المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌جامع القرافة هذا الجامع يعرف الآن بجامع الأولياء، وهو القرافة الكبرى، - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار - جـ ٤

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌ذكر المساجد الجامعة

- ‌ذكر الجوامع

- ‌الجامع العتيق

- ‌ذكر المحاريب التي بديار مصر وسبب اختلافها وتعيين الصواب فيها وتبيين الخطأ منها

- ‌جامع العسكر

- ‌ذكر العسكر

- ‌ جامع ابن طولون

- ‌ذكر دار الإمارة

- ‌ذكر الأذان بمصر وما كان فيه من الاختلاف

- ‌الجامع الأزهر

- ‌جامع الحاكم

- ‌جامع راشدة

- ‌جامع المقس

- ‌جامع الفيلة

- ‌جامع المقياس

- ‌الجامع الأقمر

- ‌جامع الظافر

- ‌جامع الصالح

- ‌ذكر الأحباس وما كان يعمل فيها

- ‌الجامع بجوار تربة الشافعيّ بالقرافة

- ‌جامع محمود بالقرافة

- ‌جامع الروضة بقلعة جزيرة الفسطاط

- ‌جامع غين بالروضة

- ‌جامع الأفرم

- ‌الجامع بمنشأة المهرانيّ

- ‌جامع دير الطين

- ‌جامع الظاهر

- ‌جامع ابن اللبان

- ‌الجامع الطيبرسيّ

- ‌الجامع الجديد الناصريّ

- ‌الجامع بالمشهد النفيسيّ

- ‌جامع الأمير حسين

- ‌جامع الماس

- ‌جامع قوصون

- ‌جامع الماردانيّ

- ‌جامع أصلم

- ‌جامع بشتاك

- ‌‌‌جامع آق سنقر

- ‌جامع آق سنقر

- ‌جامع آل ملك

- ‌جامع الفخر

- ‌جامع نائب الكرك

- ‌جامع الخطيريّ ببولاق

- ‌جامع قيدان

- ‌جامع الست حدق

- ‌جامع ابن غازي

- ‌جامع التركمانيّ

- ‌جامع شيخو

- ‌جامع الجاكيّ

- ‌جامع التوبة

- ‌جامع صاروجا

- ‌جامع الطباخ

- ‌جامع الأسيوطيّ

- ‌جامع الملك الناصر حسن

- ‌جامع القرافة

- ‌جامع الجيزة

- ‌جامع منجك

- ‌الجامع الأخضر

- ‌جامع البكجريّ

- ‌جامع السروجيّ

- ‌جامع كرجي

- ‌جامع الفاخريّ

- ‌جامع ابن عبد الظاهر

- ‌جامع كراي

- ‌جامع القلعة

- ‌جامع قوصون

- ‌جامع كوم الريش

- ‌جامع الجزيرة الوسطى

- ‌جامع ابن صارم

- ‌جامع الكيمختي

- ‌جامع الست مسكة

- ‌جامع ابن الفلك

- ‌جامع التكروريّ

- ‌جامع البرقية

- ‌جامع الحرّانيّ

- ‌جامع بركة

- ‌جامع بركة الرطليّ

- ‌جامع الضوة

- ‌ جامع

- ‌جامع الحوش

- ‌جامع الاصطبل

- ‌جامع ابن التركمانيّ»

- ‌جامع الباسطيّ

- ‌جامع الحنفيّ

- ‌جامع ابن الرفعة

- ‌جامع الإسماعيليّ

- ‌جامع الزاهد

- ‌جامع ابن المغربيّ

- ‌جامع الفخريّ

- ‌الجامع المؤيدي

- ‌الجامع الأشرفيّ

- ‌الجامع الباسطيّ

- ‌ذكر مذاهب أهل مصر ونحلهم منذ افتتح عمرو بن العاص رضي الله عنه أرض مصر إلى أن صاروا إلى اعتقاد مذاهب الأئمة رحمهم الله تعالى، وما كان من الأحداث في ذلك

- ‌ذكر فرق الخليقة واختلاف عقائدها وتباينها

- ‌ذكر الحال في عقائد أهل الإسلام، منذ ابتداء الملة الإسلامية إلى أن انتشر مذهب الأشعرية

- ‌ذكر المدارس

- ‌ المدرسة الناصرية

- ‌المدرسة القمحية

- ‌مدرسة يازكوج

- ‌مدرسة ابن الأرسوفيّ

- ‌مدرسة منازل العز

- ‌مدرسة العادل

- ‌مدرسة ابن رشيق

- ‌المدرسة الفائزية

- ‌المدرسة القطبية

- ‌المدرسة السيوفية

- ‌المدرسة الفاضلية

- ‌المدرسة الأزكشية

- ‌المدرسة الفخرية

- ‌المدرسة السيفية

- ‌المدرسة العاشورية

- ‌ المدرسة القطبية

- ‌المدرسة الخرّوبية

- ‌مدرسة المحليّ

- ‌المدرسة الفارقانية

- ‌المدرسة المهذبية

- ‌‌‌المدرسة الخرّوبية

- ‌المدرسة الخرّوبية

- ‌المدرسة الصاحبية البهائية

- ‌المدرسة الصاحبية

- ‌المدرسة الشريفية

- ‌المدرسة الصالحية

- ‌المدرسة الكاملية

- ‌المدرسة الصيرمية

- ‌المدرسة المسرورية

- ‌المدرسة القوصية

- ‌المدرسة المنصورية

- ‌المدرسة الحجازية

- ‌المدرسة الطيبرسية

- ‌المدرسة الأقبغاوية

- ‌المدرسة الحسامية

- ‌المدرسة المنكوتمرية

- ‌المدرسة القراسنقرية

- ‌المدرسة الغزنوية

- ‌المدرسة البوبكرية

- ‌المدرسة البقرية

- ‌المدرسة القطبية

- ‌مدرسة ابن المغربيّ

- ‌المدرسة البيدرية

- ‌المدرسة البديرية

- ‌المدرسة الملكية

- ‌المدرسة الجمالية

- ‌المدرسة الفارسية

- ‌المدرسة السابقية

- ‌المدرسة القيسرانية

- ‌المدرسة الزمامية

- ‌المدرسة الصغيرة

- ‌مدرسة تربة أمّ الصالح

- ‌مدرسة ابن عرّام

- ‌المدرسة المحمودية

- ‌المدرسة المهذبية

- ‌المدرسة السعدية

- ‌المدرسة الطفجية

- ‌المدرسة الجاولية

- ‌المدرسة الفارقانية

- ‌المدرسة البشيرية

- ‌المدرسة المهمندارية

- ‌مدرسة ألجاي

- ‌مدرسة أمّ السلطان

- ‌المدرسة الأيتمشية

- ‌المدرسة المجدية الخليلية

- ‌المدرسة الناصرية بالقرافة

- ‌المدرسة المسلمية

- ‌مدرسة اينال

- ‌مدرسة الأمير جمال الدين الأستادار

- ‌المدرسة الصرغتمشية

- ‌ذكر المارستانات

- ‌مارستان ابن طولون

- ‌مارستان كافور

- ‌مارستان المغافر

- ‌المارستان الكبير المنصوريّ

- ‌المارستان المؤيدي

- ‌ذكر المساجد

- ‌المسجد بجوار دير البعل

- ‌مسجد ابن الجباس

- ‌مسجد ابن البناء

- ‌مسجد الحلبيين

- ‌مسجد الكافوريّ

- ‌مسجد رشيد

- ‌المسجد المعروف بزرع النوى

- ‌مسجد الذخيرة

- ‌مسجد رسلان

- ‌مسجد ابن الشيخيّ

- ‌مسجد يانس

- ‌مسجد باب الخوخة

- ‌المسجد المعروف بمعبد موسى

- ‌مسجد نجم الدين

- ‌مسجد صواب

- ‌المسجد بجوار المشهد الحسينيّ

- ‌مسجد الفجل

- ‌مسجد تبر

- ‌مسجد القطبية

- ‌ذكر الخوانك

- ‌الخانكاه الصلاحية، دار سعيد السعداء، دويرة الصوفية

- ‌خانقاه ركن الدين بيبرس

- ‌الخانقاه الجمالية

- ‌الخانقاه الظاهرية

- ‌الخانقاه الشرابيشية

- ‌الخانقاه المهمندارية

- ‌خانقاه بشتاك

- ‌خانقاه ابن غراب

- ‌الخانقاه البندقدارية

- ‌خانقاه شيخو

- ‌الخانقاه الجاولية

- ‌خانقاه الجيبغا المظفري

- ‌خانقاه سرياقوس

- ‌خانقاه أرسلان

- ‌خانقاه بكتمر

- ‌خانقاه قوصون

- ‌خانقاه طغاي النجميّ

- ‌خانقاه أمّ أنوك

- ‌خانقاه يونس

- ‌خانقاه طيبرس

- ‌خانقاه أقبغا

- ‌الخانقاه الخروبية

- ‌ذكر الربط

- ‌رباط الصاحب

- ‌رباط الفخري

- ‌رباط البغدادية

- ‌رباط الست كليلة

- ‌رباط الخازن

- ‌الرباط المعروف برواق ابن سليمان

- ‌رباط داود بن إبراهيم

- ‌رباط ابن أبي المنصور

- ‌رباط المشتهى

- ‌رباط الآثار

- ‌رباط الأفرم

- ‌الرباط العلائي

- ‌ذكر الزوايا

- ‌زاوية الدمياطيّ

- ‌زاوية الشيخ خضر

- ‌زاوية ابن منظور

- ‌زاوية الظاهري

- ‌زاوية الجميزة

- ‌زاوية الحلاوي

- ‌زاوية نصر

- ‌زاوية الخدّام

- ‌زاوية تقي الدين

- ‌زاوية الشريف مهدي

- ‌زاوية الطراطرية

- ‌زاوية القلندرية

- ‌قبة النصر

- ‌زاوية الركراكي

- ‌زاوية إبراهيم الصائغ

- ‌زاوية الجعبري

- ‌زاوية أبي السعود

- ‌زاوية الحمصي

- ‌زاوية المغربل

- ‌زاوية القصري

- ‌زاوية الجاكي

- ‌زاوية الأبناسيّ

- ‌زاوية اليونسية

- ‌زاوية الخلاطي

- ‌الزاوية العدوية

- ‌زاوية السدّار

- ‌ذكر المشاهد التي يتبرّك الناس بزيارتها مشهد زين العابدين

- ‌مشهد السيدة نفيسة

- ‌مشهد السيدة كلثوم

- ‌سنا وثنا

- ‌ذكر مقابر مصر والقاهرة المشهورة

- ‌ذكر القرافة

- ‌ذكر المساجد الشهيرة بالقرافة الكبيرة

- ‌مسجد الأقدام

- ‌مسجد الرصد

- ‌مسجد شقيق الملك

- ‌مسجد الانطاكيّ

- ‌مسجد النارنج

- ‌مسجد الأندلس

- ‌مسجد البقعة

- ‌مسجد الفتح

- ‌مسجد أمّ عباس جهة العادل بن السلار

- ‌مسجد الصالح

- ‌مسجد وليّ عهد أمير المؤمنين

- ‌مسجد الرحمة

- ‌مسجد مكنون

- ‌مسجد جهة ريحان

- ‌مسجد جهة بيان

- ‌مسجد توبة

- ‌مسجد دري

- ‌مسجد ست غزال

- ‌مسجد رياض

- ‌مسجد عظيم الدولة

- ‌مسجد أبي صادق

- ‌مسجد الفرّاش

- ‌مسجد تاج الملوك

- ‌مسجد الثمار

- ‌مسجد الحجر

- ‌مسجد القاضي يونس

- ‌مسجد الوزيرية

- ‌مسجد ابن العكر

- ‌مسجد ابن كباس

- ‌مسجد الشهمية

- ‌مسجد زنكادة

- ‌جامع القرافة

- ‌مسجد الأطفيحيّ

- ‌مسجد الزيات

- ‌ذكر الجواسيق التي بالقرافة

- ‌ذكر الرباطات التي كانت بالقرافة

- ‌ذكر المصلّيات والمحاريب التي بالقرافة

- ‌ذكر المساجد والمعابد التي بالجبل والصحراء

- ‌ذكر الأحواض والآبار التي بالقرافة

- ‌ذكر الآبار التي ببركة الحبش والقرافة

- ‌ذكر السبعة التي تزار بالقرافة

- ‌ذكر المقابر خارج باب النصر

- ‌ذكر كنائس اليهود

- ‌ذكر تاريخ اليهود وأعيادهم

- ‌ذكر معنى قولهم يهودي

- ‌ذكر معتقد اليهود وكيف وقع عندهم التبديل

- ‌ذكر فرق اليهود الآن

- ‌ذكر قبط مصر ودياناتهم القديمة، وكيف تنصروا ثم صاروا ذمّة للمسلمين، وما كان لهم في ذلك من القصص والأنباء، وذكر الخبر عن كنائسهم ودياراتهم، وكيف كان ابتداؤها ومصير أمرها

- ‌ذكر ديانة القبط قبل تنصرهم

- ‌ذكر دخول قبط مصر في دين النصرانية

- ‌ذكر دخول النصارى من قبط مصر في طاعة المسلمين وأدائهم الجزية، واتخاذهم ذمّة لهم، وما كان في ذلك من الحوادث والأنباء

- ‌ذكر ديارات النصارى

- ‌أديرة أدرنكة

- ‌ذكر كنائس النصارى

- ‌وأما الوجه البحريّ:

الفصل: ‌ ‌جامع القرافة هذا الجامع يعرف الآن بجامع الأولياء، وهو القرافة الكبرى،

‌جامع القرافة

هذا الجامع يعرف الآن بجامع الأولياء، وهو القرافة الكبرى، وكان موضعه يعرف في القديم عند فتح مصر بخطة المغافر، وهو مسجد بني عبد الله بن مانع بن مورع يعرف بمسجد القبة. قال القضاعيّ: كان القرّاء يحضرون فيه، ثم بني عليه المسجد الجامع الجديد، بنته السيدة المعزية في سنة ست وستين وثلاثمائة وهي أمّ العزيز بالله نزار ولد المعز لدين الله، أمّ ولد من العرب يقال لها تغريد، وتدعى درزان، وبنته على يد الحسن بن عبد العزيز الفارسيّ المحتسب في شهر رمضان من السنة المذكورة، وهو على نحو بناء الجامع الأزهر بالقاهرة، وكان بهذا الجامع بستان لطيف في غربيه وصهريج، وبابه الذي يدخل منه ذو المصاطب الكبير الأوسط تحت المنار العالي الذي عليه مصفح بالحديد إلى حضرة المحراب، والمقصورة من عدّة أبواب، وعدّتها أربعة عشر بابا مربعة مطوّبة الأبواب، قدّام كلّ باب قنطرة قوس على عمودي رخام ثلاثة صفوف، وهو مكندج مزوّق باللازورد والزنجفر والزنجار وأنواع الأصباغ، وفيه مواضع مدهونة، والسقوف مزوّقة ملوّنة كلها، والحنايا والعقود التي على العمد مزوّقة بأنواع الأصباغ من صنعة البصريين وبني المعلم المزوّقين شيوخ الكتاميّ والنازوك، وكان قبالة الباب السابع من هذه الأبواب قنطرة قوس مزوّقة في منحنى حافتيها شاذوران مدرّج بدرج وآلات سود وبيض وحمر وخضر وزرق وصفر، إذا تطلع إليها من وقف في سهم قوسها شائلا رأسه إليها ظنّ أن المدرّج المزوّق كأنه خشب كالمقرنص، وإذا أتى إلى أحد قطري القوس نصف الدائرة ووقف عند أوّل القوس منها ورفع رأسه، رأى ذلك الذي توهمه مسطحا لا نتوء فيه، وهذه من أفخر الصنائع عند المزوّقين، وكانت هذه القنطرة من صنعة بني المعلم، وكان الصناع يأتون إليها ليعملوا مثلها، فما يقدرون، وقد جرى مثل ذلك للقصير وابن عزيز في أيام البازوريّ سيد الوزراء الحسن بن عليّ بن عبد الرحمن، وكان كثيرا ما يحرّض بينهما ويغري بعضهما على بعض لانه كان أحبّ ما إليه كتاب مصوّرا، أو النظر إلى صورة، أو تزويق.

ولما استدعي ابن عزيز من العراق فأفسده، وكان قد أتى به في محاربة القصير لأنّ القصير كان يشتط في أجرته ويلحق عجب فيه صنعته، وهو حقيق بذلك لأنه في عمل الصورة كابن مقلة في الخط، وابن عزيز كابن البوّاب، وقد أمعن شرح ذلك في الكتاب المؤلف فيه، وهو طبقات المصوّرين المنعوت، بضوء النبراس وأنس الجلاس في أخبار المزوّقين من الناس، وكان البازوريّ قد أحضر بمجلسه القصير وابن عزيز فقال ابن عزيز:

أنا أصوّر صورة إذا رآها الناظر ظنّ أنها خارجة من الحائط. فقال القصير: لكن أنا أصوّرها فإذا نظرها الناظر ظنّ أنها داخلة في الحائط، فقالوا هذا أعجب، فأمرهما أن يصنعا ما وعدا به، فصوّرا صورة راقصتين في صورة حنيتين مدهونتين متقابلتين، هذه ترى كأنها داخلة في الحائط، وتلك ترى كأنها خارجه من الحائط، فصوّر القصير راقصة بثياب بيض في صورة

ص: 125

حنية دهنها أسود كأنها داخلة في صورة الحنية، وصوّر ابن عزيز راقصة بثياب حمر في صورة جنية صفراء كأنها بارزة من الحنية، فاستحسن البازوريّ ذلك وخلع عليهما ووهبهما كثيرا من الذهب.

وكان بدار النعمان بالقرافة من عمل الكتاميّ صورة يوسف عليه السلام في الجب وهو عريان، والجب كله أسود، إذا نظره الإنسان ظنّ أن جسمه باب من دهن لون الجبّ، وكان هذا الجامع من محاسن البناء، وكان بنو الجوهريّ، يعظمون بهذا الجامع على كرسيّ في الثلاثة أشهر، فتمرّ لهم مجالس مبجلة تروق وتشوق، ويقوم خادمهم وزهر البان، وهو شيخ كبير ومعه زنجلة إذا توسط أحدهم في الوعظ ويقول:

وتصدّقي لا تأمني أن تسألي

فإذا سالت عرفت ذلّ السائل

ويدور على الرجال والنساء فيلقى له في الزنجلة ما يسره الله تعالى، فإذا فرغ من التطواف وضع الزنجلة أمام الشيخ، فإذا فرغ من وعظه فرّق على الفقراء ما قسم لهم، وأخذ الشيخ ما قسم له، وهو الباقي، ونزل عن الكرسيّ. وكان جماعة من الرؤساء يلزمون النوم بهذا الجامع ويجلسون به في ليالي الصيف للحديث في القمر في صحنه، وفي الشتاء ينامون عند المنبر، وكان يحصل لقيمه القاضي أبي حفص الأشربة والحلوى وغير ذلك.

قال الشريف محمد بن أسعد الجوّانيّ النسابة: حدّثني الأمير أبو عليّ تاج الملك جوهر المعروف بالشمس الجيوشيّ قال: اجتمعنا ليلة جمعة جماعة من الأمراء، بنو معز الدولة، وصالح، وحاتم، وراجح، وأولادهم، وغلمانهم، وجماعة ممن يلوذ بنا، كابن الموفق والقاضي ابن داود، وأبي المجد بن الصيرفيّ، وأبي الفضل روزبة، وأبي الحسن الرضيع، فعملنا سماطا وجلسنا واستدعينا بمن في الجامع وأبي حفص، فأكلنا ورفعنا الباقي إلى بيت الشيخ أبي حفص قيم الجامع، ثم تحدّثنا ونمنا، وكانت ليلة باردة، فنمنا عند المنبر وإذا إنسان نصف الليل ممن نام في هذا الجامع من عابري السبيل قد قام قائما وهو يلطم على رأسه ويصيح وامالاه وا مالاه، فقلنا له: ويلك ما شأنك وما الذي دهاك ومن سرقك وما سرق لك؟ فقال: يا سيدي أنا رجل من أهل طرا يقال لي أبو كريت الحاوي، أمسى عليّ الليل ونمت عندكم وأكلت من خيركم، وسع الله عليكم، ولي جمعة أجمع في سلتي من نواحي طرا والحيّ الكبير والجبل، كل غريبة من الحيات والأفاعي ما لم يقدر عليه قط حاو غيري، وقد انفتحت الساعة السلة وخرجت الأفاعي وأنا نائم لم أشعر. فقلت له:

إيش تقول: فقال: أي والله يا للنجدات، فقلنا: يا عدوّ الله أهلكتنا ومعنا صبيان وأطفال؟ ثم إنّا نبهنا الناس وهربنا إلى المنبر وطلعنا وازدحمنا فيه، ومنا من طلع على قواعد العمد فتسلق وبقي واقفا، وأخذ ذلك الحاوي يحسس وفي يده كنف الحيات ويقول: قبضت الرقطاء، ثم يفتح السلة ويضع فيها، ثم يقول قبضت أم قرنين ويفتح ويضع فيها، ويقول قبضت الفلانيّ والفلانية من الثعابين والحيات وهي معه بأسماء، ويقول أبو تليس وأبو زعير

ص: 126

ونحن ونقول ايه؟ إلى أن قال: بس انزلوا ما بقي عليّ همّ، ما بقي يهمكم كبير شيء، قلنا كيف؟ قال ما بقي إلّا البتراء ورأسين انزلوا، فما عليكم منهما. قلنا كذا عليك لعنة الله يا عدوّ الله لا نزلنا للصبح فالمغرور من تغرّه. وصحنا بالقاضي أبي حفص القيم فأوقد الشمعة ولبس صباغات الخطيب خوفا على رجليه، وجاء فنزلنا في الضوء وطلعنا المئذنة فنمنا إلى بكرة، وتفرّق شملنا بعد تلك الليلة، وجمع القاضي القيم عياله ثاني يوم وأدخلوا عصيا تحت المنبر وسعفا وشالوا الحصر فلم يظهر لهم شيء، وبلغ الحديث والي القرافة ابن شعلة الكتاميّ، فأخذ الحاوي فلم يزل به حتى جمع ما قدر عليه وقال: ما أخليه إلّا إلى السلطان، وكان الوزير إذ ذاك يانس الأرمنيّ.

وهذه القضية تشبه قضية جرت لجعفر بن الفضل بن الفرات وزير مصر المعروف بابن جرابة، وذلك أنه كان يهوى النظر إلى الحيات والأفاعي والعقارب وأم أربعة وأربعين وما يجري هذا المجرى من الحشرات، وكان في داره قاعة لطيفة مرخمة فيها سلل الحيات ولها قيم فرّاش حاو من الحواة، ومعه مستخدمون برسم الخدمة ونقل السلال وحطها، وكان كلّ حاو في مصر وأعمالها يصيد ما يقدر عليه من الحيات، ويتباهون في ذوات العجب من أجناسها، وفي الكبار وفي الغريبة المنظر، وكان الوزير يثبهم على ذلك أو في ثواب، ويبذل لهم الجمل حتى يجتهدوا في تحصيلها، وكان له وقت يجلس فيه على دكه مرتفعة ويدخل المستخدمون والحواة فيخرجون ما في السلل ويطرحونه على ذلك الرخام، ويحرّشون بين الهوام وهو يتعجب من ذلك ويستحسنه، فلما كان ذات يوم أنفذ رقعة إلى الشيخ الجليل ابن المدبر الكاتب وكان من أعيان كتاب أيامه وديوانه، وكان عزيزا عنده، وكان يسكن إلى جوار دار ابن الفرات يقول له فيها: نشعر الشيخ الجليل أدام الله سلامته، أنه لما كان البارحة عرض علينا الحواة الحشرات الجاري بها العادات، انساب إلى داره منها الحية البتراء، وذات القرنين، والعقربان الكبير، وأبو صوفة، وما حصلوا لنا إلّا بعد عناء ومشقة وبجملة بذلناها للحواة، ونحن نأمر الشيخ وفقه الله بالتقدّم إلى حاشيته وصبيته بصون ما وجد منها إلى أن تنفذ الحواة لأخذها وردّها إلى سللها، فلما وقف ابن المدبر على الرقعة قلبها وكتب في ذيلها، أتاني أمر سيدنا الوزير خلد الله نعمته وحرس مدّته بما أشار إليه في أمر الحشرات، والذي يعتمد عليه في ذلك أن الطلاق يلزمه ثلاثا إن بات هو وأحد من أهله في الدار والسلام.

وفي سنة ست عشرة وخمسائة أمر الوزير أبو عبد الله محمد بن فاتك المنعوت بالأجلّ المأمون البطائحيّ، وكيله أبا البركات محمد بن عثمان، برمّ شعث هذا الجامع وأن يعمر بجانبه طاحونا للسبيل، ويبتاع لها الدواب ويتخير من الصالحين الساكنين بالقرافة من يجعله أمينا عليها، ويطلق له ما يكفيه مع علف الدواب وجميع المؤن، ويشترط عليه أن يواسي بين الضعفاء ويحمل عنهم كلفة طحن أقواتهم، ويؤدّي الأمانة فيها، ولم يزل هذا

ص: 127