الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالقاهرة، فبلغ العادل حضوره، فخرج إليه. فقال له الفقيه: اعلم والله أني لا حاللتك ولا أبرأتك، أنت تتقدّمني إلى الله في هذه المدّة، وأنا بعدك أطالبك بين يدي الله تعالى. وتركه وعاد إلى مكانه، فحضر الشريف فخر الدين بن ثعلب إلى الملك العادل فوجده متألما حزينا، فسأله، فعرّفه. فقال: يا مولانا ولم تجرّد السم في نفسك؟ فقال: خذ كل ما وقعت الحوطة عليه وكلّ ما استخرج من أجرة أملاكه وطيب خاطره، وأما الفقيه ضياء الدين فإنه أصبح وحضرت إليه جماعة من الطلبة للقراءة عليه. فقال لهم: رأيت البارحة النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يقول: يكون فرجك على يد رجل من أهل بيتي صحيح النسب، فبينما هم في الحديث وإذا بغبرة ثارت من جهة القرافة، فانكشفت عن الشريف ابن ثعلب ومعه الموجود كله، فلما حضر عرّفه الجماعة المنام، فقال: يا سيدي اشهد على أن جميع ما أملكه وقف وصدقة، شكرا لهذه الرؤيا. وخرج عن كل ما يملكه، وكان من جملة ذلك المدرسة الشريفية لأنها كانت مسكنه ووقف عليها أملاكه، وكذلك فعل في غيرها، ولم يحالل الفقيه الملك العادل، ومات الملك العادل بعد ذلك، ومات الفقيه بعده بمدّة، ومات الشريف إسماعيل بن ثعلب بالقاهرة في سابع عشر رجب سنة ثلاث عشرة وستمائة.
المدرسة الصالحية
هذه المدرسة بخط بين القصرين من القاهرة، كان موضعها من جملة القصر الكبير الشرقيّ، فبنى فيه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب هاتين المدرستين، فابتدأ بهدم موضع هذه المدارس في قطعة من القصر في ثالث عشر ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة، ودك أساس المدارس في رابع عشر ربيع الآخر سنة أربعين، ورتب فيها دروسا أربعة للفقهاء المنتمين إلى المذاهب الأربعة في سنة إحدى وأربعين وستمائة، وهو أوّل من عمل بديار مصر دروسا أربعة في مكان، ودخل في هذه المدارس باب القصر المعروف بباب الزهومة، وموضعه قاعة شيخ الحنابلة الآن، ثم اختط ما وارء هذه المدارس في سنة بضع وخمسين وستمائة، وجعل حكر ذلك للمدرسة الصالحية، وأوّل من درّس بها من الحنابلة قاضي القضاة شمس الدين أبو بكر محمد بن العماد إبراهيم بن عبد الواحد بن عليّ بن سرور المقدسيّ الحنبليّ الصالحيّ، وفي يوم السبت ثالث عشري شوّال سنة ثمان وأربعين وستمائة، أقام الملك المعز عز الدين أيبك التركمانيّ الأمير علاء الدين أيدكين البندقداريّ الصالحيّ في نيابة السلطنة بديار مصر، فواظب الجلوس بالمدارس الصالحية هذه مع نوّاب دار العدل، وانتصب لكشف المظالم، واستمرّ جلوسه بها مدّة. ثم إن الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة خان ابن الملك الظاهر بيبرس، وقف الصاغة التي تجاهها، وأماكن بالقاهرة وبمدينة المحلة الغربية، وقطع أراضي جزائر بالأعمال الجيزية والأطفيحية على مدرسين أربعة، عند كل مدرّس معيدان وعدّة طلبة. وما يحتاج إليه من أئمة ومؤذنين وقومة وغير ذلك، وثبت وقف ذلك على يد
قاضي القضاة تقيّ الدين محمد بن الحسين بن رزين الشافعيّ، ونفذه قاضي القضاة شمس الدين أبو البركات محمد بن هبة الله بن شكر المالكيّ، وذلك في سنة سبع وسبعين وستمائة، وهي جارية في وقفها إلى اليوم. فلما كان في يوم الجمعة حادي عشري ربيع الأوّل سنة ثلاثين وسبعمائة، رتب الأمير جمال الدين أقوش المعروف بنائب الكرك جمال الدين الغزاويّ خطيبا بإيوان الشافعية من هذه المدرسة، وجعل له في كل شهر خمسين درهما، ووقف عليه وعلى مؤذنين وقفا جاريا، فاستمرّت الخطبة هناك إلى يومنا هذا.
قبة الصالح: هذه القبة بجوار المدرسة الصالحية، كان موضعها قاعة شيخ المالكية، بنتها عصمة الدين والدة خليل شجرة الدر، لأجل مولاها الملك الصالح نجم الدين أيوب عندما مات، وهو على مقاتلة الفرنج بناحية المنصورة، في ليلة النصف من شعبان سنة سبع وأربعين وستمائة، فكتمت زوجته شجرة الدر موته خوفا من الفرنج ولم تعلم بذلك أحدا سوى الأمير فخر الدين بن يوسف بن شيخ الشيوخ، والطواشي جمال الدين محسن فقط، فكتما موته عن كلّ أحد، وبقيت أمور الدولة على حالها، وشجرة الدرّ تخرج المناشير والتواقيع والكتب وعليها علامة بخط خادم يقال له سهيل، فلا يشك أحد في أنه خط السلطان، وأشاعت أن السلطان مستمرّ المرض ولا يمكن الوصول إليه، فلم يجسر أحد أن يتفوّه بموت السلطان إلى أن أنفذت إلى حصن كيفا وأحضرت الملك المعظم توران شاه بن الصالح، وأما الملك الصالح فإن شجرة الدرّ أحضرته في حراقة من المنصورة إلى قلعة الروضة تجاه مدينة مصر من غير أن يشعر به أحد إلّا من أيتمنته على ذلك، فوضع في قاعة من قاعات قلعة الروضة إلى يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر رجب سنة ثمان وأربعين وستمائة، فنقل إلى هذه القبة بعد ما كانت شجرة الدرّ قد عمرتها على ما هي عليه، وخلعت نفسها من سلطنة مصر ونزلت عنها لزوجها عز الدين أيبك قبل نقله، فنقله الملك المعز أيبك ونزل ومعه الملك الأشرف موسى ابن الملك المسعود وسائر المماليك البحرية والجمدارية والأمراء من قلعة الجبل إلى قلعة الروضة، وأخرج الملك الصالح في تابوت وصلّى عليه بعد صلاة الجمعة، وسائر الأمراء وأهل الدولة قد لبسوا البياض حزنا عليه، وقطع المماليك شعور رؤوسهم وساروا به إلى هذه الدولة قد لبسوا البياض حزنا عليه، السلطانان ونزلا إلى القبة، وحضر القضاة وسائر المماليك وأهل الدولة وكافة الناس وغلقت الأسواق بالقاهرة ومصر، وعمل عزاء للملك الصالح بين القصرين بالدفوف مدّة ثلاثة أيام، آخرها يوم الاثنين. ووضع عند القبر سناجق السلطان وبقجته وتركاشه وقوسه، ورتب عنده القرّاء على ما شرطت شجرة الدرّ في كتاب وقفها، وجعلت النظر فيها للصاحب بهاء الدين عليّ بن حنا وذريته، وهي بيدهم إلى اليوم، وما أحسن قول الأديب جمال الدين أبي المظفر عبد الرحمن بن أبي سعيد محمد بن محمد بن عمر بن أبي القاسم بن تخمش الواسطيّ، المعروف بابن السنيرة الشاعر، لما مرّ هو والأمير نور الدين تكريت بالقاهرة بين