الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لو صح ذا كان الإله بزعمكم
…
منع الشريعة أن تقام حدودها
حاشا وكلّا أنّ يكون إلهنا
…
ينهى عن الفحشاء ثم يريدها
وله قصيدة سماها الجوهرية، في الردّ على القدرية، وجدّد الجامع الذي بالقرافة الكبرى، ووقف ناحية بلقس على أن يكون ثلثاها على الأشراف من بني حسن وبني حسين ابني عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم، وسبع قراريط منها على أشراف المدينة النبوية، وجعل فيها قيراطا على بني معصوم إمام مشهد عليّ رضي الله عنه، ولما ولى الوزارة مال على المستخدمين بالدولة وعلى الأمراء، وأظهر مذهب الإمامية وهو مخالف لمذهب القوم، وباع ولايات الأعمال للأمراء بأسعار مقرّرة، وجعل مدة كلّ متولى ستة أشهر، فتضرّر الناس من كثرة تردّد الولاة على البلاد، وتعبوا من ذلك، وكان له مجلس في الليل يحضره أهل العلم ويدوّنون شعره، ولم يترك مدّة أيامه غزو الفرنج وتسيير الجيوش لقتالهم في البرّ والبحر، وكان يخرج البعوث في كل سنة مرارا، وكان يحمل في كلّ عام إلى أهل الحرمين مكة والمدينة من الأشراف سائر ما يحتاجون إليه من الكسوة وغيرها، حتى يحمل إليهم ألواح الصبيان التي يكتب فيها، والأقلام والمداد وآلات النساء، ويحمل كلّ سنة إلى العلويين الذين بالمشاهد جملا كبيرة، وكان أهل العلم يغدون إليه من سائر البلاد، فلا يخيب أمل قاصد منهم.
ولما كان في الليلة التي قتل صبيحتها قال: في هذه الليلة ضرب في مثلها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وأمر بقربة ممتلئة فاغتسل وصلّى على رأي الإمامية مائة وعشرين ركعة، أحيا بها ليله، وخرج ليركب فعثر وسقطت عمامته عن رأسه وتشوّشت، فقعد في دهليز دار الوزارة وأمر بإحضار ابن الضيف، وكان يتعمم للخلفاء والوزراء، وله على ذلك الجاري الثقيل، فلما أخذ في إصلاح العمامة قال رجل للصالح:
نعيذ بالله مولانا، ويكفيه هذا الذي جرى أمرا يتطير منه، فإن رأى مولانا أن يؤخر الركوب فعل، فقال: الطيرة من الشيطان، ليس إلى تأخير الركوب سبيل، وركب فكان من ضربه ما كان، وعاد محمولا فمات منها كما تقدّم.
ذكر الأحباس وما كان يعمل فيها
اعلم أن الأحباس في القديم لم تكن تعرف إلّا في الرباع وما يجري مجراها من المباني، وكلها كانت على جهات برّ. فأما المسجد الجامع العتيق بمصر، فكان يلي إمامته في الصلوات الخمس، والخطابة فيه يوم الجمعة، والصلاة بالناس صلاة الجمعة أمير البلد، فتارة يجمع للأمير بين الصلاة والخراج، وتارة يفرد الخراج عن الأمير، فيكون الأمير إليه أمر الصلاة بالناس والحرب، والآخر أمر الخراج، وهو دون مرتبة أمير الصلاة والحرب، وكان الأمير يستخلف عنه في الصلاة صاحب الشرطة إذا شغله أمر، ولم يزل الأمر على ذلك إلى
أن ولي مصر عنبسة بن إسحاق بن شمر من قبل المستنصر بن المتوكل على الصلاة والخراج، فقدمها لخمس خلون من ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وأقام إلى مستهل رجب سنة اثنتين وأربعين ومائتين، وصرف فكان آخر من ولي مصر من العرب، وآخر أمير صلّى بالناس في المسجد الجامع، وصار يصلّى بالناس رجل يرزق من بيت المال، وكذلك المؤذنون ونحوهم، وأما الأراضي فلم يكن سلف الأمّة من الصحابة والتابعين يتعرّضون لها، وإنما حدث ذلك بعد عصرهم، حتى أنّ أحمد بن طولون لما بنى الجامع والمارستان والسقاية، وحبس على ذلك الأحباس الكثيرة، لم يكن فيها سوى الرباع ونحوها بمصر، ولم يتعرّض إلى شيء من أراضي مصر البتة، وحبس أبو بكر محمد بن عليّ الماردانيّ بركة الحبش وسيوط وغيرهما على الحرمين وعلى جهات برّ، وحبس غيره أيضا.
فلما قدمت الدولة الفاطمية من الغرب إلى مصر، بطل تحبيس البلاد، وصار قاضي القضاة يتولى أمر الأحباس من الرباع، وإليه أمر الجوامع والمشاهد، وصار للإحباس ديوان مفرد، وأوّل ما قدم المعز أمر في ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وثلاثمائة بحمل مال الأحباس من المودع إلى بيت المال الذي لوجوه البرّ، وطولب أصحاب الأحباس بالشرائط ليحملوا عليها. وما يجب لهم فيها، وللنصف من شعبان ضمن الأحباس محمد بن القاضي أبي الطاهر محمد بن أحمد بألف ألف وخمسمائة ألف درهم في كلّ سنة، يدفع إلى المستحقين حقوقهم ويحمل ما بقي إلى بيت المال. وقال ابن الطوير: الخدمة في ديوان الأحباس وهو أوفر الدواوين مباشرة، ولا يخدم فيه إلّا أعيان كتّاب المسلمين من الشهود المعدّلين، بحكم أنها معاملة دينية، وفيها عدّة مدبرين ينوبون عن أرباب هذه الخدم في إيجاب أرزاقهم من ديوان الرواتب، وينجزون لهم الخروج بإطلاق أرزاقهم، ولا يوجب لأحد من هؤلاء خرج إلّا بعد حضور ورقة التعريف، من جهة مشارف الجوامع والمساجد باستمرار خدمته ذلك الشهر جميعه، ومن تأخر تعريفه تأخر الإيجاب له، وإن تمادى ذلك استبدل به، أو توفر ما باسمه لمصلحة أخرى، خلا جواري المشاهد فإنها لا توفر، لكنها تنقل من مقصر إلى ملازم، وكان يطلق لكل مشهد خمسون درهما في الشهر برسم الماء لزوّارها، ويجري من معاملة سواقي السبيل بالقرافة والنفقة عليها من ارتفاعه، فلا تخلو المصانع ولا الأحواض من الماء أبدا، ولا يعترض أحد من الانتفاع به، وكان فيه كاتبان ومعينان.
وقال المسبحي في حوادث سنة ثلاث وأربعمائة: وأمر الحاكم بأمر الله بإثبات المساجد التي لا غلة لها، ولا أحد يقوم بها، وماله منها غلة لا تقوم بما يحتاج إليه، فأثبت في عمل، ورفع إلى الحاكم بأمر الله، فكانت عدّة المساجد على الشرح المذكور ثمانمائة وثلاثين مسجدا، ومبلغ ما تحتاج إليه من النفقة في كلّ شهر تسعة آلاف ومائتان وعشرون درهما. على أنّ لكلّ مسجد في كلّ شهر اثني عشر درهما. وقال في حوادث سنة خمس
وأربعمائة: وقريء يوم الجمعة ثامن عشري صفر سجل بتحبيس عدّة ضياع، وهي: اطفيح وصول وطوخ وست ضياع أخر، وعدّة قياسر وغيرها على القرّاء والفقهاء والمؤذنين بالجوامع، وعلى المصانع والقوّام بها، ونفقة المارستانات وأرزاق المستخدمين فيها وثمن الأكفان.
وقال الشريف بن أسعد الجوّانيّ: كان القضاة بمصر إذا بقي لشهر رمضان ثلاثة أيام طافوا يوما على المساجد والمشاهد بمصر والقاهرة يبدأون بجامع المقس، ثم القاهرة، ثم المشاهد، ثم القرافة، ثم جامع مصر، ثم مشهد الرأس لنظر حصر ذلك وقناديله وعمارته وما تشعث منه، وما زال الأمر على ذلك إلى أن زالت الدولة الفاطمية. فلما استقرّت دولة بني أيوب أضيفت الأحباس أيضا إلى القاضي، ثم تفرّقت جهات الأحباس في الدولة التركية وصارت إلى يومنا هذا ثلاث جهات: الأولى تعرف بالأحباس، ويلي هذه الجهة دوادار السلطان، وهو أحد الأمراء ومعه ناظر الأحباس، ولا يكون إلّا من أعيان الرؤساء، وبهذه الجهة ديوان فيه عدّة كتاب ومدبر، وأكثر ما في ديوان الأحباس الرزق الإحباسية، وهي أراض من أعمال مصر على المساجد والزوايا للقيام بمصالحها، وعلى غير ذلك من جهات البرّ، وبلغت الرزق الإحباسية في سنة أربعين وسبعمائة عند ما حرّرها النشو ناظر الخاص في أيام الملك الناصر محمد بن قلاون، مائة ألف وثلاثين ألف فدّان، عمل النشو بها أوراقا، وحدّث السلطان في إخراجها عمن هي باسمه وقال: جميع هذه الرزق أخرجها الدواوين بالبراطيل والتقرّب إلى الأمراء والحكام، وأكثرها بأيدي أناس من فقهاء الأرياف لا يدرون الفقه، يسمون أنفسهم الخطباء، ولا يعرفون كيف يخطبون ولا يقرءون القرآن، وكثير منها بأسماء مساجد وزوايا معطلة وخراب، وحسن له أن يقيم شادّا وديوانا يسير في النواحي وينظر في المساجد التي هي عامرة، ويصرف لها من رزقها النصف، وما عدا ذلك يجري في ديوان السلطان. فعاجله الله وقبض عليه قبل عمل شيء من ذلك.
الجهة الثانية تعرف بالأوقاف الحكمية بمصر والقاهرة، ويلي هذه الجهة قاضي القضاة الشافعيّ، وفيها ما حبس من الرباع على الحرمين وعلى الصدقات والأسرى وأنواع القرب، ويقال لمن يتولى هذه الجهة ناظر الأوقاف، فتارة ينفرد بنظر أوقاف مصر والقاهرة رجل واحد من أعيان نوّاب القاضي، وتارة ينفرد بأوقاف القاهرة ناطر من الأعيان، ويلي نظر أوقاف مصر آخر، ولكلّ من أوقاف البلدين ديوان فيه كتّاب وجباة، وكانت جهة عامرة يتحصل منها أموال جمة، فيصرف منها لأهل الحرمين أموال عظيمة في كلّ سنة، تحمل من مصر إليهم مع من يثق به قاضي القضاة، وتفرّق هناك صررا، ويصرف منها أيضا بمصر والقاهرة لطلبة العلم ولأهل الستر وللفقراء شيء كثير، إلّا أنها اختلت وتلاشت في زمننا هذا، وعما قليل إن دام ما نحن فيه لم يبق لها أثر البتة، وسبب ذلك أنه ولي قضاء الحنفية كمال الدين عمر بن العديم في أيام الملك الناصر فرج، وولاية الأمير جمال الدين يوسف
تدبير الأمور والمملكة، فتظاهرا معا على إتلاف الأوقاف، فكان جمال الدين إذا أراد أخذ وقف من الأوقاف، أقام شاهدين يشهدان بأن هذا المكان يضرّ بالجار والمارّ، وأن الحظ فيه.
أن يستبدل به غيره، فيحكم له قاضي القضاة كمال الدين عمر بن العديم باستبدال ذلك، وشره جمال الدين في هذا الفعل كما شره في غيره، فحكم له المذكور باستبدال القصور العامرة، والدور الجليلة بهذه الطريقة، والناس على دين ملكهم، فصار كلّ من يريد بيع وقف أو شراء وقف سعى عند القاضي المذكور بجاه أو مال، فيحكم له بما يريد من ذلك، واستدرج غيره من القضاة إلى نوع آخر، وهو أن تقام شهود القيمة فيشهدون بأن هذا الوقف ضارّ بالجار والمار، وأن الحظ والمصلحة في بيعه أنقاضا، فيحكم قاض شافعيّ المذهب ببيع تلك الأنقاض. واستمرّ الأمر على هذا إلى وقتنا هذا الذي نحن فيه، ثم زاد بعض سفهاء قضاة زمننا في المعنى وحكم ببيع المساجد الجامعة إذا خرب ما حولها، وأخذ ذرية واقفها ثمن أنقاضها، وحكم آخر منهم ببيع الوقف ودفع الثمن لمستحقه من غير شراء بدل، فامتدّت الأيدي لبيع الأوقاف حتى تلف بذلك سائر ما كان في قرافتي مصر من الترب، وجميع ما كان من الدور الجليلة، والمساكن الأنيقة، بمصر الفسطاط ومنشأة المهرانيّ ومنشأة الكتاب وزريبة قوصون وحكر ابن الأثير وسويقة الموفق، وما كان في الحكورة من ذلك، وما كان بالجوّانية والعطوفية وغيرها من حارات القاهرة وغيرها، فكان ما ذكر أحد أسباب الخراب، كما هو مذكور في موضعه من هذا الكتاب.
الجهة الثالثة: الأوقاف الأهلية، وهي التي لها ناظر خاص، إمّا من أولاد الواقف أو من ولاة السلطان أو القاضي، وفي هذه الجهة الخوانك والمدارس والجوامع والترب، وكان متحصلها قد خرج عن الحدّ في الكثرة لما حدث في الدولة التركية من بناء المدارس والجوامع والترب وغيرهما، وصاروا يفردون أراضي من أعمال مصر والشامات، وفيها بلاد مقرّرة، ويقيمون صورة يتملكونها بها ويجعلونها وقفا على مصارف كما يريدون، فلما استبدّ الأمير برقوق بأمر بلاد مصر قبل أن يتلقب باسم السلطنة، همّ بارتجاع هذه البلاد وعقد مجلسا فيه شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقينيّ، وقاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء، وغيره. فلم يتهيأ له ذلك، فلما جلس على تخت الملك صار أمراؤه يستأجرون هذه النواحي من جهات الأوقاف، ويؤجرونها للفلاحين بأزيد مما استأجروا، فلما مات الظاهر فحش الأمر في ذلك واستولى أهل الدولة على جميع الأراضي الموقوفة بمصر والشامات، وصار أجودهم من يدفع فيها لمن يستحق ريعها عشر ما يحصل له، وإلّا فكثير منهم لا يدفع شيئا البتة، لا سيما ما كان من ذلك في بلاد الشام، فإنه استهلك وأخذ، ولذلك كان أسوأ الناس حالا في هذه المحن التي حدثت منذ سنة ست وثمانمائة الفقهاء، لخراب الموقوف عليها وبيعه واستيلاء أهل الدولة على الأراضي.