الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيخ، ويحضرون في كل يوم وظيفة التصوّف، ولهم الطعام والخبز، وكان بجانبها حوض ماء لشرب الدواب، وسقّاية بها الماء العذب لشرب الناس، وكتّاب يقرأ فيه أطفال المسلمين الأيتام كتاب الله تعالى، ويتعلمون الخط، ولهم في كلّ يوم الخبز وغيره، وما برحت على ذلك إلى أن أخرج الأمير برقوق أوقافها، فتعطلت وأقام بها جماعة من الناس مدّة ثم تلاشى أمرها، وهي الآن باقية من غير أن يكون فيها سكان، وقد تعطل حوضها وبطل مكتب السبيل.
الجيبغا المظفريّ: الخاصكي، تقدّم في أيام الملك المظفر حاجي بن الملك الناصر محمد بن قلاون، تقدّما كثيرا، بحيث لم يشاركه أحد في رتبته. فلما قام الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون في السلطنة أقرّه على رتبته، وصار أحد أمراء المشورة الذين يصدر عنهم الأمر والنهي، فلما اختلف أمراء الدولة أخرج إلى دمشق في ربيع الأوّل سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وأقام بدمشق إلى شعبان، وسار إلى نيابة طرابلس عوضا عن الأمير بدر الدين مسعود بن الخطيريّ، فلم يزل على نيابتها إلى شهر ربيع الأوّل سنة خمسين وسبعمائة، فكتب إلى الأمير أرغون شاه نائب دمشق يستأذنه في التصيد إلى الناعم «1» ، فأذن له وسار من طرابلس وأقام على بحيرة حمص أياما يتصيد، ثم ركب ليلا بمن معه وساق إلى خان لاجين ظاهر دمشق، فوصله أوّل النهار وأقام به يومه، ثم ركب منه بمن معه ليلا وطرق أرغون شاه وهو بالقصر الأبلق، وقبض عليه وقيده في ليلة الخميس ثالث عشري شهر ربيع الأوّل، وأصبح وهو بسوق الخيل، فاستدعى الأمراء وأخرج لهم كتاب السلطان بإمساك أرغون شاه، فأذعنوا له واستولى على أموال أرغون شاه. فلما كان يوم الجمعة رابع عشريه، أصبح أرغون شاه مذبوحا، فأشاع الجيبغا أن أرغون شاه ذبح نفسه، وفي يوم الثلاثاء أنكر الأمراء أمره وثاروا لحربه، فركب وقاتلهم وانتصر عليهم وقتل جماعة منهم وأخذ الأموال وخرج من دمشق وسار إلى طرابلس، فأقام بها، وورد الخبر من مصر إلى دمشق بإنكار كل ما وقع والاجتهاد في مسك الجيبغا، فخرجت عساكر الشام إليه ففرّ من طرابلس، فأدركه عسكر طرابلس عند بيروت وحاربوه حتى قبضوا عليه، وحمل إلى عسكر دمشق فقيد وسجن بقلعة دمشق في ليلة السبت سادس عشر ربيع الآخر، هو وفخر الدين إياس، ثم وسط بمرسوم السلطان تحت قلعة دمشق بحضور عساكر دمشق، ووسط معه الأمير فخر الدين إياس وعلقا على الخشب، في ثامن عشر ربيع الآخر سنة خمسين وسبعمائة، وعمره دون العشرين سنة، فما طرّ «2» شاربه وكأنه البدر حسنا والغصن اعتدالا.
خانقاه سرياقوس
هذه الخانقاه خارج القاهرة من شماليها على نحو بريد منها، بأوّل تيه بني إسرائيل
بسماسم سرياقوس، أنشأها السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون، وذلك أنه لما بنى الميدان والأحواش في بركة الجبّ، كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب عند ذكر بركة الجب، اتفق أنه ركب على عادته للصيد هناك، فأخذه ألم عظيم في جوفه كاد يأتي عليه وهو يتجلد ويكتم ما به حتى عجز، فنزل عن الفرس والألم يتزايد به، فنذر لله إن عافاه الله ليبنين في هذا الموضع موضعا يعبد الله تعالى فيه، فخف عنه ما يجده، وركب فقضى نهمته من الصيد وعاد إلى قلعة الجبل، فلزم الفراش مدّة أيام ثم عوفي، فركب بنفسه ومعه عدّة من المهندسين، واختط على قدر ميل من ناحية سرياقوس هذه الخانقاه، وجعل فيها مائة خلوة لمائة صوفيّ، وبنى بجانبها مسجدا تقام به الجمعة، وبنى بها حمّاما ومطبخا، وكان ذلك في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة. فلما كانت سنة خمس وعشرين وسبعمائة، كمل ما أراد من بنائها، وخرج إليها بنفسه ومعه الأمراء والقضاة ومشايخ الخوانك، ومدّت هناك أسمطة عظيمة بداخل الخانقاه في يوم الجمعة سابع جمادى الآخرة، وتصدّر قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعيّ لإسماع الحديث النبويّ، وقرأ عليه ابنه عز الدين عبد العزيز عشرين حديثا تساعيا، وسمع السلطان ذلك، وكان جمعا موفورا، وأجاز قاضي القضاة الملك الناصر ومن حضر برواية ذلك. وجميع ما يجوز له روايته، وعند ما انقضى مجلس السماع قرّر السلطان في مشيخة هذه الخانكاه الشيخ مجد الدين موسى بن أحمد بن محمود الأقصرائي، ولقّبه بشيخ الشيوخ، فصار يقال له ذلك ولكلّ من ولي بعده، وكان قبل ذلك لا يلقب بشيخ الشيوخ إلّا شيخ خانقاه سعيد السعداء، وأحضرت التشاريف السلطانية فخلع على قاضي القضاة بدر الدين، وعلى ولده عز الدين، وعلى قاضي القضاة المالكية، وعلى الشيخ مجد الدين أبي حامد موسى بن أحمد بن محمود الأقصرائي شيخ الشيوخ، وعلى الشيخ علاء الدين القونويّ شيخ خاقناه سعيد السعداء، وعلى الشيخ قوام الدين أبي محمد عبد المجيد بن أسعد بن محمد الشيرازيّ، شيخ الصوفية بالجامع الجديد الناصريّ، خارج مدينة مصر، وعلى جماعة كثيرة. وخلع على سائر الأمراء وأرباب الوظائف، وفرّق بها ستين ألف درهم فضة وعاد إلى قلعة الجبل، فرغب الناس في السكنى حول هذه الخانقاه وبنو الدور والحوانيت والخانات، حتى صارت بلدة كبيرة تعرف بخانقاه سرياقوس، وتزايد الناس بها حتى أنشئ فيها سوى حمّام الخانقاه عدّة حمّامات، وهي إلى اليوم بلدة عامرة، ولا يؤخذ بها مكس البتة مما يباع من سائر الأصناف احتراما لمكان الخانقاه، ويعمل هناك في يوم الجمعة سوق عظيم ترد الناس إليه من الأماكن البعيدة، يباع فيه الخيل والجمال والحمير والبقر والغنم والدجاج والأوز وأصناف الغلات وأنواع الثياب وغير ذلك، وكانت معاليم هذه الخانكاه من أسنى معلوم بديار مصر، يصرف لكل صوفيّ في اليوم من لحم الضأن السليج رطل قد طبخ في طعم شهيّ، ومن الخبز النقيّ أربعة أرطال ويصرف له في كل شهر مبلغ أربعين درهما فضة عنها