراقيين الجزم باشتراطه -أعني وقوع الصدق في القلب-، وبذلك يعلم أن الصحيح فيه الاشتراط.
قوله: وذكروا أنه تجوز الشهادة على اليد بمجرد الاستفاضة، وقد ينازع فيه لإمكان مشاهدة اليد. انتهى.
وما ذكره بحثًا يقتضي أنه لم يقف على قائل بالمنع، وقد تابعه عليه في "الروضة" أيضًا وهو غريب، فقد جزم هو في أول الباب بمنع الشهادة على اليد بمجرد الاستفاضة، وقد تقدم ذكر لفظه لغرض آخر فراجعه.
وقد نقل في "الروضة" هذا الفرع عن ابن كج خاصة، وسببه أنه قد يقع في بعض النسخ، وذكر على جعل الفاعل ضميرًا مستترًا عائدًا على ابن كج فإنه قد سبق ذكره قبله بقليل وهو أول المسألة السابقة على هذه كما ذكرناه.
قوله: ولا يكفي أن يقول الشاهد سمعت الناس يقولون: إنه لفلان وكذلك في النسب وإن كانت الشهادة مبنية عليه، بل يشترط أن يقول: أشهد بأنه له وبأنه ابنه، لأنه قد يعلم خلاف ما يسمعه من الناس، لكن عن الشيخ أبي عاصم: أنه لو شهد بالملك والآخر بأنه في يده مدة طويلة يتصرف فيه بلا منازع تثبت الشهادة، وهذا ما ذكره الشارح لكلامه مصيرًا إلى
الاكتفاء بذكر السبب، والظاهر الأول. انتهى كلامه.
واعلم أن الامتناع في هذه المسألة ليس هو لأجل التصريح في شهادته بالاستفاضة، بل لأجل أنه لم يشهد بالمقصود وإنما شهد على جريان النسب، ثم نقل عن أبي عاصم ما نقل إشارة إلى أنه اكتفى فيه بالشهادة على النسب، وحينئذ فتكون الشهادة على الاستفاضة أيضًا كافية تفريعًا على تلك المقالة، وهذا كله غير خاف من كلامه، وأما التصريح بالاستفاضة عند الإتيان بالصيغة المعتبرة وهي لفظ الشهادة فليس في كلام الرافعي هنا تعرض له، وقد صرح بجوازه في الكلام على البحث عن حال الشهود وهو قبيل الباب الثالث من أبواب القضاء وهو الباب المعقود للغائب فقال: وهل يشترط التعرض لذكر السبب كرؤية الجرح أو سماعه؟
قال قائلون: نعم، فلابد أن يقول: رأيته يزني، وسمعته يقذف، وعلى هذا القياس يقول في الاستفاضة: استفاض عندي.
وفي "الشامل": أنه لا حاجة إليه، وليس للحاكم ذلك كما في سائر الشهادات، وهذا أقيس انتهى.
وحاصله جواز الإتيان بذلك وحكاية الخلاف في اشتراطه، فلو كان ذكره قادحًا لقدح في كل شهادة، ونقل ابن الرفعة عن ابن أبي الدم: أن الشاهد إذا صرح في شهادته بالاستفاضة لا تقبل شهادته في أصح الوجهين، فكأن سببه أنه بمنزلة شهود الفرع مع شهود الأصل، وقد ذكر الرافعي في الركن الخامس من كتاب الدعاوى في أثناء المدرك الثالث من مدارك ترجيح البينة فرعًا قريبًا منه، فقال: ولو شهد بملك ماض ولم يتعرض للحال لم يسمع في أصح القولين، ثم قال: ويجوز أن يشهد بالملك في الحال اعتمادًا على الاستصحاب، فلو صرح في شهادته بأنه يعتمد الاستصحاب فوجهان، قال الغزالي والأصحاب: لا تقبل كما لا تقبل
شهادة الرضاع على امتصاص الثدي وحركة الحلقوم، وقال القاضى: تسمع لأنا نعلم أنه لا مستند له سواه هذا كلامه. وهو يقوي ما قاله ابن أبي الدم في الاستفاضة ولعله ذكر قياسًا عليه.
قوله: وذكر ابن كج: أنه لو دعي لأداء الشهادة عند أمير أو وزير، فعند ابن القطان لا يجب أداء الشهادة عندهما، قال: وعندي يجب إذا علم أنه يصل به إلى الحق، وحكى أبو الفرج وجهين في أنه هل يجب الحضور عند القاضي الجائر والمتعنت في أداء الشهادة؟ فعلى عدم الوجوب تكون عدالة القاضي وجمعه للشروط المعتبرة شرطًا. انتهى.
أما الأولى: فقد جزم بالوجوب فيها أيضًا الماوردي والروياني، وقال في "الروضة" من "زوائده": إنه الأصح، لكن ذكر ابن سراقة في تصنيفه في "أدب الشهود": أن الأصح عدم الوجوب.
ذكر ذلك في باب بيان العلل المانعة من أداء الشهادة، وجزم بنحوه أيضًا في "الروضة" في القضاء على الغائب في ضمن فرع من الطرف الثالث، فقال: إن منصب سماع البينة يختص بالقضاة.
ونقله الرافعي عن "الوسيط".
وأما الثانية: ففي "الروضة" من "زوائده" أن الأرجح هو الوجوب.
قلت: ونقله في "البحر" عن أصحابنا مطلقًا ذكره قبيل الكتاب الأول من الكتابين المعقودين للشهادات.
قوله: ويوافق هذا ما قيل أن المدعي لو قال للقاضي: لي عند فلان شهادة وهو ممتنع من أدائها فأحضره ليشهد، لم يجبه القاضي لأنه فاسق بالامتناع بزعمه، فلا ينتفع بشهادته. انتهى.
ينبغي أن تكون صورة المسألة ما إذا قال هو ممتنع بغير عذر، وقد نبه
على ذلك في "الروضة".
قوله: وحكى -أي البغوي- وجهين في ما إذا دفع شيئًا ليصرفه إلى نفقة الطريق والمركوب، فهل له أن يصرفه إلى عرض آخر ويمشي راجلًا؟ وهما كالوجهين في ما إذا دفع إلى فقير شيئًا فقال: اشتر به لنفسك ثوبًا، هل له صرفه إلى غير الثوب؟ والأشهر: الجواز انتهى كلامه.
تابعه في "الروضة" أيضًا على ذلك فصرح بأن الأصح في المسألتين جميعًا جوازه كما هو مقتضى كلام الرافعي، لكن في مسألة الفقير تفصيل قد مر في كتاب الهبة فراجعه.
وقياسه أن يأتي في مسألة الشاهد أيضًا، ثم إن مشى الشاهد من بلد إلى بلد مع قدرته على الركوب قد يكون خارمًا للمروءة قادحًا في قبول الشهادة، فيظهر حينئذ امتناعه في حق من هذا شأنه.
قوله: ولو طلب الشاهد أجرة ليتحمل، فإن لم يتعين: فله الأخذ، وإن تعين: فوجهان: أظهرهما: الجواز انتهى كلامه.
وأخذ الأجرة له شرط، ذكره الشيخ عز الدين في "القواعد الكبرى" فقال: ولا يجوز أخذ الأجرة على تحمل شهادة يبعد تذكرها ومعرفة الخصمين فيها، لأن باذل الأجرة إنما يبذلها على تقدير الانتفاع بها عند الحاجة إليها فيصير هاهنا آخذ الأجرة على شهادة لا يحل له أداؤها، ذكر ذلك في الفصل المعقود لما يثاب عليه الشهود وهو نحو ثلث الكتاب.
قوله: ومقتضى قولنا أنه يطلب الأجرة إذا دعى للتحمل أن يطلب الأجرة إذا دعى للأداء سواء كان القاضي معه في البلد أم لا، كما لا فرق في التحمل، وأن يكون النظر إلى الأجرة مطلقًا لا إلى أجرة المركوب ونفقة الطريق خاصة، ثم هو يصرف المأخوذ إلى ما يشاء، ولا يمنع من ذلك كون الأداء فرضًا عليه كما ذكرنا في التحمل مع تعينه على الأصح انتهى كلامه.
والبحث الذي ذكره الرافعي في تجويز أخذ الأجرة على الأداء قياسًا على التحمل ضعيف، فقد فرق الماوردي وغيره بينهما بأن أخذ الأجرة في الأداء يوجب ريبة، على أن الماوردي حكى وجهين فيما إذا كان ممتنعًا عن كسبه بالتحمل، وجعل في أخذ الأجرة عليها ثلاثة أوجه:
ثالثها: يجوز على التحمل دون الأداء، وقد ضعف في "الروضة" أيضًا مقالة الرافعي فقال: إنه ضعيف مخالف لكلام الأصحاب، قال: فإن فرض من يحتاج إلى الركوب في البلد فهو محتمل، والوجوب ظاهر.