المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أنت الذي أمراؤه بين الورى … مثل الملوك وجنده أمراء ملك - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار - جـ ٤

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌ذكر المساجد الجامعة

- ‌ذكر الجوامع

- ‌الجامع العتيق

- ‌ذكر المحاريب التي بديار مصر وسبب اختلافها وتعيين الصواب فيها وتبيين الخطأ منها

- ‌جامع العسكر

- ‌ذكر العسكر

- ‌ جامع ابن طولون

- ‌ذكر دار الإمارة

- ‌ذكر الأذان بمصر وما كان فيه من الاختلاف

- ‌الجامع الأزهر

- ‌جامع الحاكم

- ‌جامع راشدة

- ‌جامع المقس

- ‌جامع الفيلة

- ‌جامع المقياس

- ‌الجامع الأقمر

- ‌جامع الظافر

- ‌جامع الصالح

- ‌ذكر الأحباس وما كان يعمل فيها

- ‌الجامع بجوار تربة الشافعيّ بالقرافة

- ‌جامع محمود بالقرافة

- ‌جامع الروضة بقلعة جزيرة الفسطاط

- ‌جامع غين بالروضة

- ‌جامع الأفرم

- ‌الجامع بمنشأة المهرانيّ

- ‌جامع دير الطين

- ‌جامع الظاهر

- ‌جامع ابن اللبان

- ‌الجامع الطيبرسيّ

- ‌الجامع الجديد الناصريّ

- ‌الجامع بالمشهد النفيسيّ

- ‌جامع الأمير حسين

- ‌جامع الماس

- ‌جامع قوصون

- ‌جامع الماردانيّ

- ‌جامع أصلم

- ‌جامع بشتاك

- ‌‌‌جامع آق سنقر

- ‌جامع آق سنقر

- ‌جامع آل ملك

- ‌جامع الفخر

- ‌جامع نائب الكرك

- ‌جامع الخطيريّ ببولاق

- ‌جامع قيدان

- ‌جامع الست حدق

- ‌جامع ابن غازي

- ‌جامع التركمانيّ

- ‌جامع شيخو

- ‌جامع الجاكيّ

- ‌جامع التوبة

- ‌جامع صاروجا

- ‌جامع الطباخ

- ‌جامع الأسيوطيّ

- ‌جامع الملك الناصر حسن

- ‌جامع القرافة

- ‌جامع الجيزة

- ‌جامع منجك

- ‌الجامع الأخضر

- ‌جامع البكجريّ

- ‌جامع السروجيّ

- ‌جامع كرجي

- ‌جامع الفاخريّ

- ‌جامع ابن عبد الظاهر

- ‌جامع كراي

- ‌جامع القلعة

- ‌جامع قوصون

- ‌جامع كوم الريش

- ‌جامع الجزيرة الوسطى

- ‌جامع ابن صارم

- ‌جامع الكيمختي

- ‌جامع الست مسكة

- ‌جامع ابن الفلك

- ‌جامع التكروريّ

- ‌جامع البرقية

- ‌جامع الحرّانيّ

- ‌جامع بركة

- ‌جامع بركة الرطليّ

- ‌جامع الضوة

- ‌ جامع

- ‌جامع الحوش

- ‌جامع الاصطبل

- ‌جامع ابن التركمانيّ»

- ‌جامع الباسطيّ

- ‌جامع الحنفيّ

- ‌جامع ابن الرفعة

- ‌جامع الإسماعيليّ

- ‌جامع الزاهد

- ‌جامع ابن المغربيّ

- ‌جامع الفخريّ

- ‌الجامع المؤيدي

- ‌الجامع الأشرفيّ

- ‌الجامع الباسطيّ

- ‌ذكر مذاهب أهل مصر ونحلهم منذ افتتح عمرو بن العاص رضي الله عنه أرض مصر إلى أن صاروا إلى اعتقاد مذاهب الأئمة رحمهم الله تعالى، وما كان من الأحداث في ذلك

- ‌ذكر فرق الخليقة واختلاف عقائدها وتباينها

- ‌ذكر الحال في عقائد أهل الإسلام، منذ ابتداء الملة الإسلامية إلى أن انتشر مذهب الأشعرية

- ‌ذكر المدارس

- ‌ المدرسة الناصرية

- ‌المدرسة القمحية

- ‌مدرسة يازكوج

- ‌مدرسة ابن الأرسوفيّ

- ‌مدرسة منازل العز

- ‌مدرسة العادل

- ‌مدرسة ابن رشيق

- ‌المدرسة الفائزية

- ‌المدرسة القطبية

- ‌المدرسة السيوفية

- ‌المدرسة الفاضلية

- ‌المدرسة الأزكشية

- ‌المدرسة الفخرية

- ‌المدرسة السيفية

- ‌المدرسة العاشورية

- ‌ المدرسة القطبية

- ‌المدرسة الخرّوبية

- ‌مدرسة المحليّ

- ‌المدرسة الفارقانية

- ‌المدرسة المهذبية

- ‌‌‌المدرسة الخرّوبية

- ‌المدرسة الخرّوبية

- ‌المدرسة الصاحبية البهائية

- ‌المدرسة الصاحبية

- ‌المدرسة الشريفية

- ‌المدرسة الصالحية

- ‌المدرسة الكاملية

- ‌المدرسة الصيرمية

- ‌المدرسة المسرورية

- ‌المدرسة القوصية

- ‌المدرسة المنصورية

- ‌المدرسة الحجازية

- ‌المدرسة الطيبرسية

- ‌المدرسة الأقبغاوية

- ‌المدرسة الحسامية

- ‌المدرسة المنكوتمرية

- ‌المدرسة القراسنقرية

- ‌المدرسة الغزنوية

- ‌المدرسة البوبكرية

- ‌المدرسة البقرية

- ‌المدرسة القطبية

- ‌مدرسة ابن المغربيّ

- ‌المدرسة البيدرية

- ‌المدرسة البديرية

- ‌المدرسة الملكية

- ‌المدرسة الجمالية

- ‌المدرسة الفارسية

- ‌المدرسة السابقية

- ‌المدرسة القيسرانية

- ‌المدرسة الزمامية

- ‌المدرسة الصغيرة

- ‌مدرسة تربة أمّ الصالح

- ‌مدرسة ابن عرّام

- ‌المدرسة المحمودية

- ‌المدرسة المهذبية

- ‌المدرسة السعدية

- ‌المدرسة الطفجية

- ‌المدرسة الجاولية

- ‌المدرسة الفارقانية

- ‌المدرسة البشيرية

- ‌المدرسة المهمندارية

- ‌مدرسة ألجاي

- ‌مدرسة أمّ السلطان

- ‌المدرسة الأيتمشية

- ‌المدرسة المجدية الخليلية

- ‌المدرسة الناصرية بالقرافة

- ‌المدرسة المسلمية

- ‌مدرسة اينال

- ‌مدرسة الأمير جمال الدين الأستادار

- ‌المدرسة الصرغتمشية

- ‌ذكر المارستانات

- ‌مارستان ابن طولون

- ‌مارستان كافور

- ‌مارستان المغافر

- ‌المارستان الكبير المنصوريّ

- ‌المارستان المؤيدي

- ‌ذكر المساجد

- ‌المسجد بجوار دير البعل

- ‌مسجد ابن الجباس

- ‌مسجد ابن البناء

- ‌مسجد الحلبيين

- ‌مسجد الكافوريّ

- ‌مسجد رشيد

- ‌المسجد المعروف بزرع النوى

- ‌مسجد الذخيرة

- ‌مسجد رسلان

- ‌مسجد ابن الشيخيّ

- ‌مسجد يانس

- ‌مسجد باب الخوخة

- ‌المسجد المعروف بمعبد موسى

- ‌مسجد نجم الدين

- ‌مسجد صواب

- ‌المسجد بجوار المشهد الحسينيّ

- ‌مسجد الفجل

- ‌مسجد تبر

- ‌مسجد القطبية

- ‌ذكر الخوانك

- ‌الخانكاه الصلاحية، دار سعيد السعداء، دويرة الصوفية

- ‌خانقاه ركن الدين بيبرس

- ‌الخانقاه الجمالية

- ‌الخانقاه الظاهرية

- ‌الخانقاه الشرابيشية

- ‌الخانقاه المهمندارية

- ‌خانقاه بشتاك

- ‌خانقاه ابن غراب

- ‌الخانقاه البندقدارية

- ‌خانقاه شيخو

- ‌الخانقاه الجاولية

- ‌خانقاه الجيبغا المظفري

- ‌خانقاه سرياقوس

- ‌خانقاه أرسلان

- ‌خانقاه بكتمر

- ‌خانقاه قوصون

- ‌خانقاه طغاي النجميّ

- ‌خانقاه أمّ أنوك

- ‌خانقاه يونس

- ‌خانقاه طيبرس

- ‌خانقاه أقبغا

- ‌الخانقاه الخروبية

- ‌ذكر الربط

- ‌رباط الصاحب

- ‌رباط الفخري

- ‌رباط البغدادية

- ‌رباط الست كليلة

- ‌رباط الخازن

- ‌الرباط المعروف برواق ابن سليمان

- ‌رباط داود بن إبراهيم

- ‌رباط ابن أبي المنصور

- ‌رباط المشتهى

- ‌رباط الآثار

- ‌رباط الأفرم

- ‌الرباط العلائي

- ‌ذكر الزوايا

- ‌زاوية الدمياطيّ

- ‌زاوية الشيخ خضر

- ‌زاوية ابن منظور

- ‌زاوية الظاهري

- ‌زاوية الجميزة

- ‌زاوية الحلاوي

- ‌زاوية نصر

- ‌زاوية الخدّام

- ‌زاوية تقي الدين

- ‌زاوية الشريف مهدي

- ‌زاوية الطراطرية

- ‌زاوية القلندرية

- ‌قبة النصر

- ‌زاوية الركراكي

- ‌زاوية إبراهيم الصائغ

- ‌زاوية الجعبري

- ‌زاوية أبي السعود

- ‌زاوية الحمصي

- ‌زاوية المغربل

- ‌زاوية القصري

- ‌زاوية الجاكي

- ‌زاوية الأبناسيّ

- ‌زاوية اليونسية

- ‌زاوية الخلاطي

- ‌الزاوية العدوية

- ‌زاوية السدّار

- ‌ذكر المشاهد التي يتبرّك الناس بزيارتها مشهد زين العابدين

- ‌مشهد السيدة نفيسة

- ‌مشهد السيدة كلثوم

- ‌سنا وثنا

- ‌ذكر مقابر مصر والقاهرة المشهورة

- ‌ذكر القرافة

- ‌ذكر المساجد الشهيرة بالقرافة الكبيرة

- ‌مسجد الأقدام

- ‌مسجد الرصد

- ‌مسجد شقيق الملك

- ‌مسجد الانطاكيّ

- ‌مسجد النارنج

- ‌مسجد الأندلس

- ‌مسجد البقعة

- ‌مسجد الفتح

- ‌مسجد أمّ عباس جهة العادل بن السلار

- ‌مسجد الصالح

- ‌مسجد وليّ عهد أمير المؤمنين

- ‌مسجد الرحمة

- ‌مسجد مكنون

- ‌مسجد جهة ريحان

- ‌مسجد جهة بيان

- ‌مسجد توبة

- ‌مسجد دري

- ‌مسجد ست غزال

- ‌مسجد رياض

- ‌مسجد عظيم الدولة

- ‌مسجد أبي صادق

- ‌مسجد الفرّاش

- ‌مسجد تاج الملوك

- ‌مسجد الثمار

- ‌مسجد الحجر

- ‌مسجد القاضي يونس

- ‌مسجد الوزيرية

- ‌مسجد ابن العكر

- ‌مسجد ابن كباس

- ‌مسجد الشهمية

- ‌مسجد زنكادة

- ‌جامع القرافة

- ‌مسجد الأطفيحيّ

- ‌مسجد الزيات

- ‌ذكر الجواسيق التي بالقرافة

- ‌ذكر الرباطات التي كانت بالقرافة

- ‌ذكر المصلّيات والمحاريب التي بالقرافة

- ‌ذكر المساجد والمعابد التي بالجبل والصحراء

- ‌ذكر الأحواض والآبار التي بالقرافة

- ‌ذكر الآبار التي ببركة الحبش والقرافة

- ‌ذكر السبعة التي تزار بالقرافة

- ‌ذكر المقابر خارج باب النصر

- ‌ذكر كنائس اليهود

- ‌ذكر تاريخ اليهود وأعيادهم

- ‌ذكر معنى قولهم يهودي

- ‌ذكر معتقد اليهود وكيف وقع عندهم التبديل

- ‌ذكر فرق اليهود الآن

- ‌ذكر قبط مصر ودياناتهم القديمة، وكيف تنصروا ثم صاروا ذمّة للمسلمين، وما كان لهم في ذلك من القصص والأنباء، وذكر الخبر عن كنائسهم ودياراتهم، وكيف كان ابتداؤها ومصير أمرها

- ‌ذكر ديانة القبط قبل تنصرهم

- ‌ذكر دخول قبط مصر في دين النصرانية

- ‌ذكر دخول النصارى من قبط مصر في طاعة المسلمين وأدائهم الجزية، واتخاذهم ذمّة لهم، وما كان في ذلك من الحوادث والأنباء

- ‌ذكر ديارات النصارى

- ‌أديرة أدرنكة

- ‌ذكر كنائس النصارى

- ‌وأما الوجه البحريّ:

الفصل: أنت الذي أمراؤه بين الورى … مثل الملوك وجنده أمراء ملك

أنت الذي أمراؤه بين الورى

مثل الملوك وجنده أمراء

ملك تزينت الممالك باسمه

وتجمّلت بمديحه الفصحاء

وترفّعت لعلاه خير مدارس

حلّت بها العلماء والفضلاء

يبقى كما يبقى الزمان وملكه

باق له ولحاسديه فناء

كم للفرنج وللتتار ببابه

رسل مناها العفو والإعفاء

وطريقه لبلادهم موطوءة

وطريقهم لبلاده عذراء

دامت له الدنيا ودام خلدا

ما أقبل الإصباح والإمساء

فلما فرغ هؤلاء الثلاثة من إنشادهم أفيضت عليهم الخلع، وكان يوما مشهودا، وجعل بها خزانة كتب تشتمل على أمهات الكتب في سائر العلوم، وبني بجانبها مكتبا لتعليم أيتام المسلمين كتاب الله تعالى، وأجرى لهم الجرايات والكسوة، وأوقف عليها ربع السلطان خارج باب زويلة فيما بين باب زويلة وباب الفرج، ويعرف ذلك الخط اليوم به فيقال خط تحت الربع، وكان ربعا كبيرا لكنه خرب منه عدّة دور فلم تعمر، وتحت هذا الربع عدّة حوانيت هي الآن من أجلّ الأسواق، وللناس في سكناها رغبة عظيمة ويتنافسون فيها تنافسا يرتفعون فيه إلى الحاكم، وهذه المدرسة من أجلّ مدارس القاهرة، إلّا أنها قد تقادم عهدها فرثت وبها إلى الآن بقية صالحة، ونظرها تارة يكون بيد الحنفية وأحيانا بيد الشافعية، وينازع في نظرها أولاد الظاهر فيدفعون عنه، ولله عاقبة الأمور.

‌المدرسة المنصورية

هذه المدرسة من داخل باب المارستان الكبير المنصوريّ بخط بين القصرين بالقاهرة، أنشأها هي والقبة التي تجاهها والمارستان، الملك المنصور قلاون الألفيّ الصالحيّ، على يد الأمير علم الدين سنجر الشجاعيّ، ورتب بها دروسا أربعة لطوائف الفقهاء الأربعة، ودرسا للطب، ورتب بالقبة درسا للحديث النبويّ، ودرسا لتفسير القرآن الكريم، وميعادا، وكانت هذه التداريس لا يليها إلّا أجل الفقهاء المعتبرين، ثم هي اليوم كما قيل:

تصدّر للتدريس كلّ مهوّس

بليسد يسمى بالفقيه المدرّس

فحقّ لأهل العلم أن يتمثلوا

ببيت قديم شاع في كلّ مجلس

لقد هزلت حتى بدا من هزالها

كلاها وحتّى سامها كلّ مفلس

القبة المنصورية: هذه القبة تجاه المدرسة المنصورية، وهما جميعا من داخل باب المارستان المنصوريّ، وهي من أعظم المباني الملوكية وأجلّها قدرا، وبها قبر تضمن الملك المنصور سيف الدين قلاون، وابنه الملك الناصر محمد بن قلاون، والملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن محمد بن قلاون. وبها قاعة جليلة في وسطها فسقية يصل إليها الماء من قوّارة بديعة الزي، وسائر هذه القاعة مفروش بالرخام الملوّن، وهذه القاعة معدّة لإقامة

ص: 226

الخدّام الملوكية الذين يعرفون اليوم في الدولة التركية بالطواشية، وأحدهم طواشي، وهذه لفظة تركية، أصلها بلغتهم طابوشي، فتلاعبت بها العامة وقالت طواشي، وهو الخصيّ، ولهؤلاء الخدّام في كلّ يوم ما يكفيهم من الخبز النقيّ واللحم المطبوخ، وفي كلّ شهر من المعاليم الوافرة ما فيه غنية لهم، وأدركتهم ولهم حرمة وافرة وكلمة نافذة وجانب مرعيّ، ويعدّ شيخهم من أعيان الناس، يجلس على مرتبة، وبقية الخدّام في مجالسهم لا يبرحون في عبادة، وكان يستقرّ في وظائف هذه الخدمة أكابر خدّام السلطان، ويقيمون عنهم نوّابا يواظبون الإقامة بالقبة، ويرون مع سعة أحوالهم وكثرة أموالهم من تمام فخرهم وكمال سيادتهم، انتماءهم إلى خدمة القبة المنصورية، ثم تلاشى الحال بالنسبة إلى ما كان، والخدّام بهذه القاعة إلى اليوم، وقصد الملوك بإقامة الخدّام في هذه القاعة التي يتوصل إلى القبة منها، إقامة ناموس الملك بعد الموت كما كان في مدّة الحياة، وهم إلى اليوم لا يمكنون أحدا من الدخول إلى القبة، إلّا من كان من أهلها، ولله دريحي بن حكم البكريّ الجيانيّ المغربيّ الملقب بالغزال لجماله حيث يقول:

أرى أهل الثراء إذا توفوا

بنوا تلك المقابر بالصخور

أبو إلّا مباهاة وتيها

على الفقراء حتى في القبور

وفي هذه القبة دروس للفقهاء على المذاهب الأربعة، وتعرف بدروس وقف الصالح، وذلك أنّ الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن محمد بن قلاون، قصد عمارة مدرسة فاخترمته المنية دون بلوغ غرضه، فقام الأمير ارغون العلائيّ زوج أمه في وقف قرية تعرف بدهمشا الحمام من الأعمال الشرقية عن أمّ الملك الصالح، فاثبته بطريق الوكالة عنها، ورتب ما كان الملك الصالح إسماعيل قرّره في حياته لو أنشأ مدرسة، وجعل ذلك الأمير أرغون مرتبا لمن يقوم به في القبة المنصورية، وهو وقف جليل يتحصل منه في كل سنة نحو الأربعة آلاف دينار ذهبا. ثم لما كانت الحوادث وخربت الناحية المذكورة، تلاشى أمر وقف الصالح وفيه إلى اليوم بقية، وكان لا يلي تدريس دروسه إلا قضاة القضاة، فوليه الآن الصبيان ومن لا يؤهل لو كان الإنصاف له. وفي هذه القبة أيضا قرّاء يتناوبون القراءة بالشبابيك المطلة على الشارع طول الليل والنهار، وهم من جهة ثلاثة أوقاف، فطائفة من جهة وقف الملك الصالح إسماعيل، وطائفة من جهة الوقف السيفيّ، وهو منسوب إلى الملك المنصور سيف الدين أبي بكر ابن الملك الناصر محمد بن قلاون. وبهذه القبة إمام راتب يصلّى بالخدّام والقرّاء وغيرهم الصلوات الخمس، ويفتح له باب فيما بين القبة والمحراب يدخل منه من يصلّي من الناس، ثم يغلق بعد انقضاء الصلاة. وبهذه القبة خزانة جليلة كان فيها عدّة أحمال من الكتب في أنواع العلوم، مما وقفه الملك المنصور وغيره، وقد ذهب معظم هذه الكتب وتفرّق في أيدي الناس. وفي هذه القبة خزانة بها ثياب المقبورين بها، ولهم فرّاش معلوم بمعلوم لتعهدهم، ويوضع ما يتحصل من مال أوقاف

ص: 227

المارستان بهذه القبة تحت أيدي الخدّام، وكانت العادة أنه إذا أمّر السلطان أحدا من أمراء مصر والشام فإنه ينزل من قلعة الجبل وعليه التشريف والشر بوش وتوقد له القاهرة، فيمرّ إلى المدرسة الصالحية بين القصرين، وعمل ذلك من عهد سلطنة المعز أيبك ومن بعده، فنقل ذلك إلى القبة المنصورية وصار الأمير يحلف عند القبر المذكور، ويحضر تحليفه صاحب الحجاب، وتمدّ أسمطة جليلة بهذه القبة، ثم ينصرف الأمير ويجلس له في طول شارع القاهرة إلى القلعة أهل الأغاني لتزفه في نزوله وصعوده، وكان هذا من جملة منتزهات القاهرة، وقد بطل ذلك منذ انقرضت دولة بني قلاون. ومن جملة أخبار هذه القبة: أنه لما كان في يوم الخميس مستهل المحرّم سنة تسعين وستمائة، بعث الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاون بجملة مال تصدّق به في هذه القبة، ثم أمر بنقل أبيه من القلعة، فخرج سائر الأمراء ونائب السلطنة الأمير بيدرا بدر الدين، والوزير الصاحب شمس الدين محمد بن السلعوس التنوخيّ، وحضروا بعد صلاة العشاء الآخرة ومشوا بأجمعهم قدّام تابوت الملك المنصور إلى الجامع الأزهر، وحضر فيه القضاة ومشايخ الصوفية، فتقدّم قاضي القضاة تقيّ الدين بن دقيق العيد وصلّى على الجنازة، وخرج الجميع أمامها إلى القبة المنصورية حتى دفن فيها، وذلك في ليلة الجمعة ثاني المحرّم، وقيل عاشره، ثم عاد الوزير والنائب من الدهليز خارج القاهرة إلى القبة المنصورية لعمل مجتمع بسبب قراءة ختمة كريمة في ليلة الجمعة ثامن عشري صفر منها، وحضر المشايخ والقرّاء والقضاة في جمع موفور، وفرّق في الفقراء صدقات جزيلة، ومدّت أسمطة كثيرة، وتفرّقت الناس أطعمتها حتى امتلأت الأيدي بها، وكانت إحدى الليالي الغرّ، كثر الدعاء فيها للسلطان وعساكر الإسلام بالنصر على أعداء الملة، وحضر الملك الأشرف بكرة يوم الجمعة إلى القبة المنصورية وفرّق مالا كثيرا، وكان الملك الأشرف قد برز يريد المسير لجهاد الفرنج وأخذ مدينة عكا، فسار لذلك وعاد في العشرين من شعبان وقد فتح الله له مدينة عكا عنوة بالسيف وخرّب أسوارها، وكان عبوره إلى القاهرة من باب النصر وقد زينت القاهرة زينة عظيمة، فعند ما حاذى باب المارستان نزل إلى القبة المنصورية وقد غصت بالقضاة والأعيان والقرّاء والمشايخ والفقهاء، فتلقوة كلهم بالدعاء حتى جلس فأخذ القرّاء في القراءة، وقام نجم الدين محمد بن فتح الدين محمد بن عبد الله بن مهلهل بن غياث بن نصر المعروف بابن العنبريّ الواعظ، وصعد منبرا نصب له فجلس عليه وافتتح ينشد قصيدة تشتمل على ذكر الجهاد وما فيه من الأجر، فلم يسعد فيها بحظ، وذلك أنه افتتحها بقوله:

زرو الديك وقف على قبريهما

فكأنني بك قد نقلت إليهما

فعند ما سمع الأشرف هذا البيت تطير منه ونهض قائما وهو يسب الأمير بيدرا نائب السلطنة لشدّة حنقه وقال: ما وجد هذا شيئا يقوله سوى هذا البيت فاخذ بيدرا في تسكين حنقه والاعتذار له عن ابن العنبريّ، بأنه قد انفرد في هذا الوقت بحسن الوعظ ولا نظير له

ص: 228

فيه، إلّا أنه لم يرزق سعادة في هذا الوقت، فلم يصغ السلطان إلى قوله وسار فانفض المجلس على غير شيء، وصعد السلطان إلى قلعة الجبل، ثم بعد أيام سأل السلطان عن وقف المارستان وأحب أن يجدّد له وقفا من بلاد عكا التي افتتحها بسيفه، فاستدعى القضاة وشاورهم فيما همّ به من ذلك، فرغّبوه فيه وحثوه على المبادرة إليه، فعين أربع ضياع من ضياع عكار وصور ليقفها على مصالح المدرسة والقبة المنصورية ما تحتاج إليه من ثمن زيت وشمع ومصابيح وبسط وكلفة الساقية، وعلى خمسين مقرئا يرتبون لقراءة القرآن الكريم بالقبة، وإمام راتب يصلّى بالناس الصلوات الخمس في محراب القبة، وستة خدّام يقيمون بالقبة، وهي الكابرة وتل الشيوخ وكردانة وضواحيها من عكا ومن ساحل صور معركة وصدفين، وكتب بذلك كتاب وقف وجعل النظر في ذلك لوزيره الصاحب شمس الدين محمد بن السلعوس.

فلما تمّ ذلك تقدّم بعمل مجتمع بالقبة لقراءة ختمة كريمة. وذلك ليلة الاثنين رابع ذي القعدة سنة تسعين وستمائة، فاجتمع القرّاء والوعاظ والمشايخ والفقراء والقضاة لذلك، وخلع على عامة أرباب الوظائف والوعاظ، وفرّقت في الناس صدقات جمة وعمل مهم عظيم احتفل فيه الوزير احتفالا زائدا، وبات الأمير بدر الدين بيدرا نائب السلطنة والأمير الوزير شمس الدين محمد بن السلعوس بالقبة، وحضر السلطان ومعه الخليفة الحاكم بأمر الله أحمد وعليه سواده، فخطب الخليفة خطبة بليغة حرّض فيها على أخذ العراق من التتار، فلما فرغ من المهمّ أفاض السلطان على الوزير تشريفا سنيا، وفي يوم الخميس حادي عشر ربيع الأوّل سنة إحدى وتسعين وستمائة، اجتمع القرّاء والوعاظ والفقهاء والأعيان بالقبة المنصورية لقراءة ختمة شريفة، ونزل السلطان الملك الأشرف وتصدّق بمال كثير، وآخر من نزل إلى القبة المنصورية من ملوك بني قلاون السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون في سنة إحدى وستين وسبعمائة، وحضر عنده بالقبة مشايخ العلم وبحثوا في العلم، وزار قبر أبيه وجدّه، ثم خرج فنظر في أمر المرضى بالمارستان وتوجه إلى قلعة الجبل.

هذه المدرسة بجوار القبة المنصورية من شرقيها، كان موضعها حمّاما، فأمر السلطان الملك العادل زين الدين كتبغا المنصوريّ بإنشاء مدرسة موضعها، فابتدىء في عملها ووضع أساسها وارتفع بناؤها عن الأرض إلى نحو الطراز المذهب الذي بظاهرها، فكان من خلعه ما كان، فلما عاد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون إلى مملكة مصر، في سنة ثمان وتسعين وستمائة، أمر بإتمامها، فكملت في سنة ثلاث وسبعمائة، وهي من أجلّ مباني القاهرة، وبابها من أعجب ما عملته أيدي بني آدم، فإنه من الرخام الأبيض البديع الزيّ.

الفائق الصناعة، ونقل إلى القاهرة من مدينة عكا، وذلك أن الملك الأشرف خليل بن قلاون لما فتح عكا عنوة في سابع عشر جمادى الأولى، سنة تسعين وستمائة، أقام الأمير علم

ص: 229