المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

جدّد جامع راشدة مرارا، وأدركته عامرا تقام فيه الجمعة ويمتلئ - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار - جـ ٤

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌ذكر المساجد الجامعة

- ‌ذكر الجوامع

- ‌الجامع العتيق

- ‌ذكر المحاريب التي بديار مصر وسبب اختلافها وتعيين الصواب فيها وتبيين الخطأ منها

- ‌جامع العسكر

- ‌ذكر العسكر

- ‌ جامع ابن طولون

- ‌ذكر دار الإمارة

- ‌ذكر الأذان بمصر وما كان فيه من الاختلاف

- ‌الجامع الأزهر

- ‌جامع الحاكم

- ‌جامع راشدة

- ‌جامع المقس

- ‌جامع الفيلة

- ‌جامع المقياس

- ‌الجامع الأقمر

- ‌جامع الظافر

- ‌جامع الصالح

- ‌ذكر الأحباس وما كان يعمل فيها

- ‌الجامع بجوار تربة الشافعيّ بالقرافة

- ‌جامع محمود بالقرافة

- ‌جامع الروضة بقلعة جزيرة الفسطاط

- ‌جامع غين بالروضة

- ‌جامع الأفرم

- ‌الجامع بمنشأة المهرانيّ

- ‌جامع دير الطين

- ‌جامع الظاهر

- ‌جامع ابن اللبان

- ‌الجامع الطيبرسيّ

- ‌الجامع الجديد الناصريّ

- ‌الجامع بالمشهد النفيسيّ

- ‌جامع الأمير حسين

- ‌جامع الماس

- ‌جامع قوصون

- ‌جامع الماردانيّ

- ‌جامع أصلم

- ‌جامع بشتاك

- ‌‌‌جامع آق سنقر

- ‌جامع آق سنقر

- ‌جامع آل ملك

- ‌جامع الفخر

- ‌جامع نائب الكرك

- ‌جامع الخطيريّ ببولاق

- ‌جامع قيدان

- ‌جامع الست حدق

- ‌جامع ابن غازي

- ‌جامع التركمانيّ

- ‌جامع شيخو

- ‌جامع الجاكيّ

- ‌جامع التوبة

- ‌جامع صاروجا

- ‌جامع الطباخ

- ‌جامع الأسيوطيّ

- ‌جامع الملك الناصر حسن

- ‌جامع القرافة

- ‌جامع الجيزة

- ‌جامع منجك

- ‌الجامع الأخضر

- ‌جامع البكجريّ

- ‌جامع السروجيّ

- ‌جامع كرجي

- ‌جامع الفاخريّ

- ‌جامع ابن عبد الظاهر

- ‌جامع كراي

- ‌جامع القلعة

- ‌جامع قوصون

- ‌جامع كوم الريش

- ‌جامع الجزيرة الوسطى

- ‌جامع ابن صارم

- ‌جامع الكيمختي

- ‌جامع الست مسكة

- ‌جامع ابن الفلك

- ‌جامع التكروريّ

- ‌جامع البرقية

- ‌جامع الحرّانيّ

- ‌جامع بركة

- ‌جامع بركة الرطليّ

- ‌جامع الضوة

- ‌ جامع

- ‌جامع الحوش

- ‌جامع الاصطبل

- ‌جامع ابن التركمانيّ»

- ‌جامع الباسطيّ

- ‌جامع الحنفيّ

- ‌جامع ابن الرفعة

- ‌جامع الإسماعيليّ

- ‌جامع الزاهد

- ‌جامع ابن المغربيّ

- ‌جامع الفخريّ

- ‌الجامع المؤيدي

- ‌الجامع الأشرفيّ

- ‌الجامع الباسطيّ

- ‌ذكر مذاهب أهل مصر ونحلهم منذ افتتح عمرو بن العاص رضي الله عنه أرض مصر إلى أن صاروا إلى اعتقاد مذاهب الأئمة رحمهم الله تعالى، وما كان من الأحداث في ذلك

- ‌ذكر فرق الخليقة واختلاف عقائدها وتباينها

- ‌ذكر الحال في عقائد أهل الإسلام، منذ ابتداء الملة الإسلامية إلى أن انتشر مذهب الأشعرية

- ‌ذكر المدارس

- ‌ المدرسة الناصرية

- ‌المدرسة القمحية

- ‌مدرسة يازكوج

- ‌مدرسة ابن الأرسوفيّ

- ‌مدرسة منازل العز

- ‌مدرسة العادل

- ‌مدرسة ابن رشيق

- ‌المدرسة الفائزية

- ‌المدرسة القطبية

- ‌المدرسة السيوفية

- ‌المدرسة الفاضلية

- ‌المدرسة الأزكشية

- ‌المدرسة الفخرية

- ‌المدرسة السيفية

- ‌المدرسة العاشورية

- ‌ المدرسة القطبية

- ‌المدرسة الخرّوبية

- ‌مدرسة المحليّ

- ‌المدرسة الفارقانية

- ‌المدرسة المهذبية

- ‌‌‌المدرسة الخرّوبية

- ‌المدرسة الخرّوبية

- ‌المدرسة الصاحبية البهائية

- ‌المدرسة الصاحبية

- ‌المدرسة الشريفية

- ‌المدرسة الصالحية

- ‌المدرسة الكاملية

- ‌المدرسة الصيرمية

- ‌المدرسة المسرورية

- ‌المدرسة القوصية

- ‌المدرسة المنصورية

- ‌المدرسة الحجازية

- ‌المدرسة الطيبرسية

- ‌المدرسة الأقبغاوية

- ‌المدرسة الحسامية

- ‌المدرسة المنكوتمرية

- ‌المدرسة القراسنقرية

- ‌المدرسة الغزنوية

- ‌المدرسة البوبكرية

- ‌المدرسة البقرية

- ‌المدرسة القطبية

- ‌مدرسة ابن المغربيّ

- ‌المدرسة البيدرية

- ‌المدرسة البديرية

- ‌المدرسة الملكية

- ‌المدرسة الجمالية

- ‌المدرسة الفارسية

- ‌المدرسة السابقية

- ‌المدرسة القيسرانية

- ‌المدرسة الزمامية

- ‌المدرسة الصغيرة

- ‌مدرسة تربة أمّ الصالح

- ‌مدرسة ابن عرّام

- ‌المدرسة المحمودية

- ‌المدرسة المهذبية

- ‌المدرسة السعدية

- ‌المدرسة الطفجية

- ‌المدرسة الجاولية

- ‌المدرسة الفارقانية

- ‌المدرسة البشيرية

- ‌المدرسة المهمندارية

- ‌مدرسة ألجاي

- ‌مدرسة أمّ السلطان

- ‌المدرسة الأيتمشية

- ‌المدرسة المجدية الخليلية

- ‌المدرسة الناصرية بالقرافة

- ‌المدرسة المسلمية

- ‌مدرسة اينال

- ‌مدرسة الأمير جمال الدين الأستادار

- ‌المدرسة الصرغتمشية

- ‌ذكر المارستانات

- ‌مارستان ابن طولون

- ‌مارستان كافور

- ‌مارستان المغافر

- ‌المارستان الكبير المنصوريّ

- ‌المارستان المؤيدي

- ‌ذكر المساجد

- ‌المسجد بجوار دير البعل

- ‌مسجد ابن الجباس

- ‌مسجد ابن البناء

- ‌مسجد الحلبيين

- ‌مسجد الكافوريّ

- ‌مسجد رشيد

- ‌المسجد المعروف بزرع النوى

- ‌مسجد الذخيرة

- ‌مسجد رسلان

- ‌مسجد ابن الشيخيّ

- ‌مسجد يانس

- ‌مسجد باب الخوخة

- ‌المسجد المعروف بمعبد موسى

- ‌مسجد نجم الدين

- ‌مسجد صواب

- ‌المسجد بجوار المشهد الحسينيّ

- ‌مسجد الفجل

- ‌مسجد تبر

- ‌مسجد القطبية

- ‌ذكر الخوانك

- ‌الخانكاه الصلاحية، دار سعيد السعداء، دويرة الصوفية

- ‌خانقاه ركن الدين بيبرس

- ‌الخانقاه الجمالية

- ‌الخانقاه الظاهرية

- ‌الخانقاه الشرابيشية

- ‌الخانقاه المهمندارية

- ‌خانقاه بشتاك

- ‌خانقاه ابن غراب

- ‌الخانقاه البندقدارية

- ‌خانقاه شيخو

- ‌الخانقاه الجاولية

- ‌خانقاه الجيبغا المظفري

- ‌خانقاه سرياقوس

- ‌خانقاه أرسلان

- ‌خانقاه بكتمر

- ‌خانقاه قوصون

- ‌خانقاه طغاي النجميّ

- ‌خانقاه أمّ أنوك

- ‌خانقاه يونس

- ‌خانقاه طيبرس

- ‌خانقاه أقبغا

- ‌الخانقاه الخروبية

- ‌ذكر الربط

- ‌رباط الصاحب

- ‌رباط الفخري

- ‌رباط البغدادية

- ‌رباط الست كليلة

- ‌رباط الخازن

- ‌الرباط المعروف برواق ابن سليمان

- ‌رباط داود بن إبراهيم

- ‌رباط ابن أبي المنصور

- ‌رباط المشتهى

- ‌رباط الآثار

- ‌رباط الأفرم

- ‌الرباط العلائي

- ‌ذكر الزوايا

- ‌زاوية الدمياطيّ

- ‌زاوية الشيخ خضر

- ‌زاوية ابن منظور

- ‌زاوية الظاهري

- ‌زاوية الجميزة

- ‌زاوية الحلاوي

- ‌زاوية نصر

- ‌زاوية الخدّام

- ‌زاوية تقي الدين

- ‌زاوية الشريف مهدي

- ‌زاوية الطراطرية

- ‌زاوية القلندرية

- ‌قبة النصر

- ‌زاوية الركراكي

- ‌زاوية إبراهيم الصائغ

- ‌زاوية الجعبري

- ‌زاوية أبي السعود

- ‌زاوية الحمصي

- ‌زاوية المغربل

- ‌زاوية القصري

- ‌زاوية الجاكي

- ‌زاوية الأبناسيّ

- ‌زاوية اليونسية

- ‌زاوية الخلاطي

- ‌الزاوية العدوية

- ‌زاوية السدّار

- ‌ذكر المشاهد التي يتبرّك الناس بزيارتها مشهد زين العابدين

- ‌مشهد السيدة نفيسة

- ‌مشهد السيدة كلثوم

- ‌سنا وثنا

- ‌ذكر مقابر مصر والقاهرة المشهورة

- ‌ذكر القرافة

- ‌ذكر المساجد الشهيرة بالقرافة الكبيرة

- ‌مسجد الأقدام

- ‌مسجد الرصد

- ‌مسجد شقيق الملك

- ‌مسجد الانطاكيّ

- ‌مسجد النارنج

- ‌مسجد الأندلس

- ‌مسجد البقعة

- ‌مسجد الفتح

- ‌مسجد أمّ عباس جهة العادل بن السلار

- ‌مسجد الصالح

- ‌مسجد وليّ عهد أمير المؤمنين

- ‌مسجد الرحمة

- ‌مسجد مكنون

- ‌مسجد جهة ريحان

- ‌مسجد جهة بيان

- ‌مسجد توبة

- ‌مسجد دري

- ‌مسجد ست غزال

- ‌مسجد رياض

- ‌مسجد عظيم الدولة

- ‌مسجد أبي صادق

- ‌مسجد الفرّاش

- ‌مسجد تاج الملوك

- ‌مسجد الثمار

- ‌مسجد الحجر

- ‌مسجد القاضي يونس

- ‌مسجد الوزيرية

- ‌مسجد ابن العكر

- ‌مسجد ابن كباس

- ‌مسجد الشهمية

- ‌مسجد زنكادة

- ‌جامع القرافة

- ‌مسجد الأطفيحيّ

- ‌مسجد الزيات

- ‌ذكر الجواسيق التي بالقرافة

- ‌ذكر الرباطات التي كانت بالقرافة

- ‌ذكر المصلّيات والمحاريب التي بالقرافة

- ‌ذكر المساجد والمعابد التي بالجبل والصحراء

- ‌ذكر الأحواض والآبار التي بالقرافة

- ‌ذكر الآبار التي ببركة الحبش والقرافة

- ‌ذكر السبعة التي تزار بالقرافة

- ‌ذكر المقابر خارج باب النصر

- ‌ذكر كنائس اليهود

- ‌ذكر تاريخ اليهود وأعيادهم

- ‌ذكر معنى قولهم يهودي

- ‌ذكر معتقد اليهود وكيف وقع عندهم التبديل

- ‌ذكر فرق اليهود الآن

- ‌ذكر قبط مصر ودياناتهم القديمة، وكيف تنصروا ثم صاروا ذمّة للمسلمين، وما كان لهم في ذلك من القصص والأنباء، وذكر الخبر عن كنائسهم ودياراتهم، وكيف كان ابتداؤها ومصير أمرها

- ‌ذكر ديانة القبط قبل تنصرهم

- ‌ذكر دخول قبط مصر في دين النصرانية

- ‌ذكر دخول النصارى من قبط مصر في طاعة المسلمين وأدائهم الجزية، واتخاذهم ذمّة لهم، وما كان في ذلك من الحوادث والأنباء

- ‌ذكر ديارات النصارى

- ‌أديرة أدرنكة

- ‌ذكر كنائس النصارى

- ‌وأما الوجه البحريّ:

الفصل: جدّد جامع راشدة مرارا، وأدركته عامرا تقام فيه الجمعة ويمتلئ

جدّد جامع راشدة مرارا، وأدركته عامرا تقام فيه الجمعة ويمتلئ بالناس لكثرة من حوله من السكان، وإنما تعطل من إقامة الجمعة بعد حوادث سنة ست وثمانمائة. وقال الشريف محمد بن أسعد الجوّانيّ النسابة: راشدة بطن من لخم، وهم ولد راشدة بن الحارث بن أدّ بن جديلة من لخم بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن أدد، وقيل راشدة بن أدوب، ويقال لراشدة خالفة، ولهم خطة بمصر بالجبل المعروف بالرصد، المطلّ على بركة الحبش، وقد دثرت الخطة ولم يبق في موضعها إلّا الجامع الحاكميّ المعروف بجامع راشدة.

‌جامع المقس

هذا الجامع أنشأه الحاكم بأمر الله على شاطىء النيل بالمقس في «1» لأنّ المقس كان خطة كبيرة، وهي بلد قديم من قبل الفتح، كما تقدّم ذكر ذلك في هذا الكتاب.

وقال في الكتاب الذي تضمن وقف الحاكم بأمر الله الأماكن بمصر على الجوامع، كما ذكر في خبر الجامع الأزهر ما نصه: ويكون جميع ما بقي مما تصدّق به على هذه المواضع، يصرف في جميع ما يحتاج إليه في جامع المقس المذكور، من عمارته، ومن تمن الحصر العبدانية والمظفورة، وثمن العود للبخور، وغيره على ما شرح من الوظائف في الذي تقدّم، وكان لهذا الجامع نخل كثير في الدولة الفاطمية، ويركب الخليفة إلى منظرة كانت بجانبه عند عرض الأسطول فيجلس بها لمشاهدة ذلك كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب عند ذكر المناظر، وفي سنة سبع وثمانين وخمسمائة انشقت زريبة من هذا الجامع في شهر رمضان لكثرة زيادة ماء النيل، وخيف على الجامع السقوط فأمر بعمارتها. ولما بنى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب هذا السور الذي على القاهرة، وأراد أن يوصله بسور مصر من خارج باب البحر إلى الكوم الأحمر، حيث منشأة المهرانيّ اليوم، وكان المتولي لعمارة ذلك الأمير بهاء الدين قراقوش الأسديّ، أنشأ بجوار جامع المقس برجا كبيرا عرف بقلعة المقس في مكان المنظرة التي كانت للخلفاء، فلما كان في سنة سبعين وسبعمائة جدّد بناء هذا الجامع الوزير الصاحب شمس الدين عبد الله المقسيّ، وهدم القلعة وجعل مكانها جنينة، واتهمه الناس بأنه وجد هنالك مالا كثيرا، وأنه عمر منه الجامع المذكور، فصار العامّة اليوم يقولون جامع المقسيّ، ويظنّ من لا علم عنده أن هذا الجامع من إنشائه، وليس كذلك، بل إنما جدّده وبيضه، وقد انحسر ماء النيل عن تجاه هذا الجامع كما ذكر في خبر بولاق والمقس، وصار هذا الجامع اليوم على حافة الخليج الناصريّ، وأدركنا ما حوله في غاية العمارة، وقد تلاشت المساكن التي هناك وبها إلى اليوم بقية يسيرة، ونظر هذا الجامع اليوم بيد أولاد الوزير المقسيّ، فإنه جدّده وجعل عليه أوقافا لمدرّس وخطيب وقومة ومؤذنين وغير ذلك.

ص: 68

وقال جامع السيرة الصلاحية: وهذا المقسم على شاطىء النيل يزار، وهناك مسجد يتبرّك به الأبرار، وهو المكان الذي قسمت فيه الغنيمة عند استيلاء الصحابة رضي الله عنهم على مصر، فلما أمر السلطان صلاح الدين بإدارة السور على مصر والقاهرة، تولى ذلك بهاء الدين قراقوش وجعل نهايته التي تلي القاهرة عند المقس، وبنى فيه برجا يشرف على النبل، وبنى مسجده جامعا، واتصلت العمارة منه إلى البلد، وصار تقام فيه الجمع والجماعات.

العزيز بالله: أبو النصر نزار بن المعز لدين الله أبي تميم معدّ، ولد بالمهدية من بلاد أقريقية في يوم الخميس الرابع عشر من المحرّم سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وقدم مع أبيه إلى القاهرة، وولي العهد. فلما مات المعز لدين الله أقيم من بعده في الخلافة يوم الرابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلاثمائة فأذعن له سائر عساكر أبيه واجتمعوا عليه، وسيّر بذهب إلى بلاد المغرب، فرّق في الناس، واقرّ يوسف بن ملكين على ولاية إفريقية، وخطب له بمكة، ووافى الشام عسكر القرامطة فصاروا مع أفتكين التركيّ، وقوي بهم وساروا إلى الرملة وقاتلوا عساكر العزيز بيافا، فبعث العزيز جوهر القائد بعساكر كثيرة وملك الرملة وحاصر دمشق مدّة، ثم رحل عنها بغير طائل، فأدركه القرامطة وقاتلوه بالرملة وعسقلان نحو سبعة عشر شهرا، ثم خلص من تحت سيوف افتكين وسار إلى العزيز فوافاه وقد برز من القاهرة، فسار معه ودخل العزيز إلى الرملة وأسر أفتكين في المحرّم سنة ثمان وستين وثلاثمائة فأحسن إليه وأكرمه إكراما زائدا.

فكتب إليه الشريف أبو إسماعيل إبراهيم الرئيس يقول: يا مولانا لقد استحق هذا الكافر كلّ عذاب، والعجب من الإحسان إليه؟ فلما لقيه قال: يا إبراهيم قرأت كتابك في أمر أفتكين، وأنا أخبرك. اعلم أنا قد وعدناه الإحسان والولاية، فلما قبل وجاء إلينا نصب فازاته وخيامه حذاءنا، وأردنا منه الانصراف فلج وقاتل، فلما ولى منهزما وسرت إلى فازاته ودخلتها سجدت لله شكرا وسألته أن يفتح لي بالظفر به، فجيء به بعد ساعة أسيرا، أترى يليق بي غير الوفاء.

ولما وصل العزيز إلى القاهرة اصطنع افتكين وواصله بالعطايا والخلع، حتى قال لقد احتشمت من ركوبي مع الخليفة مولانا العزيز بالله، ونظري إليه بما غمرني من فضله وإحسانه، فلما بلغ العزيز ذلك قال لعمه حيدرة: يا عمّ أحبّ أن أرى النعم عند الناس ظاهرة، وأرى عليهم الذهب والفضة والجواهر، ولهم الخيل واللباس والضياع والعقار، وأن يكون ذلك كله من عندي. ومات بمدينة بلبيس من مرض طويل بالقولنج والحصاة، في اليوم الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة ست وثمانين وثلاثمائة فحمل إلى القاهرة ودفن بتربة القصر مع آبائه. وكانت مدّة خلافته بعد أبيه المعز إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفا، ومات وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة عشر يوما. وكان نقش

ص: 69

خاتمة: بنصر العزيز الجبار ينتصر الإمام نزار. ولما مات وحضر الناس إلى القصر للتعزية أفحموا عن أن يوردوا في ذلك المقام شيئا، ومكثوا مطرقين لا ينبسون، فقام صبيّ من أولاد الأمراء الكنانيين وفتح باب التعزية وأنشد:

أنظر إلى العلياء كيف تضام

ومآتم الأحساب كيف تقام

خبرنني ركب الركاب ولم يدع

للسفر وجه ترحل فأقاموا

فاستحسن الناس إيراده وكأنه، طرّق لهم كيف يوردون المراثي، فنهض الشعراء والخطباء حينئذ وعزوا وأنشد كلّ واحد ما عمل في التعزية، وخلّف من الأولاد ابنه المنصور، وولي الخلافة من بعده، وابنة تدعى سيدة الملك، وكان أسمر طوالا، أصهب الشعر، أعين أشهل عريض المنكبين، شجاعا كريما حسن العفو والقدرة، لا يعرف سفك الدماء البتة، مع حسن الخلق والقرب من الناس، والمعرفة بالخيل وجوارح الطير، وكان محبا للصيد مغرىّ به حريصا على صيد السباع، ووزر له يعقوب بن كلس اثنتي عشرة سنة وشهرين وتسعة عشر يوما، ثم من بعده عليّ بن عمر العدّاس سنة واحدة، ثم أبو الفضل جعفر بن الفرات سنة، ثم أبو عبد الله الحسين بن الحسن البازيار سنة وثلاثة أشهر، ثم أبو محمد بن عمار شهرين، ثم الفضل بن صالح الوزيريّ أياما، ثم عيسى بن نسطورس سنة وعشرة أشهر.

وكانت قضاته: أبو طاهر محمد بن أحمد، أبو الحسن عليّ بن النعمان، ثم أبو عبد الله محمد بن النعمان. وخرج إلى السفر أوّلا في صفر سنة سبع وستين، وعاد من العباسية وخرج ثانيا وظفر بأفتكين، وخرج ثالثا في صفر سنة اثنتين وسبعين، ورجع بعد شهر إلى قصره بالقاهرة، وخرج رابعا في ربيع الأوّل سنة أربع وستين، فنزل منية الأصبغ وعاد بعد ثمانية أشهر واثني عشر يوما، وخرج خامسا في عاشر ربيع الآخر سنة خمس وثمانين، فأقام مبرّزا أربعة عشر شهرا وعشرين يوما، ومات في هذه الخرجة ببلبيس. وهو أوّل من اتخذ من أهل بيته وزيرا، أثبت اسمه على الطرز، وقرن اسمه باسمه، وأوّل من لبس منهم الخفين والمنطقة، وأوّل من اتخذ منهم الأتراك واصطنعهم وجعل منهم القوّاد، وأوّل من رمى منهم بالنشاب، وأوّل من ركب منهم بالذؤابة الطويلة والحنك وضرب الصوالجة ولعب بالرمح، وأوّل من عمل مائدة في الشرطة السفلى في شهر رمضان يفطر عليها أهل الجامع العتيق، وأقام طعاما في جامع القاهرة لمن يحضر في رجب وشعبان ورمضان، واتخذ الحمير لركوبه إياها، وكانت أمّه أمّ ولد اسمها درزارة، وكان يضرب بأيامه المثل في الحسن، فإنها كانت كلها أعيادا وأعراسا لكثرة كرمه ومحبته للعفو واستعماله لذلك، ولا أعلم له بمصر من الآثار غير تأسيس الجامع الحاكميّ، وما عدا ذلك فذهب اسمه ومحي رسمه.

ص: 70

الحاكم بأمر الله: أبو عليّ منصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله أبي تميم معدّ، ولد بالقصر من القاهرة المعزية، ليلة الخميس الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثلاثمائة في الساعة التاسعة، والطالع من برج السرطان سبع وعشرون درجة، وسلّم عليه بالخلافة في مدينة بلبيس بعد الظهر من يوم الثلاثاء عشري شهر رمضان سنة ست وثمانين وثلاثمائة وسار إلى القاهرة في يوم الأربعاء بسائر أهل الدولة والعزيز في قبة على ناقة بين يديه، وعلى الحاكم دراعة مصمت وعمامة فيها الجوهر، وبيده رمح وقد تقلد السيف. ولم يفقد من جميع ما كان مع العساكر شيء، ودخل القصر قبل صلاة المغرب، وأخذ في جهاز أبيه العزيز بالله ودفنه، ثم بكر سائر أهل الدولة إلى القصر يوم الخميس، وقد نصب للحاكم سرير من ذهب عليه مرتبة مذهبة في الإيوان الكبير، وخرج من قصره راكبا عليه معممة الجوهر والناس وقوف في صحن الإيوان، فقبلوا له الأرض ومشوا بين يديه حتى جلس على السرير، فوقف من رسمه الوقوف، وجلس من له عادة أن يجلس، وسلّم الجميع عليه بالإمامة واللقب الذي اختير له، وهو الحاكم بأمر الله، وكان سنّه يومئذ إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وستة أيام، فجعل أبا محمد الحسن بن عمار الكنديّ واسطة، ولقب بأمين الدولة، وأسقط مكوسا كانت بالساحل، وردّ إلى الحسين بن جوهر القائد البريد والإنشاء، فكان يخلفه ابن سورين، وأقرّ عيسى بن نسطورس على ديوان الخاص، وقلد سليمان بن جعفر بن فلاح الشام، فخرج ينجو تكين من دمشق وسار منها لمدافعة سليمان بن جعفر بن فلاح، فبلغ الرملة وانضمّ إليه ابن الجرّاح الطائيّ في كثير من العرب، وواقع ابن فلاح فانهزم وفرّ، ثم أسر فحمل إلى القاهرة وأكرم، واختلف أهل الدولة على ابن عمار، ووقعت حروب آلت إلى صرفه عن الوساطة. وله في النظر أحد عشر شهرا غير خمسة أيام، فلزم داره وأطلقت له رسوم وجرايات، وأقيم الطواشي برجوان الصقليّ مكانه في الوساطة لثلاثة بقين من رمضان سنة سبع وثمانين وثلاثمائة فجعل كاتبه فهد بن إبراهيم يوقع عنه، ولقبه بالرئيس، وصرف سليمان بن فلاح عن الشام بجيش بن الصمصامة، وقلد فحل بن إسماعيل الكتاميّ مدينة صور، وقلد يانس الخادم برقة، وميسور الخادم طرابلس، ويمنا لخادم غزة وعسقلان، فواقع جيش الروم على فاهية وقتل منهم خمسة آلاف رجل، وغزا إلى أن دخل مرعش، وقلد وظيفة قضاء القضاء أبا عبد الله الحسين بن علي بن النعمان في صفر سنة تسع وثمانين وثلاثمائة بعد موت قاضي القضاة محمد بن النعمان، وقتل الأستاذ برجوان لاربع بقين من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وله في النظر سنتان وثمانية أشهر غير يوم واحد، وردّ النظر في أمور الناس وتدبير المملكة والتوقيعات إلى الحسين بن جوهر، ولقب بقائد القوّاد، فخلفه الرئيس بن فهد، واتخذ الحاكم مجلسا في الليل يحضر فيه عدّة من أعيان الدولة، ثم أبطله ومات جيش بن الصمصامة في ربيع الآخر سنة تسعين وثلثمائة، فوصل ابنه بتركته إلى القاهرة ومعه

ص: 71

درج بخط أبيه فيه وصية، وثبت بما خلفه مفصلا، وأن ذلك جميعه لأمير المؤمنين الحاكم بأمر الله، لا يستحق أحد من أولاده منه درهما، وكان مبلغ ذلك نحو المأئتي ألف دينار، وما بين عين ومتاع ودواب، قد أوقف جميع ذلك تحت القصر، فأخذ الحاكم الدرج ونظره ثم أعاده إلى أولاد جيش وخلع عليهم وقال لهم بحضرة وجوه الدولة: قد وقفت على وصية أبيكم رحمه الله وما وصى به من عين ومتاع، فخذوه هنيئا مباركا لكم فيه. فانصرفوا بجميع التركة، وولي دمشق فحل بن تميم، ومات بعد شهور فولي عليّ بن فلاح، وردّ النظر في المظالم لعبد العزيز بن محمد بن النعمان، ومنع الناس كافة من مخاطبة أحد أو مكاتبته بسيدنا ومولانا إلّا أمير المؤمنين وحده، وأبيح دم من خالف ذلك، وفي شوّال قتل ابن عمار.

وفي سنة إحدى وتسعين واصل الحاكم الركوب في الليل كل ليلة، فكان يشق الشوارع والأزقة، وبالغ الناس في الوقود والزينة، وأنفقوا الأموال الكثيرة في المآكل والمشارب والغناء واللهو، وكثر تفرّجهم على ذلك حتى خرجوا فيه عن الحدّ، فمنع النساء من الخروج في الليل، ثم منع الرجال من الجلوس في الحوانيت. وفي رمضان سنة اثنتين وتسعين قلّد تموصلت بن بكّار دمسق، عوضا عن ابن فلاح، وابتدأ في عمارة جامع راشدة في سنة ثلاث وتسعين، وقتل فهد بن إبراهيم وله منذ نظر في الرياسة خمس سنين وتسعة أشهر واثنا عشر يوما، في ثامن جمادى الآخرة منها، وأقيم في مكانه عليّ بن عمر العدّاس، وسار الأمير ما روح لإمارة طبرية، ووقع الشروع في إتمام الجامع خارج باب الفتوح، وقطع الحاكم الركوب في الليل، ومات تموصلت فولي دمشق بعده مفلح اللحيانيّ الخادم، وقتل عليّ بن عمر العدّاس والأستاذ زيدان الصقليّ وعدّة كثيرة من الناس، وقلد إمارة برقة صندل الأسود في المحرّم سنة أربع وتسعين، وصرف الحسين بن النعمان عن القضاء في رمضان منها، وكانت مدّة نظره في القضاء خمس سنين وستة أشهر وثلاثة وعشرين يوما، وإليه كانت الدعوة أيضا، فيقال له قاضي القضاة وداعي الدعاة، وقلد عبد العزيز بن محمد بن النعمان وظيفة القضاء والدعوة، مع ما بيده من النظر في المظالم. وفي سنة خمس وتسعين أمر النصارى واليهود بشدّ الزنار ولبس الغيار، ومنع الناس من أكل الملوخية والجرجير والتوكلية والدلينس، وذبح الأبقار السليمة من العاهة إلّا في أيام الأضحية، ومنع من بيع الفقاع وعمله البتة، وأن لا يدخل أحد الحمام إلا بمئزر، وأن لا تكشف امرأة وجهها في طريق، ولا خلف جنازة، ولا تتبرّج، ولا يباع شيء من السمك بغير قشر، ولا يصطاده أحد من الصيادين، وتتبع الناس في ذلك كله وشدّد فيه، وضرب جماعة بسبب مخالفتهم ما أمروا به ونهوا عنه مما ذكر، وخرجت العساكر لقتال بني قرّة أهل البحيرة، وكتب على أبواب المساجد وعلى الجوامع بمصر وعلى أبواب الحوانيت والحجر والمقابر سبّ السلف ولعنهم، وأكره الناس على نقش ذلك وكتابته بالأصباغ في سائر المواضع، وأقبل الناس من

ص: 72

سائر النواحي فدخلوا في الدعوة وجعل لهم يومان في الأسبوع، وكثر الازدحام ومات فيه جماعة، ومنع الناس من الخروج بعد المغرب في الطرقات، وأن لا يظهر أحد بها لبيع ولا شراء، فخلت الطرق من المارّة وكسرت أواني الخمور وأريقت من سائر الأماكن، واشتدّ خوف الناس بأسرهم، وقويت الشناعات وزاد الاضطراب، فاجتمع كثير من الكتاب وغيرهم تحت القصر وضجوا يسألون العفو، فكتب عدّة أمانات لجميع الطوائف من أهل الدولة وغيرهم من الباعة والرعية، وأمر بقتل الكلاب فقتل منها ما لا ينحصر حتى فقدت، وفتحت دار الحكمة بالقاهرة وحمل إليها الكتب ودخل إليها الناس، فاشتدّ الطلب على الركابية المستخدمين في الركاب، وقتل منهم كثير، عفي عنهم وكتب لهم أمان، ومنع الناس كافة من الدخول من باب القاهرة، ومنع الناس من المشي ملاصق القصر، وقتل قاضي القضاة حسين بن النعمان وأحرق بالنار، وقتل عددا كثيرا من الناس ضربت أعناقهم.

وفي سنة ست وتسعين خرج أبو ركوة يدعو إلى نفسه وادّعى أنه من بني أمية، فقام بأمره بنو قرّة لكثرة ما أوقع بهم الحاكم وبايعوه، واستجاب له لواته ومزاته وزنادة، وأخذ برقة وهزم جيوش الحاكم غير مرّة، وغنم ما معهم، فخرج لقتاله القائد فضل بن صالح في ربيع الأوّل وواقعه، فانهزم منه فضل واشتدّ الاضطراب بمصر، وتزايدت الأسعار واشتدّ الاستعداد لمحاربة أبي ركوة، ونزلت العساكر بالجيزة، وسار أبو ركوة فواقعه القائد فضل وقتل عدّة ممن معه، فعظم الأمر واشتدّ الخوف وخرج الناس فباتوا بالشوارع. خوفا من هجوم عساكر أبي ركوة، واستمرّت الحروب فانهزم أبو ركوة في ثالث ذي الحجة إلى الفيوم، وتبعه القائد فضل بعد أن بعث إلى القاهرة بستة آلاف رأس ومائة أسير إلى أن قبض عليه ببلاد النبوة، وأحضر إلى القاهرة فقتل بها، وخلع على القائد فضل، وسيّرت البشائر بقتله إلى الأعمال.

وفي سنة سبع وتسعين أمر بمحوسبّ السلف فمحي سائر ما كتب من ذلك، وغلت الأسعار لنقص ماء النيل، فإنه بلغ ستة عشر أصبعا من سبعة عشر ذراعا، نقص، ومات ينجو تكين في ذي الحجة، واشتدّ الغلاء في سنة ثمان وتسعين، وولي عليّ بن فلاح دمشق، وقبض جميع ما هو محبس على الكنائس، وجعل في الديوان، وأحرق عدّة صلبان على باب الجامع بمصر، وكتب إلى سائر الأعمال بذلك.

وفي سادس عشر رجب قرّر مالك بن سعيد الفارقيّ في وظيفة قضاء القضاة، وتسلم كتب الدعوة التي تقرأ بالقصر على الأولياء، وصرف عبد العزيز بن النعمان عن ذلك، وصرف قائد القوّاد الحسين بن جوهر عما كان يليه من النظر في سابع شعبان، وقرّر مكانه صالح بن عليّ الروذباديّ، وقرّر في ديوان الشام مكانه أبو عبد الله الموصليّ الكاتب، وأمر حسين بن جوهر وعبد العزيز بلزوم دورهما، ومنعا من الركوب وسائر أولادهما، ثم عفا

ص: 73

عنهما بعد أيام، وأمر بالركوب. وتوقفت زيادة النيل فاستسقى الناس مرّتين، وأمر بإبطال عدّة مكوس، وتعذر وجود الخبز لغلائة وقلته، وفتح الخليج في رابع توت، والماء على خمسة عشر ذراعا فاشتدّ الغلاء.

وفي تاسع المحرّم وهو نصف توت نقص ماء النيل ولم يوف ستة عشر ذراعا، فمنع الناس من التظاهر بالغناء ومن ركوب البحر للتفرّج، ومنع من بيع المسكرات، ومنع الناس كافة من الخروج قبل الفجر وبعد العشاء إلى الطرقات واشتدّ الأمر على الكافة لشدّة ما داخلهم من الخوف مع شدّة الغلاء، وتزايد الأمراض في الناس والموت.

فلما كان في رجب انحلت الأسعار، وقريء سجل فيه يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون، ولا يعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون، وصلاة الخمسين للذي جاءهم فيها يصلون، وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع لهم منها ولا هم عنها يدفعون، يخمّس في التكبير على الجنائز المخمسون، ولا يمنع من التربيع عليها المربعون، يؤذن بحيّ على خير العمل المؤذنون، ولا يؤذى من بها لا يؤذنون، لا يسب أحد من السلف، ولا يحتسب على الواصف فيهم بما وصف، والحالف منهم بما حلف، لكلّ مسلم مجتهد في دينه اجتهاده. ولقب صالح بن عليّ الروذباديّ بثقة ثقات السيف والقلم، وأعيد القاضي عبد العزيز بن النعمان إلى النظر في المظالم، وتزايدت الأمراض وكثر الموت وعزت الأدوية، وأعيدت المكوس التي رفعت، وهدمت كنائس كانت بطريق المقس، وهدمت كنيسة كانت بحارة الروم من القاهرة، ونهب ما فيها، وقتل كثير من الخدّام ومن الكتاب ومن الصقالية، بعد ما قطعت أيدي بعضهم من الكتاب بالشطور على الخشبة من وسط الذراع، وقتل القائد فضل بن صالح في ذي القعدة، وفي حادي عشر صفر صرف صالح بن عليّ الروذباديّ، وقرّر مكانه ابن عبدون النصرانيّ الكاتب فوقّع عن الحاكم، ونظر وكتب بهدم كنيسة قماسة، وجدّد ديوان يقال له الديوان المفرد برسم من يقبض ماله من المقتولين وغيرهم، وكثرت الأمراض وعزت الأدوية، وشهر جماعة وجد عندهم فقاع وملوخية ودلينس وضربوا، وعدم دائر القصر واشتدّ الأمر على النصارى واليهود في إلزامهم لبس الغيار، وكتب إبطال أخذ الخمس والنجاوي والفطرة، وفرّ الحسين بن جوهر وأولاده، وعبد العزيز بن النعمان، وفرّ أبو القاسم الحسين بن المغربيّ، وكتب عدّة أمانات لعدّة طوائف من شدّة خوفهم، وقطعت قراءة مجالس الحكمة بالقصر، ووقع التشديد في المنع من المسكرات، وقتل كثير من الكتاب والخدّام والفرّاشين، وقتل صالح بن عليّ الروذباديّ في شوّال.

وفي رابع المحرّم سنة إحدى وأربعمائة، صرف الكافي بن عبدون عن النظر والتوقيع، وقرّر بدله أحمد بن محمد القشوريّ الكاتب في الوساطة والسفارة، وحصر الحسين بن

ص: 74

جوهر وعبد العزيز بن النعمان إلى القاهرة، فأكرما. ثم صرف ابن القشوريّ بعد عشرة أيام من استقراره وضربت عنقه، وقرّر بدله زرعة بن عيسى بن نسطورس الكاتب النصرانيّ، ولقّب بالشافي، ومنع الناس من الركوب في المراكب في الخليج، وسدّت أبواب الدور التي على الخليج والطاقات المطلة عليه، وأضيف إلى قاضي القضاة مالك بن سعيد النظر في المظالم، وأعيدت مجالس الحكمة، وأخذ مال النجوى، وقتل ابن عبدون وأخذ ماله، وضرب جماعة وشهروا من أجل بيعهم الملوخية والسمك الذي لا قشر له، وبسبب بيع النبيذ، وقتل الحسين بن جوهر وعبد العزيز بن النعمان في ثاني عشر جمادي الآخرة سنة إحدى وأربعمائة، وأحيط بأموالهما، وأبطلت عدّة مكوس، ومنع الناس من الغناء واللهو ومن بيع المغنيات ومن الاجتماع بالصحراء. وفي هذه السنة خلع حسان بن مفرّج بن دغفل بن الجرّاح طاعة الحاكم، وأقام أبا الفتوح حسين بن جعفر الحسنيّ أمير مكة خليفة، وبايعه ودعا الناس إلى طاعته ومبايعته، وقاتل عساكر الحاكم. وفي سنة اثنتين وأربعمائة منع من بيع الزبيب وكوتب بالمنع من حمله، وألقي في بحر النيل منه شيء كثير، وأحرق شيء كثير، ومنع النساء من زيارة القبور، فلم ير في الأعياد بالمقابر امرأة واحدة، ومنع من الاجتماع على شاطىء النيل للتفرّج، ومنع من بيع العنب إلا أربعة أرطال فما دونها. ومنع من عصره وطرح كثير منه وديس في الطرقات، وغرّق كثير منه في النيل، ومنع من حمله وقطعت كروم الجيزة كلها، وسيّر إلى الجهات بذلك.

وفي سنة ثلاث وأربعمائة نزع السعر وازدحم الناس على الخبز، وفي ثاني ربيع الأوّل منها هلك عيسى بن نسطورس، فأمر النصارى بلبس السواد وتعلق صلبان الخشب في أعناقهم، وأن يكون الصليب ذراعا في مثله، وزنته خمسة أرطال، وأن يكون مكشوفا بحيث يراه الناس، ومنعوا من ركوب الخيل، وأن يكون ركوبهم البغال والحمير بسروج الخشب والسيور السود بغير حلية، وأن يسدّوا الزنانير ولا يستخدموا مسلما ولا يشتروا عبدا ولا أمة، وتتبعت آثارهم في ذلك، فأسلم منهم عدّة، وقرّر حسين بن طاهر الوزان في الوساطة والتوقيع عن الحاكم في تاسع عشري ربيع الأوّل منها، ولقب أمين الأمناء، ونقش الحاكم على خاتمه: بنصر الله العظيم الوليّ ينتصر الإمام أبو علي. وضرب جماعة بسبب اللعب بالشطرنج، وهدمت الكنائس وأخذ جميع ما فيها ومالها من الرباع، وكتب بذلك إلى الأعمال فهدمت بها، وفيها لحق أبو الفتح بمكة ودعا للحاكم وضرب السكة باسمه، وأمر الحاكم أن لا يقبّل أحد له الأرض، ولا يقبّل ركابه، ولا يده عند السلام عليه في المواكب، فإنّ الانحناء إلى الأرض لمخلوق من صنيع الروم، وأن لا يزاد على قولهم السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ولا يصلّى أحد عليه في مكاتبة ولا مخاطبة، ويقتصر في مكاتبته على سلام الله وتحياته. ونوامي بركاته على أمير المؤمنين، ويدعي له بما يتفق من الدعاء لا غير، فلم يقل الخطباء يوم الجمع سوى اللهمّ صلّ على محمد المصطفى، وسلّم

ص: 75

على أمير المؤمنين عليّ المرتضى، اللهمّ وسلّم على أمراء المؤمنين آباء أمير المؤمنين، اللهمّ اجعل أفضل سلامك على عبدك وخليفتك، ومنع من ضرب الطبول والأبواق حول القصر، فصاروا يطوفون بغير طبل ولا بوق، وكثرت إنعامات الحاكم فتوقف أمين الأمناء حسين بن طاهر الوزان في إمضائها، فكتب إليه الحاكم بخطه بعد البسملة، الحمد لله كما هو أهله:

أصبحت لا أرجو ولا أتقي

إلّا إلهي وله الفضل

جدّي نبيّ وإمامي أبي

وديني الإخلاص والعدل

المال مال الله عز وجل، والخلق عباد الله، ونحن أمناؤه في الأرض، أطلق أرزاق الناس ولا تقطعها والسلام وركب الحاكم يوم عيد الفطر إلى المصلي بغير زينة ولا جنائب ولا أبهة، سوى عشرة أفراس تقاد بسروج ولجم محلاة بفضة بيضاء خفيفة، وبنود ساذجة ومظلة بيضاء بغير ذهب عليه بياض، بغير طرز ولا ذهب ولا جوهر في عمامته، ولم يفرش المنبر، ومنع الناس من سبّ السلف، وضرب في ذلك وشهر وصلّى صلاة عيد النحر كما صلّى صلاة عيد الفطر من غير أبهة، ونحر عنه عبد الرحمن بن الياس بن أحمد بن المهديّ، وأكثر الحاكم من الركوب إلى الصحراء بحذاء في رجله وفوطة على رأيه.

وفي سنة أربع وأربعمائة ألزم اليهود أن يكون في أعناقهم جرس إذا دخلوا الحمام، وأن يكون في أعناق النصارى صلبان، ومنع الناس من الكلام في النجوم، وأقيم المنجمون من الطرقات وطلبوا فتغيبوا ونفوا، وكثرت هبات الحاكم وصدقاته وعتقه، وأمر اليهود والنصارى بالخروج من مصر إلى بلاد الروم وغيرها، وأقيم عبد الرحيم بن الياس وليّ العهد، وأمر أن يقال في السلام عليه، السلام على ابن عمّ أمير المؤمنين، ووليّ عهد المسلمين وصار يجلس بمكان في القصر، وصار الحاكم يركب بدراعة صوف بيضاء، ويتعمم بفوطة. وفي رجله خذاء عربيّ بقبالين، وعبد الرحيم يتولى النظر في أمور الدولة كلها، وأفرط الحاكم في العطاء وردّ ما كان أخذ من الضياع والأملاك إلى أربابها، وفي ربيع الآخر أمر بقطع يدي أبي القاسم الجرجانيّ، وكان يكتب للقائد غين، ثم قطع يد غين فصار مقطوع اليدين، وبعث إليه الحاكم بعد قطع يديه بألف من الذهب والثياب، ثم بعد ذلك أمر بقطع لسانه، فقطع. وأبطل عدّة مكوس، وقتل الكلاب كلها، وأكثر من الركوب في الليل، ومنع النساء من المشي في الطرقات، فلم تر امرأة في طريق البتة، وأغلقت حماماتهنّ، ومنع الأساكفة من على خفافهنّ، وتعطلت حوانيتهم، واشتدّت الإشاعة بوقوع السيف في الناس، فتهاربوا وغلفت الأسواق، فلم يبع شيء. ودعي لعبد الرحيم بن الياس على المنابر، وضربت السكة باسمه بولاية العهد، وفي سنة خمس وأربعمائة قتل مالك بن سعيد الفارقيّ، في ربيع الآخر، وكانت مدّة نظره في قضاء القضاة ست سنين وتسعة أشهر وعشرة

ص: 76