المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الأول: في الصفات المعتبرة في الشاهد - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٩

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصيد والذبائح

- ‌النظر الأول فيما يفيد الحل وهي أركان الذبح وما يقوم مقامه وهو العقر

- ‌ النظر الثاني في بيان ما يملك به الصيد

- ‌كتاب الضحايا والعقيقة

- ‌النظر الأول في الأركان

- ‌ النظر الثاني في أحكام الأضحية

- ‌ الكلام على العقيقة

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌الفصل الأول في حالة الاختيار

- ‌الفصل الثاني في حال الاضطرار

- ‌كتاب السبق والرمي

- ‌الباب الأول في المسابقة

- ‌الباب الثاني في الرهن

- ‌كتاب الأيمان

- ‌الباب الأول: في نفس اليمين

- ‌فصل في لغات الباب

- ‌الباب الثاني: في كفارة اليمين

- ‌الباب الثالث: فيما يقع به الحنث

- ‌النوع الأول: الدخول والمساكنة

- ‌النوع الثاني: لفظ الأكل والشرب

- ‌النوع الثالث: في العقود

- ‌النوع الرابع: في الإضافات

- ‌النوع الخامس: في الكلام

- ‌النوع السادس: في تأخير الحنث وتقديمه

- ‌النوع السابع: في الخصومات

- ‌كتاب [النذر]

- ‌الأول: في الأركان

- ‌ الثاني: في أحكام النذر والملتزمات

- ‌النوع الأول: الصوم

- ‌النوع الثاني: الحج والعمرة

- ‌النوع الثالث: إتيان المسجد

- ‌النوع الرابع: الهدايا والضحايا

- ‌ مسائل منثورة

- ‌كتاب القضاء

- ‌الباب الأول: في التولية والعزل

- ‌الفصل الأول: في التولية

- ‌الفصل الثاني: في العزل والانعزال

- ‌الباب الثاني: في جامع آداب القضاء

- ‌الفصل الأول: في آداب متفرقة وهي عشرة

- ‌الفصل الثاني: في مستند قضائه

- ‌الفصل الثالث: في التسوية

- ‌الباب الثالث: في القضاء علي الغائب

- ‌الباب الرابع: في القسمة

- ‌كتاب الشهادات

- ‌الباب الأول: في الصفات المعتبرة في الشاهد

- ‌الباب الثاني: في العدد والذكورة

- ‌الباب الثالث: في مستند علم الشاهد

- ‌ فصل في آداب التحمل والأداء منقولة من مختصر الصيمري

- ‌الباب الرابع: في الشاهد واليمين

- ‌الباب الخامس: في الشهادة على الشهادة

- ‌الباب السادس: في الرجوع عن الشهادة

- ‌كتاب الدعاوى والبينات

- ‌الركن الأول: في الدعوى

- ‌ الركن الثاني: جواب المدعى عليه

- ‌ الركن الثالث: في اليمين

- ‌ الركن الرابع: النكول

- ‌ الركن الخامس: البينة

- ‌الباب الأول: في مسائل منثورة

- ‌الباب الثاني: في دعوى النسب

- ‌كتاب التدبير

- ‌كتاب الكتابة

- ‌الحكم الثاني: في الأداء والإتيان

- ‌الحكم الثالث: في تصرفات السيد في المكاتب وفي تصرفات المكاتب

- ‌الحكم الرابع: في ولد المكاتبة

- ‌الحكم الخامس: في جناية المكاتب والجناية عليه

- ‌كتاب عتق أمهات الأولاد

الفصل: ‌الباب الأول: في الصفات المعتبرة في الشاهد

‌كتاب الشهادات

وفيه ستة أبواب:

‌الباب الأول: في الصفات المعتبرة في الشاهد

اعلم أن الرافعي قد ذكر في الباب ألفاظًا.

منها: يوم بعاث: هو يوم مشهور كان فيه حرب بين الأوس والخزرج في الجاهلية، وبعاث: اسم خص للأوس، وهو بباء موحدة مضمومة وعين مهملة وثاء مثلثة.

ومنها: المعازف بعين مهملة وزاي معجمة وبالفاء في آخره، هي: الملاهي، والعازف هو الضارب بها، تقول منه: عزف يعزف عزفًا.

ومنها: الحُداء، وهو الشِّعر الذي تساق به الإبل، هو بضم الحاء المهملة وبالمد وكسر الحاء لغة.

ومنها: الصنج، بصاد مهملة مفتوحة ونون ساكنة وبالجيم، وهو معروف.

ومنها: الزفن، اسم للرقص، وهو بزاي معجمة مفتوحة وفاء ساكنة وبالنون.

ومنها: الشبب بالشيء -أي التعرض- به هو بشين معجمة وباءين موحدتين.

ومنها: الرِّبقة، بكسر الراء وبالباء الموحدة وبالقاف، تقدم إيضاحه في أول قتال البغاة.

ومنها: في الحديث: "لا تقبل شهادة خائن ولا خائنة ولا ظنين في

ص: 319

قرابة" (1) أي: منهم، وروي: "ولا ذي غِمر على أخيه".

أما الظنين: فإنه بالظاء المعجمة المشالة، قال الله تعالى:{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ (24)} (2) وقرئ بالضاد غير المشالة، وهو [البخيل].

والغِمر: بكسر الغين المعجمة، هو: الحقد والغل، يقال: غِمر صدره عليَّ -بالكسر يَغمر- بالفتح -غمرًا- بفتح الغين وكسرها.

قوله: وعدّ صاحب "العدة" من الكبائر تقديم الصلاة على وقتها، وتأخيرها عن وقتها، ثم قال في آخر الكلام: إن في "التهذيب" حكاية وجه أن ترك الصلاة الواحدة ليس كبيرة، وإنما يفسق به إذا اعتاده. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن عدّه تقديم الصلاة على وقتها من ذلك لا تحقيق له؛ لأنه إن كان يعتقد الجواز فلا كلام فيه، وإن كان عالمًا بالمنع فالصلاة فاسدة، وحينئذ فإن صلاها في وقتها فالتحريم وقع لكونه أتى بصلاة فاسدة،

(1) أخرجه أبو داود (3601) وابن ماجه (2366) وأحمد (6698) والدارقطني (4/ 244) وعبد الرزاق (15364) والبيهقي في "الكبرى"(20355) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

قال الحافظ: إسناده قوي.

وقال الألباني: حسن.

وأخرجه الترمذي (2298) والدارقطني (4/ 244) والبيهقي في "الكبرى"(20357) وابن عدي في "الكامل"(7/ 259) وابن حبان في "المجروحين"(3/ 100) من حديث عائشة رضي الله عنها.

قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن زياد الدمشقي، ويزيد يضعف في الحديث.

وقال الألباني: ضعيف.

(2)

سورة التكوير (24) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي ومعنى (بظنين) أي: بمتهم. الحجة (6/ 380).

ص: 320

فينبغي التعبير به ولا يقتصر على هذه الصورة الشاذة النادرة، وإن لم يصلها في وقتها فالعصيان بالتأخير وبالصلاة الفاسدة أيضًا.

الأمر الثاني: أن الصحيح في ترك الصلاة الواحدة أنه كبيرة، كذا جزم به الرافعي وغيره في الكلام على قتل تارك الصلاة، وكلامه وكلام "الروضة" هنا لا يؤخذ منهما تصحيح، ولم ينص عليها في "المحرر" ولا في "الشرح الصغير".

قوله في "الروضة": ومنها -أي: من الكبائر- الدياثة والقيادة. انتهى.

الدياثة بالثاء المثلثة بعد الألف هي أن يكون له جارية تغني فيجمع الناس عليها لسماع غنائها إما بإحضار الناس إليها أو بإحضارها إلى الناس، كذا فسره به الشافعي، واسم الفاعل منه دَيّوث.

وفي الرافعي ذكر القيادة وتفسيرها بالتفسير المعروف، وهو الجمع بين الرجال والنساء، وقد فسر هذه الألفاظ في أواخر تعليق الطلاق بما لا يطابق المذكور هنا، فقال: قال في "التتمة": القواد من يحمل الرجال إلى أهله ويخلي بينهم، ويشبه أن لا يختص بالأهل، قال: وفيها أن القرطبان هو الذي يعرف من يزني بزوجته ويسكت عليه. وفيها أيضًا: أن الدَّيوث من لا يمنع الناس الدخول على زوجته، وقال في "الرقم": هو الذي يشتري جارية تغني للناس. هذا كلامه.

قوله: ومن الصغائر -كما قاله صاحب "العدة"- السكوت على الغيبة، والبيع والشراء في المسجد، وإدخال الصبيان والمجانين والنجاسات إليه، وإمامة قوم يكرهونه لعيب فيه، والعبث في الصلاة، والضحك فيها والتغوط مستقبل القبلة أو في طريق المسلمين. انتهى موضع الحاجة من كلامه.

فأما ما ذكره في السكوت على الغيبة فمناقض لما ذكره في تعداد الكبائر

ص: 321

فإنه جعل منها ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو مناقض لما نقله هاهنا من كونه من الصغائر، وإن كان هو الصواب؛ ولهذا توقف فيه الرافعي، وأما باقي المسائل فإن الرافعي قد نقل معها عن صاحب "العدة" مسائل أخرى، فاعترض عليه في بعضها وارتضى الباقى، وهذه المسائل من جملة ما ارتضاه وليس كذلك.

فأما البيع والشراء في المسجد، فقد قال في كتاب الاعتكاف: إنه إن كثر فيكره ولا يحرم، وإن لم يكثر فلا يكره، وهذا مع ما قاله هناك في غاية التباين، إلا أن النووي قد خالفه هناك في ما إذا لم يكثر، وقال بالكراهة، ونقله عن نصه في "البويطي"، وأما إدخال الصبيان والمجانين فيه فعجيب، فقد جزم هو وغيره بإدخالهم في أشرف المساجد وهو المسجد الحرام، وقالوا: إنه يجوز أن يحرم عنه وليه ويطوف به، وأغرب منه تجويزه إدخال البهيمة فيه للطواف عليها من غير كراهة، وإن لم يكن لعذر، وأما الإمامة بمن يكره والعبث في الصلاة والتغوط في الطرق فمكروه على ما سبق في أبوابها، وكذا التغوط مستقبل القبلة، إن كان في البنيان، ولم يستدرك النووي عليه في إمامة من يكرهه، واستدرك عليه باقيها وقيد جواز إدخال الصبيان المساجد بما إذا لم يغلب تنجيسهم له.

قوله من "زوائده": المختار أن تخطي الرقاب حرام للأحاديث فيه. انتهى.

وما ذكره هنا من ترجيح التحريم مخالف لما سبق في باب صلاة الجمعة من "الروضة، و"شرح المهذب" وغيرهما، فإنه جزم فيها بالكراهة، وقد تقدم بسطه هناك فراجعه.

قوله أيضًا من "زوائده": ومن الصغائر استعمال النجاسة في البدن لغير حاجة. انتهى.

وتقييده بالبدن يشعر بالجواز في الثوب، وقد اختلف فيه كلامه كما

ص: 322

تقدم إيضاحه قُبيل صلاة العيد في باب ما يجوز للمحارب لبسه.

قوله: وما هو الإضرار السالب للعدالة؟ أهو المداومة على نوع من الصغائر أم الإكثار منها سواء كانت من نوع واحد أو من أنواع مختلفة؟

يوافق الثاني قول الجمهور من تغلب طاعاته معاصيه كان عدلًا، وعكسه مردود الشهادة ولفظ الشافعي قريب منه، وإذا قلنا به لم تضر المداومة على نوع واحد من الصغائر إذا غلبت الطاعات، وعلى الاحتمال الأول تضر. انتهى.

هذا الكلام ظاهر الخلل، فإن مقتضى الاحتمالين: أن المداومة على نوع واحد مؤثر.

وأما على الاحتمال الأول: فلأن السالب للعدالة شيء واحد وهو المداومة على النوع الواحد وقد وجد.

وأما على الثاني: فلأن السالب أحد شيئين:

أحدهما: الإكثار من النوع فإذا داوم عليه فقد وجد المقتضى لسلب العدالة أيضًا وهو أحد السببين، بل وجد ما هو أعم منه، فإن المداومة على الشيء أبلغ من الإكثار منه قطعًا، والذي يظهر أن ثمرة العبارتين إنما هى في المداومة على الصغيرة من أنواع إذا غلبت على الطاعات، فعلى الثاني يضر دون الأول، ووجه كونه لا يسلب أن الشخص يسبق عليه غالبًا إمساك نفسه عن المرة الواحدة من النوع، فلو سلبنا بها لانضمامها إلى مثلها من نوع ومثلها من نوع آخر لأدى إلى المشقة والحرج وندور من يتصف بالعدالة، بخلاف المداومة على النوع الواحد، فإن كف النفس عنه سهل، والإقدام عليه لا يعد فرطة وغفلة، ويدل على ما ذكرناه أنه قد خالف ما ذكره هنا، وجزم في مواضع بأن المداومة على النوع الواحد تصير كبيرة، منها في كتاب النكاح في الكلام على الأولياء، وفي كتاب الرضاع، وقد سبق ذكر لفظه هناك فراجعه، وفي "أدب القضاء" للدبيلي وجه: أن

ص: 323

الصغيرة لا تصير كبيرة بالإصرار عليها.

قوله: ولو شغله اللعب بالشطرنج حتى خرج الوقت وهو غافل، فإن لم يتكرر منه ذلك لم ترد شهادته، فإن كثر وتكرر فسق وردت شهادته، ثم قال: هكذا ذكروه وفيه إشكال لما فيه من تعصية الغافل الساهي، ثم قياسه الطرد في شغل النفس بسائر المباحات. انتهى كلامه.

وهذا الإشكال الذي ذكره الرافعي ولم يجب عنه وتابعه عليه في "الروضة" قد ذكره الشافعي في "الأم" وأجاب عنه، وقال في شهادة أهل اللعب ما نصه: فإن قيل فهو لا يترك وقتها للعب إلا وهو ناس.

قيل فلا يعود للعب الذي يورث النسيان فإن عاد له وقد جربه يورثه ذلك، فذلك استخفاف هذا لفظه بحروفه.

قوله: وفي "المهذب" اشتراط التكرار في إخراج الصلاة عن الوقت وإن كان مع العلم وهذا خلاف ما قدمنا أن إخراج الفريضة عمدًا عن الوقت من الكبائر. انتهى كلامه.

تبعه عليه في "الروضة" وهو يقتضي أنه لم يتقدم له هناك ذكر هذا الوجه وليس كذلك بل قد صرح به فقال: وفي "التهذيب" حكاية وجه أن ترك الصلاة الواحدة إلى أن يخرج وقتها ليس بكبيرة وإنما ترد الشهادة به إذا اعتاده، هذا لفظه.

وعذر الرافعي في عدم استحضاره هنا أنه لم يذكره هناك عند ذكره للصلاة، وإنما ذكره في آخر الكلام على الكبائر.

واعلم أن في "مهذب الشيخ أبي إسحاق" الجزم بأنه صغيرة وفي "تهذيب البغوي" حكايته وجهًا فاعلمه واحذر من التحريف.

قوله: وأما النرد فهو حرام في أصح الوجهين لقوله عليه الصلاة والسلام:

ص: 324

"من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم الخنزير"(1)، قال: وعلى هذا فقد حكى الإمام عن الشيخ أبي محمد أنه من الصغائر، قال: والصحيح: أنه من الكبائر. انتهى كلامه.

والصحيح ما قاله الشيخ أبو محمد، كذا رجحه الرافعي في آخر الفصل قبيل الكلام على شرب الحنفى النبيذ فقال: ما حكمنا بتحريمه في هذه المسائل كالنرد وسماع الأوتار واستعمال الحرير هل هو كبيرة أو صغيرة؟ فيه وجهان:

ثم قال: يميل كلام الإمام إلى ترجيح أولهما، والأشبه الثاني، وهو المذكور في "التهذيب" وغيره. هذا لفظه.

ورجحه أيضًا في "الشرح الصغير".

والحديث المذكور رواه مسلم في صحيحه، والدال من النردشير مفتوحة كما اقتضاه كلام القاضي عياض في "مشارق الأنوار" على الكلام على النون مع الرواشين بالشين المعجمة المكسورة، هو أول ملوك الفرس، وكان قد وضع له النرد فنسب إليه.

قوله: فروع: قال في "الأم": وأكره اللعب بالحزة والقرق، فالحزة قطعة من الخشب يحفر فيها حفر في ثلاثة أسطر ويجعل في الحفر حصى صغار يلعب بها، وقد تسمى الأربعة عشرة، [والقرق] أن يخط على الأرض مربع ويجعل في وسطه خطان كالصليب ويجعل على رؤوس الخط حصى صغار يلعب بها.

واللفظ فيما رأيت بخط القاضي الروياني بفتح القاف والراء، وبعضهم قيد بكسر القاف وإسكان الراء، ولم أجدها في كتب اللغة بهذا المعنى.

نعم في "الصحاح" أن القرق بكسر الراء، هو المكان المستوى ومعلوم أن

(1) أخرجه مسلم (2260) من حديث بريدة رضي الله عنه.

ص: 325

الخط للعب يقع غالبًا في المكان المستوي، فيمكن أن يكون ما نحن فيه من هذا وأن يكون اللفظ كما ذكره.

وأما الحكم: ففي "الشامل": أن اللعب بهما كاللعب بالنرد، وفي "تعليق أبي حامد": أنه كالشطرنج، ويشبه أن يقال ما يعتمد فيه على إخراج الكعبين أي الحصا ونحوه فهو كالنرد، وما يعتمد فيه على الفكر فهو كالشطرنج. انتهى كلامه.

وهذا التخريج الذي ذكره رحمه الله في آخر كلامه يؤخذ منه ترجيح الجواز فيهما معًا، لأن الحزة بالحاء المهملة هي المسماة في إقليم مصر بالمنقلة، والقرق يسمى بشطرنج المغاربة، وكلاهما يعتمد فيه على الفكر لا على شيء يرمى، وقد أسقط النووي من "الروضة" هذا الترجيح، وكأنه سقط من قوله: كالشطرنج. . . . إلى قوله: كالشطرنج.

قوله: وأما القسم الأول -أي: الغناء بمجرد الصوت- فهو مكروه وسماعه مكروه والسماع من الأجنبية أشد كراهة، وحكى القاضي أبو الطيب تحريمه، وهذا هو الخلاف الذي سبق في أن صوتها هل هو عورة؟ هذا هو المذهب المشهور في الغناء وسماعه، وحكى الزاز ووراؤه وجهين:

أحدهما: أنه يحرم كثيره دون قليله.

وثانيهما: أنه حرام على الإطلاق. انتهى.

واعلم أن هذين الوجهين اللذين أشار إليهما بقوله ووراؤه وجهين، ليسا خاصين بالمرأة، وإلا لزم أن يكون الوجه الثاني منهما مكررًا.

[وليسا أيضًا خاصين بالغناء، فإن مقتضى عبارة الرافعي المتقدمة جريانهما](1) في السماع أيضًا.

إذا علمت ذلك ففيه أمور:

أحدها: أن ما ذكره من البناء على أن صورة المرأة هل هي عورة أم لا؟

(1) سقط من ب.

ص: 326

يقتضي اختصاص الخلاف في الغناء بالحرة، فإن صوت الأمة ليس بعورة بلا خلاف، والخلاف لا يختص بها، بل يجري في الأمة أيضًا وممن جزم بالتحريم في الأمة الغزالي.

الثاني: أن ما صححه هنا في غناء المرأة من عدم التحريم، قد ذكر ما يخالفه في ثلاثة مواضع من هذا الكتاب:

أحدها: في البيع.

وثانيها: في الغصب.

وثالثها: في الصداق، وقد سبق إيضاح ذلك في أوائل البيع فراجعه.

الثالث: أن القاضي أبا الطيب قد نص في باب المصراة من تعليقته على الإباحة، وهو لا ينافي ما نقله عنه الرافعي، فإن مدلوله الحكاية عن غيره وهو كذلك فإن القاضي المذكور نقل عن الأصحاب تحريمه من المرأة مطلقًا، قال: سواء كانت حرة أو أمة، كذا رأيته في مصنف له في الغناء.

وأما في هذا الباب من تعليقته فإنه صرح بسماعه من أمته، وقال: إنه لا يكره وسكت عن الأجنبية.

ولا شك أن الزوجة في معنى الأمة، وكذا المحرم على ما ذكره في "الحاوي"، كذا ذكره في الكتاب الثاني من الكتابين المعقودين للشهادات.

قوله: القسم الثاني: أن يتغنى ببعض آلات الغناء مما هو من شعار شاربي الخمر وهو مطرب، كالطنبور والعود والصبح وسائر المعازف والأرقام يحرم استعماله واستماعه. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أنه لم يصرح بالحكم في الغناء في هذه الحالة مع أن الكلام إنما سيق له وهو مراده بلا شك؛ ولهذا عبر في "المنهاج" بقوله: ويكره الغناء بلا آلة وسماعه.

ص: 327

الأمر الثاني: أن القياس في الغناء المضموم إلى الآلة المحرمة، تحريم الآلة فقط وبقاء الغناء على كراهته، ولكن وقع فيه تعارض عجيب تقدم إيضاحه في أواخر باب تعليق الطلاق فراجعه.

وقد ذكر الإمام في الكلام على الشطرنج إذا انضم إليه بهتان أو ترك صلاة ونحو ذلك هذا الاعتراض بعينه وهو واضح.

قوله: وفي اليراع وجهان صحح البغوي التحريم والغزالي الجواز وهو الأقرب. انتهى.

قال في "الروضة": الأصح أو الصحيح تحريم اليراع وهي التي يقال لها: الشبابة، ممن صححه البغوي وغيره، وقد صنف الدولعى كتابًا في تحريمه مشتملًا على نفائس والله أعلم.

وفيما قاله في "الروضة" أمران:

أحدهما: أن اليراع بفتح الياء المثناة من تحت وتخفيف الراء وبالعين المهملة جمع يراعة أو اسم جنس واحده يراعة، قاله النووي في "تهذيبه"، وقال الجوهري: اليراع القصب واليراعة القصبة.

وإذا علمت ذلك علمت أن اليراع متعدد وحينئذ فلا يصح تفسيره بالمفرد وهي الشبابة بالباء.

الثاني: أن نقل المنع من زوائده عن البغوي عجيب فقد ذكره الرافعي وليس ببعيد بل قبل ذلك بنحو سطر ثم إن المقام يقتضي أن النووي لو استحضر قائلًا بالتحريم غير من ذكره لصرح به.

واعلم أن المنع قد رجحه الشيخ أبو حامد فقال: إنه القياس، وصححه الخوارزمي في "الكافي" وجزم به ابن عصرون، وأما الجواز فقال به الماوردي والخطابي والروياني ومحمد بن يحيى في "المحيط".

ص: 328

قوله: وأما القراءة بالألحان فقد قال في "المختصر": لا بأس بها وعن رواية الربيع بن سليمان الجيزي: أنها مكروهة، وليس في هذا اختلاف قول عند عامة الأصحاب، ولكن موضع الكراهة أن يفرط في المد وفي إشباع الحركات حتى يتولد من الفتحة ألف ومن الضمة واو ومن الكسرة ياء، أو يدغم في غير موضع الإدغام، فإن لم ينته إلى هذا الحد فلا كراهة، وفي "أمالي أبي الفرج" وجه: أنه لا كراهة وإن أفرط. انتهى كلامه.

وقد تلخص منه أن المعروف في المذهب إنما هو الكراهة؛ ولهذا لم ينقل التحريم عن أحد بالكلية، ويؤيده أيضًا ما نقله الربيع المرادي في "الأم" عن الشافعي، فقال في باب شهادة القاذف الذي هو قبل كتاب القاضي ما نصه: قال الشافعي: ولا بأس بالقراءة بالألحان. هذا لفظه بحروفه، وقد ذكر الشافعي بعد هذا بكراريس بابًا آخر في شهادة القاذف، فلأجل هذا احترزت بالتقييد السابق.

إذا علمت ذلك فقد قال في "الروضة" من "زوائده": والصحيح التحريم إذا أفرط على الوجه المذكور، صرح به صاحب "الحاوي" فقال: هو حرام يفسق به القارئ، ويأثم المستمع لأنه عدل به عن نهجه القويم، وهذا مراد الشافعي بالكراهة والله أعلم.

وإذا تأملت ما تقدم علمت أن تصحيح النووي في هذه المسألة ضعيف مخالف لكلام الشافعي والأصحاب فلا معول عليه، ثم إن القول بالتفسيق بتقدير التحريم مشكل لا دليل عليه بل الصواب على هذا التقدير أن يكون صغيرة.

واعلم أن الربيع الجيزي لم يقع له ذكر في الرافعي إلا في هذا الموضع، والمتكرر إنما هو الربيع المرادي راوي "الأم"، والجيزي بجيم مكسورة منسوب إلى البلد المقابلة لمدينة مصر كما أوضحته في مقدمة الكتاب والطبقات.

ص: 329

قوله: بل المزمار العراقي وما يضرب به الأوتار حرام بلا خلاف. انتهى.

وإطلاق عدم الخلاف في الأوتار تبعه عليه في "الروضة" أيضًا وليس كذلك، فقد حكى الماوردي في "الحاوي" والروياني في "البحر" وجهًا: أن العود بخصوصه حلال لما يقال: إنه ينفع من بعض الأمراض، بل رأيت في كتاب "السماع" لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي ممن كان يبيع ذلك [ويحضره](1)، إن كان لم يذكر ذلك في تصانيفه الفقهية لكونها مصنفة على المذهب المعروف.

قوله: وأما الدف فضربه مباح في الأملاك والختان سواء كان فيه جلاجل أم لا، ففي الحديث "اعلنوا النكاح واضربوا عليه بالغربال" (2) يعني: الدف، وأما غيرهما ففي "المهذب" و"التهذيب" وغيرهما، تحريمه، ومنهم من أطلق حله وعلى ذلك جرى الإمام وصاحب الكتاب. انتهى.

لم يرجح شيئًا في "الروضة" أيضًا والراجح الحل، فقد قال الرافعي في "المحرر": إنه أقرب الوجهين، وفي "الشرح الصغير": إنه أشبههما، وقال النووي في "المنهاج": إنه الأصح، والغربال بكسرة الغين المعجمة.

قوله: ولا يحرم من الطبول إلا الطبل الذي يسمى "الكوبة"، فإنه حرام

(1) سقط من أ.

(2)

أخرجه أحمد (16175) وابن حبان (4066) والحاكم (2748) والطبراني في "الأوسط"(5145) والبيهقي في "الكبرى"(14463) وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 328) من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه بسند حسن، بلفظ:"أعلنوا النكاح" أما زيادة "واضربوا عليه. . . . " أخرجها ابن ماجه (1895) وسعيد بن منصور (635) والبيهقي في "الكبرى"(14475) وأبو نعيم في "الحلية"(3/ 265) وإسحاق بن راهوية في "مسنده"(945) والخطيب في "تاريخ بغداد"(4/ 137) وابن عدي في "الكامل"(3/ 6) من حديث عائشة بسند ضعيف، فيه خالد بن إلياس، اتفقوا على ضعفه.

ص: 330

لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله حرّم على أمتي الخمر والميسر والكوبة"(1) في أشياء عددها، والكوبة: الطبل الطويل المتسع الطرفين الضيق الوسط. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن إباحة غير الكوبة من الطبول ذكره الغزالي فتابعه عليه الرافعي، والموجود لأئمة المذهب وهو التحريم في ما عدا الدف، فقد ذهب إليه القاضي الحسين والبندنيجي في تعليقهما، والحليمي في "المنهاج" والماوردي في "الحاوي" والشيخ أبو إسحاق في "المهذب" وأبو عبد الله الحسين الطبري في "العدة" والروياني في "البحر" والبغوي في "التهذيب" والخوارزمي في "الكافي" والعمراني في "البيان" والشهروذوري في "الذخيرة" وابن أبي عصرون في "التنبيه" وفي "الانتصار" و"المرشد" ومجلي في "الذخائر" ونقله في "الاستقصاء" عن الشيخ أبي حامد.

الأمر الثاني: أن تفسير الكوبة بالطبل خلاف المشهور في كتب اللغة، قال الخطابي: غلط من قال الكوبة الطبل، بل هي النرد، وذكر مثله ابن الأعرابي والزمخشري، وصححه ابن الأثير في "النهاية".

قوله في "الروضة": أو الطبول التي تهيأ لملاعب الصبيان إن لم تلحق بالطبول الكبار فهي كالدف وليست كالكوبة بحال. انتهى.

وهذا الكلام على هذه الكيفية نقله الرافعي عن الإمام، ولا يؤخذ منه الحكم فيها.

(1) أخرجه أبو داود (3685) وأحمد (6478) والبزار (2454) والبيهقي في "الكبرى"(20781) والطحاوي في "شرح المعاني" من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما.

قال الشيخ الألباني: صحيح.

قلت: وفي الباب عن ابن عباس، وأبي هريرة، وقيس بن سعيد بن عبادة.

ص: 331

قوله: والرقص ليس بحرام، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة ليسترها حتى تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون ويزفنون.

والزفن: هو الرقص، قال الحليمي: الرقص الذي فيه تكسر وتثن يشبه أفعال المخنثين، حرام على الرجال والنساء. انتهى.

ذكر في "الروضة" نحوه أيضًا.

وفيه أمور:

أحدها: أن الذي نقله الرافعي عن الحليمي هو الصحيح عنده وعند النووي، فقد جزم به في "الشرح الصغير" و"المحرر" وتابعه عليه النووي في "المنهاج".

الثاني: أن الذي قاله الحليمي في "المنهاج" أنه إن لم يكن فيه تثن وتكسر فلا بأس به، ولم يزد عليه ولا يلزم منه تحريمه، فقد يكون مكروها عند التثني والتكسر، مباحًا عند فقدهما.

وبتقدير ثبوت التحريم عنه فمعارض بالشيخ أبي علي، فإنه قال كما نقله عنه ابن أبي الدم في "شرح الوسيط": إن كان فيه تثن وتكسر فمكروه وإلا فلا بأس به.

الثالث: لم يبين الرافعي رحمه الله حكم الرقص الذي ليس فيه تثن ولا تكسر هل هو مكروه أو مباح؟ فإنه عبر بقوله لا يحرم كما تقدم.

والمسألة مختلف فيها، فذهب القفال كما حكاه عنه في "البحر" إلى الكراهة، وقال الأستاذ أبو منصور: إن تكلف الرقص على الإيقاع مكروه، قال الفوراني في "العمد": الرقص مباح، وكذلك الغزالي في "الوسيط" وهو مقتضى كلام الشيخ أبي علي والحليمي كما تقدم نقله عنهما، وأشار القاضي حسين في "تعليقته" والغزالي في "الإحياء" إلى

ص: 332

أنه إن كان من أهل الأحوال الذين يقومون بوجد فيباح لهم ويكره لغيرهم، وصرح به الأستاذ أبو منصور، وجزم أبو الفضل الحاجري بالتحريم إذا كان كثيرًا. ذكره في كتابه المسمى "بالكفاية".

واعلم أن الزفن الذي فسره الرافعي بالرقص هو بالزاي المعجمة والفاء وبالنون كما تقدم إيضاحه قريبًا.

والحديث أخرجه البخاري ومسلم.

قوله: وقال الشافعي رضي الله عنه: الشِّعر كلام حسنه كحسنه وقبيحه كقبيحه. انتهى.

وهذا المنقول عن الشافعي قد رواه البيهقي حديثًا مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم (1)، ونقله عنه النووي في كتاب الحج من "شرح المهذب".

قوله: وإذا هجا الشاعر في شعره بما هو صادق فيه أو كاذب ردت شهادته كذلك قال القاضي الروياني. انتهى.

ويستثني من ذلك هجو الكفار فإنه يجوز كما قاله الروياني وغيره، لأنه عليه الصلاة والسلام أمر حسان بهجاء الكفار، ومقتضى إطلاقه أن لا فرق فيهم بين الجماعة والواحد معينًا كان أو غير معين، والقياس في الفاسق المتظاهر كذلك.

قوله: فإن كانت التي يسب بها جاريته أو زوجته، فمن الأصحاب من قال: إنه يجوز ولا ترد شهادته، [وهذا القائل يقول لو لم تكن المرأة معينة لا ترد شهادته](2) لجواز أن يريد من تحل له، ومنهم من قال: ترد شهادته إذا

(1) أخرجه الشافعي (1687) والبيهقي في "الكبرى"(8963) من حديث هشام بن عروة عن أبيه مرفوعًا.

وضعفه البيهقي والحافظ ابن حجر.

(2)

سقط من أ.

ص: 333

كان يذكر جاريته أو زوجته بما حقه الإخفاء، لأنه مسقط للمروءة، وهذا هو الحق. انتهى كلامه.

وهذا الذي ذكره بحثًا من ترجيح هذا الوجه وتابعه عليه في "الروضة" قد نص الشافعي على خلافه نصًا صريحًا فقال في "الأم" في باب شهادة الشعراء ما نصه: ومن سب فلم يسم أحدًا لم ترد شهادته، لأنه يمكن أن يسب بامرأته وجاريته، هذا لفظه بحروفه ومن "الأم" نقلته، ونقل في "البحر" عدم الرد عن جمهور [الأصحاب](1).

قوله في أصل "الروضة": ومنه -أي مما يخل [بالمروءة- أن يقبل امرأته أو جاريته بحضرة الناس، أو يحكي ما جرى بينهما](2) في الخلوة أو يكثر من الحكايات المضحكة. انتهى كلامه.

وهذا الذي ذكره من كراهة حكاية ما يجري له معهما، ذكر مثله أيضًا في آخر الباب التاسع من أبواب النكاح، فقال: ويكره أن يحدث بما جرى بينه وبين زوجته أو أمته، لكن جزم في "شرح مسلم" بما يخالف ذلك، فقال في كتاب النكاح في باب تحريم إفشاء سر المرأة: ويحرم على الرجل أن يظهر ما جرى بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة من قول أو فعل لما رواه مسلم "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها"(3) قال: وأما مجرد ذكر الجماع فمكروه إلا لفائدة.

قوله: وفي أهل الحرف الدنيئة وجهان:

أصحهما: قبول شهادتهم، ثم قال بعده قال الغزالي: والوجهان هما في من تليق به وكانت بصنعة آبائه، فأما غيره فتسقط مروءته بها، وهذا

(1) في أ: الصحابة.

(2)

سقط من أ.

(3)

أخرجه مسلم (1437) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 334

حسن. انتهى.

جزم الرافعي في "الشرح الصغير" و"المحرر" بما قاله الغزالي وتبعه النووي في "المنهاج"، وقال في "الروضة" من "زوائده": لم يتعرض الجمهور لهذا القيد، وينبغي أن لا تقيد بصنعة آبائه، بل ينظر هل تليق به هو أم لا؟

قوله: وإن اعتاد ترك السنن الرواتب أو تسبيحات الركوع والسجود ردت شهادته، كذا ذكره في "التهذيب"، وحكى أبو الفرج الزاز في غير الوتر وركعتي [الفجر] (1) من الرواتب وجهًا: أن الشهادة لا ترد. انتهى:

وحاصله حكاية الخلاف من غير ترجيح في ما عدا الوتر وركعتي الفجر، وصحح في "الروضة" فيهما الرد أيضًا، ولم ينبه على أنه من "زوائده" بل أدخله في كلام الرافعي فتفطن له، وسببه أنه حذف النقل عن صاحب "التهذيب" فلزم منه ما ذكرناه.

قوله: ولو شهد أن زيدًا جرح مورثه لم تقبل للتهمة، ولو شهد بمال آخر لوريثه المجروح أو المريض، إن شهدوا بعد الاندمال: قبلت، وكذا قبله على الأصح. انتهى كلامه.

وهو يوهم أن الشهادة بجرح مورثه لا يأتي فيها التفصيل بين الاندمال وعدمه وليس كذلك، بل التفصيل يجري فيه أيضًا، كذا ذكره في آخر الجنايات في باب الشهادة على الدم، وذكر هناك خلافًا في أن الاعتبار بالإرث هل هو بحالة الشهادة أم لا؟ قال ابن عصرون في كتابيه "المرشد" و"الانتصار": لو كان على المجروح دين يستغرق أرش الجراحة: قبلت شهادة وارثه بها لانتفاء التهمة، وفيما قاله نظر لأن الدين لا يمنع الإرث.

(1) سقط من أ.

ص: 335

قوله: ولا تقبل شهادة الوكيل للموكل في ما هو وكيل فيه. انتهى.

تابعه عليه في "الروضة" وهو يقتضي اختصاص المنع [بحالة](1) بقاء الوكالة، حتى لو عزل نفسه ثم شهد قبلت شهادته، وليس الأمر في ما دل عليه كلامه بعد العزل على إطلاقه، بل فيه تفصيل ذكره المصنف في الباب الثاني من أبواب الوكالة، وهو أنه إن كان قد خاصم: لم تقبل للتهمة: وإن لم يخاصم، قبلت، وقيل: لا تقبل مطلقًا، وقيل بقبولها مطلقًا، وهذا الثالث قال الإمام: إنه قياس قول المراوزة، ثم قال -أعني: الإمام: إن هذا كله إذا جرى الأمر على تواصل، فإن طال الفصل فالوجه القطع بقبول الشهادة مع احتمال فيه، هذا معنى كلام الرافعي هناك، وقد ذكر صاحب "البيان" في كتاب الوكالة مسائل لها تعلق بما يجيء فيه أحببت ذكرها فقال: فرع: وإذا ادعى الوكالة وشهد له بها شاهدان أحدهما ابن الآخر: قبلت شهادتهما، لأن القرابة تمنع إذا كانت بين الشاهد والمشهود له، فأما إذا كانت بين الشاهدين فلا تؤثر وإن شهد بالوكالة ابنا الوكيل أو أبواه [أو أبوه](2) وابنه لم نحكم بشهادتهما، لأنهما يثبتان له التصرف فلم يقبلا كما لو شهدا له بمال، وإن شهد له بالوكالة أبو الموكل أو ابناه، فذكر الشيخ أبو حامد رحمه الله أنهما لا يقبلان؛ لأنهما يثبتان بذلك التصرف عن الموكل ويستحق الوكيل بذلك المطالبة بالحق، وما يثبت بقوله يثبت بشهادة قرابته عليه كالإقرار، فأما إذا ادعى الوكالة فأنكر الموكل فشهد عليه أبواه أو ابناه فتثبت الوكالة ويمضي تصرفه؛ لأن ذلك شهادة عليه وهكذا إذا أنكر من عليه الحق وكالة الوكيل فشهد ابنا من عليه الحق أو أبواه قبلت شهادتهما، [لأنهما يشهدان عليه.

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

ص: 336

قوله: جل الفقهاء من أصحابنا وغيرهم يمتنعون] (1) من تكفير أهل القبلة.

نعم اشتهر عن الشافعي رحمه الله تكفير الذين ينفون علم الله تعالى بالمعدوم ويقولون ما يعلم الأشياء حتى يخلقها.

ونقل العراقيون عنه: تكفير النافين للرؤية والقائلين بخلق القرآن، وتأوله الإمام فقال: وظني أنه ناظر بعضهم فألزمه الكفر في الحجاج، فقيل: إنه كفرهم. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أنه قد تقدم منه في أوائل الردة عن المتولي كلام ظاهره مخالف لهذا فينبغي أن يعلم، وظاهر كلام الرافعي، يوهم عد تكفير الفريق الأول وليس كذلك، لا جرم أن النووي استدركه في "الروضة" فقال: أما تكفير منكري العلم بالمعدوم أو بالحرثان فلا شك فيه، وأما من نفى الرؤية وقال بخلق القرآن فالمختار: تأويله، ونص في "الأم" على ما يؤيده، ولهذا لم يلحقوهم بالكفار في الإرث والأنكحة ووجوب قتلهم وقتالهم وغير ذلك.

الأمر الثاني: أن ما اقتضاه عموم كلامه من عدم تكفير المجسمة قد تابعه أيضًا في "الروضة"، لكن جزم في باب صفة الأئمة من "شرح المهذب" بكفرهم، ذكر ذلك قبيل الكلام على امتناع اقتداء الرجل بالمرأة فاعلمه.

قوله: والأكثرون على قبول شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية وهم قوم يرون جواز شهادة أحدهم لصاحبه إذا سمعه يقول لي على فلان كذا فيصدقه بيمين أو غيرها ويشهد له اعتمادًا على أنه لا يكذب، وقالت طائفة: لا تقبل مطلقًا، ثم قال: ورد الشيخ أبو محمد شهادة الذين يسبون

(1) سقط من أ.

ص: 337

الصحابة ويقذفون عائشة رضي الله عنها (1) وعلى هذا جرى الإمام وصاحب "التهذيب" وصاحب "الكتاب"، وخير الأمور أوسطها. انتهى كلامه.

فيه أمور:

أحدها: أن الذين يسبون الصحابة فيهم كلام تقدم في أوائل القضاء، في الكلام على الاستفتاء فراجعه.

الأمر الثاني: أن كلامه يشعر بأن قذفة عائشة رضي الله عنها تقبل شهادتهم عند الأكثرين وأنا لا نحكم بكفرهم، وليس كذلك بل هم كفار مردودة شهادتهم؛ إذ هي مبرأة بنص القرآن، وقد نبه في "الروضة" عليه.

الأمر الثالث: أنا إنما [لم](2) نحكم برد شهادة الخطابية ورد قضائهم إذا كانت الشهادة أو الحكم لخطابي مثله، كذا صرح به الرافعي في باب قتال البغاة، ولا يؤخذ ذلك من كلامه هنا فإنه إنما تعرض لذلك في تفسير مذهبهم فتأمله.

[قوله](3): إن كلامهم يقتضي أنه لا فرق في قبول الشهادة بين من يستحل الدم والمال أم لا؟ وقد صرح به هنا في "الروضة" من "زوائده" نقلًا عن الشافعي فقال: الصواب في غير قاذف عائشة قبول الشهادة، وقد قال في "الأم": ولم نعلم أحدًا من سلف الأمة يقتدى به ولا من بعدهم من التابعين رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله ورآه استحل ما حرم الله تعالى عليه، فلا نرد شهادة أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمله، وإن بلغ فيه استحلال المال والدم هذا نص الشافعي. انتهى كلام النووي.

وقد ذكر الرافعي في باب قتال البغاة أن المعتبرين قالوا: إن الحاكم أو

(1) كغلاة الشيعة لعنهم الله.

(2)

سقط من ب.

(3)

في ب: الرابع.

ص: 338

الشاهد من أهل البغي يستحل دماء أهل العدل أو أموالهم لم ينفذ حكمه ولم تقبل شهادته، لأنه فاسق وهذا يخالف المذكور هنا، وقد سبق ذكر ذلك في موضعه فراجعه.

وفي كتاب القضاء أيضًا كلام آخر يتعلق بذلك فراجعه أيضًا.

قوله: وهل يصغى القاضي إلى شهادته مع ظهور فسقه؟ فيه وجهان. الذي ذكره الشيخ أبو محمد واستحسنه الإمام: أنه لا يصغى إليهما كشهادة العبد والصبي. انتهى.

قال الرافعي في "الشرح الصغير" أظهر الوجهين. أنه لا يصغى لذلك، وصححه أيضًا النووي في أصل "الروضة".

قوله: فالمبادر في حقوق [الأميين](1) منهم لا تقبل شهادته والمبادرة أن يشهد من غير تقدم دعوى، فإن شهد بعد دعوى قبل أن يستشهد ردت شهادته أيضًا على الأصح، وإذا رددناها ففي مصيره مجروحًا وجهان: أشبههما: لا، ويحكى القطع به عن أبي عاصم العبادي إن كانت المبادرة عن جهل منه، وظاهر هذا: أن الخلاف في سقوط عدالته مطلقًا. . . . إلى آخر كلامه.

وما ذكره الرافعي من تقييد قطع العبادي بحالة الجهل قد حذفه النووي من "الروضة" فوقع في غلط فاحش، وهو قطعه بذلك في حالة العلم، والذي توقف فيه في آخر كلامه قد ذكره في كتاب الدعاوى قبيل الطرف الثاني.

وفي "كتاب الإقرار"، فنقل ما حاصله: أن البغوي قائل بالجرح مطلقًا، والإمام قائل به في الزيادة فقط، ذكر ذلك في ما إذا ادعى ألفًا فشهد له شاهدان بألفين.

(1) في ب: الآدميين.

ص: 339

قوله في المسألة: وظاهر هذا أن الخلاف في سقوط عدالته مطلقًا، ويؤيده أن الهروي قال: إن الوجهين مبنيان على أن المبادرة من الصغائر أو الكبائر؟ لكن منهم من يفهم من كلامه اختصاص الخلاف برد تلك الشهادة وحدها إذا أعادها ومنهم البغوي. انتهى.

وما اقتضاه كلامه من عدم الوقوف في هذه المسألة إلا على ما أشعر به كلام الهروي ونحوه من المتأخرين المعدودين في المصنفين لا في أصحاب الوجوه، قد تبعه عليه أيضًا في "الروضة" وهو غريب، فقد صرح الإمام بأن الخلاف يجري في سقوط عدالته في تلك الشهادة وغيرها، ذكر ذلك في أوائل كتاب الدعوى، وذكر القاضي الحسين في باب الإقرار من "تعليقته" عكسه، فقال: لا خلاف أنه لا يصير مجروحًا في غير تلك القضية، هذه عبارته وذكر الإمام هناك نحوه أيضًا.

قوله أيضًا في المسألة: قال في "الوسيط" في باب دعوى الدم: في وجه لا تقبل تلك الشهادة منه إذا أعادها كالشهادة المردودة بعلة الفسق، وعلى وجه: تقبل، وعلى وجه: إن تاب عن المبادرة فتقبل. انتهى.

وهذا الوجه المفصل بين التوبة وغيرها أسقطه من "الروضة".

قوله: وهل تقبل شهادة الحسبة في الخلع؟ أطلق في "التهذيب" المنع، وقال الإمام: تقبل في الفراق ولا تثبت في المال، قال: ولا أبعد ثبوته بيعًا. ولا أن يثبت الفراق دون البينونة. انتهى.

تابعه في "الشرح الصغير" و"الروضة" على حكاية الخلاف من غير ترجيح، وجزم الخوارزمي أيضًا بمقالة البغوي إلا أن الراجح ما قاله الإمام، فقد سبقه إليه القاضي الحسين كما نقله عنه الإمام وغيره واختاره أيضًا الغزالي في "الوسيط" وغيره، وتبعهم صاحب "الحاوي الصغير"، وإن

ص: 340

كان في كلامه إيهام إثبات المال.

قوله في أصل "الروضة": ومنه -أي مما تقبل فيه شهادة الحسبة- تحريم الرضاع والنسب، وفي النسب وجه. انتهى.

النسب هنا مرفوع عطفًا على التحريم -أي ومنه النسب على الصحيح- وهكذا ذكره الرافعي.

قوله: وما تقبل فيه شهادة الحسبة -بقاء العدة وانقضاؤها، ثم قال ما نصه:[والحدود](1) التي هي حقوق الله تعالى كحد الزنا وقطع الطريق والسرقة، لكن الأولى فيها الستر. انتهى كلامه.

وهذا الذي جزم به هاهنا من استحباب الستر للشهود قد اختلف فيه كلامه، وكلام "الروضة" أيضًا، وقد سبق إيضاح ذلك في باب حد الزنا فراجعه.

قوله: وأما ما هو حق آدمي كالقصاص وحد القذف والبيوع والأقادير فلا تقبل فيه شهادة الحسبة، فإن لم يعلم صاحب الحق أعلمه الشاهد حتى يدعي، ويستشهده فيشهد. انتهى.

وهل هذا الإعلام على جهة الوجوب أو الاستحباب؟ فيه كلام سبق في أواخر الباب الثاني من أبواب الوكالة فراجعه.

قوله: فرع: ما تقبل فيه شهادة الحسبة هل تسمع فيه دعوى الحسبة؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا، لأن الثبوت بالبينة وهي غنية عن الدعوى، وهذا هو الجواب في فتاوى "القفال".

(1) في ب: الحقوق.

ص: 341

والثاني: عن القاضي الحسين أنها تسمع، لأن البينة قد لا تساعد ويراد استخراج الحق بإقرار المدعى عليه. انتهى كلامه.

والراجح: عدم سماع الدعوى، كذا جزم به في كتاب الدعوى والبينات في الكلام على الطرف الثالث المعقود للحالف، فقال: الثانية حدود الله تعالى لا تسمع فيها الدعوى، ولا يطلب الجواب لأنها ليست حقًا للمدعى ومن له الحق لم يأذن في الطلب، هذا كلامه.

نعم قد ذكر الرافعي ما يقتضي خلافه في موضعين:

أحدهما: في الباب الثاني من كتاب السرقة فقال: ومن رفع إلى مجلس القاضي واتهم بما يوجب عقوبة فللقاضي أن يعرض له بالإنكار ويحمله عليه ولو أقر بذلك ابتداء أو بعد دعوى فكذلك على الصحيح. انتهى.

فقوله أو بعد دعوى صريح في سماعها.

وثانيهما: في الكلام على المخدرة، وهو في آخر باب القضاء على الغائب فإنه صحح أنها لا تخرج للدعوى عليها، ثم استدل على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام:"واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها"(1) وهذا يدل على سماع الدعوى، إلا أنهما ليسا في الصراحة كالأول ووقع الاختلاف المذكور في "الروضة" كما وقع في الرافعي، إلا أنه لم يذكر الاستدلال بقصة أنيس وفي أدب القضاء لابن أبي الدم: أن المشهور عدم سماعها، ثم قال: ولست أرى لسماعها فائدة، فإن فائدة الدعوى طلب اليمين منه إن أنكر، وقد قال ابن القاص: اتفق الشافعي وأبو حنيفة على أنه لا يمين في حد الزنا وشرب الخمر إلا إذا أقر بما يوجب الحد كأن أقر بوطء امرأة أجنبية، ثم ادعى الشبهة، قال الشافعي في اختلاف العراقيين: يحلف بالله ما وطئها إلا وهو يراها حلالًا ويسقط الحد إذا كان

(1) تقدم.

ص: 342

يمكن أن يجهله، وقال أبو حنيفة: يسقط الحد بلا يمين. انتهت خلاصة كلامه.

وما ادعاه من أنه لا فائدة للدعوى ليس كذلك، بل له فائدة وهو أنه قد يتورع عن اليمين فيقر، وقد تعرض له في الكلام على شهادة الحسبة.

قوله: وفي "الفتاوى": أنه لو جاء رجلان وشهدا بأن فلانًا أخو فلانة من الرضاع لم يكف حتى يقولا وهو يريد أن ينكحها، فإنه لو شهد اثنان بالطلاق وقضى القاضي بشهادتهما، ثم جاء آخران يشهدان بأخوة الرضاع بين المتناكحين لم تقبل هذه الشهادة؛ إذ لا فائدة في الحال لقبولها ولا عبرة بأنهما قد يتناكحان من بعد، وأن الشهادة على أنه أعتق إنما تسمع إذا كان المشهود عليه يسترق من أعتقه، وهذه الصور تفهم أن شهادة الحسبة إنما تسمع عند الحاجة. انتهى كلامه.

وظاهر كلام الغزالي وآخرين كما قاله ابن الرفعة في "المطلب". يشعر بخلاف ما في الفتاوى المذكورة.

قوله: وذكر أبو القاسم الصيمري في مختصر جمعه في أحكام الشهادات: أنه لا تجوز شهادة المحجور عليه بالسفه، فإن كان كذلك زادت صفة أخرى. انتهى كلامه.

تابعه في "الروضة" على ذلك وهو يقتضي توقفه في المنع، وأنه لم يقف على خلاف ما قاله الصيمري ولا على ما يوافقه، وقد صرح الرافعي بالمسألة في باب الوصاية، وذكر ما حاصله، عدم قبول شهادته، فإنه عد شروط الوصي سبعة، من جملتها الكفاءة إلى التصرف، قال: فلا يجوز الوصاية إلى من يعجز عن التصرف ولا يهتدي إليه لسفه أو هرم أو غيرهما، هذا هو الظاهر، ثم قال ما نصه: وحصروا الشروط جميعها بلفظ مختصر فقالوا: ينبغي أن يكون الوصي بحيث تقبل شهادته على الطفل هذا لفظه.

ص: 343

قوله: أما التوبة من المعاصي التي بينه وبين الله تعالى فهي أن يندم على ما مضى ويترك فعله في الحال ويعزم على أنه لا يعود. انتهى كلامه.

وقد أهمل شرطًا رابعًا: وهو أن يكون ذلك كله لله تعالى حتى لو عوقب على جريمة فندم أو عزم على عدم العود لأجل ما حل به وخوفًا من وقوع مثله لم يكف، كذا ذكره أصحابنا الأصوليون ولابد منه كما أوضحته في "شرح منهاج الأصول" ومثلوه بما إذا قتل ولده وندم لكونه ولده، وبما إذا بذل الشحيح مالًا في معصية وندم لأجل غرامة المال.

قوله: وإن تعلق بها حق مالي كالغصب فيجب مع ذلك تبرئة الذمة عنه بأن يؤدي إليه، فإن مات فإلى وارثه، فإن لم يكن له وارث أو غاب وانقطع خبره دفع إلى قاض يعرف سيرته وديانته، فإن تعذر تصدق على الفقراء بنية الغرامة له.

ذكره العبادي في "الرقم" وصاحب الكتاب في غير الكتب الفقهية، وإن كان معسرًا نوى الغرامة إذا قدر، فإن مات قبل أن يقدر فالمرجو من فضل الله تعالى المغفرة. انتهى كلامه.

وما ذكره في ما إذا لم يكن له وارث من الصدقة بماله ليس الأمر فيه على ما يوهمه ظاهر كلامه من التخصيص بالصدقة، بل هو مخير بين وجوه المصالح كلها، كذا ذكره في كتاب الفرائض، وقد سبق ذكر لفظه هناك فراجعه.

وأما من انقطع خبره فقد تقدم في آخر القضاء على الغائب ما يشبهه وما أفهمه كلامه في المعسر من العفو قد خالفه فيه في "الروضة" فقال: ظواهر السنة الصحيحة تقتضي ثبوت المطالبة بالظلامة، وإن مات معسرًا عاجزًا إذا كان عاصيًا بالتزامه.

فأما إذا استدان في موضع يباح له الاستدانة واستمر عجزه عن الوفاء حتى مات، أو أتلف شيئًا خطأ وعجز عن غرامته حتى مات، فالظاهر:

ص: 344

أن هذا لا مطالبة في حقه في الآخرة؛ إذ لا معصية منه والمرجو من الله تعالى أن يعوض صاحب الحق، وقد أشار إلى هذا إمام الحرمين في أول كتاب النكاح، وتباح الاستدانة لحاجة في غير معصية ولا سرف إذا كان يرجو [الوفاء من جهة](1) أو سبب ظاهر. انتهى كلامه رحمه الله.

وهو يقتضي أن الاستدانة للسرف حرام فتفطن له.

قوله في "الروضة": وإن كان حقًا للعباد كالقصاص وحد القذف فيأتي المستحق ويمكنه من الاستيفاء، فإن لم يعلم المستحق وجب في القصاص أن يعلمه فيقول: أنا الذي قتلت أباك ولزمني القصاص فإن شئت فاقتص وإن شئت فاعفو، وفي حد القذف سبق في كتاب اللعان خلاف في وجوب إعلامه، وقطع العبادي وغيره هنا بأنه يجب إعلامه كالقصاص. انتهى كلامه.

واعلم أنه قد حكى في كتاب اللعان عن الأصحاب: أن الإعلام واجب ولم ينقل مقابله إلا احتمالًا فقط، وقد سبق ذكر لفظه في أول باب اللعان فراجعه وعبارة الرافعي هنا أن الغزالي حكى هناك ترددًا وهو تعبير صحيح، وأما الخلاف فلم يصرح به.

نعم حكى الخلاف [في باب حد الزنا وما اقتضاه كلامه من الجزم بالوجوب في القصاص وعدم إجراء الخلاف](2) ليس كذلك، فإن فيه خلافًا حكاه في باب حد الزنا أيضًا.

قوله أيضًا في "الروضة": فرع: لو قصر في ما عليه من دين ومظلمة ومات المستحق واستحقه وارث بعد وارث، ثم مات ولم يوفهم، لمن تستحق المطالبة به في الآخرة؟ فيه أوجه:

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

ص: 345

أرجحها وبه أفتى الحناطي: أنه صاحب الحق أولًا.

والثاني: أنه أخر من مات من ورثته أو ورثة وريثه وإن نزلوا.

والثالث ذكره العبادي في "الرقم": أنه يكتب الأجر لكل وارث مدة حياته ثم من بعده لمن بعده. انتهى كلامه.

وهذا الترجيح الذي ذكره لم يذكره الرافعي بالكلية وإنما حكاه عن الحناطي فقط فقال: قال القاضي: يرثه الله تعالى بعد موت الكل ويرد إليه في القيامة. هذا لفظه من غير زيادة عليه، ولفظ "الروضة" لا يعطي هذه الكيفية المذكورة في الانتقال.

قوله: وأما التوبة في الظاهر فالمعاصي تنقسم إلى: فعلية، وقولية.

أما الفعلية كالزنا والسرقة: فإظهار التوبة عنها لا يكفي في قبول الشهادة وعود الولاية، لأنه لا يؤمن أن يكون له في الإظهار غاية وغرض فاسد فيختبر مدة يغلب على الظن فيها أنه قد أصلح وصدق في توبته، وهل تتقدر هذه المدة؟ قال قائلون: لا إنما المعتبر حصول غلبة الظن بصدقة، ويختلف الأمر فيه بالأشخاص وأمارات الصدق، وذهب آخرون إلى تقديرها، وفيه وجهان:

قال أكثرهم: يستبرأ بسنة فإن لمضي الفصول الأربعة أثرًا بينًا في تهييج النفوس وانبعاثها لمشتهياتها، وقال جماعة: يكتفي بستة أشهر ونسبوه إلى النص. انتهى كلامه.

وذكر في "الشرح الصغير" نحوه أيضًا.

فيه أمران:

أحدهما: أنه ليس فيه تصحيح بالنسبة إلى التقدير وعدمه، وأما كلام الأكثرين فنقله تفريعًا على القول بالتقدير، وقد اختصر في "الروضة" هذا الكلام على غير وجهه فقال: وفي تقدير هذه المدة أوجه: الأكثرون أنها

ص: 346

سنة.

والثاني: ستة أشهر ونسبوه إلى النص.

والثالث: لا تتقدر بمدة. هذا لفظه.

نعم ذكر في "المحرر" كما في "الروضة".

الأمر الثاني: أن وجوب الاستبراء محله إذا كان الشخص ظاهر الفسق فلو كان يخفيه فأقر به ليقام عليه الحد قبلت شهادته بعد ثبوته من غير استبراء، كذا ذكره الروياني وغيره وهو ظاهر.

قوله في "الروضة": ثم إذا تاب بالقول هل تشترط المدة المذكورة؟ إذا كان عدلًا قبل القذف ينظر: إن كان القذف على صورة الشهادة لم يشترط على المذهب، وإن كان قذف سب وإيذاء اشترط على المذهب. انتهى كلامه.

ولا يعلم منه أن الأصح طريقة القطع أو الخلاف، ولا أن ذلك الخلاف بتقدير إثباته قولان أو وجهان، وقد بين الرافعي ذلك فصحح في المسألة الأولى طريقة القطع وحكى أخرى على قولين وعكس في الثانية.

قوله: ثم قضية ما قالوه في القذف أن تشترط التوبة بالقول في سائر المعاصي القولية كشهادة الزور والغيبة والنميمة، وقد صرح صاحب "المهذب" بذلك في شهادة الزور، فقال: التوبة عنها أن يقول: كذبت في ما قلت ولا أعود إلى مثله. انتهى.

ومقتضى هذا الكلام أنه لم يقف على ذلك إلا في شهادة الزور، وقد نقله الغزالي في المبادرة بالشهادة أيضًا عن بعض الأصحاب، ونقله عنه الرافعي هناك، ولكن أسقطه من "الروضة".

ص: 347