الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بئر الزقاق: شرقيّ بئر عفصة الصغرى، والزقاق معروف إذ ذاك في الجبل، وفي أوّله بئر مربعة كان يسقى منها البقر والغنم.
ذكر السبعة التي تزار بالقرافة
اعلم أن زيارة القرافة كانت أوّلا يوم الأربعاء، ثم صارت ليلة الجمعة، وأمّا زيارة يوم السبت فقيل إنها قديمة، وقيل متأخرة، وأوّل من زار يوم الأربعاء وابتدأ بالزيارة من مشهد السيدة نفيسة، الشيخ الصالح أبو محمد عبد الله بن رافع بن يزحم بن رافع السارعيّ الشافعيّ المغافريّ الزوّار، المعروف بعابد، ومولده سنة إحدى وستين وخمسمائة، ووفاته بالهلالية خارج باب زويلة، في ليلة الثاني والعشرين من شعبان سنة ثمان وثلاثين وستمائة. ودفن بسفح المقطم على تربة بني نهار، بحريّ تربة الردينيّ. وأوّل من زار ليلة الجمعة، الشيخ الصالح المقري أبو الحسن عليّ بن أحمد بن جوشن المعروف بابن الجباس، والد شرف الدين محمد بن عليّ بن أحمد بن الجباس، فجمع الناس وزار بهم في ليلة الجمعة في كلّ أسبوع، وزار معه في بعض الليالي السلطان الملك الكامل ناصر الدين أبو المعالي محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب، ومشى معه أكابر العلماء. وكان سبب تجرّد أبي الحسن بن الجباس وانقطاعه إلى الله تعالى، أنه دولب مطبخ سكّر شركة رجل، فوقف عليهما مال للديوان، فسجنا بالقصر، فقرأ ابن الجباس في بعض الليالي سورة الرعد، فسمعه السلطان الملك العادل أبو بكر بن أيوب، فقام حتى وقف عليه وسأله عن خبره، فأعلمه بأنه سجن على مبلغ كذا، فأمر بالإفراج عنه، فأبى إلّا أن يفرج عن رفيقه أيضا، فأفرج عنهما جميعا.
واتفق أنه مرّ في بعض ليالي الزيارة بزاوية الفخر الفارسيّ، فخرج وقال له: ما هذه البدعة؟
في غد أبطلها. ثم دخل الزاوية وخرج بعد ساعة وأمر بردّ ابن الجباس، فلما جاءه قال: دم على ما أنت عليه، فإني رأيت الساعة قوما فقالوا: هل تعطينا ما يعطينا ابن الجباس في ليالي الجمع؟ فعلمت أن ذلك هو الدعاء والقراءة. وأمّا زيارة يوم السبت، فقد تقدّم أنه اختلف فيها، وحكى الموفق بن عثمان عن القضاعيّ أنه كان يحث على زيارة سبعة قبور، وأن رجلا شكا إليه ضيق حاله. والدين. فقال له: عليك بزيارة سبعة قبور. أوّلهم: الشيخ أبو الحسن عليّ بن محمد بن سهل بن الصائغ الدينوريّ، وتوفي ليلة الثلاثاء، لثلاث عشرة بقيت من شهر رجب سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة. والثاني: عبد الصمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن إبراهيم البغداديّ، صاحب الخلفاء، وتوفي سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة.
والثالث: أبو إبراهيم إسماعيل بن
…
«1» المزنيّ، وتوفي سنة أربع وستين ومائتين.
والرابع: القاضي بكار بن قتيبة، وتوفي سنة سبعين ومائتين. والخامس: القاضي
المفضل بن فضالة، وتوفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين. والسادس: القاضي أبو بكر عبد الملك بن الحسن القمنيّ، وتوفي في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة. والسابع:
أبو الفيض ذو النون ثوبان بن إبراهيم المصريّ، وتوفي سنة خمس وأربعين ومائتين.
وكانوا أوّلا يزورون بعد صلاة الصبح وهم مشاة على أقدامهم إلى أن كانت أيام شيخ الزوّار محمد العجميّ السعوديّ، فزار راكبا في يوم السبت بعد طلوع الشمس، لأنّ رجليه كانتا معوجتين لا يستطيع المشي عليهما، وذلك في أواخر سنة ثمانمائة، وتوفي في عاشر شهر رمضان سنة تسع وثمانمائة. فجاء بعده الزائر شمس الدين محمد بن عيسى المرجوشيّ السعوديّ، ومحيي الدين عبد القادر بن علاء الدين محمد بن علم الدين بن عبد الرحمن الشهير بابن عثمان، ففعلا ذلك، ومات ابن عثمان في سابع شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وثمانمائة، فاستمرّت الزيارة على ذلك.
وقد حكى صاحب كتاب محاسن الأبرار ومجالس الأخيار سبعة غير من ذكرنا وسماهم المحققين وهم: صلة بن مؤمّل، وأبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن عليّ بن جعفر الخوارزميّ، وسالم العفيف، وأبو الفضل بن الجوهريّ، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين، عرف بالبزار، وأبو الحسن عليّ، عرف بطير الوحش، وأبو الحسن عليّ بن صالح الأندلسيّ الكحال، وذكر أيضا سبعة أخر وهم: عقبة بن عامر الجهنيّ، والإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ، وأبو بكر الدقاق، وأبو إبراهيم إسماعيل المزنيّ، وأبو العباس أحمد الجزار، والفقيه ابن دحية، والفقيه ابن فارس اللخميّ، وزيارتهم يوم الجمعة بعد صلاة الصبح، والعمل عليها في الزيارة الآن، إلّا أنهم يجتمعون طوائف، لكلّ طائفة شيخ، ويقيمون مناور كبارا وصغارا ويخرجون في ليالي الجمع وفي كلّ سبت بكرة النهار، وفي كلّ يوم أربعاء بعد الظهر، وهم يذكرون الله، فيزورون. ويجتمع معهم من الرجال والنساء خلائق لا تحصى، ومنهم من يعمل ميعاد وعظ، ويقال لشيخ كل طائفة الشيخ الزائر، فتمرّ لهم في الزيارة أمور منها ما يستحسن ومنها ما ينكر، ولكلّ عبد ما نوى.
فمن أشهر مزارات القرافة:
قبر الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ.
رحمة الله ورضوانه عليه، وتوفي يوم الجمعة آخر يوم من شهر رجب، سنة أربع ومائتين بفسطاط مصر، وحمل على الأعناق حتى دفن في مقبرة بني زهرة، أولاد عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ رضي الله عنه، وعرفت أيضا بتربة أولاد ابن عبد الحكم. قال القضاعيّ: وقد جرّب الناس خير هذه التربة المباركة والقبر المبارك، وينقل عن المزنيّ أنه قال فيه:
سقى الله هذا القبر من وبل مزنه
…
من العفو ما يغنيه عن طلل المزن
لقد كان كفؤا للعداة ومعقلا
…
وركنا لهذا الدين بل أيّما ركن
هكذا وقفت عليه، ثم رأيت بعد ذلك أن المزنيّ، رحمه الله، لما دفن مرّ رجل على قبره وإذا بهاتف يقول: فذكر البيتين. وقال آخر:
لله درّ الثرى كم ضمّ من كرم
…
بالشافعيّ حليف العلم والأثر
يا جوهر الجوهر المكنون من مضر
…
ومن قريش ومن ساداتها الأخر
لما توليت ولّى العلم مكتئبا
…
وضرّ موتك أهل البدو والحضر
ولآخر:
أكرم به رجلا ما مثله رجل
…
مشارك لرسول الله في نسبه
أضحى بمصر دفينا في مقطمها
…
نعم المقطّم والمدفون في تربة
ومناقب الشافعيّ رحمه الله كثيرة، قد صنف الأئمة فيها عدّة مصنفات، وله في تاريخي الكبير المقفى ترجمة كبيرة، ومن أبدع ما حكي من مناقبه: أنّ الوزير نظام الملك أبا عليّ الحسن بن عليّ بن إسحاق، لما بنى المدرسة النظامية ببغداد في سنة أربع وسبعين وأربعمائة، أحب أن ينقل الإمام الشافعيّ من مقبرته بمصر إلى مدرسته، وكتب إلى أمير الجيوش بدر الجماليّ وزير الإمام المستنصر بالله معدّ يسأله في ذلك، وجهز له هدية جليلة، فركب أمير الجيوش في موكبه ومعه أعيان الدولة ووجوه المصريين من العلماء وغيرهم، وقد اجتمع الناس لرؤيته، فلما نبش القبر شق ذلك على الناس، وماجوا وكثر اللغط وارتفعت الأصوات وهموا برجم أمير الجيوش والثورة به، فسكّتهم وبعث يعلم الخليفة أمير المؤمنين المستنصر بصورة الحال، فأعاد جوابه بإمضاء ما أراد نظام الملك، فقريء كتابه بذلك على الناس عند القبر وطردت العامّة والغوغاء من حوله، ووقع الحفر حتى انتهوا إلى اللحد، فعندما أرادوا قلع ما عليه من اللبن خرج من اللحد رائحة عطرة أسكرت من حضر فوق القبر حتى وقعوا صرعى، فما أفاقوا إلّا بعد ساعة، فاستغفروا مما كان منهم وأعادوا ردم القبر كما كان وانصرفوا، وكان يوما من الأيام المذكورة، وتزاحم الناس على قبر الشافعيّ يزورونه مدّة أربعين يوما بلياليها، حتى كان من شدّة الازدحام لا يتوصل إليه إلّا بعناء ومشقة زائدة، وكتب أمير الجيوش محضرا بما وقع وبعث به وبهدية عظيمة مع كتابه إلى نظام الملك، فقرىء هذا المحضر والكتاب بالنظامية ببغداد، وقد اجتمع العالم على اختلاف طبقاتهم لسماع ذلك، فكان يوما مشهودا ببغداد، وكتب نظام الملك إلى عامّة بلدان المشرق من حدود الفرات إلى ما وراء النهر بذلك، وبعث مع كتبه بالمحضر وكتاب أمير الجيوش، فقرئت في تلك الممالك بأسرها، فزاد قدر الإمام الشافعيّ عند كافة أهل الأقطار، وعامّة جميع أهل الأمصار بذلك.
وقد أوردت في كتاب إمتاع الأسماع بما للرسول من الأنباء والأحوال والحفدة والمتاع صلى الله عليه وسلم، نظير هذه الواقعة، وقع لضريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يزل قبر الشافعيّ يزار ويتبرّك به إلى أن كان يوم الأحد لسبع خلت من جمادى الأولى سنة ثمان وستمائة، فانتهى بناء هذه القبة التي على ضريحه، وقد أنشأها الملك الكامل المظفر المنصور أبو المعالي ناصر الدين محمد ظهير أمير المؤمنين ابن السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب، وبلغت النفقة عليها خمسين ألف دينار مصرية، وأخرج في وقت بنائها بعظام كثيرة من مقابر كانت هناك، ودفنت في موضع من القرافة، وبهذه القبة أيضا قبر السلطان الملك العزيز عثمان بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وقبر أمّه شمسة، وقيل فيها عدّة أشعار، منها قول الأديب الكاتب ضياء الدين أبي الفتح موسى بن ملهم:
مررت على قبّة الشافعيّ
…
فعاين طرفي عليها العشاري
فقلت لصحبي لا تعجبوا
…
فإنّ المراكب فوق البحار
وقال علاء الدين أبو عليّ عثمان بن إبراهيم النابلسي:
لقد أصبح الشافعيّ الإما
…
م فينا له مذهب مذهب
ولو لم يكن بحر علم لما
…
غدا وعلى قبره مركب
وقال آخر:
أتيت لقبر الشافعيّ أزوره
…
تعرّضنا فلك وما عنده بحر
فقلت تعالى الله تلك إشارة
…
تشير بأنّ البحر قد ضمّه القبر
وقال شرف الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد بن حماد البوصيريّ صاحب البردة:
بقبة قبر الشافعيّ سفينة
…
رست في بناء محكم فوق جلمود
ومذ غاض طوفان العلوم بقبره استوى الفلك من ذاك الضريح على الجودي ومنها
قبر الإمام الليث بن سعد: رحمه الله، قد اشتهر قبره عند المتأخرين، وأوّل ما عرفته من خبر هذا القبر أنه وجدت مصطبة في آخر قباب الصدف، وكانت قباب الصدف أربعمائة قبة فيما يقال، عليها مكتوب الإمام الفقيه الزاهد العالم الليث بن سعد بن عبد الرحمن أبو الحارث المصريّ مفتى أهل مصر، كما ذكر في كتاب هادي الراغبين في زيارة قبور الصالحين، لأبي محمد عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الكريم بن عليّ بن محمد بن عليّ بن طلحة، وفي كتاب مرشد الزوّار للموفق ابن عثمان. وذكر الشيخ محمد الأزهريّ في كتابه في الزيارة: أن أوّل من بنى عليه وحيز كبير التجار أبو زيد المصريّ، بعد