المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المارستان الكبير المنصوري - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار - جـ ٤

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌ذكر المساجد الجامعة

- ‌ذكر الجوامع

- ‌الجامع العتيق

- ‌ذكر المحاريب التي بديار مصر وسبب اختلافها وتعيين الصواب فيها وتبيين الخطأ منها

- ‌جامع العسكر

- ‌ذكر العسكر

- ‌ جامع ابن طولون

- ‌ذكر دار الإمارة

- ‌ذكر الأذان بمصر وما كان فيه من الاختلاف

- ‌الجامع الأزهر

- ‌جامع الحاكم

- ‌جامع راشدة

- ‌جامع المقس

- ‌جامع الفيلة

- ‌جامع المقياس

- ‌الجامع الأقمر

- ‌جامع الظافر

- ‌جامع الصالح

- ‌ذكر الأحباس وما كان يعمل فيها

- ‌الجامع بجوار تربة الشافعيّ بالقرافة

- ‌جامع محمود بالقرافة

- ‌جامع الروضة بقلعة جزيرة الفسطاط

- ‌جامع غين بالروضة

- ‌جامع الأفرم

- ‌الجامع بمنشأة المهرانيّ

- ‌جامع دير الطين

- ‌جامع الظاهر

- ‌جامع ابن اللبان

- ‌الجامع الطيبرسيّ

- ‌الجامع الجديد الناصريّ

- ‌الجامع بالمشهد النفيسيّ

- ‌جامع الأمير حسين

- ‌جامع الماس

- ‌جامع قوصون

- ‌جامع الماردانيّ

- ‌جامع أصلم

- ‌جامع بشتاك

- ‌‌‌جامع آق سنقر

- ‌جامع آق سنقر

- ‌جامع آل ملك

- ‌جامع الفخر

- ‌جامع نائب الكرك

- ‌جامع الخطيريّ ببولاق

- ‌جامع قيدان

- ‌جامع الست حدق

- ‌جامع ابن غازي

- ‌جامع التركمانيّ

- ‌جامع شيخو

- ‌جامع الجاكيّ

- ‌جامع التوبة

- ‌جامع صاروجا

- ‌جامع الطباخ

- ‌جامع الأسيوطيّ

- ‌جامع الملك الناصر حسن

- ‌جامع القرافة

- ‌جامع الجيزة

- ‌جامع منجك

- ‌الجامع الأخضر

- ‌جامع البكجريّ

- ‌جامع السروجيّ

- ‌جامع كرجي

- ‌جامع الفاخريّ

- ‌جامع ابن عبد الظاهر

- ‌جامع كراي

- ‌جامع القلعة

- ‌جامع قوصون

- ‌جامع كوم الريش

- ‌جامع الجزيرة الوسطى

- ‌جامع ابن صارم

- ‌جامع الكيمختي

- ‌جامع الست مسكة

- ‌جامع ابن الفلك

- ‌جامع التكروريّ

- ‌جامع البرقية

- ‌جامع الحرّانيّ

- ‌جامع بركة

- ‌جامع بركة الرطليّ

- ‌جامع الضوة

- ‌ جامع

- ‌جامع الحوش

- ‌جامع الاصطبل

- ‌جامع ابن التركمانيّ»

- ‌جامع الباسطيّ

- ‌جامع الحنفيّ

- ‌جامع ابن الرفعة

- ‌جامع الإسماعيليّ

- ‌جامع الزاهد

- ‌جامع ابن المغربيّ

- ‌جامع الفخريّ

- ‌الجامع المؤيدي

- ‌الجامع الأشرفيّ

- ‌الجامع الباسطيّ

- ‌ذكر مذاهب أهل مصر ونحلهم منذ افتتح عمرو بن العاص رضي الله عنه أرض مصر إلى أن صاروا إلى اعتقاد مذاهب الأئمة رحمهم الله تعالى، وما كان من الأحداث في ذلك

- ‌ذكر فرق الخليقة واختلاف عقائدها وتباينها

- ‌ذكر الحال في عقائد أهل الإسلام، منذ ابتداء الملة الإسلامية إلى أن انتشر مذهب الأشعرية

- ‌ذكر المدارس

- ‌ المدرسة الناصرية

- ‌المدرسة القمحية

- ‌مدرسة يازكوج

- ‌مدرسة ابن الأرسوفيّ

- ‌مدرسة منازل العز

- ‌مدرسة العادل

- ‌مدرسة ابن رشيق

- ‌المدرسة الفائزية

- ‌المدرسة القطبية

- ‌المدرسة السيوفية

- ‌المدرسة الفاضلية

- ‌المدرسة الأزكشية

- ‌المدرسة الفخرية

- ‌المدرسة السيفية

- ‌المدرسة العاشورية

- ‌ المدرسة القطبية

- ‌المدرسة الخرّوبية

- ‌مدرسة المحليّ

- ‌المدرسة الفارقانية

- ‌المدرسة المهذبية

- ‌‌‌المدرسة الخرّوبية

- ‌المدرسة الخرّوبية

- ‌المدرسة الصاحبية البهائية

- ‌المدرسة الصاحبية

- ‌المدرسة الشريفية

- ‌المدرسة الصالحية

- ‌المدرسة الكاملية

- ‌المدرسة الصيرمية

- ‌المدرسة المسرورية

- ‌المدرسة القوصية

- ‌المدرسة المنصورية

- ‌المدرسة الحجازية

- ‌المدرسة الطيبرسية

- ‌المدرسة الأقبغاوية

- ‌المدرسة الحسامية

- ‌المدرسة المنكوتمرية

- ‌المدرسة القراسنقرية

- ‌المدرسة الغزنوية

- ‌المدرسة البوبكرية

- ‌المدرسة البقرية

- ‌المدرسة القطبية

- ‌مدرسة ابن المغربيّ

- ‌المدرسة البيدرية

- ‌المدرسة البديرية

- ‌المدرسة الملكية

- ‌المدرسة الجمالية

- ‌المدرسة الفارسية

- ‌المدرسة السابقية

- ‌المدرسة القيسرانية

- ‌المدرسة الزمامية

- ‌المدرسة الصغيرة

- ‌مدرسة تربة أمّ الصالح

- ‌مدرسة ابن عرّام

- ‌المدرسة المحمودية

- ‌المدرسة المهذبية

- ‌المدرسة السعدية

- ‌المدرسة الطفجية

- ‌المدرسة الجاولية

- ‌المدرسة الفارقانية

- ‌المدرسة البشيرية

- ‌المدرسة المهمندارية

- ‌مدرسة ألجاي

- ‌مدرسة أمّ السلطان

- ‌المدرسة الأيتمشية

- ‌المدرسة المجدية الخليلية

- ‌المدرسة الناصرية بالقرافة

- ‌المدرسة المسلمية

- ‌مدرسة اينال

- ‌مدرسة الأمير جمال الدين الأستادار

- ‌المدرسة الصرغتمشية

- ‌ذكر المارستانات

- ‌مارستان ابن طولون

- ‌مارستان كافور

- ‌مارستان المغافر

- ‌المارستان الكبير المنصوريّ

- ‌المارستان المؤيدي

- ‌ذكر المساجد

- ‌المسجد بجوار دير البعل

- ‌مسجد ابن الجباس

- ‌مسجد ابن البناء

- ‌مسجد الحلبيين

- ‌مسجد الكافوريّ

- ‌مسجد رشيد

- ‌المسجد المعروف بزرع النوى

- ‌مسجد الذخيرة

- ‌مسجد رسلان

- ‌مسجد ابن الشيخيّ

- ‌مسجد يانس

- ‌مسجد باب الخوخة

- ‌المسجد المعروف بمعبد موسى

- ‌مسجد نجم الدين

- ‌مسجد صواب

- ‌المسجد بجوار المشهد الحسينيّ

- ‌مسجد الفجل

- ‌مسجد تبر

- ‌مسجد القطبية

- ‌ذكر الخوانك

- ‌الخانكاه الصلاحية، دار سعيد السعداء، دويرة الصوفية

- ‌خانقاه ركن الدين بيبرس

- ‌الخانقاه الجمالية

- ‌الخانقاه الظاهرية

- ‌الخانقاه الشرابيشية

- ‌الخانقاه المهمندارية

- ‌خانقاه بشتاك

- ‌خانقاه ابن غراب

- ‌الخانقاه البندقدارية

- ‌خانقاه شيخو

- ‌الخانقاه الجاولية

- ‌خانقاه الجيبغا المظفري

- ‌خانقاه سرياقوس

- ‌خانقاه أرسلان

- ‌خانقاه بكتمر

- ‌خانقاه قوصون

- ‌خانقاه طغاي النجميّ

- ‌خانقاه أمّ أنوك

- ‌خانقاه يونس

- ‌خانقاه طيبرس

- ‌خانقاه أقبغا

- ‌الخانقاه الخروبية

- ‌ذكر الربط

- ‌رباط الصاحب

- ‌رباط الفخري

- ‌رباط البغدادية

- ‌رباط الست كليلة

- ‌رباط الخازن

- ‌الرباط المعروف برواق ابن سليمان

- ‌رباط داود بن إبراهيم

- ‌رباط ابن أبي المنصور

- ‌رباط المشتهى

- ‌رباط الآثار

- ‌رباط الأفرم

- ‌الرباط العلائي

- ‌ذكر الزوايا

- ‌زاوية الدمياطيّ

- ‌زاوية الشيخ خضر

- ‌زاوية ابن منظور

- ‌زاوية الظاهري

- ‌زاوية الجميزة

- ‌زاوية الحلاوي

- ‌زاوية نصر

- ‌زاوية الخدّام

- ‌زاوية تقي الدين

- ‌زاوية الشريف مهدي

- ‌زاوية الطراطرية

- ‌زاوية القلندرية

- ‌قبة النصر

- ‌زاوية الركراكي

- ‌زاوية إبراهيم الصائغ

- ‌زاوية الجعبري

- ‌زاوية أبي السعود

- ‌زاوية الحمصي

- ‌زاوية المغربل

- ‌زاوية القصري

- ‌زاوية الجاكي

- ‌زاوية الأبناسيّ

- ‌زاوية اليونسية

- ‌زاوية الخلاطي

- ‌الزاوية العدوية

- ‌زاوية السدّار

- ‌ذكر المشاهد التي يتبرّك الناس بزيارتها مشهد زين العابدين

- ‌مشهد السيدة نفيسة

- ‌مشهد السيدة كلثوم

- ‌سنا وثنا

- ‌ذكر مقابر مصر والقاهرة المشهورة

- ‌ذكر القرافة

- ‌ذكر المساجد الشهيرة بالقرافة الكبيرة

- ‌مسجد الأقدام

- ‌مسجد الرصد

- ‌مسجد شقيق الملك

- ‌مسجد الانطاكيّ

- ‌مسجد النارنج

- ‌مسجد الأندلس

- ‌مسجد البقعة

- ‌مسجد الفتح

- ‌مسجد أمّ عباس جهة العادل بن السلار

- ‌مسجد الصالح

- ‌مسجد وليّ عهد أمير المؤمنين

- ‌مسجد الرحمة

- ‌مسجد مكنون

- ‌مسجد جهة ريحان

- ‌مسجد جهة بيان

- ‌مسجد توبة

- ‌مسجد دري

- ‌مسجد ست غزال

- ‌مسجد رياض

- ‌مسجد عظيم الدولة

- ‌مسجد أبي صادق

- ‌مسجد الفرّاش

- ‌مسجد تاج الملوك

- ‌مسجد الثمار

- ‌مسجد الحجر

- ‌مسجد القاضي يونس

- ‌مسجد الوزيرية

- ‌مسجد ابن العكر

- ‌مسجد ابن كباس

- ‌مسجد الشهمية

- ‌مسجد زنكادة

- ‌جامع القرافة

- ‌مسجد الأطفيحيّ

- ‌مسجد الزيات

- ‌ذكر الجواسيق التي بالقرافة

- ‌ذكر الرباطات التي كانت بالقرافة

- ‌ذكر المصلّيات والمحاريب التي بالقرافة

- ‌ذكر المساجد والمعابد التي بالجبل والصحراء

- ‌ذكر الأحواض والآبار التي بالقرافة

- ‌ذكر الآبار التي ببركة الحبش والقرافة

- ‌ذكر السبعة التي تزار بالقرافة

- ‌ذكر المقابر خارج باب النصر

- ‌ذكر كنائس اليهود

- ‌ذكر تاريخ اليهود وأعيادهم

- ‌ذكر معنى قولهم يهودي

- ‌ذكر معتقد اليهود وكيف وقع عندهم التبديل

- ‌ذكر فرق اليهود الآن

- ‌ذكر قبط مصر ودياناتهم القديمة، وكيف تنصروا ثم صاروا ذمّة للمسلمين، وما كان لهم في ذلك من القصص والأنباء، وذكر الخبر عن كنائسهم ودياراتهم، وكيف كان ابتداؤها ومصير أمرها

- ‌ذكر ديانة القبط قبل تنصرهم

- ‌ذكر دخول قبط مصر في دين النصرانية

- ‌ذكر دخول النصارى من قبط مصر في طاعة المسلمين وأدائهم الجزية، واتخاذهم ذمّة لهم، وما كان في ذلك من الحوادث والأنباء

- ‌ذكر ديارات النصارى

- ‌أديرة أدرنكة

- ‌ذكر كنائس النصارى

- ‌وأما الوجه البحريّ:

الفصل: ‌المارستان الكبير المنصوري

‌مارستان المغافر

هذا المارستان كان في خطة المغافر التي موضعها ما بين العامر من مدينة مصر وبين مصلّى خولان التي بالقرافة، بناه الفتح بن خاقان في أيام أمير المؤمنين المتوكل على الله، وقد باد أثره.

‌المارستان الكبير المنصوريّ

هذا المارستان بخط بين القصرين من القاهرة، كان قاعة ست الملك ابنة العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله أبي تميم معدّ، ثم عرف بدار الأمير فخر الدين جهاركس بعد زوال الدولة الفاطمية، وبدار موسك، ثم عرف بالملك المفضل قطب الدين أحمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وصار يقال لها لدار القطبية، ولم تزل بيد ذريته إلى أن أخذها الملك المنصور قلاون الألفيّ الصالحيّ من مؤنسة خاتون ابنة الملك العادل المعروفة بالقطبية، وعوّضت عن ذلك قصر الزمرّد برحبة باب العيد في ثامن عشري ربيع الأوّل سنة اثنتين وثمانين وستمائة، بسفارة الأمير علم الدين سنجر الشجاعيّ مدبر الممالك، ورسم بعمارتها مارستانا وقبة ومدرسة، فتولى الشجاعيّ أمر العمارة، وأظهر من الاهتمام والاحتفال ما لم يسمع بمثله حتى تم الغرض في أسرع مدّة، وهي أحد عشر شهرا وأيام، وكان ذرع هذه الدار عشرة آلاف وستمائة ذراع وخلفت ست الملك بها ثمانية آلاف جارية وذخائر جليلة، منها قطعة ياقوت أحمر زنتها عشرة مثاقيل، وكان الشروع في بنائها مارستانا أوّل ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وستمائة.

وكان سبب بنائه أنّ الملك المنصور لما توجه وهو أمير إلى غزاة الروم في أيام الظاهر بيبرس سنة خمس وسبعين وستمائة، أصابه بدمشق قولنج عظيم، فعالجه الأطباء بأدوية أخذت له من مارستان نور الدين الشهيد فبرأ، وركب حتى شاهد المارستان فأعجب به، ونذران آتاه الله الملك أن يبني مارستانا، فلما تسلطن أخذ في عمل ذلك فوقع الاختيار على الدار القطبية، وعوّض أهلها عنها قصر الزمرّذ، وولى الأمير علم الدين سنجر الشجاعيّ أمر عمارته، فأبقى القاعة على حالها وعملها مارستانا، وهي ذات إيوانات أربعة، بكلّ إيوان شاذروان، وبدور قاعتها فقية يصير إليها من الشاذروانات الماء، واتفق أن بعض الفعلة كان يحفر في أساس المدرسة المنصورية فوجد حق اشنان من نحاس، ووجد رفيقه قمقما نحاسا مختوما برصاص، فأحضرا ذلك إلى الشجاعيّ، فإذا في الحق فصوص ماس وياقوت وبلخش ولؤلؤ ناصع يدهش الأبصار، ووجد في القمقم ذهبا، كان جملة ذلك نظير ما غرم على العمارة، فحمله إلى أسعد الدين كوهيا الناصريّ العدل، فرفعه إلى السلطان. ولما نجزت العمارة وقف عليها الملك المنصور من الأسلاك بديار مصر وغيرها ما يقارب ألف

ص: 268

ألف درهم في كلّ سنة، ورتب مصارف المارستان والقبة والمدرسة ومكتب الأيتام، ثم استدعى قدحا من شراب المارستان وشربه وقال: قد وقفت هذا على مثلي فمن دوني، وجعلته وقفا على الملك والمملوك والجنديّ والأمير والكبير والصغير والحرّ والعبد الذكور والإناث، ورتب فيه العقاقير والأطباء وسائر ما يحتاج إليه من به مرض من الأمراض، وجعل السلطان فيه فرّاشين من الرجال والنساء لخدمة المرضى، وقرّر لهم المعاليم، ونصب الأسرّة للمرضى وفرشها بجميع الفرش المحتاج إليها في المرض، وأفرد لكل طائفة من المرضى موضعا، فجعل أواوين المارستان الأربعة للمرضى بالحميات ونحوها، وأفرد قاعة للرمدى، وقاعة للجرحى، وقاعة لمن به إسهال، وقاعة للنساء، ومكانا للمبرودين ينقسم بقسمين قسم للرجال وقسم للنساء، وجعل الماء يجري في جميع هذه الأماكن، وأفرد مكانا لطبخ الطغام والأدوية والأشربة، ومكانا لتركيب المعاجين والأكحال والشيافات ونحوها، ومواضع يخزن فيها الحواصل، وجعل مكانا يفرق فيه الأشربة والأدوية، ومكانا يجلس فيه رئيس اطباء لإلقاء درس طب، ولم يحص عدّة المرضى بل جعله سبيلا لكل من يرد عليه من غنيّ وفقير، ولا حدّد مدّة لإقامة المريض به، بل يرتب منه لمن هو مريض بداره سائر ما يحتاج إليه، ووكل الأمير عز الدين أيبك الأفرم الصالحيّ أمير جندار في وقف ما عينه من المواضع، وترتيب أرباب الوظائف وغيرهم، وجعل النظر لنفسه أيام حياته، ثم من بعده لأولاده، ثم من بعدهم لحاكم المسلمين الشافعيّ، فضمن وقفه كتابا تاريخه يوم الثلاثاء ثالث عشري صفر سنة ثمانين وستمائة، ولما قرىء عليه كتاب الوقف قال للشجاعيّ: ما رأيت خط الأسعد كاتبي مع خطوط القضاة، أبصر إيش فيه زغل حتى ما كتب عليه، فما زال يقرّب لذهنه أن هذا مما لا يكتب عليه إلّا قضاة الإسلام حتى فهم ذلك، فبلغ مصروف الشراب منه في كل يوم خمسمائة رطل سوى السكّر، ورتب فيه عدّة ما بين أمين ومباشر، وجعل مباشرين للإدارة، وهم الذين يضبطون ما يشترى من أوصناف، وما يحضر منها إلى المارستان، ومباشرين لاستخراج مال الوقف، ومباشرين في المطبخ، ومباشرين في عمارة الأوقاف التي تتعلق به، وقرّر في القبة خمسين مقرئا يتناوبون قراءة القرآن ليلا ونهارا، ورتب بها إماما راتبا، وجعل بها رئيسا للمؤذنين عند ما يؤذنون فوق منارة ليس في إقليم مصر أجلّ منها، ورتب بهذه القبة درسا لتفسير القرآن فيه مدرّس ومعيدان وثلاثون طالبا، ودرس حديث نبويّ، وجعل بها خزانة كتب وستة خدّام طواشية لا يزالون بها، ورتب بالمدرسة إماما راتبا ومتصدّرا لإقراء القرآن، ودروسا أربعة للفقه على المذاهب الأربعة، ورتب بمكتب السبيل معلمين يقرءان الأيتام، ورتب للأيتام رطلين من الخبز في كلّ يوم لكلّ يتيم، مع كسوة الشتاء والصيف.

فلما ولي الأمير جمال الدين أقوش نائب الكرك نظر المارستان، أنشأ به قاعة للمرضى، ونحت الحجارة المبنيّ بها الجدر كلها حتى صارت كأنها جديدة، وجدّد تذهيب

ص: 269

الطراز بظاهر المدرسة والقبة، وعمل خمية تظل الأقفاص طولها مائة ذراع، قام بذلك من ماله دون مال الوقف، ونقل أيضا حوض ماء كان برسم شرب البهائم من جانب باب المارستان وأبطله لتاذي الناس بنتن رائحة ما يجتمع قدّامه من الأوساخ، وأنشأ سبيل ماء يشرب منه الناس عوض الحوض المذكور، وقد تورّع طائفة من أهل الديانة عن الصلاة في المدرسة المنصورية والقبة، وعابوا المارستان لكثرة عسف الناس في عمله، وذلك أنه لما وقع اختيار السلطان على عمل الدار القطبية مارستانا ندب الطواشي حسام الدين بلالا المغيثيّ للكلام في شرائها، فساس الأمر في ذلك حتى أنعمت مؤنسة خاتون ببيعها على أن تعوّض عنها بدار تلمها وعيالها، فعوّضت قصر الزمرّذ برحبة باب العيد مع مبلغ مال حمل إليها، ووقع البيع على هذا، فندب السلطان الأمير سنجر الشجاعيّ للعمارة، فأخرج النساء من القطبية من غير مهلة، وأخذ ثلاثمائة أسير وجمع صناع القاهرة ومصر وتقدّم إليهم بأن يعملوا بأجمعهم في الدار القطبية، ومنعهم أن يعملوا لأحد في المدينتين شغلا، وشدّد عليهم في ذلك، وكان مهابا، فلازموا العمل عنده، ونقل من قلعة الروضة ما احتاج إليه من العمد الصوّان والعمد الرخام والقواعد والأعتاب والرخام البديع وغير ذلك، وصار يركب إليها كلّ يوم وينقل الأنقاض المذكورة على العجل إلى المارستان، ويعود إلى المارستان فيقف مع الصناع على الأساقيل حتى لا يتوانوا في عملهم، وأوقف مماليكه بين القصرين، فكان إذا مرّ أحد ولو جلّ ألزموه أن يرفع حجرا ويلقيه في موضع العمارة، فينزل الجنديّ والرئيس عن فرسه حتى يفعل ذلك، فترك أكثر الناس المرور من هناك، ورتبوا بعد الفراغ من العمارة، وترتيب الوقف فتيا صورتها ما يقول أئمة الدين في موضع أخرج أهله منه كرها، وعمر بمستحثين يعسفون الصناع، وأخرب ما عمره الغير ونقل إليه ما كان فيه فعمر به، هل تجوز الصلاة فيه أم لا، فكتب جماعة من الفقهاء لا تجوز فيه الصلاة، فما زال المجد عيسى بن الخشاب حتى أوقف الشجاعيّ على ذلك، فشق عليه، وجمع القضاة ومشايخ العلم بالمدرسة المنصورية وأعلمهم بالفتيا فلم يجبه أحد منهم بشيء سوى الشيخ محمد المرجانيّ فإنه قال: أنا أفتيت بمنع الصلاة فيها، وأقول الآن أنه يكره الدخول من بابها، ونهض قائما فانفض الناس. واتفق أيضا أن الشجاعيّ ما زال بالشيخ محمد المرجانيّ، يلح في سؤاله أن يعمل ميعاد وعظ بالمدرسة المنصورية حتى أجاب بعد تمنع شديد، فحضر الشجاعيّ والقضاة، وأخذ المرجانيّ في ذكر ولاة الأمور من الملوك والأمراء والقضاة، وذمّ من يأخذ الأراضي غصبا، ويستحث العمال في عمائره وينقص من أجورهم وختم بقوله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا

[الفرقان/ 27] وقام، فسأله الشجاعيّ الدعاء له فقال: يا علم الدين قد دعا لك ودعا عليك من هو خير مني، وذكر قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «اللهمّ من ولى من أمر أمّتي

ص: 270