الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر كنائس النصارى
قال الأزهريّ: كنيسة اليهود جمعها كنائس، وهي معرّبة أصلها كنشت. انتهى. وقد نطقت العرب بذكر الكنيسة. قال العباس بن مرداس السلميّ:
بدورون بي في ظل كلّ كنيسة
…
وما كان قومي يبنون الكنائسا
وقال ابن قيس الرقيات: كأنها دمية مصوّرة في بيعة من كنائس الروم.
كنيستا الخندق: ظاهر القاهرة، إحداهما على اسم غبريال الملاك، والأخرى على اسم مرقوريوس، وعرفت برويس، وكان راهبا مشهورا بعد سنة ثمانمائة، وعند هاتين الكنيستين يقبر النصارى موتاهم، وتعرف بمقبرة الخندق، وعمرت هاتان الكنيستان عوضا عن كنائس المقس في الأيام الإسلامية.
كنيسة حارة زويلة بالقاهرة: كنيسة عظيمة عند النصارى اليعاقبة، وهي على اسم السيدة، وزعموا أنها قديمة تعرف بالحكيم زايلون، وكان قبل الملة الإسلامية بنحو مائتين وسبعين سنة، وأنه صاحب علوم شتى، وأن له كنزا عظيما يتوصل إليه من بئر هناك.
كنيسة تعرف بالمغيئة: بحارة الروم من القاهرة على اسم السيدة مريم، وليس لليعاقبة بالقاهرة سوى هاتين الكنيستين، وكان بحارة الروم أيضا كنيسة أخرى يقال لها كنيسة بربارة هدمت في سنة ثمان عشرة وسبعمائة، وسبب ذلك أن النصارى رفعوا قصة للسلطان الملك الناصر محمد بن قلاون يسألون الإذن في إعادة ما تهدّم منها، فأذن لهم في ذلك فعمروها أحسن ما كانت، فغضبت طائفة من المسلمين ورفعوا قصة للسلطان بأن النصارى أحدثوا بجانب هذه الكنيسة بناء لم يكن فيها، فرسم للأمير علم الدين سنجر الخازن، والي القاهرة بهدم ما جدّدوه، فركب وقد اجتمع الخلائق، فبادروا وهدموا الكنيسة كلها في أسرع وقت، وأقاموا في موضعها محرابا وأذنوا وصلوا وقرؤا القرآن، كل ذلك بأيديهم، فلم تمكن معارضتهم خشية الفتنة، فاشتدّ الأمر على النصارى وشكوا أمرهم للقاضي كريم الدين ناظر الخاص، فقام وقعد غضبا لدين أسلافه، وما زال بالسلطان حتى رسم بهدم المحراب فهدم، وصار موضعه كوم تراب ومضى الحال على ذلك.
كنيسة بومنا: هذه الكنيسة قريبة من السدّ فيما بين الكيمان بطريق مصر، وهي ثلاث كنائس متجاورة، إحداها لليعاقبة، والأخرى للسريان، وأخرى للأرمن، ولها عيد في كل سنة تجتمع إليه النصارى.
كنيسة المعلقة: بمدينة مصر في خط قصر الشمع، على اسم السيدة، وهي جليلة القدر عندهم، وهي غير القلاية التي تقدّم ذكرها.
كنيسة شنوده: بمصر، نسبت لأبي شنودة الراهب القديم، وله أخبار منها: أنه كان ممن يطوى في الأربعين إذا صام، وكان تحت يده ستة آلاف راهب يتقوّت هو وإياهم من عمل الخوص، وله عدّة مصنفات.
كنيسة مريم: بجوار كنيسة شنودة، هدمها عليّ بن سليمان بن عليّ بن عبد الله بن عباس أمير مصر لما ولي من قبل أمير المؤمنين الهادي موسى، في سنة تسع وستين ومائة، وهدم كنائس محرس قسطنطين، وبذل له النصارى في تركها خمسين ألف دينار فامتنع، فلما عزل بموسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس في خلافة هارون الرشيد، أذن موسى بن عيسى للنصارى في بنيان الكنائس التي هدمها عليّ بن سليمان، فبنيت كلها بمشورة الليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعة. وقالا هو من عمارة البلاد، واحتجا بأن الكنائس التي بمصر لم تبن إلّا في الإسلام في زمن الصحابة والتابعين.
كنيسة بوجرج الثقة: هذه الكنيسة في درب بخط قصر الشمع بمصر يقال له درب الثقة، ويجاورها كنيسة سيدة بوجرج.
الثقة، ويجاورها كنيسة سيدة بوجرج.
كنيسة بربارة: بمصر، كبيرة جليلة عندهم، وهي تنسب إلى القديسة بربارة الراهبة، وكان في زمانها راهبتان بكران، وهما ايسي وتكلة، ويعمل لهنّ عيد عظيم بهذه الكنيسة يحضره البطريق.
كنيسة بوسرحه: بالقرب من بربارة بجوار زاوية ابن النعمان، فيها مغارة يقال أن المسيح وأمّه مريم عليها السلام جلسا بها.
كنيسة بابليون: في قبليّ قصر الشمع بطريق جسر الأفرم، وهذه الكنيسة قديمة جدّا، وهي لطيفة، ويذكر أن تحتها كنز بابليون وقد خرب ما حولها.
كنيسة تاودورس الشهيد: بجوار بابليون، نسبت للشهيد تاودورس الإسفهسلار.
كنيسة بومنا بجوار بابليون أيضا: وهاتان الكنيستان مغلوقتان لخراب ما حولهما.
كنيسة بومنا: بالحمراء، وتعرف الحمراء اليوم بخط قناطر السباع، فيما بين القاهرة ومصر، وأحدثت هذه الكنيسة في سنة سبع عشرة ومائة من سني الهجرة بإذن الوليد بن رفاعة أمير مصر، فغضب وهيب اليحصبيّ وخرج على السلطان وجاء إلى ابن رفاعة ليفتك به، فأخذ وقتل، وكان وهيب مدريا من اليمن، قدم إلى مصر فخرج القرّاء على الوليد بن رفاعة غضبا لوهيب وقاتلوه، وصارت معونة امرأة وهيب تطوف ليلا على منازل القرّاء تحرّضهم على الطلب بدمه، وقد حلقت رأسها، وكانت امرأة جزلة، فأخذ ابن رفاعة أبا عيسى مروان بن عبد الرحمن اليحصبيّ بالقرّاء، فاعتذر وخلى ابن رفاعة عنهم، فسكنت
الفتنة بعد ما قتل جماعة، ولم تزل هذه الكنيسة بالحمراء إلى أن كانت واقعة هدم الكنائس في أيام الناصر محمد بن قلاون على ما يأتي ذكر ذلك، والخبر عن هدم جميع كنائس أرض مصر وديارات النصارى في وقت واحد.
كنيسة الزهري: كانت في الموضع الذي فيه اليوم البركة الناصرية بالقرب من قناطر السباع في برّ الخليج الغربيّ، غربيّ اللوق، واتفق في أمرها عدّة حوادث، وذلك أن الملك الناصر محمد بن قلاون لما أنشأ ميدان المهاري المجاور لقناطر السباع، في سنة عشرين وسبعمائة، قصد بناء زريبة على النيل الأعظم بجوار الجامع الطيبرسيّ، فأمر بنقل كوم تراب كان هناك، وحفر ما تحته من الطين لأجل بناء الزريبة، وأجرى الماء إلى مكان الحفر، فصار يعرف إلى اليوم بالبركة الناصرية، وكان الشروع في حفر هذه البركة من آخر شهر ربيع الأوّل سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، فلما انتهى الحفر إلى جانب كنيسة الزهريّ، وكان بها كثير من النصارى لا يزالون فيها، وبجانبها أيضا عدّة كنائس في الموضع الذي يعرف اليوم بحكر أقبغا، ما بين السبع سقايات وبين قنطرة السدّ خارج مدينة مصر، أخذ الفعلة في الحفر حول كنيسة الزهريّ حتى بقيت قائمة في وسط الموضع الذي عينه السلطان ليحفر، وهو اليوم بركة الناصرية، وزاد الحفر حتى تعلقت الكنيسة، وكان القصد من ذلك أن تسقط من غير قصد لخرابها، وصارت العامّة من غلمان الأمراء العمالين في الحفر وغيرهم في كل وقت يصرخون على الأمراء في طلب هدمها وهم يتغافلون عنهم إلى أن كان يوم الجمعة التاسع من شهر ربيع الآخر من هذه السنة، وقت اشتغال الناس بصلاة الجمعة، والعمل من الحفر بطال، فتجمع عدّة من غوغاء العامّة بغير مرسوم السلطان وقالوا بصوت عال مرتفع الله أكبر، ووضعوا أيديهم بالمساحي ونحوها في كنيسة الزهري وهدموها حتى بقيت كوما، وقتلوا من كان فيها من النصارى، وأخذوا جميع ما كان فيها، وهدموا كنيسة بومنا التي كانت بالحمراء، وكانت معظمة عند النصارى من قديم الزمان، وبها عدّة من النصارى قد انقطعوا فيها، ويحمل إليهم نصارى مصر سائر ما يحتاج إليه، ويبعث إليها بالنذور الجليلة والصدقات الكثيرة، فوجد فيها مال كثير ما بين نقد ومصاغ وغيره، وتسلق العامّة إلى أعلاها وفتحوا أبوابها وأخذوا منها مالا وقماشا وجرار خمر، فكان أمرا مهولا.
ثم مضوا من كنيسة الحمراء بعد ما هدموها إلى كنيستين بجوار السبع سقايات تعرف إحداهما بكنيسة البنات، كان يسكنها بنات النصارى وعدّة من الرهبان، فكسروا أبواب الكنيستين وسبوا البنات وكنّ زيادة على ستين بنتا، وأخذوا ما عليهنّ من الثياب ونهبوا سائر ما ظفروا به، وحرّقوا وهدموا تلك الكنائس كلها، هذا والناس في صلاة الجمعة، فعندما خرج الناس من الجوامع شاهدوا هولا كبيرا من كثرة الغبار ودخان الحريق ومرج الناس وشدّة حركاتهم، ومعهم ما نهبوه، فما شبه الناس الحال لهوله إلّا بيوم القيامة، وانتشر الخبر وطار إلى الرميلة تحت قلعة الجبل، فسمع السلطان ضجة عظيمة ورجة منكرة أفزعته،
فبعث لكشف الخبر، فلما بلغه ما وقع انزعج انزعاجا عظيما وغضب من تجري العامّة وإقدامهم على ذلك بغير أمره، وأمر الأمير أيدغمش أميراخور أن يركب بجماعة الأوشاقية ويتدارك هذا الخلل، ويقبض على من فعله، فأخذ أيدغمش يتهيأ للركوب وإذا بخبر قد ورد من القاهرة أن العامّة ثارت في القاهرة وخرّبت كنيسة بحارة الروم، وكنيسة بحارة زويلة، وجاء الخبر من مدينة مصر أيضا بأن العامّة قامت بمصر في جمع كثير جدّا وزحفت إلى كنيسة المعلقة بقصر الشمع فأغلقها النصارى وهم محصورون بها وهي على أن توخذ، فتزايد غضب السلطان وهمّ أن يركب بنفسه ويبطش بالعامّة، ثم تأخر لمّا راجعه الأمير أيدغمش ونزل من القلعة في أربعة من الأمراء إلى مصر، وركب الأمير بيبرس الحاجب، والأمير الماس الحاجب إلى موضع الحفر، وركب الأمير طينال إلى القاهرة، وكل منهم في عدّة وافرة، وقد أمر السلطان بقتل من قدروا عليه من العامّة، بحيث لا يعفو عن أحد، فقامت القاهرة ومصر على ساق، وفرّت النهابة، فلم يظفر الأمراء منهم إلّا بمن عجز عن الحركة بما غلبه من السكر بالخمر الذي نهبه من الكنائس، ولحق الأمير أيدغمش بمصر وقد ركب الوالي إلى المعلقة قبل وصوله ليخرج من زقاق المعلقة من حضر للنهب، فأخذه الرجم حتى فرّ منهم، ولم يبق إلّا أن يحرق باب الكنيسة، فجرّد أيدغمش ومن معه السيوف يريدون الفتك بالعامّة، فوجدوا عالما لا يقع عليه حصر، وخاف سوء العاقبة، فأمسك عن القتل وأمر أصحابه بإرجاف العامّة من غير إهراق دم، ونادى منادية: من وقف حلّ دمه.
ففرّ سائر من اجتمع من العامّة وتفرّقوا، وصار أيدغمش واقفا إلى أن أذّن العصر خوفا من عود العامّة، ثم مضى وألزم والي مصر أن يبيت بأعوانه هناك، وترك معه خمسين من الأوشاقية.
وأما الأمير الماس فإنه وصل إلى كنائس الحمراء وكنائس الزهريّ ليتداركها، فإذا بها قد بقيت كيمانا ليس بها جدار قائم، فعاد وعاد الأمراء، فردّوا الخبر على السلطان وهو لا يزداد إلّا حنقا، فما زالوا به حتى سكن غضبه، وكان الأمر في هدم هذه الكنائس عجبا من العجب، وهو أن الناس لما كانوا في صلاة الجمعة من هذا اليوم بجامع قلعة الجبل، فعندما فرغوا من الصلاة قام رجل موله وهو يصيح من وسط الجامع: اهدموا الكنيسة التي في القلعة، اهدموها. وأكثر من الصياح المزعج حتى خرج عن الحدّ، ثم اضطرب. فتعجب السلطان والأمراء من قوله، ورسم لنقيب الجيوش والحاجب بالفحص عن ذلك، فمضيا من الجامع إلى خرائب التتر من القلعة، فإذا فيها كنيسة قد بنيت فهدموها، ولم يفرغوا من هدمها حتى وصل الخبر بواقعة كنائس الحمراء والقاهرة، فكثر تعجب السلطان من شأن ذلك الفقير، وطلب فلم يوقف له على خبر، واتفق أيضا بالجامع الأزهر أن الناس لما اجتمعوا في هذا اليوم لصلاة الجمعة، أخذ شخصا من الفقراء مثل الرعدة، ثم قام بعد ما أذن قبل أن يخرج الخطيب وقال: اهدموا كنائس الطغيان والكفرة، نعم الله أكبر، فتح الله ونصر.
وصار يزعج نفسه ويصرخ من الأساس إلى الأساس، فحدّق الناس بالنظر إليه ولم يدروا ما خبره، وافترقوا في أمره. فقائل هذا مجنون، وقائل هذه إشارة لشيء. فلما خرج الخطيب أمسك عن الصياح، وطلب بعد انقضاء الصلاة فلم يوجد. وخرج الناس إلى باب الجامع فرأوا النهابة ومعهم أخشاب الكنائس وثياب النصارى وغير ذلك من النهوب، فسألوا عن الخبر فقيل: قد نادى السلطان بخراب الكنائس، فظنّ الناس الأمر كما قيل، حتى تبين بعد قليل أن هذا الأمر إنما كان من غير أمر السلطان، وكان الذي هدم في هذا اليوم من الكنائس بالقاهرة، كنيسة بحارة الروم، وكنيسة بالبندقانيين، وكنيستين بحارة زويلة. وفي يوم الأحد الثالث من يوم الجمعة الكائن فيه هدم كنائس القاهرة ومصر، ورد الخبر من الأمير بدر الدين بيلبك المحسنيّ والي الإسكندرية، بأنه لما كان يوم الجمعة تاسع ربيع الآخر بعد صلاة الجمعة، وقع في الناس هرج، وخرجوا من الجامع وقد وقع الصياح: هدمت الكنائس- فركب المملوك من فوره فوجد الكنائس قد صارت كوما، وعدّتها أربع كنائس، وأن بطاقة وقعت من والي البحيرة بأن كنيستين في مدينة دمنهور هدمتا والناس في صلاة الجمعة من هذا اليوم، فكثر التعجب من ذلك، إلى أن ورد في يوم الجمعة سادس عشرة الخبر من مدينة قوص بأن الناس عند ما فرغوا من صلاة الجمعة في اليوم التاسع من شهر ربيع الآخر، قام رجل من الفقراء وقال يا فقراء اخرجوا إلى هدم الكنائس، وخرج في جمع من الناس فوجدوا الهدم قد وقع في الكنائس، فهدمت ست كنائس كانت بقوص وما حولها في ساعة واحدة، وتواتر الخبر من الوجه القبليّ والوجه البحريّ بكثرة ما هدم في هذا اليوم وقت صلاة الجمعة وما بعدها من الكنائس والأديرة، في جميع إقليم مصر كله، ما بين قوص والإسكندرية ودمياط، فاشتدّ حنق السلطان على العامّة خوفا من فساد الحال، وأخذ الأمراء في تسكين غضبه وقالوا: هذا الأمر ليس من قدرة البشر فعله، ولو أراد السلطان وقوع ذلك على هذه الصورة لما قدر عليه، وما هذا إلّا بأمر الله سبحانه، وبقدره لما علم من كثرة فساد النصارى وزيادة طغيانهم، ليكون ما وقع نقمة وعذابا لهم، هذا والعامّة بالقاهرة ومصر قد اشتدّ خوفهم من السلطان لما كان يبلغهم عنه من التهديد لهم بالقتل، ففرّ عدّة من الأوباش والغوغاء، وأخذ القاضي فخر الدين ناظر الجيش في ترجيع السلطان عن الفتك بالعامّة وسياسة الحال معه، وأخذ كريم الدين الكبير ناظر الخاص يغريه بهم إلى أن أخرجه السلطان إلى الإسكندرية بسبب تحصيل المال، وكشف الكنائس التي خربت بها.
فلم يمض سوى شهر من يوم هدم الكنائس حتى وقع الحريق بالقاهرة ومصر في عدّة مواضع، وحصل فيه من الشناعة أضعاف ما كان من هدم الكنائس، فوقع الحريق في ربع بخط الشوّايين من القاهرة، في يوم السبت عاشر جمادى الأولى، وسرت النار إلى ما حوله واستمرّت إلى آخر يوم الأحد، فتلف في هذا الحريق شيء كثير، وعند ما أطفيء وقع الحريق بحارة الديلم في زقاق العريسة بالقرب من دور كريم الدين ناظر الخاص، في خامس عشري
جمادى الأولى، وكانت ليلة شديدة الريح، فسرت النار من كلّ ناحية حتى وصلت إلى بيت كريم الدين، وبلغ ذلك السلطان فانزعج انزعاجا عظيما لما كان هناك من الحواصل السلطانية، وسيّر طائفة من الأمراء لإطفائه، فجمعوا الناس لإطفائه وتكاثروا عليه وقد عظم الخطب من ليلة الاثنين إلى ليلة الثلاثاء، فتزايد الحال في اشتعال النار وعجز الأمراء والناس عن إطفائها لكثرة انتشارها في الأماكن وقوّة الريح التي ألقت باسقات النخل، وغرّقت المراكب، فلم يشكّ الناس في حريق القاهرة كلّها، وصعدوا المآذن، وبرز الفقراء وأهل الخير والصلاح وضجوا بالتكبير والدعاء، وجأروا وكثر صراخ الناس وبكاؤهم، وصعد السلطان إلى أعلى القصر فلم يتمالك الوقوف من شدّة الريح، واستمرّ الحريق والاستحثاث يرد على الأمراء من السلطان في إطفائه إلى يوم الثلاثاء، فنزل نائب السلطان ومعه جميع الأمراء وسائر السقائين، ونزل الأمير بكتمر الساقي، فكان يوما عظيما لم ير الناس أعظم منه ولا أشدّ هولا، ووكل بأبواب القاهرة من يردّ السقائين إذا خرجوا من القاهرة لأجل إطفاء النار، فلم يبق أحد من سقائي الأمراء وسقائي البلد إلّا وعمل، وصاروا ينقلون الماء من المدارس والحمامات، وأخذ جميع النجارين وسائر البنائين لهدم الدور، فهدم في هذه النوبة ما شاء الله من الدور العظيمة والرباع الكبيرة، وعمل في هذا الحريق أربعة وعشرون أميرا من الأمراء المقدّمين، سوى من عداهم من أمراء الطبلخانات والعشراوات والمماليك، وعمل الأمراء بأنفسهم فيه، وصار الماء من باب زويلة إلى حارة الديلم في الشارع بحرا من كثرة الرجال والجمال التي تحمل الماء، ووقف الأمير بكتمر الساقي والأمير أرغون النائب على نقل الحواصل السلطانية من بيت كريم الدين إلى بيت ولده بدرب الرصاصيّ، وخرّبوا ستة عشر دارا من جوار الدار وقبالتها، حتى تمكنوا من نقل الحواصل، فما هو إلا أن كمل إطفاء الحريق ونقل الحواصل، وإذا بالحريق قد وقع في ربع الظاهر خارج باب زويلة، وكان يشتمل على مائة وعشرين بيتا، وتحته قيسارية تعرف بقيسارية الفقراء، وهب مع الحريق ريح قوية، فركب الحاجب والوالي لإطفائه وهدموا عدّة دور من حوله حتى انطفأ، فوقع في ثاني يوم حريق بدار الأمير سلار في خط بين القصرين، ابتدأ من الباذهنج، وكان ارتفاعه عن الأرض مائة ذراع بالعمل، فوقع الاجتهاد فيه حتى أطفيء، فأمر السلطان الأمير علم الدين سنجر الخازن والي القاهرة، والأمير ركن الدين بيبرس الحاجب، بالاحتراز واليقظة، ونودي بأن يعمل عند كلّ حانوت دنّ فيه ماء، أو زير مملوء بالماء، وأن يقام مثل ذلك في جميع الحارات والأزقة والدروب، فبلغ ثمن كل دنّ خمس دراهم بعد درهم، وثمن الزير ثمانية دراهم، ووقع حريق بحارة الروم وعدّة مواضع، حتى أنه لم يخل يوم من وقوع الحريق في موضع، فتنبه الناس لما نزل بهم، وظنوا أنه من أفعال النصارى، وذلك أن النار كانت ترى في منابر الجوامع وحيطان المساجد والمدارس، فاستعدّوا للحريق وتتبعوا الأحوال حتى وجدوا هذا الحريق من نفط قد لف عليه خرق مبلولة بزيت وقطران. فلما كان
ليلة الجمعة النصف من جمادى، قبض على راهبين عند ما خرجا من المدرسة الكهارية بعد العشاء الآخرة، وقد اشتعلت النار في المدرسة، ورائحة الكبريت في أيديهما، فحملا إلى الأمير علم الدين الخازن والي القاهرة، فأعلم السلطان بذلك فأمر بعقوبتهما، فما هو إلّا أن نزل من القلعة وإذا بالعامّة قد أمسكوا نصرانيا وجد في جامع الظاهر ومعه خرق على هيئة الكعكة، في داخلها قطران ونفط، وقد ألقى منها واحدة بجانب المنبر، وما زال واقفا إلى أن خرج الدخان فمشى يريد الخروج من الجامع، وكان قد فطن به شخص وتأمّله من حيث لم يشعر به النصرانيّ، فقبض عليه وتكاثر الناس فجرّوه إلى بيت الوالي وهو بهيئة المسلمين، فعوقب عند الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب، فاعترف بأن جماعة من النصارى قد اجتمعوا على عمل نفط وتفريقه مع جماعة من أتباعهم، وأنه ممن أعطي ذلك وأمر بوضعه عند منبر جامع الظاهر، ثم أمر بالراهبين فعوقبا فاعترفا أنهما من سكان دير البغل، وأنهما هما اللذان أحرقا المواضع التي تقدّم ذكرها بالقاهرة، غيرة وحنقا من المسلمين لما كان من هدمهم للكنائس، وأن طائفة النصارى تجمعوا وأخرجوا من بينهم مالا جزيلا لعمل هذا النفط. واتفق وصول كريم الدين ناظر الخاص من الإسكندرية، فعرّفه السلطان ما وقع من القبض على النصارى، فقال: النصارى لهم بطرك يرجعون إليه ويعرف أحوالهم، فرسم السلطان بطلب البطرك عند كريم الدين ليتحدّث معه في أمر الحريق وما ذكره النصارى من قيامهم في ذلك، فجاء في حماية والي القاهرة في الليل خوفا من العامّة، فلما أن دخل بيت كريم الدين بحارة الديلم وأحضر إليه الثلاثة النصارى من عند الوالي، قالوا لكريم الدين بحضرة البطرك والوالي جميع ما اعترفوا به قبل ذلك، فبكى البطرك عند ما سمع كلامهم وقال: هؤلاء سفهاء النصارى، قصدوا مقابلة سفهاء المسلمين على تخريبهم الكنائس، وانصرف من عند كريم الدين مبجلا مكرّما، فوجد كريم الدين قد أقام له بغلة على بابه ليركبها، فركبها وسار، فعظم ذلك على الناس وقاموا عليه يدا واحدة، فلولا أن الوالي كان يسايره وإلّا هلك، وأصبح كريم الدين يريد الركوب إلى القلعة على العادة، فلما خرج إلى الشارع صاحت به العامّة ما يحلّ لك يا قاضي تحامي للنصارى وقد أحرقوا بيوت المسلمين وتركبهم بعد هذا البغال، فشق عليه ما سمع وعظمت نكايته، واجتمع بالسلطان، فأخذ يهوّن أمر النصارى الممسوكين ويذكر أنهم سفهاء وجهال، فرسم السلطان للوالي بتشديد عقوبتهم، فنزل وعاقبهم عقوبة مؤلمة، فاعترفوا بأن أربعة عشر راهبا بدير البغل قد تحالفوا على إحراق ديار المسلمين كلها، وفيهم راهب يصنع النفط، وأنهم اقتسموا القاهرة ومصر، فجعل للقاهرة ثمانية، ولمصر ستة، فكبس دير البغل وقبض على من فيه وأحرق من جماعته أربعة بشارع صليبة جامع ابن طولون في يوم الجمعة، وقد اجتمع لمشاهدتهم عالم عظيم، فضرى من حينئذ جمهور الناس على النصارى وفتكوا بهم، وصاروا يسلبون ما عليهم من الثياب حتى فحش الأمر وتجاوزوا فيهم المقدار، فغضب السلطان من ذلك وهمّ أن يوقع
بالعامّة، واتفق أنه ركب من القلعة يريد الميدان الكبير في يوم السبت، فرأى من الناس أمما عظيمة قد ملأت الطرقات وهم يصيحون نصر الله الإسلام، أنصر دين محمد بن عبد الله.
فخرج من ذلك، وعندما نزل الميدان أحضر إليه الخازن نصرانيين قد قبض عليهما وهما يحرقان الدور، فأمر بتحريقهما، فأخرجا وعمل لهما حفرة وأحرقا بمرأى من الناس، وبينا هم في إحراق النصرانيين إذا بديوان الأمير بكتمر الساقي قد مرّ يريد بيت الأمير بكتمر، وكان نصرانيا، فعندما عاينه العامّة ألقوه عن دابته إلى الأرض وجرّدوه من جميع ما عليه من الثياب وحملوه ليلقوه في النار، فصاح بالشهادتين وأظهر الإسلام، فأطلق.
واتفق مع هذا مرور كريم الدين، وقد لبس التشريف، من الميدان، فرجمه من هنالك رجما متتابعا وصاحوا به: كم تحامي للنصارى وتشدّ معهم، ولعنوه وسبّوه، فلم يجد بدّا من العود إلى السلطان وهو بالميدان، وقد اشتدّ ضجيج العامّة وصياحهم حتى سمعهم السلطان، فلما دخل عليه وأعلمه الخبر امتلأ غضبا واستشار الأمراء، وكان بحضرته منهم الأمير جمال الدين نائب الكرك، والأمير سيف الدين البوبكريّ، والخطيريّ، وبكتمر الحاجب في عدّة أخرى، فقال الأبوبكريّ: العامة عمي والمصلحة أن يخرج إليهم الحاجب ويسألهم عن اختيارهم حتى يعلم. فكره هذا من قوله السلطان، وأعرض عنه. فقال نائب الكرك: كل هذا من أجل الكتاب النصارى، فإن الناس أبغضوهم، والرأي أن السلطان لا يعمل في العامة شيئا، وإنما يعزل النصارى من الديوان. فلم يعجبه هذا الرأي أيضا، وقال للأمير الماس الحاجب: امض ومعك أربعة من الأمراء وضع السيف في العامّة من حين تخرج من باب الميدان إلى أن تصل إلى باب زويلة، واضرب فيهم بالسيف من باب زويلة إلى باب النصر، بحيث لا ترفع السيف عن أحد البتة. وقال لوالي القاهرة: اركب إلى باب اللوق وإلى باب البحر، ولا تدع أحدا حتى تقبض عليه وتطلع به إلى القلعة، ومتى لم تحضر الذين رجموا وكيلي، يعني كريم الدين، وإلّا وحياة رأسي شنقتك عوضا عنهم، وعين معه عدّة من المماليك السلطانية، فخرج الأمراء بعد ما تلكئوا في المسير حتى اشتهر الخبر، فلم يجدوا أحدا من الناس حتى ولا غلمان الأمراء وحواشيهم، ووقع القول بذلك في القاهرة، فغلقت الأسواق جميعها، وحل بالناس أمر لم يسمع بأشدّ منه، وسار الأمراء فلم يجدوا في طول طريقهم أحدا إلى أن بلغوا باب النصر، وقبض الوالي من باب اللوق وناحية بولاق وباب البحر كثيرا من الكلابزية والنواتية وأسقاط الناس، فاشتدّ الخوف وعدّى كثير من الناس إلى البرّ الغربيّ بالجيزة، وخرج السلطان من الميدان فلم يجد في طريقه إلى أن صعد قلعة الجبل أحدا من العامّة، وعند ما استقرّ بالقلعة سيّر إلى الوالي يستعجل حضوره، فما غربت الشمس حتى أحضر ممن أمسك من العامّة نحو مائتي رجل، فعزل منهم طائفة أمر بشنقهم، وجماعة رسم بتوسيطهم، وجماعة رسم بقطع أيديهم، فصاحوا بأجمعهم: يا خوند ما يحلّ لك، ما نحن الذين رجمنا، فبكى الأمير بكتمر الساقي ومن
حضر من الأمراء رحمة لهم، وما زالوا بالسلطان إلى أن قال للوالي: اعزل منهم جماعة، وانصب الخشب من باب زويلة إلى تحت القلعة بسوق الخيل، وعلّق هؤلاء بأيديهم. فلما أصبح يوم الأحد علق الجميع من باب زويلة إلى سوق الخيل، وكان فيهم من له بزة وهيئة، ومرّ الأمراء بهم فتوجعوا لهم وبكوا عليهم، ولم يفتح أحد من أرباب الحوانيت بالقاهرة ومصر في هذا اليوم حانوتا، وخرج كريم الدين من داره يريد القلعة على العادة فلم يستطع المرور على المصولبين، وعدل عن طريق باب زويلة، وجلس السلطان في الشباك وقد أحضر بين يديه جماعة ممن قبض عليهم الوالي فقطع أيدي وأرجل ثلاثة منهم والأمراء لا يقدرون على الكلام معه في أمرهم لشدّة حنقه، فتقدّم كريم الدين وكشف رأسه وقبّل الأرض وهو يسأل العفو، فقبل سؤاله وأمر بهم أن يعملوا في حفير الجيزة، فأخرجوا وقد مات ممن قطع أيديهم اثنان، وأنزل المعلقون من على الخشب.
وعند ما قام السلطان من الشباك وقع الصوت بالحريق في جهة جامع ابن طولون، وفي قلعة الجبل، وفي بيت الأمير ركن الدين الأحمديّ بحارة بهاء الدين، وبالفندق خارج باب البحر من المقس وما فوقه من الربع، وفي صبيحة يوم هذا الحريق قبض على ثلاثة من النصارى وجد معهم فتائل النفط، فأحضروا إلى السلطان واعترفوا بأن الحريق كان منهم، واستمرّ الحريق في الأماكن إلى يوم السبت، فلما ركب السلطان إلى الميدان على عادته، وجد نحو عشرين ألف نفس من العامّة قد صبغوا خرقا بلون أزرق وعلموا فيها صلبانا بيضا، وعند ما رأوا السلطان صاحوا بصوت عال واحد لا دين إلّا دين الإسلام، نصر الله دين محمد بن عبد الله، يا ملك الناصر، يا سلطان الإسلام انصرنا على أهل الكفر، ولا تنصر النصارى. فارتجت الدنيا من هول أصواتهم، وأوقع الله الرعب في قلب السلطان وقلوب الأمراء، وسار وهو في فكر زائد حتى نزل بالميدان وصراخ العامة لا يبطل، فرأى أن الرأي في استعمال المداراة، وأمر الحاجب أن يخرج وينادي بين يديه: من وجد نصرانيا فله ماله ودمه. فخرج ونادى بذلك، فصاحت العامّة وصرخت: نصرك الله. وضجوا بالدعاء، وكان النصارى يلبسون العمائم البيض، فنودي في القاهرة ومصر من وجد نصرانيا بعمامة بيضاء حلّ له دمه وماله، ومن وجد نصرانيا راكبا حلّ له دمه وماله، وخرج مرسوم بلبس النصارى العمامة الزرقاء، وأن لا يركب أحد منهم فرسا ولا بغلا، ومن ركب حمارا فليركبه مقلوبا، ولا يدخل نصرانيّ الحمام إلّا وفي عنقه جرس، ولا يتزيا أحد منهم بزيّ المسلمين، ومنع الأمراء من استخدام النصارى، وأخرجوا من ديوان السلطان. وكتب لسائر الأعمال بصرف جميع المباشرين من النصارى، وكثر إيقاع المسلمين بالنصارى حتى تركوا السعي في الطرقات، وأسلم منهم جماعة كثيرة، وكان اليهود قد سكت عنهم في هذه المدّة، فكان النصرانيّ إذا أراد أن يخرج من منزله يستعير عمامة صفراء من أحد من اليهود ويلبسها، حتى يسلم من العامّة، واتفق أن بعض دواوين النصارى كان له عند يهوديّ مبلغ أربعة آلاف درهم
نقرة، فصار إلى بيت اليهوديّ وهو متنكر في الليل ليطالبه، فأمسكه اليهودي وقال: أنا بالله وبالمسلمين، وصاح. فاجتمع الناس لأخذ النصرانيّ، ففرّ إلى داخل بيت اليهوديّ واستجار بامرأته، وأشهد عليه بإبراء اليهوديّ حتى خلص منه، وعثر على طائفة من النصارى بدير الخندق يعملون النفط لإحراق الأماكن، فقبض عليهم وسمروا ونودي في الناس بالأمان، وأنهم يتفرّجون على عادتهم عند ركوب السلطان إلى الميدان، وذلك أنهم كانوا قد تخوّفوا على أنفسهم لكثرة ما أوقعوا بالنصارى، وزادوا في الخروج عن الحدّ، فاطمأنوا وخرجوا على العادة إلى جهة الميدان، ودعوا للسلطان، وصاروا يقولون نصرك الله يا سلطان الأرض، اصطلحنا اصطلحنا، وأعجب السلطان ذلك وتبسم من قولهم، وفي تلك الليلة وقع حريق في بيت الأمير الماس الحاجب من القلعة، وكان الريح شديدا، فقويت النار وسرت إلى بيت الأمير ايتمش، فانزعج أهل القلعة وأهل القاهرة وحسبوا أن القلعة جميعها احترقت، ولم يسمع بأشنع من هذه الكائنة، فإنه احترق على يد النصارى بالقاهرة ربع في سوق الشوّايين، وزقاق العريسة بحارة الديلم، وستة عشر بيتا بجوار بيت كريم الدين، وعدّة أماكن بحارة الروم، ودار بهادر بجوار المشهد الحسينيّ، وأماكن باصطبل الطارمة وبدرب العسل، وقصر أمير سلاح، وقصر سلار بخط بين القصرين، وقصر بيسرى، وخان الحجر، والجملون، وقيسارية الادم، ودار بيبرس بحارة الصالحية، ودار ابن المغربيّ بحارة زويلة، وعدّة أماكن بخط بئر الوطاويط وبيشكر وفي قلعة الجبل وفي كثير من الجوامع والمساجد إلى غير ذلك من الأماكن بمصر والقاهرة يطول عددها.
وخرب من الكنائس كنيسة بخرائب التتر من قلعة الجبل، وكنيسة الزهري في الموضع الذي فيه الآن البركة الناصرية، وكنيسة الحمراء، وكنيسة بجوار السبع سقايات تعرف بكنيسة البنات، وكنيسة أبي المنيا، وكنيسة الفهادين بالقاهرة، وكنيسة بحارة الروم، وكنيسة بالبندقانيين، وكنيستان بحارة زويلة، وكنيسة بخزانة البنود، وكنيسة بالخندق، وأربع كنائس بثغر الإسكندرية، وكنيستان بمدينة دمنهور الوحش، وأربع كنائس بالغربية، وثلاث كنائس بالشرقية، وست كنائس بالبهنساوية، وبسيوط ومنفلوط ومنية الخصيب ثمان كنائس، وبقوص وأسوان إحدى عشرة كنيسة، وبالأطفيحية كنيسة، وبسوق وردان من مدينة مصر، وبالمصاصة وقصر الشمع من مصر ثمان كنائس، وخرب من الديارات شيء كثير، وأقام دير البغل ودير شهران مدّة ليس فيهما أحد، وكانت هذه الخطوب الجليلة في مدّة يسيرة. قلما يقع مثلها في الأزمان المتطاولة، هلك فيها من الأنفس وتلف فيها من الأموال وخرب من الأماكن ما لا يمكن وصفه لكثرته، ولله عاقبة الأمور.
كنيسة ميكائيل: هذه الكنيسة كانت عند خليج بني وائل خارج مدينة مصر قبليّ عقبة يحصب، وهي الآن قريبة من جسر الأفرم، أحدثت في الإسلام وهي مليحة البناء.
كنيسة مريم: في بساتين الوزير قبليّ بركة الحبش خالية ليس بها أحد.
كنيسة مريم: بناحية العدوية من قبليها قديمة وقد تلاشت.
كنيسة أنطونيوس: بناحية بياض قبليّ اطفيح، وهي محدثة. وكان بناحية شرنوب عدّة كنائس خربت، وبقي بناحية أهريت الجبل قبليّ بياض بيومين. كنيسة السيدة: بناحية أشكر وعلى بابها برج مبنيّ بلبن كبار يذكر أنه موضع ولد موسى بن عمران عليه السلام.
كنيسة مريم: بناحية الخصوص وهي بيت فعملوه كنيسة لا يعبأ بها.
كنيسة مريم
وكنيسة بخنس القصير
وكنيسة غبريال: هذه الكنائس الثلاث بناحية أبنوب.
كنيسة أسبوطير ومعناه المخلص: هذه الكنيسة بمدينة اخميم، وهي كنيسة معظمة عندهم، وهي على اسم الشهداء، وفيها بئر إذا جعل ماؤها في القنديل صار أحمر قانيا كأنه الدم.
كنيسة ميكائيل: بمدينة أخميم أيضا، ومن عادة النصارى بهاتين الكنيستين إذا عملوا عيد الزيتونة المعروف بعيد الشعانين أن يخرج القسوس والشمامسة بالمجامر والبخور والصلبان والأناجيل والشموع المشتعلة ويقفوا على باب القاضي، ثم أبواب الأعيان من المسلمين، فيبخروا ويقرءوا فصلا من الإنجيل، ويطرحوا له طرحا، يعني يمدحونه.
كنيسة بوبخوم: بناحية اتفه، وهي آخر كنائس الجانب الشرقيّ، وبخوم ويقال بخوميوس، كان راهبا في زمن بوشنودة، ويقال له أبو الشركة من أجل أنه كان يربي الرهبان، فيجعل لكل راهبين معلما، وكان لا يمكن من دخول الخمر ولا اللحم إلى ديره، ويأمر بالصوم إلى آخر التاسعة من النهار، ويطعم رهبانه الحمص المصلوق، ويقال له عندهم حمص القلة، وقد خرب ديره وبقيت كنيسته هذه باتفه قبليّ اخميم.
كنيسة مرقص الإنجيليّ: بالجيزة، خربت بعد سنة ثمانمائة ثم عمرت. ومرقص هذا أحد الحواريين، وهو صاحب كرسيّ مصر والحبشة.
كنيسة بوجرج: بناحية أبي النمرس من الجيزة، هدمت في سنة ثمانين وسبعمائة، كما تقدّم ذكره ثم أعيدت بعد ذلك.
كنيسة بوفار: آخر أعمال الجيزة.
كنيسة شنودة: بناحية هربشت.
كنيسة بوجرج: بناحية ببا، وهي جليلة عندهم يأتونها بالنذور ويحلفون بها، ويحكون لها فضائل متعدّدة.
كنيسة ماروطا القدّيس: بناحية شمسطا، وهم يبالغون في ماروطا هذا، وكان من عظماء رهبانهم، وجسده في انبوبة بدير بوبشاء من برّية شيهات، يزورونه إلى اليوم.
كنيسة مريم بالبهناس: ويقال أنه كان بالبهنسا ثلاثمائة وستون كنيسة خربت كلها، ولم يبق بها إلّا هذه الكنيسة لا غير.
كنيسة صمويل: الراهب بناحية شبري.
كنيسة مريم: بناحية طنبدي وهي قديمة.
كنيسة ميخائيل: بناحية طنبدي وهي كبيرة قديمة، وكان هناك كنائس كثيرة خربت، وأكثر أهل طنبدي نصارى أصحاب صنائع.
كنيسة الأيصطولي: أعني الرسل، بناحية أشنين، وهي كبيرة جدّا.
كنيسة مريم: بناحية اشنين أيضا وهي قديمة.
كنيسة ميخائيل
وكنيسة غبريال: بناحية اشنين أيضا، وكان بهذه الناحية مائة وستون كنيسة خربت كلها إلّا هذه الكنائس الأربع، وأكثر أهل اشنين نصارى، وعليهم الدرك في الخفارة، وبظاهرها آثار كنائس يعملون فيها أعيادهم، منها كنيسة بوجرج، وكنيسة مريم، وكنيسة ماروطا، وكنيسة بربارة، وكنيسة كفريل، وهو جبريل عليه السلام.
وفي منية ابن خصيب ست كنائس: كنيسة المعلقة وهي كنيسة السيدة، وكنيسة بطرس وبولص، وكنيسة ميكائيل، وكنيسة بوجرج، وكنيسة انيابولا الطمويهيّ، وكنيسة الثلاث فتية، وهم حنانيا وعزاريا وميصائيل، وكانوا أجنادا في أيام بخت نصر فعبدوا الله تعالى خفية، فلما عثروا عليهم راودهم بخت نصر أن يرجعوا إلى عبادة الأصنام فامتنعوا من ذلك، فسجنهم مدّة ليرجعوا فلم يرجعوا، فأخرجهم وألقاهم في النار فلم تحرقهم، والنصارى تعظمهم، وإن كانوا قبل المسيح بدهر.
كنيسة بناحية طحا: على اسم الحواريين الذين يقال لهم عندهم الرسل.
كنيسة مريم: بناحية طحا أيضا.
كنيسة الحكيمين: بناحية منهري، لها عيد عظيم في بشنس يحضره الأسقف، ويقام هناك سوق كبير في العيد، وهذان الحيكمان هما قزمان ودميان الراهبان.
كنيسة السيدة: بناحية بقرقاس قديمة كبيرة.
وبناحية ملوى كنيسة كنيسة الرسل، وكنيستان خراب، إحداهما على اسم بوجرج، والأخرى على اسم الملك ميخائيل. وبناحية دلجة كنائس كثيرة لم يبق منها إلّا ثلاث
كنائس: كنيسة السيدة، وهي كبيرة. وكنيسة شنودة، وكنيسة مرقورة، وقد تلاشت كلها.
وبناحية صنبو كنيسة انبابولا، وكنيسة بوجرج، وصنبو كثيرة النصارى. وبناحية ببلاو وهي بحريّ صنبو كنيسة قديمة بجانبها الغربيّ على اسم جرجس، وبها نصارى كثيرون فلاحون.
وبناحيا دروط كنيسة وفي خارجها شبه الدير على اسم الراهب ساراماتون، وكان في زمان شنودة، وعمل أسقفا، وله أخبار كثيرة. وبناحية بوق بنى زيد كنيسة كبيرة على اسم الرسل، ولها عيد. وبالقوصية كنيسة مريم، وكنيسة غبريال، وبناحية دمشير كنيسة الشهيد مرقوريوس، وهي قديمة وبها عدّة نصارى. وبناحية أمّ القصور كنيسة بوبخنس القصير وهي قديمة. وبناحية بلوط من ضواحي منفلوط كنيسة ميخائيل وهي صغيرة. وبناحية البلاعزة من ضواحي منفلوط كنيسة صغيرة يقيم بها القسيس بأولاده. وبناحية شقلقيل ثلاث كنائس كبار قديمة إحداها على اسم الرسل، وأخرى باسم ميخائيل، وأخرى باسم بومنا. وبناحية منشأة النصارى كنيسة ميخائيل. وبمدينة سيوط كنيسة بوسدرة وكنيسة الرسل، وبخارجها كنيسة بومينا. وبناحية درنكة كنيسة قديمة جدّا على اسم الثلاثة فتية حنانيا وعزاريا وميصائيل، وهي مورد لفقراء النصارى، ودرنكة أهلها من النصارى يعرفون اللغة القبطية، فيتحدّث صغيرهم وكبيرهم بها، ويفسرونها بالعربية. وبناحية ريفة كنيسة بوقلتة الطبيب الراهب صاحب الأحوال العجيبة في مداواة الرمدى من الناس، وله عيد يعمل بهذه الكنيسة. وبها كنيسة ميخائيل أيضا، وقد أكلت الأرضة جانب ريفة الغربيّ. وبناحية موشة كنيسة مركبة على حمام على اسم الشهيد بقطر، وبنيت في أيام قسطنطين ابن هيلانة، ولها رصيف عرضه عشرة أذرع، ولها ثلاث قباب ارتفاع كل منها نحو الثمانين ذراعا، مبنية بالحجر الأبيض كلها، وقد سقط نصفها الغربيّ، ويقال أنّ هذه الكنيسة على كنز تحتها، ويذكر أنه كان من سيوط إلى موشة هذه ممشاة تحت الأرض.
وبناحية بقور من ضواحي بوتيج كنيسة قديمة للشهيد اكلوديس، وهو يعدل عندهم مرقوريوس، وجاأرجيوس، وهو أبو جرج والإسفهسلارتا أدروس وميتاوس، وكان أكلوديوس أبوه من قوّاد ديقلطيانوس، وعرف هو بالشجاعة فتنصر، فأخذه الملك وعذبه ليرجع إلى عبادة الأصنام، فثبت حتى قتل وله أخبار كثيرة.
وبناحية القطيعة كنيسة على اسم السيدة، وكان بها أسقف يقال له الدوين، بينه وبينهم منافرة فدفنوه حيا، وهم من شرار النصارى معروفون بالشرّ، وكان منهم نصرانيّ يقال له جرجس ابن الراهبة، تعدّى طوره فضرب رقبته الأمير جمال الدين يوسف الأستادار بالقاهرة في أيام الناصر فرج بن برقوق.
وبناحية بوتيج كنائس كثيرة قد خربت، وصار النصارى يصلون في بيت لهم سرّا، فإذا طلع النهار خرجوا إلى آثار كنيسة وعملوا لها سياجا من جريد شبه القفص وأقاموا هناك عباداتهم.