الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جامع المقياس
هذا الجامع بجوار مقياس النيل من جزيرة الفسطاط أنشأه
…
«1» .
الجامع الأقمر
قال ابن عبد الظاهر: كان مكانه علافون، والحوض مكان المنظرة، فتحدث الخليفة الآمر مع الوزير المأمون بن البطائحيّ في إنشائه جامعا، فلم يترك قدّام القصر دكانا، وبني تحت الجامع المذكور في أيامه دكاكين ومخازن من جهة باب الفتوح، لا من صوب القصر، وكمل الجامع المذكور في أيامه، وذلك في سنة تسع عشرة وخمسمائة، وذكر أن اسم الآمر والمأمون عليه. وقال غيره: واشترى له حمّام شمول ودار النحاس بمصر، وحبسهما على سدنته ووقود مصابيحه ومن يتولى أمره ويؤذن فيه، وما زال اسم المأمون والآمر على لوح فوق المحراب، وفيه تجديد الملك الظاهر بيبرس للجامع المذكور، ولم تكن فيه خطبة، لكنّه يعرف بالجامع الأقمر. فلما كان في شهر رجب سنة تسع وتسعين وسبعمائة، جدّده الأمير الوزير المشير الأستادار يلبغا بن عبد الله السالميّ، أحد المماليك الظاهرية، وأنشأ بظاهر بابه البحريّ حوانيت يعلوها طباق، وجدّد في صحن الجامع بركة لطيفة يصل إليها الماء من ساقية، وجعلها مرتفعة ينزل منها الماء إلى من يتوضأ من بزابيز نحاس، ونصب فيه منبرا، فكانت أوّل جمعة جمعت فيه رابع شهر رمضان من السنة المذكورة، وخطب فيه شهاب الدين أحمد بن موسى الحلبيّ أحد نوّاب القضاة الحنفية، وأرتج عليه، واستمرّ إلى أن مات في سابع عشري شهر ربيع الأول سنة إحدى وثمانمائة، وبني على يمنة المحراب البحريّ مئذنة، وبيّض الجامع كله ودهن صدره بلازورد وذهب. فقلت له: قد أعجبني ما صنعت بهذا الجامع ما خلا تجديد الخطبة فيه وعمل بركة الماء. فإنّ الخطبة غير محتاج إليها هاهنا لقرب الخطب من هذا الجامع، وبركة الماء تضيق الصحن. وقد أنشأت ميضأة بجوار بابه الذي من جهة الركن المخلق، فاحتجّ لعمل المنبر بأن ابن الطوير قال فيه كتاب نزهة المقلتين في أخبار الدولتين، عند ذكر جلوس الخليفة في المواليد الستة: ويقدّم خطيب الجامع الأزهر فيخطب كذلك، ثم يحضر خطيب الجامع الأقمر فيخطب كذلك. قال: فهذا أمر قد كان في الدولة الفاطمية، وما أنا بالذي أحدثته، وأما البركة ففيها عون على الصلاة لقربها من المصلين، وجعل فوق المحراب لوحا مكتوبا فيه ما كان فيه أوّلا، وذكر فيه تجديده لهذا الجامع، ورسم فيه نعوته وألقابه، وجدّد أيضا حوض هذا الجامع الذي تشرب منه الدواب، وهو في ظهر الجامع تجاه الركن المخلق، وبئر هذا الجامع قديمة قبل الملة الإسلامية، كانت في دير من ديارات النصارى بهذا الموضع.
فلما قدم القائد جوهر بجيوش المعز لدين الله في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة أدخل هذا الدير في القصر، وهو موضع الركن المخلق تجاه الحوض المذكور، وجعل هذه البئر مما ينتفع به في القصر، وهي تعرف ببئر العظام، وذلك أن جوهر انقل من الدير المذكور عظاما كانت فيه من رمم قوم يقال أنهم من الحواريين، فسميت بئر العظام، والعامّة تقول إلى اليوم بئر المعظمة، وهي بئر كبيرة في غاية السعة، وأوّل ما أعرف من إضافتها إلى الجامع الأقمر، أنّ العماد الدمياطيّ ركب على فوهتها هذه المحال التي بها الآن، وهي من جيد المحال، وكان تركيبها بعد السبعمائة في أيام قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن جماعة الشافعيّ، وبهذا الجامع درس من قديم الزمان، ولم تزل مئذنته التي جدّدها السالميّ والبركة إلى سنة خمس عشرة وثمانمائة، فولي نظر الجامع بعض الفقهاء، فرأى هدم المئذنة من أجل ميل حدث بها، فهدمها وأبطل الماء من البركة لإفساد الماء بمروره جدار الجامع القبليّ، والخطبة قائمة به إلى الآن.
الآمر بأحكام الله: أبو عليّ المنصور بن المستعلي بالله أبي القاسم أحمد بن المستنصر بالله أبي تميم معدّ بن الظاهر لاعزاز دين الله أبي الحسن عليّ بن الحاكم بأمر الله أبي عليّ منصور، ولد يوم الثلاثاء ثالث عشر المحرّم سنة تسعين وأربعمائة، وبويع له بالخلافة يوم مات أبوه وهو طفل له من العمر خمس سنين وأشهر وأيام، في يوم الثلاثاء سابع عشر صفر سنة خمس وتسعين، أحضره الأفضل بن أمير الجيوش وبايع له ونصبه مكان أبيه، ونعته بالآمر بأحكام الله، وركب الأفضل فرسا وجعل في السرج شيئا وأركبه عليه لينمو شخص الآمر، وصار ظهره في حجر الأفضل، فلم يزل تحت حجره حتى قتل الأفضل ليلة عيد الفطر سنة خمس عشرة وخمسمائة، فاستوزر بعده القائد أبا عبد الله محمد بن فاتك البطائحيّ، ولقّبه بالمأمون، فقام بأمر دولته إلى أن قبض عليه في ليلة السبت رابع شهر رمضان سنة تسع عشرة وخمسمائة، فتفرّغ الآمر لنفسه ولم يبق له ضدّ ولا مزاحم، وبقي بغير وزير، وأقام صاحبي ديوان أحدهما جعفر بن عبد المنعم، والآخر سامريّ يقال له أبو يعقوب إبراهيم، ومعهما مستوف يعرف بابن أبي نجاح كان راهبا، ثم تحكم هذا الراهب في الناس وتمكن من الدواوين، فابتدأ في مطالبة النصارى، وحقق في جهاتهم الأموال وحملها أوّلا فأوّلا، ثم أخذ في مصادرة بقية المباشرين والمعاملين والضمناء والعمال، وزاد إلى أن عمّ ضرره جميع الرؤساء والقضاة والكتاب والسوقة، بحيث لم يخل أحد من ضرره.
فلما تفاقم أمره قبض عليه الآمر وضرب بالنعال حتى مات بالشرطة، فجر إلى كرسيّ الجسر وسمّر على لوح وطرح في النيل، وحذف حتى خرج إلى البحر الملح. فلما كان يوم الثلاثاء رابع عشر ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وثب جماعة على الآمر وقتلوه، كما ذكر عند خبر الهودج، وكان كريما سمحا إلى الغاية، كثير النزهة محبا للمال والزينة، وكانت أيامه كلها لهوا وعيشة راضية لكثرة عطائه وعطاء حواشيه، بحيث لم يوجد بمصر
والقاهرة إذ ذاك من يشكو زمانه البتة إلى أن نكّد بالراهب على الناس، فقبحت سيرته وكثر ظلمه واغتصابه للأموال.
وفي أيامه ملك الفرنج كثيرا من المعاقل والحصون بسواحل الشام، فملكت عكافي شعبان سنة سبع وتسعين، وغزة في رجب سنة اثنتين وخمسمائة، وطرابلس في ذي الحجة منها، وبانياس وجبيل وقلعة تبنين فيها أيضا، وملكوا صور في سنة ثمان عشرة وخمسمائة، وكثرت المرافعات في أيامه، وأحدثت رسوم لم تكن، وعمر الهودج بالروضة، ودكة ببركة الحبش، وعمر تنيس ودمياط، وجدّد قصر القرافة، وكانت نفسه تحدّثه بالسفر والغارة إلى بغداد، ومن شعره في ذلك:
دع اللوم عني لست مني بموثق
…
فلا بدّلي من صدمة المتحقق
وأسقي جيادي من فرات ودجلة
…
وأجمع شمل الدين بعد التفرّق
وقال:
أما والذي حجت إلى ركن بيته
…
جراثيم ركبان مقلدة شهبا
لاقتحمنّ الحرب حتى يقال لي
…
ملكت زمام الحرب فاعتزل الحربا
وينزل روح الله عيسى ابن مريم
…
فيرضى بنا صحبا ونرضى به صحبا
وكان أسمر شديد السمرة، يحفظ القرآن ويكتب خطا ضعيفا، وهو الذي جدّد رسوم الدولة وأعاد إليها بهجتها بعد ما كان الأفضل أبطل ذلك، ونقل الدواوين والأسمطة من القصر بالقاهرة إلى دار الملك بمصر، كما ذكر هناك. وقضاته ابن ذكا النابلسيّ، ثم نعمة الله بن بشير، ثم الرشيد محمد بن قاسم الصقليّ، ثم الجليس بن نعمة الله بن بشير النابلسيّ، ثم صرفه ثانيا بمسلم بن الرسغيّ، وعزله بأبي الحجاج يوسف بن أيوب المغربيّ، ثم مات فولى محمد بن هبة الله بن ميسر، وكتاب إنشائه سنا الملك أبو محمد الزبيديّ الحسنيّ، والشيخ أبو الحسن بن أبي أسامة، وتاج الرياسة أبو القاسم بن الصيرفيّ، وابن أبي الدم اليهوديّ. وكان نقش خاتمه: الإمام الآمر بأحكام الله أمير المؤمنين. ووقع في آخر أيامه غلاء قلق الناس منه، وكان جريئا على سفك الدماء وارتكاب المحظورات واستحسان القبائح، وقتل وعمره أربع وثلاثون سنة وتسعة أشهر وعشرون يوما، منها مدّة خلافته تسع وعشرون سنة وثمانية أشهر ونصف، وما زال محجورا عليه حتى قتل الأفضل، وكان يركب للنزهة دائما عند ما استبدّ، في يومي السبت والثلاثاء، ويتحوّل في أيام النيل بحرمه إلى اللؤلؤة على الخليج، واختص بغلاميه برغش وهزار الملوك.
يلبغا السالميّ: أبو المعالي عبد الله الأمير سيف الدين الحنفيّ الصوفي الظاهريّ، كان اسمه في بلاده يوسف، وهو حرّ الأصل، وآباؤه مسلمون. فلما جلب من بلاد المشرق سمي
يلبغا، وقيل له السالميّ نسبة إلى سالم، تاجره الذي جلبه، فترقّى في خدم السلطان الملك الظاهر برقوق إلى أن ولّاه نظر خانقاه الصلاح سعيد السعداء، في ثامن عشر جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وسبعمائة، فأخرج كتاب الوقف وقصد أن يعمل بشرط الواقف، وأخرج منها جماعة من بياض الناس، فجرت أمور ذكرت في خبر الخانقاه. وفي سابع عشري صفر سنة ثمانمائة، أنعم عليه الملك الظاهر بإمرة عشرة عوضا عن الأمير بهادر فطيلس، ثم نقله إلى أمرة طبلخاناه، ثم جعله ناظرا على الخانقاه الشيخونية بالصليبة، في تاسع شعبان سنة إحدى وثمانمائة، فعسف بمباشر بها وأراد حملهم على مرّ الحق، فنفرت منه القلوب، ولما مرض الظاهر جعله أحد الأوصياء على تركته، فقام بتحليف المماليك السلطانية للملك الناصر فرج بن برقوق، والإنفاق عليهم بحضرة الناصر، فأنفق عليهم كل دينار من حساب أربعة وعشرين درهما، ولما انقضت النفقة نودي في البلدان أنّ صرف كل دينار ثلاثون درهما، ومن امتنع نهب ماله وعوقب، فحصل للناس من ذلك شدّة، وكان قد كثر القبض على الأمراء بعد موت الظاهر، فتحدّث مع الأمير الكبير ايتمش القائم بتدبير دولة الناصر فرج بعد موت أبيه في أن يكون على كلّ أمير من المقدّمين خمسون ألف درهم، وعلى كلّ أمير من الطبلخاناه عشرون ألف درهم، وعلى كلّ أمير عشرة خمسة آلاف درهم، وعلى كلّ أمير خمسة ألفا درهم وخمسمائة درهم. فرسم بذلك وعمل به مدّة ايام الناصر، وحصل به رفق للأمراء ومباشريهم، ثم خلع عليه واستقرّ أستادار السلطان عوضا عن الأمير الوزير تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج الملكيّ، في يوم الاثنين ثالث عشري ذي القعدة من السنة المذكورة، فأبطل تعريف منية بني خصيب، وضمان العرصة، وأخصاص الكيالين، وكتب بذلك مرسوما سلطانيا وبعث به إلى والي الأشمونين، وأبطل وفر الشون السلطانية، وما كان مقرّرا على البرددار «1» وهو في الشهر سبعة آلاف درهم، وما كان مقرّرا على مقدّم المستخرج، وهو في الشهر ثلاثة آلاف درهم، وكانت سماسرة الغلال تأخذ ممن يشتري شيئا من الغلة على كلّ أردب در همين سمسرة، وكيالة ولواحة وأمانة، فألزمهم أن لا يأخذوا عن كل أردب سوى نصف درهم، وهدّد على ذلك بالغرامة والعقوبة.
وركب في صفر سنة ثلاث وثمانمائة إلى ناحية المنية وشبرا الخيمة من الضواحي بالقاهرة، وكسر منها ما ينيف على أربعين ألف جرّة خمر، وخرّب بها كنيسة كانت للنصارى، وحمل عدّة جرار فكسرها تحت قلعة الجبل، وعلى باب زويلة، وشدّد على النصارى، فلم يمكنه أمراء الدولة من حملهم على الصغار والمذلة في ملبسهم، وأمر فضرب الذهب كلّ دينار زنته مثقال واحدا، وأراد بذلك إبطال ما حدث من المعاملة بالذهب الإفرنجيّ، فضرب ذلك وتعامل الناس به مدّة، وصار يقال دينار سالميّ إلى أن
ضرب الناصر فرج دنانير وسماها الناصرية، وصار يحكم في الأحكام الشرعية، فقلق منه أمراء الدولة وقاموا في ذلك، فمنع من الحكم إلّا فيما يتعلق بالديوان المفرد وغيره مما هو من لوازم الأستادار، وأخذ في مخاشنة الأمراء عند ما عاد الناصر فرج وقد انهزم من تيمور لنك، وشرع في إقامة شعار المملكة والنفقة على العساكر التي رجعت منهزمة، فأخذ من بلاد الأمراء وبلاد السلطان عن كلّ ألف دينار فرسا أو خمسمائة درهم ثمنها، وجبى من أملاك القاهرة ومصر وظواهرهما أجرة شهر، وأخذ من الرزق عن كلّ فدّان عشرة دراهم، وعن الفدّان من القصب المزروع والقلقاس والنيلة نحو مائة درهم، وجبى من البساتين عن كلّ فدّان مائة درهم، وقام بنفسه وكبس الحواصل ليلا ونهارا ومعه جماعة من الفقهاء وغيرهم، وأخذ مما فيها من الذهب والفضة والفلوس نصف ما يجد، سواء كان صاحب المال غائبا أو حاضرا، فعمّ ذلك أموال التجار والأيتام وغيرهم من سائر من وجد له مال، وأخذ ما كان في الجوامع والمدارس وغيرها من الحواصل، فشمل الناس من ذلك ضرر عظيم، وصار يؤخذ من كل مائة درهم ثلاثة دراهم عن أجرة صرف، وستة دراهم عن أجرة الرسول، وعشرة دراهم عن أجرة نقيب، فنفرت منه القلوب وانطلقت الألسن بذمّه والدعاء عليه، وعرض مع ذلك الجند وألزم من له قدرة على السفر بالتجهز للسفر إلى الشام لقتال تيمور لنك، ومن وجده عاجزا عن السفر ألزمه بحمل نصف متحصل إقطاعه، فقبض عليه في يوم الاثنين رابع عشر رجب سنة ثلاث وثمانمائة، وسلّم للقاضي سعد الدين إبراهيم بن غراب، وقرّر مكانه في الاستادارية، فلم يزل إلى يوم عيد الفطر من السنة المذكورة، فأمر بإطلاقه بعد أن حصر وأهين إهانة كبيرة، ثم قبض عليه وضرب ضربا مبرّحا حتى أشفى على الموت، وأطلق في نصف ذي القعدة وهو مريض، فأخرج إلى دمياط وأقام بها مدّة، ثم أحضر إلى القاهرة وقلّد وظيفة الوزارة في سنة خمس وثمانمائة، وجعل مشيرا، فأبطل مكوس البحيرة وهو ما يؤخذ على ما يذبح من البقر والغنم، واستعمل في أموره العسف، وترك مداراة الأمراء، واستعجل فقبض عليه وعوقب وسجن إلى أن أخرج في رمضان سنة سبع وثمانمائة وقلّد وظيفة الإشارة، وكانت للأمير جمال الدين يوسف الأستادار، فلم يترك عادته في الإعجاب برأيه والاستبداد بالأمور، واستعجال الأشياء قبل أوانها، فقبض عليه في ذي الحجة منها وسلّم للأمير جمال الدين يوسف، فعاقبه وبعث به إلى الإسكندرية، فسجن بها إلى أن سعى جمال الدين في قتله بمال بذله للناصر فيه حتى أذن له في ذلك، فقتل خنقا عصر يوم الجمعة وهو صائم السابع عشر من جمادى الآخرة، سنة إحدى عشرة وثمانمائة رحمه الله، وكان كثير النسك من الصلاة والصوم والصدقة، لا يخلّ بشيء من نوافل العبادات، ولا يترك قيام الليل سفرا ولا حضرا، ولا يصلي قط إلّا بوضوء جديد، وكلما أحدث توضأ، وإذا توضأ صلّى ركعتين، وكان يصوم يوما ويفطر يوما، ويخرج في كثرة الصدقات عن الحدّ، ويقرأ فيه كلّ ثلاثة أيام ختمة، ولا يترك أوراده في حال من