المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجامع الجديد الناصري - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار - جـ ٤

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌ذكر المساجد الجامعة

- ‌ذكر الجوامع

- ‌الجامع العتيق

- ‌ذكر المحاريب التي بديار مصر وسبب اختلافها وتعيين الصواب فيها وتبيين الخطأ منها

- ‌جامع العسكر

- ‌ذكر العسكر

- ‌ جامع ابن طولون

- ‌ذكر دار الإمارة

- ‌ذكر الأذان بمصر وما كان فيه من الاختلاف

- ‌الجامع الأزهر

- ‌جامع الحاكم

- ‌جامع راشدة

- ‌جامع المقس

- ‌جامع الفيلة

- ‌جامع المقياس

- ‌الجامع الأقمر

- ‌جامع الظافر

- ‌جامع الصالح

- ‌ذكر الأحباس وما كان يعمل فيها

- ‌الجامع بجوار تربة الشافعيّ بالقرافة

- ‌جامع محمود بالقرافة

- ‌جامع الروضة بقلعة جزيرة الفسطاط

- ‌جامع غين بالروضة

- ‌جامع الأفرم

- ‌الجامع بمنشأة المهرانيّ

- ‌جامع دير الطين

- ‌جامع الظاهر

- ‌جامع ابن اللبان

- ‌الجامع الطيبرسيّ

- ‌الجامع الجديد الناصريّ

- ‌الجامع بالمشهد النفيسيّ

- ‌جامع الأمير حسين

- ‌جامع الماس

- ‌جامع قوصون

- ‌جامع الماردانيّ

- ‌جامع أصلم

- ‌جامع بشتاك

- ‌‌‌جامع آق سنقر

- ‌جامع آق سنقر

- ‌جامع آل ملك

- ‌جامع الفخر

- ‌جامع نائب الكرك

- ‌جامع الخطيريّ ببولاق

- ‌جامع قيدان

- ‌جامع الست حدق

- ‌جامع ابن غازي

- ‌جامع التركمانيّ

- ‌جامع شيخو

- ‌جامع الجاكيّ

- ‌جامع التوبة

- ‌جامع صاروجا

- ‌جامع الطباخ

- ‌جامع الأسيوطيّ

- ‌جامع الملك الناصر حسن

- ‌جامع القرافة

- ‌جامع الجيزة

- ‌جامع منجك

- ‌الجامع الأخضر

- ‌جامع البكجريّ

- ‌جامع السروجيّ

- ‌جامع كرجي

- ‌جامع الفاخريّ

- ‌جامع ابن عبد الظاهر

- ‌جامع كراي

- ‌جامع القلعة

- ‌جامع قوصون

- ‌جامع كوم الريش

- ‌جامع الجزيرة الوسطى

- ‌جامع ابن صارم

- ‌جامع الكيمختي

- ‌جامع الست مسكة

- ‌جامع ابن الفلك

- ‌جامع التكروريّ

- ‌جامع البرقية

- ‌جامع الحرّانيّ

- ‌جامع بركة

- ‌جامع بركة الرطليّ

- ‌جامع الضوة

- ‌ جامع

- ‌جامع الحوش

- ‌جامع الاصطبل

- ‌جامع ابن التركمانيّ»

- ‌جامع الباسطيّ

- ‌جامع الحنفيّ

- ‌جامع ابن الرفعة

- ‌جامع الإسماعيليّ

- ‌جامع الزاهد

- ‌جامع ابن المغربيّ

- ‌جامع الفخريّ

- ‌الجامع المؤيدي

- ‌الجامع الأشرفيّ

- ‌الجامع الباسطيّ

- ‌ذكر مذاهب أهل مصر ونحلهم منذ افتتح عمرو بن العاص رضي الله عنه أرض مصر إلى أن صاروا إلى اعتقاد مذاهب الأئمة رحمهم الله تعالى، وما كان من الأحداث في ذلك

- ‌ذكر فرق الخليقة واختلاف عقائدها وتباينها

- ‌ذكر الحال في عقائد أهل الإسلام، منذ ابتداء الملة الإسلامية إلى أن انتشر مذهب الأشعرية

- ‌ذكر المدارس

- ‌ المدرسة الناصرية

- ‌المدرسة القمحية

- ‌مدرسة يازكوج

- ‌مدرسة ابن الأرسوفيّ

- ‌مدرسة منازل العز

- ‌مدرسة العادل

- ‌مدرسة ابن رشيق

- ‌المدرسة الفائزية

- ‌المدرسة القطبية

- ‌المدرسة السيوفية

- ‌المدرسة الفاضلية

- ‌المدرسة الأزكشية

- ‌المدرسة الفخرية

- ‌المدرسة السيفية

- ‌المدرسة العاشورية

- ‌ المدرسة القطبية

- ‌المدرسة الخرّوبية

- ‌مدرسة المحليّ

- ‌المدرسة الفارقانية

- ‌المدرسة المهذبية

- ‌‌‌المدرسة الخرّوبية

- ‌المدرسة الخرّوبية

- ‌المدرسة الصاحبية البهائية

- ‌المدرسة الصاحبية

- ‌المدرسة الشريفية

- ‌المدرسة الصالحية

- ‌المدرسة الكاملية

- ‌المدرسة الصيرمية

- ‌المدرسة المسرورية

- ‌المدرسة القوصية

- ‌المدرسة المنصورية

- ‌المدرسة الحجازية

- ‌المدرسة الطيبرسية

- ‌المدرسة الأقبغاوية

- ‌المدرسة الحسامية

- ‌المدرسة المنكوتمرية

- ‌المدرسة القراسنقرية

- ‌المدرسة الغزنوية

- ‌المدرسة البوبكرية

- ‌المدرسة البقرية

- ‌المدرسة القطبية

- ‌مدرسة ابن المغربيّ

- ‌المدرسة البيدرية

- ‌المدرسة البديرية

- ‌المدرسة الملكية

- ‌المدرسة الجمالية

- ‌المدرسة الفارسية

- ‌المدرسة السابقية

- ‌المدرسة القيسرانية

- ‌المدرسة الزمامية

- ‌المدرسة الصغيرة

- ‌مدرسة تربة أمّ الصالح

- ‌مدرسة ابن عرّام

- ‌المدرسة المحمودية

- ‌المدرسة المهذبية

- ‌المدرسة السعدية

- ‌المدرسة الطفجية

- ‌المدرسة الجاولية

- ‌المدرسة الفارقانية

- ‌المدرسة البشيرية

- ‌المدرسة المهمندارية

- ‌مدرسة ألجاي

- ‌مدرسة أمّ السلطان

- ‌المدرسة الأيتمشية

- ‌المدرسة المجدية الخليلية

- ‌المدرسة الناصرية بالقرافة

- ‌المدرسة المسلمية

- ‌مدرسة اينال

- ‌مدرسة الأمير جمال الدين الأستادار

- ‌المدرسة الصرغتمشية

- ‌ذكر المارستانات

- ‌مارستان ابن طولون

- ‌مارستان كافور

- ‌مارستان المغافر

- ‌المارستان الكبير المنصوريّ

- ‌المارستان المؤيدي

- ‌ذكر المساجد

- ‌المسجد بجوار دير البعل

- ‌مسجد ابن الجباس

- ‌مسجد ابن البناء

- ‌مسجد الحلبيين

- ‌مسجد الكافوريّ

- ‌مسجد رشيد

- ‌المسجد المعروف بزرع النوى

- ‌مسجد الذخيرة

- ‌مسجد رسلان

- ‌مسجد ابن الشيخيّ

- ‌مسجد يانس

- ‌مسجد باب الخوخة

- ‌المسجد المعروف بمعبد موسى

- ‌مسجد نجم الدين

- ‌مسجد صواب

- ‌المسجد بجوار المشهد الحسينيّ

- ‌مسجد الفجل

- ‌مسجد تبر

- ‌مسجد القطبية

- ‌ذكر الخوانك

- ‌الخانكاه الصلاحية، دار سعيد السعداء، دويرة الصوفية

- ‌خانقاه ركن الدين بيبرس

- ‌الخانقاه الجمالية

- ‌الخانقاه الظاهرية

- ‌الخانقاه الشرابيشية

- ‌الخانقاه المهمندارية

- ‌خانقاه بشتاك

- ‌خانقاه ابن غراب

- ‌الخانقاه البندقدارية

- ‌خانقاه شيخو

- ‌الخانقاه الجاولية

- ‌خانقاه الجيبغا المظفري

- ‌خانقاه سرياقوس

- ‌خانقاه أرسلان

- ‌خانقاه بكتمر

- ‌خانقاه قوصون

- ‌خانقاه طغاي النجميّ

- ‌خانقاه أمّ أنوك

- ‌خانقاه يونس

- ‌خانقاه طيبرس

- ‌خانقاه أقبغا

- ‌الخانقاه الخروبية

- ‌ذكر الربط

- ‌رباط الصاحب

- ‌رباط الفخري

- ‌رباط البغدادية

- ‌رباط الست كليلة

- ‌رباط الخازن

- ‌الرباط المعروف برواق ابن سليمان

- ‌رباط داود بن إبراهيم

- ‌رباط ابن أبي المنصور

- ‌رباط المشتهى

- ‌رباط الآثار

- ‌رباط الأفرم

- ‌الرباط العلائي

- ‌ذكر الزوايا

- ‌زاوية الدمياطيّ

- ‌زاوية الشيخ خضر

- ‌زاوية ابن منظور

- ‌زاوية الظاهري

- ‌زاوية الجميزة

- ‌زاوية الحلاوي

- ‌زاوية نصر

- ‌زاوية الخدّام

- ‌زاوية تقي الدين

- ‌زاوية الشريف مهدي

- ‌زاوية الطراطرية

- ‌زاوية القلندرية

- ‌قبة النصر

- ‌زاوية الركراكي

- ‌زاوية إبراهيم الصائغ

- ‌زاوية الجعبري

- ‌زاوية أبي السعود

- ‌زاوية الحمصي

- ‌زاوية المغربل

- ‌زاوية القصري

- ‌زاوية الجاكي

- ‌زاوية الأبناسيّ

- ‌زاوية اليونسية

- ‌زاوية الخلاطي

- ‌الزاوية العدوية

- ‌زاوية السدّار

- ‌ذكر المشاهد التي يتبرّك الناس بزيارتها مشهد زين العابدين

- ‌مشهد السيدة نفيسة

- ‌مشهد السيدة كلثوم

- ‌سنا وثنا

- ‌ذكر مقابر مصر والقاهرة المشهورة

- ‌ذكر القرافة

- ‌ذكر المساجد الشهيرة بالقرافة الكبيرة

- ‌مسجد الأقدام

- ‌مسجد الرصد

- ‌مسجد شقيق الملك

- ‌مسجد الانطاكيّ

- ‌مسجد النارنج

- ‌مسجد الأندلس

- ‌مسجد البقعة

- ‌مسجد الفتح

- ‌مسجد أمّ عباس جهة العادل بن السلار

- ‌مسجد الصالح

- ‌مسجد وليّ عهد أمير المؤمنين

- ‌مسجد الرحمة

- ‌مسجد مكنون

- ‌مسجد جهة ريحان

- ‌مسجد جهة بيان

- ‌مسجد توبة

- ‌مسجد دري

- ‌مسجد ست غزال

- ‌مسجد رياض

- ‌مسجد عظيم الدولة

- ‌مسجد أبي صادق

- ‌مسجد الفرّاش

- ‌مسجد تاج الملوك

- ‌مسجد الثمار

- ‌مسجد الحجر

- ‌مسجد القاضي يونس

- ‌مسجد الوزيرية

- ‌مسجد ابن العكر

- ‌مسجد ابن كباس

- ‌مسجد الشهمية

- ‌مسجد زنكادة

- ‌جامع القرافة

- ‌مسجد الأطفيحيّ

- ‌مسجد الزيات

- ‌ذكر الجواسيق التي بالقرافة

- ‌ذكر الرباطات التي كانت بالقرافة

- ‌ذكر المصلّيات والمحاريب التي بالقرافة

- ‌ذكر المساجد والمعابد التي بالجبل والصحراء

- ‌ذكر الأحواض والآبار التي بالقرافة

- ‌ذكر الآبار التي ببركة الحبش والقرافة

- ‌ذكر السبعة التي تزار بالقرافة

- ‌ذكر المقابر خارج باب النصر

- ‌ذكر كنائس اليهود

- ‌ذكر تاريخ اليهود وأعيادهم

- ‌ذكر معنى قولهم يهودي

- ‌ذكر معتقد اليهود وكيف وقع عندهم التبديل

- ‌ذكر فرق اليهود الآن

- ‌ذكر قبط مصر ودياناتهم القديمة، وكيف تنصروا ثم صاروا ذمّة للمسلمين، وما كان لهم في ذلك من القصص والأنباء، وذكر الخبر عن كنائسهم ودياراتهم، وكيف كان ابتداؤها ومصير أمرها

- ‌ذكر ديانة القبط قبل تنصرهم

- ‌ذكر دخول قبط مصر في دين النصرانية

- ‌ذكر دخول النصارى من قبط مصر في طاعة المسلمين وأدائهم الجزية، واتخاذهم ذمّة لهم، وما كان في ذلك من الحوادث والأنباء

- ‌ذكر ديارات النصارى

- ‌أديرة أدرنكة

- ‌ذكر كنائس النصارى

- ‌وأما الوجه البحريّ:

الفصل: ‌الجامع الجديد الناصري

‌الجامع الطيبرسيّ

هذا الجامع عمره الأمير علاء الدين طيبرس الخازندار نقيب الجيوش، بشاطئ النيل في أرض بستان الخشاب، وعمر بجواره خانقاه في جمادى الأولى سنة سبع وسبعمائة، وكان من أحسن منتزهات مصر وأعمرها، وقد خرب ما حوله من الحوادث والمحن التي بعد سنة ست وثمانمائة، بعد ما كانت العمارة منه متصلة إلى الجامع الجديد بمصر، ومنه إلى الجامع الخطيريّ ببولاق، ويركب الناس المراكب للفرجة من هذا الجامع إلى الجامعين المذكورين، مصعدين ومنحدرين في النيل، ويجتمع بهذا الجامع الناس للنزهة، فتمرّ به أوقات ومسرّات لا يمكن وصفها، وقد خرب هذا الجامع وأقفر من المساكين، وصار مخوفا بعد ما كان ملهى وملعبا، سنة الله في الذين خلوا من قبل، ولطيبرس هذا المدرسة الطيبرسية بجوار الجامع الأزهر من القاهرة.

‌الجامع الجديد الناصريّ

هذا الجامع بشاطئ النيل من ساحل مصر الجديد، عمره القاضي فخر الدين محمد بن فضل الله ناظر الجيش باسم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون، وكان الشروع فيه يوم التاسع من المحرّم سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وانتهت عمارته في ثامن صفر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وأقيم في خطابته قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الشافعيّ، ورتب في إمامته الفقيه تاج الدين بن مرهف، فأوّل ما صلّى فيه صلاة الظهر من يوم الخميس ثامن صفر المذكور، وأقيمت فيه الجمعة يوم الجمعة تاسع صفر، وخطب عن قاضي القضاة بدر الدين ابنه جمال الدين، ولهذا الجامع أربعة أبواب، وفيه مائة وسبعة وثلاثون عمودا، منها عشرة من صوّان في غاية السمك والطول، وجملة ذرعه أحد عشر ألف ذراع وخمسمائة ذراع بذراع العمل، من ذلك طوله من قبليه إلى بحريه مائة وعشرون ذراعا، وعرضه من شرقيه إلى غربيه مائة ذراع، وفيه ستة عشر شباكا من حديد، وهو يشرف من قبليه على بستان العالمة، وينظر من بحريه بحر النيل، وكان موضع هذا الجامع في القديم غامرا بماء النيل، ثم انحسر عنه النيل وصار رملة في زمن الملك الصالح نجم الدين أيوب، يمرّغ الناس فيها دوابهم أيام احتراق النيل، فلما عمر الملك الصالح قلعة الروضة وحفر البحر، طرح الرمل في هذا الموضع، فشرع الناس في العمارة على الساحل، وكان موضع هذا الجامع شونة، وقد ذكر خبر ذلك عند ذكر الساحل الجديد بمصر فانظره، وما برح هذا الجامع من أحسن منتزهات مصر إلى أن خرب ما حوله، وفيه إلى الآن بقية وهو عامر.

محمد بن قلاون: السلطان الملك الناصر أبو الفتح ناصر الدين بن الملك المنصور،

ص: 102

كان يلقب بحرفوش، وأمّه أشلون ابنة شنكاي، ولد يوم السبت النصف من المحرّم سنة أربع وثمانين وستمائة بقلعة الجبل من ديار مصر، وولى الملك ثلاث مرّات، الأولى بعد مقتل أخيه الملك الأشرف خليل بن قلاون في رابع عشر المحرّم سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وعمره تسع سنين، تنقص يوما واحدا، فأقام في الملك سنة إلّا ثلاثة أيام وخلع بمملوك أبيه كتبغا المنصوريّ، يوم الأربعاء حادي عشر المحرّم سنة أربع وتسعين وستمائة، وأعيد إلى المملكة ثانيا بعد قتل الملك المنصور لاجين يوم الاثنين سادس جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وستمائة، فأقام عشر سنين وخمسة أشهر وستة عشر يوما، وعزل نفسه وسار إلى الكرك، فولي الملك من بعده الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، وتلقب بالملك المظفر في يوم السبت ثالث عشري شوّال سنة ثمان وسبعمائة، ثم حضر من الكرك إلى الشام وجمع العساكر، فخامر على بيبرس معظم جيش مصر، وانحل أمره فترك الملك في يوم الثلاثاء سادس عشر شهر رمضان سنة تسع وسبعمائة، وطلع الملك الناصر إلى قلعة الجبل يوم عيد الفطر من السنة المذكورة، واستولى على ممالك مصر والشام والحجاز، فأقام في الملك من غير منازع له فيه إلى أن مات بقلعة الجبل في ليلة الخميس الحادي والعشرين من ذي الحجة، سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وعمره سبع وخمسون سنة وأحد عشر شهرا وخمسة أيام، وله في ولايته الثالثة مدّة اثنتين وثلاثين سنة وشهرين وعشرين يوما، وجملة إقامته في الملك عن المدد الثلاث ثلاث وأربعون سنة وثمانية أشهر وتسعة أيام.

ولما مات ترك ليلته ومن الغد حتى تمّ الأمر لابنه أبي بكر المنصور في يوم الخميس المذكور، ثم أخذ في جهازه فوضع في محفة بعد العشاء الآخرة بساعة وحمل على بغلين وأنزل من القلعة إلى الإصطبل السلطانيّ، وسار به الأمير ركن الدين بيبرس الأحمديّ أمير جاندار، والأمير نجم الدين أيوب والي القاهرة، والأمير قطلوبغا الذهبيّ، وعلم دار خوطا جار الدوادار وعبروا به إلى القاهرة من باب النصر، وقد غلقت الحوانيت كلها ومنع الناس من الوقوف للنظر إليه، وقدّام المحفة شمعة واحدة في يد علمدار، فلما دخلوا به من باب النصر كان قدامه مسرجة في يد شاب وشمعة واحدة، وعبروا به المدرسة المنصورية بين القصرين ليدفن عند أبيه الملك المنصور قلاون، وكان الأمير علم الدين سنجر الجاوليّ ناظر المارستان قد جلس ومعه القضاة الأربعة وشيخ الشيوخ ركن الدين شيخ خانقاه سرياقوس، والشيخ ركن الدين عمر ابن الشيخ إبراهيم الجعبريّ، فحطت المحفة وأخرج منها فوضع بجانب الفسقية التي بالقبة، وأمر ابن أبي الظاهر مغسّل الأموات بتغسيله، فقال: هذا ملك ولا أنفرد بتغسيله إلّا أن يقوم أحد منكم ويجرّده على الدكه، فإني أخشى أن يقال كان معه فص أو خاتم أو في عنقه خرزة، فقام قطلوبغا الذهبيّ وعلمدار وجرّداه مع الغاسل من ثيابه، فكان على رأسه قبع أبيض من قطن ثيابه، وعلى بدنه بغلطاق صدر أبيض وسراويل، فنزعا وترك القميص عليه، وغسل به، ووجد في رجله الموجوعة بخشان

ص: 103

مفتوحان، فغسل من فوق القميص وكفن في نصفية، وعملت له أخرى طرّاحة ومخدّة، ووضع في تابوت من خشب، وصلّى عليه قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن محمد بن جماعة الشافعيّ بمن حضر، وأنزل إلى قبر أبيه في سحلية من خشب قد ربطت بحبل، ونزل معه إلى القبر الغاسل والأمير سنجر الجاوليّ، ودفع إلى الغاسل ثلاثمائة درهم، فباع ما نابه من الثياب بثلاثة عشر درهما سوى القبع، فإنه فقد، وذكر الغاسل أنه كان محنكا بخرقة معقدة بثلاث عقد، فسبحان من لا يحول ولا يزول، هذا ملك أعظم المعمور من الأرض، مات غريبا وغسل طريحا ودفن وحيدا، إن في ذلك لعبرة لأولي الألباب.

وفي ليلة السبت: قرأ القرّاء عند القبر بالقبة القرآن، وحضر بعض الأمراء، وترك من الأولاد اثني عشر ولدا ذكرا، وهم: أحمد، وهو أسنهم وكان بالكرك، وأبو بكر وتسلطن من بعده، وشقيقه رمضان، ويوسف، وإسماعيل، وتسلطن أيضا، وشعبان وتسلطن، وحسين، وكجك وتسلطن، وأمير حاج، وحسن ويدعى قماري وتسلطن، وصالح وتسلطن، ومحمد. وترك من البنات ثمانيا متزوّجات سوى من خلف من الصغار، وخلف من الزوجات جاريته طغاي، وإمّة الأمير تنكز نائب الشام. ومات وليس له نائب بديار مصر ولا وزير ولا حاجب متصرّف، سوى أن برسبغا الحاجب تحكم في متعلقات أمور الإقطاعات، وليس معه عصا الحجوبية، وبدر الدين بكتاش نقيب الجيوش، وأقبغا عبد الواحد أستادار السلطان ومقدّم المماليك، وبيبرس الأحمديّ أمير جاندار، ونجم الدين أيوب والي القاهرة، وجمال الدين حمال الكفاه ناظر الجيوش، والموفق ناظر الدولة، وصارم الدين أزبك شادّ الدواوين، وعز الدين عبد العزيز بن جماعة قاضي القضاة بديار مصر، ونائب دمشق الأمير ألطنبغا، ونائب

«1» الأمير طشتمر حمص أخضر، ونائب طرابلس الحاج أرقطاي، ونائب صفد الأمير أصلم، ونائب غزة الأميراق سنقر السلاريّ، وصاحب حماه الملك الأفضل ناصر الدين محمد بن المؤيد إسماعيل.

والأمراء مقدّموا الألوف بديار مصر يوم وفاته خمسة وعشرون أميرا. وهم: بدر الدين جنكلي بن البابا، والحاج آل ملك، وبيبرس الأحمديّ، وعلم الدين سنجر الجاوليّ، وسيف الدين كوكاي، ونجم الدين محمود وزير بغداد، هؤلاء برّانية كبار، والباقي مماليكه وخواصه وهم: ولده الأمير أبو بكر، والأمير قوصون، والأمير بشتاك، وطقزدمر، وأقبغا عبد الواحد الأستادار، وأيدغمش أميراخور، وقطلوبغا الفخريّ، ويلبغا اليحياويّ، وملكتمر الحجازيّ، وألطنبغا الماردانيّ، وبهادر الناصريّ، وآق سنقر الناصريّ، وقماري الكبير، وقماري أمير شكار، وطرغاي، وأرتبغا أمير جاندار، وبرسيغا الحاجب، وبلدغي ابن العجوز أمير سلاح، وبيغرا.

ص: 104

وكان السلطان أبيض اللون قد وخطه الشيب، وفي عينيه حول، وبرجله اليمنى ريح شوكة تنغص عليه أحيانا وتؤلمه، وكان لا يكاد يمس بها الأرض ولا يمشي إلّا متكئا على أحدا ومتوكئا على شيء، ولا يصل إلى الأرض إلّا أطراف أصابعه، وكان شديد البأس جيد الرأي، يتولى الأمور بنفسه، ويجود لخواصه، وكان مهابا عند أهل مملكته، بحيث أنّ الأمراء إذا كانوا عنده بالخدمة لا يجسر أحد أن يكلم آخر كلمة واحدة، ولا يلتفت بعضهم إلى بعض خوفا منه، ولا يمكن واحدا منهم أن يذهب إلى بيت أحد البتة، لا في وليمة ولا غيرها، فإن فعل أحد منهم شيئا من ذلك قبض عليه وأخرجه من يومه منفيا، وكان مسدّدا عارفا بأمور رعيته وأحوال مملكته، وأبطل نيابة السلطنة من ديار مصر من سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وأبطل الوزارة وصار يتحدّث بنفسه في الجليل من الأمور والحقير، ويستجلب خاطر كل أحد من صغير وكبير لا سيما حواشيه، فلذلك عظمت حاشية المملكة وأتباع السلطنة وتخوّلوا في النعم الجزيلة، حتى الخولة والكلابزية والأسرى من الأرمن والفرنج، وأعطى البازدارية الأخباز في الحلقة، فمنهم من كان إقطاعه الألف دينار في السنة، وزوّج عدّة منهم بجواريه، وأفنى خلقا كثيرا من الأمراء بلغ عددهم نحو المائتي أمير، وكان إذا كبر أحد من أمرائه قبض عليه وسلبه نعمته، وأقام بدله صغيرا من مماليكه إلى أن يكبر، فيمسكه ويقيم غيره، ليأمن بذلك شرّهم. وكان كثير التخيل حازما، حتى أنه إذا تخيل من ابنه قتله، وفي آخر أيامه شره في جمع المال، فصادر كثيرا من الدواوين والولاة وغيرهم، ورمى البضائع على التجار حتى خاف كل من له مال، وكان مخادعا كثير الحيل، لا يقف عند قول ولا يوف بعهد ولا يبرّ في يمين، وكان محبا للعمارة، وعمر عدّة أماكن منها: جامع قلعة الجبل، وهدمه مرّتين، وعمر القصر الأبلق بالقلعة ومعظم الأماكن التي بالقلعة، وعمر المجرى الذي ينقل الماء عليه من بحر النيل إلى القلعة على السور، وعمر الميدان تحت القلعة ومناظر الميدان على النيل، وعمر قناطر السباع على الخليج ومناظر سرياقوس والخانقاه بسرياقوس، وحفر الخليج الناصريّ بظاهر القاهرة، وعمر الجامع الجديد على شاطيء النيل بظاهر مصر، وجدّد جامع الفيلة الذي بالرصد، والمدرسة الناصرية بين القصرين من القاهرة، وغير ذلك مما يرد في موضعه من هذا الكتاب، وما زال يعمر منذ عاد إلى ولاية الملك في المرّة الثالثة إلى أن مات، وبلغ مصروف العمارة في كل يوم من أيامه سبعة آلاف درهم فضة، عنها ثلاثمائة وخمسون دينارا، سوى من يسخره من المقيدين وغيرهم في عمل ما يعمره، وحفر عدّة من الخلجانات والترع، وأقام الجسور بالبلاد حتى أنه كان ينصرف من الأخباز على ذلك ربع متحصل الإقطاعات، وحفر خليج الإسكندرية وبحر المحلة مرّتين، وبحر اللبينيّ بالجيزة، وعمل جسر شيبين، وعمل جسر أحباس بالشرقية والقليوبية مدّة ثلاث سنين متوالية، فلم ينجع، فأنشأه بنيانا، بالطوب والجير، وأنفق فيه أموالا عظيمة، وراك ديار مصر وبلاد الشام، وعرض الجيش بعد حضوره في سنة

ص: 105