الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جامع القرافة
هذا الجامع يعرف اليوم بجامع الأولياء، وهو مسجد بني عبد الله بن مانع بن مزروع، ويعرف بمسجد القبة، وقد ذكر عند ذكر الجوامع من هذا الكتاب.
مسجد الأطفيحيّ
هذا المسجد كان في البطحاء، بحريّ مجرى جامع الفيلة إلى الشرق، مخالطا لخطط الكلاع ورعين والأكنوع والأكحول. ويقال له مسجد وحاطة بن سعد الأطفيحيّ، من أهل أطفيح، شيخ له سمت، وكتب الحديث في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وما قبلها، وسمع من الحباك وهو في طبقته، وهو رفيق الفرّاء وابن مشرف وابن الحظية وأبي صادق، وسلك طريق أهل القناعة والزهد والعزلة كأبي العباس ابن الحظية وكان الأفضل الكبير شاهنشاه صاحب مصر قد لزمه، واتخذ السعي إليه مفرتضا، والحديث معه شهوة. وغرضا لا ينقطع عنه. وكان فكه الحديث، قد وقف من أخبار الناس والدول على القديم والحديث، وقصده الناس لأجل حلول السلطان عنده لقضاء حوائجهم فقضاها، وصار مسجده موئلا للحاضر والبادي. وصدى لإجابة صوت النادي، وشكا الشيخ إلى الأفضل تعذر الماء ووصوله إليه، فأمر ببناء القناطر التي كانت في عرض القرافة من المجرى الكبيرة الطولونية، فبنيت إلى المسجد الذي به الأطفيحيّ، ومضى عليها من النفقة خمسة آلاف دينار، وعمل الأطفيحيّ صهريج ماء شرقيّ المسجد، عظيما محكم الصنعة، وحمّاما وبستانا كان به نخلة سقطت بعد سنة خمسين وخمسمائة. وعمل الأفضل له مقعدا بحذاء المسجد إلى الشرق، علو زيادة في المسجد شرقيه، وقاعة صغيرة مرخمة إذا جاء عنده جلس فيها وخلا بنفسه واجتمع معه وحادثه، وكان هذا المقعد على هيئة المنظرة بغير ستائر، كلّ من قصد الأطفيحيّ من الكتفي يراه، وكان الأفضل لا يأخذه عنه القرار، يخرج في أكثر الأوقات من دار الملك باكرا أو ظهرا أو عصرا بغتة، فيترجل ويدق الباب وقارا للشيخ، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يقرعون أبواب النبيّ صلى الله عليه وسلم بظفر الإبهام والمسبحة، كما يحصب بهما الحاصب، فإن كان الشيخ يصلي لا يزال واقفا حتى يخرج من الصلاة ويقول من فيقول ولدك شاهنشاه. فيقول نعم. ثم يفتح فيصافحه الأفضل ويمرّ بيده التي لمس بها يد الشيخ على وجهه، ويدخل فيقول الشيخ: نصرك الله، أيدك الله، سدّدك الله، هذه الدعوات الثلاثة لا غير أبدا. فيقول الأفضل آمين، وبنى له الأفضل المصلّى ذات المحاريب الثلاثة شرقيّ المسجد إلى القبليّ قليلا، ويعرف بمصلّى الأطفيحيّ، كان يصلّي فيه على جنائز موتى القرافة، وكان سبب اختصاص الأفضل بهذا الشيخ، أنه لما كان محاصرا نزار بن المستنصر بالإسكندرية، وناصر الدولة أفتكين الأرمنيّ، أحد مماليك أمير الجيوش بدر، وكانت أمّ
الأفضل إذ ذاك وهي عجوز لها سمت ووقار، تطوف كلّ يوم وفي الجمعة الجوامع والمساجد والرباطات والأسواق، وتستقص الأخبار، وتعلم محب ولدها الأفضل من مبغضه، وكان الأطفيحيّ قد سمع بخبرها، فجاءت يوم جمعة إلى مسجده وقالت له: يا سيدي ولدي في العسكر مع الأفضل، الله يأخذ لي الحق منه، فإني خائفة على ولدي، فادع الله لي أن يسلمه. فقال لها الشيخ: يا أمة الله أما تستحيين تدعين على سلطان الله في أرضه، المجاهد عن دينه، الله تعالى ينصره ويظفره ويسلّمه، ويسلم ولدك، ما هو إن شاء الله إلّا منصور مؤيد مظفر، كأنك به وقد فتح الإسكندرية وأسر أعداءه وأتى على أحسن قضية وأجمل طوية، فلا تشغلي لك سرّا، فما يكون إلّا خيرا إن شاء الله تعالى، ثم إنها اجتازت بعد ذلك بالفار الصيرفيّ بالقاهرة بالسرّاجين، وهو والد الأمير عبد الكريم الآمريّ صاحب السيف، وكان عبد الكريم قد ولي مصر بعد ذلك في الأيام الحافظية، وكان عبد الكريم هذا له في أيام الآمر وجاهة عظيمة وصولة، ثم افتقر.
فوقفت أمّ الأفضل على الصيرفيّ تصرف دينارا وتسمع ما يقول، لأنه كان إسماعيليا متغاليا، فقالت له: ولدي مع الأفضل؛ وما أدرى ما خبره. فقال لها الفار المذكور، لعن الله المذكور الأرمنيّ الكلب العبد السوء ابن العبد السوء، مضى يقاتل مولاه ومولى الخلق، كأنك والله يا عجوز برأسه جائزا من هاهنا على رمح قدّام مولاه نزار ومولاي ناصر الدولة إن شاء الله تعالى، والله يلطف بولدك، من قال لك تخليه يمضي مع هذا الكلب المنافق، وهو لا يعرف من هي.
ثم وقفت على ابن بابان الحلبيّ وكان بزازا بسوق القاهرة فقالت له مثل ما قالت للفار الصيرفيّ
…
وقال لها مثل ما قال لها. فلما أخذ الأفضل نزارا وناصر الدولة وفتح الإسكندرية، حدّثته والدته الحديث وقالت: إن كان لك أب بعد أمير الجيوش فهذا الشيخ الأطفيحيّ. فلما خلع عليه المستعلي بالقصر وعاد إلى دار الملك بمصر، اجتاز بالبزازين يوما، فلما نظر إلى ابن بابان الحلبيّ قال: انزلوا بهذا فنزلوا به، فقال: رأسه. فضربت عنقه تحت دكانه. ثم قال لعبد على أحد مقدّمي ركابه: قف هاهنا لا يضيع له شيء إلى أن يأتي أهله فيتسلموا قماشه، ثم وصل إلى دكان الفار الصيرفيّ فقال: انزلوا بهذا، فنزلوا به، فقال: رأسه. فضربت عنقه تحت دكانه. وقال ليوسف الأصغر أحد مقدّمي الركاب اجلس على حانوته إلى أن يأتي أهله ويتسلموا موجوده، وإياك وماله وصندوقه، وإن ضاع منه درهم ضربت عنقك مكانه، كان لنا خصم أخذناه وقد فعلنا به ما يردع غيره عن فعله، وما لنا ماله، ولا فقر أهله، ثم أتى الأفضل إلى الشيخ أبي طاهر الأطفيحيّ وقرّبه وخصصه إلى أن كان من أمره مما شرحناه.