الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شراء ملك أو حل وقف لا يقدر على مخالفته ولا يجد بدّا من موافقته. ومن غريب ما يحكى عن طمع أقبغا، أن مشدّ الحاشية دخل عليه وفي إصبعه خاتم بفص أحمر من زجاج له بريق، فقال له أقبغا: إيش هو هذا الخاتم، فأخذ يعظمه وذكر أنه من تركة أبيه. فقال:
بكم حسبوه عليك؟ فقال: بأربعمائة درهم. فقال: أرنيه. فناوله إياه فأخذه وتشاغل عنه ساعة ثم قال له: والله فضيحة أن نأخذ خاتمك، ولكن خذه أنت وهات ثمنه، ودفعه إليه وألزمه بإحضار الأربعمائة درهم، فما وسعه إلّا أن أحضرها إليه، فعاقبه الله بذهاب ماله وغيره، وموته غريبا.
المدرسة الحسامية
هذه المدرسة بخط المسطاح من القاهرة قريبا من حارة الوزيرية، بناها الأمير حسام الدين طرنطاي المنصوريّ نائب السلطنة بديار مصر، إلى جانب داره، وجعلها برسم الفقهاء الشافعية، وهي في وقتنا هذا تجاه سوق الرقيق، ويسلك منها إلى درب العدّاس وإلى حارة الوزيرية وإلى سويقة الصاحب وباب الخوخة وغير ذلك، وكان بجانبها طبقة لخياط فطلبت منه بثلاثة أمثال ثمنها فلم يبعها، وقيل لطرنطاي لو طلبته لاستحيى منك، فلم يطلبه وتركه وطبقته وقال: لا أشوّش عليه.
طرنطاي: بن عبد الله الأمير حسام الدين المنصوريّ، رباه الملك المنصور قلاون صغيرا ورقاه في خدمه إلى أن تقلد سلطنة مصر، فجعله نائب السلطنة بديار مصر عوضا عن الأمير عز الدين أيبك الأفرم الصالحيّ، وخلع عليه في يوم الخميس رابع عشر رمضان سنة ثمان وسبعين وستمائة، فباشر ذلك مباشرة حسنة إلى أن كانت سنة خمس وثمانين، فخرج من القاهرة بالعساكر إلى الكرك وفيها الملك المسعود نجم الدين خضر وأخوه بدر الدين سلامش، ابنا الملك الظاهر بيبرس، في رابع المحرّم، وسار إليها فوافاه الأمير بدر الدين الصوّانيّ بعساكر دمشق في ألفي فارس، ونازلا الكرك وقطعا الميرة عنها واستفسدا رجال الكرك حتى أخذا خضرا وسلامش بالأمان في خامس صفر، وتسلم الأمير عز الدين طرنطاي الموصليّ نائب الشوبك مدينة الكرك واستقرّ في نيابة السلطنة بها، وبعث الأمير طرنطاي بالبشارة إلى قلعة الجبل، فوصل البريد بذلك في ثامن صفر، ثم قدم بابني الظاهر، فخرج السلطان إلى لقائه في ثاني عشر ربيع الأوّل وأكرم الأمير طرنطاي ورفع قدره ثم بعثه إلى أخذ صهيون وبها سنقر الأشقر، فسار بالعساكر من القاهرة في سنة ست وثمانين، ونازلها وحصرها حتى نزل إليه سنقر بالأمان وسلّم إليه قلعة صهيون، وسار به إلى القاهرة، فخرج السلطان إلى لقائه وأكرمه.
ولم يزل على مكانته إلى أن مات الملك المنصور وقام في السلطنة بعده ابنه الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاون، فقبض عليه في يوم السبت ثالث عشر ذي القعدة سنة تسع
وثمانين، وعوقب حتى مات يوم الاثنين خامس عشرة بقلعة الجبل، وبقي ثمانية أيام بعد قتله مطروحا بحبس القلعة، ثم أخرج في ليلة الجمعة سادس عشري ذي القعدة وقد لف في حصير وحمل على جنوية إلى زاوية الشيخ أبي السعود بالقرافة، فغسله الشيخ عمر السعوديّ شيخ الزواية وكفنه من ماله ودفنه خارج الزاوية ليلا، وبقي هناك إلى سلطنة العادل كتبغا، فأمر بنقل جثته إلى تربته التي أنشأها بمدرسته هذه.
وكان سبب القبض عليه وقتله، أن الملك الأشرف كان يكرهه كراهة شديدة، فإنه كان يطرح جانبه في أيام أبيه، ويغض منه ويهين نوّابه ويؤذي من يخدمه، لأنه كان يميل إلى أخيه الملك الصالح علاء الدين عليّ بن قلاون، فلما مات الصالح عليّ وانتقلت ولاية العهد إلى الأشرف خليل بن قلاون، مال إليه من كان ينحرف عنه في حياة أخيه إلّا طرنطاي، فإنه ازداد تماديا في الإعراض عنه وجرى على عادته في أذى من ينسب إليه، وأغرى الملك المنصور بشمس الدين محمد بن السلعوس ناظر ديوان الأشرف حتى ضربه وصرفه عن مباشرة ديوانه، والأشرف مع ذلك يتأكد حنقه عليه ولا يجد بدّا من الصبر إلى أن صار له الأمر بعد أبيه، ووقف الأمير طرنطاي بين يديه في نيابة السلطنة على عادته وهو منحرف عنه لما أسلفه من الإساءة عليه، وأخذ الأشرف في التدبير عليه إلى أن نقل له عنه أنه يتحدّث سرّا في إفساد نظام المملكة وإخراج الملك عنه، وأنه قصد أن يقتل السلطان وهو راكب في الميدان الأسود الذي تحت قلعة الجبل عند ما يقرب من باب الإصطبل، فلم يحتمل ذلك.
وعندها سير أربعة ميادين والأمير طرنطاي ومن وافقه عند باب سارية حتى انتهى إلى رأس الميدان وقرب من باب الإصطبل، وفي الظنّ أنه يعطف إلى باب سارية ليكمل التسيير على العادة، فعطف إلى جهة القلعة وأسرع ودخل من باب الإصطبل، فبادر الأمير طرنطاي عندما عطف السلطان وساق فيمن معه ليدركوه، ففاتهم وصار بالإصطبل فيمن خف معه من خواصه، وما هو إلّا أن نزل الأشرف من الركوب فاستدعى بالأمير طرنطاي، فمنعه الأمير زين الدين كتبغا المنصوريّ عن الدخول إليه وحذره منه وقال له: والله إني أخاف عليك منه فلا تدخل عليه إلا في عصبة تعلم أنهم يمنعونك منه إن وقع أمر تكرهه، فلم يرجع إليه وغرّه أن أحدا لا يجسر عليه لمهابته في القلوب ومكانته من الدولة، وأن الأشرف لا يبادره بالقبض عليه وقال لكتبغا: والله لو كنت نائما ما جسر خليل ينبهني. وقام ومشى إلى السلطان ودخل ومعه كتبغا، فلما وقف على عادته بادر إليه جماعة قد أعدّهم السلطان وقبضوا عليه، فأخذه اللكم من كلّ جانب والسلطان يعدّد ذنوبه ويذكر له إساءته ويسبه.
فقال له يا خوند: هذا جميعه قد عملته معك، وقدّمت الموت بين يديّ، ولكن والله لتندمنّ من بعدي. هذا والأيدي تتناوب عليه حتى أنّ بعض الخاصكية قلع عينه وسحب إلى السجن، فخرج كتبغا وهو يقول: إيش أعمل ويكرّرها، فأدركه الطلب وقبض عليه أيضا، ثم آل آمر كتبغا بعد ذلك إلى أن ولي سلطنة مصر، وأوقع الأشرف الحوطة على أموال طرنطاي