الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رتّب عليه السلام بني إسرائيل الاثني عشر سبطا أربع فرق، وقدّم على جميعهم سبط يهوذا، فلم يزل سبط يهوذا مقدّما على سائر الأسباط أيام حياة موسى عليه السلام، وأيام حياة يوشع بن نون. فلما مات يوشع، سأل بنو إسرائيل الله تعالى وابتهلوا إليه في قبة الشمشار أن يقدّم عليهم واحدا منهم، فجاء الوحي من الله بتقديم عثنيئال بن قناز من سبط يهوذا، فتقدّم على سائر الأسباط، وصار بنو يهوذا مقدّمين على سائر الأسباط من حينئذ إلى أن ملّك الله على بني إسرائيل نبيه داود، وهو من سبط يهوذا، فورث ملك بني إسرائيل من بعده ابنه سلمان بن داود عليهما السلام. فلما مات سليمان افترق ملك بني إسرائيل من بعده، وصار لمدينة شمرون التي يقال لها اليوم نابلس عشرة أسباط، وبقي بمدينة القدس سبطان. هما سبط يهوذا وسبط بنيامين، وكان يقال لسكان شمرون بنو إسرائيل ويقال لسكان القدس بنو يهوذا، إلى أن انقرضت دولة بني إسرائيل من مدينة شمرون بعد مائتين وإحدى وخمسين سنة، فصاروا كلهم بالقدس تحت طاعة الملوك من بني يهودا، إلى أن قدم بخت نصر وخرّب القدس وجلا جميع بني إسرائيل إلى بابل، فعرفوا هناك بين الأمم ببني يهوذا، واستمرّ هذا سمة لهم بين الأمم بعد ذلك إلى أن جاء الله بالإسلام، فكان يقال للواحد منهم يهوذي بذال معجمة نسبة إلى سبط يهوذا، وتلاعب العرب بذلك على عادتهم في التلاعب بالأسماء المعجمة، وقالوها بدال مهملة، وسموا طائفة بني إسرائيل اليهود، وبهذه اللغة نزل القرآن، ويقال أنّ أوّل من سمّى بني إسرائيل اليهود بخت نصر، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
ذكر معتقد اليهود وكيف وقع عندهم التبديل
اعلم أن الله سبحانه لما أنزل التوراة على نبيه موسى عليه السلام، ضمنها شرائع الملة الموسوية، وأمر فيها أن يكتب لكلّ من يلي أمر بني إسرائيل كتاب يتضمن أحكام الشريعة لينظر فيه. ويعمل به، وسمي هذا الكتاب بالعبرانية مشنا، ومعناه استخراج الأحكام من النص الإلهيّ، وكتب موسى عليه السلام، بخط يده مشنا كأنه تفسير لما في التوراة من الكلام الإلهيّ، فلما مات موسى عليه السلام، وقام من بعده بأمر بني إسرائيل يوشع بن نون، ومن بعده إلى أن كانت أيام يهوياقيم ملك القدس، غزاهم بخت نصر الغزوة الأولى، وهم يكتبون لكل من ملكهم مشنا، ينقلونها من المشنا التي بخط موسى ويجعلونها باسمه، فلما جلا بخت نصر يهوياقيم الملك ومعه أعيان بني إسرائيل وكبراء بيت المقدس، وهم في زيادة على عشرة آلاف نفس، ساروا ومعهم نسخ المشنا التي كتبت لسائر ملوك بني إسرائيل بأجمعها إلى بلاد المشرق، فلما سار بخت نصر من باب الكرّة الثانية لغزو القدس، وخرّبه، وجلا جميع من فيه وفي بلاد بني إسرائيل من الأسباط الاثني عشر إلى باب أقاموا بها، وبقي القدس خرابا لا ساكن فيه مدّة سبعين سنة، ثم عادوا من بابل بعد سبعين سنة وعمروا القدس، وجدّدوا بناء البيت ثانيا ومعهم جميع نسخ المشنا التي خرجوا بها أوّلا.
فلما مضت من عمارة البيت الثاني بعد الجلاية ثلاثمائة ونيف من السنين، اختلف بنو إسرائيل في دينهم اختلافا كثيرا، فخرج طائفة من آل داود عليه السلام من بيت المقدس وساروا إلى الشرق، كما فعل آباؤهم أوّلا، وأخذوا معهم نسخا من المشنا التي كتبت للملوك من مشنا موسى التي بخطه، وعملوا بما فيها ببلاد الشرق، من حين خرجوا من القدس إلى أن جاء الله بدين الإسلام، وقدم عانان رأس الجالوت من المشرق إلى العراق في خلافة أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور، سنة ست وثلاثين ومائة من سني الهجرة المحمدية.
وأما الذين أقاموا بالقدس من بني إسرائيل بعد خروج من ذكرنا إلى الشرق من آل داود، فإنهم لم يزالوا في افتراق واختلاف في دينهم إلى أن غزاهم طيطش، وخرّب القدس الخراب الثاني بعد قتل يحيى بن زكريا ورفع المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام، وسبى جميع من فيه وفي بلاد بني إسرائيل بأسرهم، وغيب نسخ المشنا التي كانت عندهم، بحيث لم يبق معهم من كتب الشريعة سوى التوراة، وكتب الأنبياء، وتفرّق بنو إسرائيل من وقت تخريب طيطش بيت المقدس في أقطار الأرض، وصاروا ذمّة إلى يومنا هذا، ثم إن رجلين ممن تأخروا إلى قبيل تخريب القدس يقال لهما شماي وهلال، نزلا مدينة طبرية وكتبا كتابا سمياه مشنا، باسم مشنا موسى عليه السلام، وضمنا هذا المشنا الذي وضعاه أحكام الشريعة، ووافقهما على وضع ذلك عدّة من اليهود، وكان شماي وهلال في زمن واحد، وكانا في أواخر مدّة تخريب البيت الثاني، وكان لهلال ثمانون تلميذا، أصغرهم يوحانان بن زكاي، وأدرك يوحانان بن زكاي خراب البيت الثاني على يد طيطش، وهلال وشماي أقوالهما مذكورة في المشنا، وهي في ستة أسفار تشتمل على فقه التوراة، وإنما رتبها النوسيّ من ولد داود النبيّ بعد تخريب طيطش للقدس بمائة وخمسين سنة، ومات شماي وهلال ولم يكملا المشنا فأكمله رجل منهم يعرف بيهودا من ذرية هلال وحمل اليهود على العمل بما في هذا المشنا، وحقيقته أنه يتضمن كثيرا مما كان في مشنا النبيّ موسى عليه السلام، وكثيرا من آراء أكابرهم. فلما كان بعد وضع هذا المشنا بنحو خمسين سنة، قام طائفة من اليهود يقال لهم السنهدوين، ومعنى ذلك الأكابر، وتصرّفوا في تفسير هذا المشنا برأيهم، وعملوا عليه كتابا اسمه التلمود، أخفوا فيه كثيرا مما كان في ذلك المشنا، وزادوا فيه أحكاما من رأيهم، وصاروا منذ وضع هذا التلمود الذي كتبوه بأيديهم وضمنوه ما هو من رأيهم ينسبون ما فيه إلى الله تعالى، ولذلك ذمّهم الله في القرآن الكريم بقوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ
[البقرة/ 79] وهذا التلمود نسختان مختلفتان في الأحكام، والعمل إلى اليوم على هذا التلمود عند فرقة الربانيين بخلاف القرّائين، فإنهم لا