الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعتقدون العمل بما في هذا التلمود. فلما قدم عانان رأس الجالوت إلى العراق، أنكر على اليهود عملهم بهذا التلمود، وزعم أن الذي بيده هو الحق، لأنه كتب من النسخ التي كتبت من مشنا موسى عليه السلام الذي بخطه، والطائفة الربانيون، ومن وافقهم لا يعوّلون من التوراة التي بأيديهم إلّا على ما في هذا التلمود، وما خلف ما في التلمود لا يعبأون به، ولا يعوّلون عليه، كما أخبر تعالى إذ يقول حكاية عنهم: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ
[الزخرف/ 22] ومن اطلع على ما بأيديهم وما عندهم من التوراة تبين له أنهم ليسوا على شيء، وأنهم إن يتبعون إلّا الظنّ وما تهوى الأنفس، ولذلك لما نبغ فيهم موسى بن ميمون القرطبيّ، عوّلوا على رأيه، وعملوا بما في كتاب الدلالة وغيره من كتبه، وهم على رأيه إلى زمننا.
ذكر فرق اليهود الآن
اعلم أن اليهود الذين قطعهم الله في الأرض أمما أربع فرق، كلّ فرقة تخطّيء الطوائف الأخر، وهي طائفة الربانيين، وطائفة القرّائين، وطائفة العانانية، وطائفة السمرة. وهذا الاختلاف حدث لهم بعد تخريب بخت نصر بيت المقدس وعودهم من أرض بابل بعد الجلاية إلى القدس، وعمارة البيت ثانيا. وذلك أنهم في إقامتهم بالقدس أيام العمارة الثانية افترقوا في دينهم، وصاروا شيعا. فلما ملكهم اليونان بعد الإسكندر بن فيلبش، وقام بأمرهم في القدس هور قانوس بن شمعون بن مشيثا، واستقام أمره فسمي ملكا، وكان قبل ذلك هو وجميع من تقدّمه ممن ولي أمر اليهود في القدس بعد عودهم من الجلاية إنما يقال له الكوهن الأكبر، فاجتمع لهور قانوس منزلة الملك ومنزلة الكهونية، واطمأنّ اليهود في أيامه وأمنوا سائر أعدائهم من الأمم، فبطروا معيشتهم واختلفوا في دينهم وتعادوا بسبب الاختلاف، وكان من جملة فرقهم إذ ذاك طائفة يقال لهم الفروشيم، ومعناه المعتزلة، ومن مذهبهم القول بما في التوراة على معنى ما فسره الحكماء من أسلافهم. وطائفة يقال لهم الصدوفية بفاء، نسبوا إلى كبير لهم يقال له صدوف، ومذهبهم القول بنص التوراة وما دلّ عليه القول الإلهيّ فيها دون ما عداه من الأقوال، وطائفة يقال لهم الجسديم، ومعناه الصلحاء، ومذهبهم الاشتغال بالنسك وعبادة الله سبحانه والأخذ بالأفضل والأسلم في الدين، وكانت الصدوفية تعادي المعتزلة عداوة شديدة، وكان الملك هور قانوس أوّلا على رأي المعتزلة، وهو مذهب آبائه، ثم إنه رجع إلى مذهب الصدوفية وباين المعتزلة وعاداهم، ونادى في سائر مملكته بمنع الناس جملة من تعلم رأي المعتزلة، والأخذ عن أحد منهم، وتتبعهم وقتل منهم كثيرا. وكانت العامّة بأسرها مع المعتزلة، فثارت الشرور بين اليهود واتصلت الحروب بينهم، وقتل بعضهم بعضا إلى أن خرب البيت على يد طيطش الخراب
الثاني بعد رفع عيسى صلوات الله عليه، وتفرّق اليهود من حينئذ في أقطار الدنيا وصاروا ذمّة، والنصارى تقتلهم حيثما ظفرت بهم إلى أن جاء الله بالملة الإسلامية، وهم في تفرّقهم ثلاث فرق، الربانيون والقرّاء والسمرة.
فأما الربانية: فيقالهم بنو مشنو، ومعنى مشنو الثاني، وقيل لهم ذلك لأنهم يعتبرون أمر البيت الذي بني ثانيا بعد عودهم من الجلاية وخرّبه طيطش وينزلونه في الاحترام والإكرام والتعظيم منزلة البيت الأوّل الذي ابتدأ عمارته داود وأتمه ابنه سليمان عليهما السلام، وخرّبه بخت نصر. فصار كأنه يقال لهم أصحاب الدعوة الثانية، وهذه الفرقة هي التي كانت تعمل بما في المشنا الذي كتب بطبرية بعد تخريب طيطش القدس، وتعوّل في أحكام الشريعة على ما في التلمود إلى هذا الوقت الذي نحن فيه، وهي بعيدة عن العمل بالنصوص الإلهية متبعة لآراء من تقدّمها من الأحبار، ومن اطلع على حقيقة دينها، تبين له أن الذي ذمّهم الله به في القرآن الكريم حق لا مرية فيه، وأنه لا يصح لهم من اسم اليهودية إلّا مجرّد الانتماء فقط، لا إنهم في الإتباع على الملة الموسوية، لا سيما منذ ظهر فيهم موسى بن ميمون القرطبيّ بعد الخمسمائة من سني الهجرة المحمدية، فإنه ردّهم مع ذلك معطلة، فصاروا في أصول دينهم وفروعه أبعد الناس عما جاء به أنبياء الله تعالى من الشرائع الإلهية.
وأما القرّاء: فإنهم بنو مقرا، ومعنى مقرا الدعوة، وهم لا يعوّلون على البيت الثاني جملة، ودعوتهم إنما هي لما كان عليه العمل مدّة البيت الأوّل، وكان يقال لهم أصحاب الدعوة الأولى، وهم يحكمون نصوص التوراة ولا يلتفتون إلى قول من خالفها، ويقفون مع النص دون تقليد من سلف، وهم مع الربانيين من العداوة بحيث لا يتناكحون ولا يتجاورون ولا يدخل بعضهم كنيسة بعض، ويقال للقرّائين أيضا المبادية، لأنهم كانوا يعملون مبادي الشهور من الاجتماع الكائن بين الشمس والقمر، ويقال لهم أيضا الأسمعية، لأنهم يراعون العمل بنصوص التوراة دون العمل بالقياس والتقليد.
وأما العانانية: فإنهم ينسبون إلى عانان رأس الجالوت الذي قدم من المشرق في أيام الخليفة أبي جعفر المنصور، ومعه نسخ المشنا الذي كتب من الخط الذي كتب من خط النبيّ موسى، وأنه رأى ما عليه اليهود من الربانيين والقرّائين يخالف ما معه، فتجرّد لخلافهم وطعن عليهم في دينهم، وازدرى بهم، وكان عظيما عندهم يرون أنه من ولد داود عليه السلام، وعلى طريق فاضلة من النسك على مقتضى ملتهم، بحيث يرون أنه لو ظهر في أيام عمارة البيت لكان نبيا، فلم يقدروا على مناظرته، لما أوتي مع ما ذكرنا من تقريب الخليفة له وإكرامه، وكان مما خالف فيه اليهود استعمال الشهور برؤية الأهلة على مثل ما شرع في الملة الإسلامية، ولم يبال في أيّ يوم وقع من الأسبوع، وترك حساب الربانيين
وكبس الشهور وخطأهم في العمل بذلك، واعتمد على كشف زرع الشعير، وأجمل القول في المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، وأثبت نبوّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقال: هو نبيّ أرسل إلى العرب، إلّا أن التوراة لم تنسخ، والحق أنه أرسل إلى الناس كافة صلى الله عليه وسلم.
ذكر السمرة: اعلم أن طائفة السمرة ليسوا من بني إسرائيل البتة، وإنما هم قوم قدموا من بلاد المشرق وسكنوا بلاد الشام وتهوّدوا، ويقال أنهم من بني سامرك بن كفركا بن رمي، وهو شعب من شعوب الفرس، خرجوا إلى الشام ومعهم الخيل والغنم والإبل والقسيّ والنشاب والسيوف والمواشي، ومنهم السمرة الذين تفرّقوا في البلاد. ويقال أن سليمان بن داود لما مات افترق ملك بني إسرائيل من بعده، فصار رحبعم بن سليمان على سبط يهودا بالقدس، وملك يربعم بن نياط على عشرة أسباط من بني إسرائيل، وسكن خارجا عن القدس، واتخذ عجلين دعا الأسباط العشرة إلى عبادتهما من دون الله إلى أن مات، فوليّ ملك بني إسرائيل من بعده عدّة ملوك على مثل طريقته في الكفر بالله وعبادة الأوثان، إلى أن ملكهم عمري بن نوذب من سبط منشا بن يوسف، فاشترى مكانا من رجل اسمه شامر بقنطار فضة، وبنى فيه قصرا وسماه باسم اشتقه من اسم شامر الذي اشترى منه المكان، وصير حول هذا القصر مدينة وسماها مدينة شمرون، وجعلها كرسيّ ملكه إلى أن مات، فاتخذها ملوك بني إسرائيل من بعده مدينة للملك، وما زالوا فيها إلى أن ولي هو شاع بن إيلا، وهم على الكفر بالله، وعبادة وثن بعل وغيره من الأوثان، مع قتل الأنبياء، إلى أن سلط الله عليهم سنجاريب ملك الموصل، فحاصرهم بمدينة شمرون ثلاث سنين، وأخذ هو شاع أسيرا وجلاه ومعه جميع من في شمرون من بني إسرائيل، وأنزلهم بهراه وبلخ ونهاوند وحلوان، فانقطع من حينئذ ملك بني إسرائيل من مدينة شمرون بعد ما ملكوا من بعد سليمان عليه السلام مدّة مائتي سنة وإحدى وخمسين سنة، ثم إن سنجاريب ملك الموصل نقل إلى شمرون كثيرا من أهل كوشا وبابل وحماه، وأنزلهم فيها ليعمروها، فبعثوا إليه يشكون من كثرة هجوم الوحش عليهم يشمرون، فسير إليهم من علمهم التوراة، فتعلموها على غير ما يجب، وصاروا يقرءونها ناقصة أربعة أحرف، الألف والهاء والخاء والعين، فلا ينطقون بشيء من هذه الأحرف في قراءتهم التوراة، وعرفوا بين الأمم بالسامرة لسكناهم بمدينة شمرون.
وشمرون هذه هي مدينة نابلس، وقيل لها سمرون بسين مهملة، ولسكانها سامرة، ويقال معنى السمرة حفظة ونواطير، فلم تزل السمرة بنابلس إلى أن غزا بخت نصر القدس وأجلى اليهود منه إلى بابل، ثم عادوا بعد سبعين سنة وعمروا البيت ثانيا إلى أن قام الإسكندر من بلاد اليونان، وخرج يريد غزو الفرس، فمرّ على القدس وخرج منه يريد عمان، فاجتاز على نابلس وخرج إليه كبير السمرة بها، وهو سنبلاط السامريّ، فأنزله وصنع له ولقوّاده وعظماء أصحابه صنيعا عظيما، وحمل إليه أموالا جمة وهدايا جليلة، واستأذنه
في بناء هيكل لله على الجبل الذي يسمى عندهم طوربريك، فأذن له وسار عنه إلى محاربة دارا ملك الفرس، فبنى سنبلاط هيكلا شبيها بهيكل القدس، ليستميل به اليهود، وموّه عليهم بأن طوربريك هو الموضع الذي اختاره الله تعالى وذكره في التوراة بقوله فيها: اجعل البركة على طوربريك، وكان سنبلاط قد زوّج ابنته بكاهن من كهان بيت المقدس يقال له منشا، فمقت اليهود منشا على ذلك، وأبعدوه وحطوه عن مرتبته عقوبة له على مصاهرة سنبلاط، فأقام سنبلاط منشا زوج ابنته كاهنا في هيكل طوربريك، وآتته طوائف من اليهود وضلوا به، وصاروا يحجون إلى هيكله في الأعياد، ويقرّبون قرا بينهم إليه، ويحملون إليه نذورهم وأعشارهم، وتركوا قدس الله وعدلوا عنه فكثرت الأموال في هذا الهيكل، وصار ضدّ البيت المقدس، واستغنى كهنته وخدّامه وعظم أمر منشا وكبرت حالته. فلم تزل هذه الطائفة تحج إلى طور بريك حتى كان زمن هور قانوس بن شمعون الكوهن، من بني حثمتاي في بيت المقدس، فسار إلى بلاد السمرة ونزل على مدينة نابلس وحصرها مدّة وأخذها عنوة، وخرّب هيكل طور بريك إلى أساسه، وكانت مدّة عمارته مائتي سنة، وقتل من كان هناك من الكهنة، فلم تزل السمرة بعد ذلك إلى يومنا هذا تستقبل في صلاتها حيثما كانت من الأرض طور بريك بجبل نابلس، ولهم عبادات تخالف ما عليه اليهود، ولهم كنائس في كل بلد تخصهم، والسمرة ينكرون نبوّة داود ومن تلاه من الأنبياء، وأبوا أن يكون بعد موسى عليه السلام نبيّ وجعلوا رؤساءهم من ولد هارون عليه السلام، وأكثرهم يسكن في مدنية نابلس، وهم كثير في مدائن الشام، ويذكر أنهم الذين يقولون لا مساس، ويزعمون أن نابلس هي بيت المقدس، وهي مدينة يعقوب عليه السلام، وهناك مراعيه.
وذكر المسعوديّ أن السمرة صنفان متباينان، أحدهما يقال له الكوشان، والآخر الروشان، أحد الصنفين يقول بقدم العالم. والسامرة تزعم أن التوراة التي في أيدي اليهود ليست التوراة التي أوردها موسى عليه السلام ويقولون توراة موسى حرّفت وغيّرت وبدّلت، وأن التوراة هي ما بأيديهم دون غيرهم. وذكر أبو الريحان محمد بن أحمد البيروتيّ أنّ السامرة تعرف بالأمساسية. قال: وهم الأبدال الذين بدّلهم بخت نصر بالشام حين أسر اليهود وأجلاها، وكانت السامرة أعانوه ودلوه على عورات بني إسرائيل، فلم يحربهم ولم يقتلهم ولم يسبهم وأنزلهم فلسطين من تحت يده، ومذاهبهم ممتزجة من اليهودية والمجوسية، وعامّتهم يكونون بموضع من فلسطين يسمى نابلس، وبها كنائسهم، ولا يدخلون حدّ بيت المقدس منذ أيام داود النبي عليه السلام، لأنهم يدّعون إنه ظلم واعتدى وحوّل الهيكل المقدّس من نابلس إلى إيليا، وهو بيت المقدس، ولا يمسون الناس، وإذا مسوهم اغتسلوا، ولا يقرّون بنبوّة من كان بعد موسى عليه السلام من أنبياء بني إسرائيل.
وفي شرح الإنجيل: إنّ اليهود انقسمت بعد أيام داود إلى سبع فرق.
الكتاب: وكانوا يحافظون على العادات التي أجمع عليها المشايخ مما ليس في التوراة.
والمعتزلة: وهم الفريسيون، وكانوا يظهرون الزهد ويصومون يومين في الأسبوع، ويخرجون العشر من أموالهم، ويجعلون خيوط القرمز في رؤس ثيابهم، ويغسلون جميع أوانيهم، ويبالغون في إظهار النظافة.
والزنادقة: وهم من جنس السامرة، وهم من الصدوفية، فيكفرون بالملائكة والبعث بعد الموت وبجميع الأنبياء ما خلا موسى فقط، فإنهم يقرّون بنبوّته.
والمتظهرون: وكانوا يغتسلون كلّ يوم ويقولون لا يستحق حياة الأبد إلّا من يتطهر كلّ يوم.
والإسابيون: ومعناه الغلاظ الطباع، وكانوا يوجبون جميع الأوامر الإلهية، وينكرون جميع الأنبياء سوى موسى عليه السلام، ويتعبدون بكتب غير الأنبياء.
والمتقشفون: وكانوا يمنعون أكثر المآكل وخاصة اللحم، ويمنعون من التزوّج بحسب الطاقة، ويقولون بأن التوراة ليست كلها لموسى، ويتمسكون بصحف منسوبة إلى أخنوخ وإبراهيم عليه السلام، وينظرون في علم النجوم ويعملون بها.
والهيرذوسيون: سموا أنفسهم بذلك لموالاتهم هيرذوس ملكهم، وكانوا يتبعون التوراة ويعملون بما فيها انتهى.
وذكر يوسف بن كريون في تاريخه أن اليهود كانوا في زمن ملكهم هور قانوس، يعني في زمن بناء البيت بعد عودهم من الجلاية ثلاث فرق: الفروشيم: ومعناه المعتزلة، ومذهبهم القول بما في التوراة وما فسره الحكماء من سلفهم. والصدوفية: أصحاب رجل من العلماء يقال له صدوف، ومذهبهم القول بنص التوراة وما دلت عليه دون غيره.
والجسديم ومعناه الصلحاء، وهم المشتغلون بالعبادة والنسك، الآخذون في كل أمر بالأفضل والأسلم في الدين انتهى. وهذه الفرقة هي أصل فرقتي الربانيين والقرّاء.
فصل: زعم بعضهم أن اليهود عانانية وشمعونية، نسبة إلى شمعون الصدّيق، ولي القدس عند قدوم أبي الإسكندر، وجالوتية وفيومية وسامرية وعكبرية وأصبهانية وعراقية ومغاربة وشرشتانية وفلسطينية ومالكية وربانية. فالعانانية تقول بالتوحيد والعدل ونفي التشبيه، والشمعونية تشبه، وتبالغ الجالوتية في التشبيه، وأما الفيومية فإنها تنسب إلى أبي سعيد الفيوميّ، وهم يفسرون التوراة على الحروف المقطعة. والسامرية ينكرون كثيرا من شرائعهم ولا يقرّون بنبوّة من جاء بعد يوشع، والعكبرية أصحاب أبي موسى البغداديّ
العبكريّ، وإسماعيل العكبريّ، يخالفون أشياء من السبت وتفسير التوراة، والأصبهانية أصحاب أبي عيسى الأصبهاني، وادّعى النبوّة وأنه عرج به إلى السماء فمسح الرب على رأسه، وإنه رأى محمدا صلى الله عليه وسلم فآمن به، ويزعم يهود أصبهان أنه الدجال، وأنه يخرج من ناحيتهم، والعراقية تخالف الخراسانية في أوقات أعيادهم ومدد أيامهم، والشرشتانية أصحاب شرشتان، زعم أنه ذهب من التوراة ثمانون سوقة، أي آية، وادّعى أن للتوراة تأويلا باطنا مخالفا للظاهر، وأما يهود فلسطين فزعموا أن العزير ابن الله تعالى، وأنكر أكثر اليهود هذا القول، والمالكية تزعم أن الله تعالى لا يحيى يوم القيامة من الموتى إلّا من احتج عليه بالرسل والكتب، ومالك هذا هو تلميذ عانان. والربانية تزعم أن الحائض إذا مست ثوبا بين ثياب وجب غسل جميعها، والعراقية تعمل رؤس الشهور بالأهلة، وآخرون بالحساب يعملون والله أعلم.
فصل: وهم يوجبون الإيمان بالله وحده وبموسى عليه السلام وبالتوراة، ولا بدّ لهم من درسها وتعلمها، ويغتسلون ويتوضؤون ولا يمسحون رؤوسهم في وضوئهم، ويبدؤون بالرجل اليسرى، وفي شيء منه خلاف بينهم، وعانان يرى أن الاستنجاء قبل الوضوء، ويرى أشمعث أن الاستنجاء بعد الوضوء، ولا يتوضؤون بما تغير لونه أو طعمه أو ريحه، ولا يجيزون الطهارة من غدير ما لم يكن عشرة أذرع في مثلها، والنوم قاعدا لا ينقض الوضوء عندهم ما لم يضع جنبه الأرض، إلّا العانانية فإن مطلق النوم عندهم ينقض، ومن أحدث في صلاته من قيء أو رعاف أو ريح انصرف وتوضأ وبنى على صلاته، ولا تجوز صلاة الرجل في أقلّ من ثلاثة أثواب، قميص وسراويل وملاءة يتردّى بها، فإن لم يجد الملاءة صلّى جالسا، فإن لم يجد القميص والسراويل صلّى بقلبه، ولا تجوز صلاة المرأة في أقل من أربعة أثواب، وعليهم فريضة ثلاث صلوات في اليوم والليلة، عند الصبح وبعد الزوال إلى غروب الشمس ووقت العتمة إلى ثلث الليل، ويسجدون في دبر كل صلاة سجدة طويلة، وفي يوم السبت وأيام الأعياد يزيدون خمس صلوات على تلك الثلاث. ولهم خمسة أعياد:
عيد الفطر: وهو الخامس عشر من نيسن، يقيمون سبعة أيام لا يأكلون سوى الفطير، وهي الأيام التي تخلصوا فيها من فرعون وأغرقه الله.
وعيد الأسابيع: بعد الفطير بسبعة أسابيع، وهو اليوم الذي كلم الله تعالى فيه بني إسرائيل من طور سيناء.
وعيد رأس الشهر: وهو أوّل تشري، وهو الذي فدى فيه إسحاق عليه السلام من الذبح، ويسمونه عيد رأس هشايا، أي رأس الشهر. وعيد صوماريا: يعني الصوم العظيم.
وعيد المظلة: يستظلون سبعة أيام بقضبان الآس والخلاف. ويجب عليهم الحج في كل سنة ثلاث مرّات لما كان الهيكل عامرا، ويوجبون صوم أربعة أيام. أوّلها: سابع عشر
تموز من الغروب إلى الغروب، وعند العانانية هو اليوم الذي أخذ فيه بخت نصر البيت.
والثاني: عشر آب. والثالث: عاشر كانون الأول. والرابع: ثالث عشر آذار. ويتشدّدون في أمر الحائض بحيث يعتزلونها وثيابها وأوانيها وما مسته من شيء فإنه ينجّس ويجب غسله، فإن مست لحم القربان أحرق بالنار، ومن مسها أو شيئا من ثيابها وجب عليه الغسل، وما عجنته أو خبزته أو طبخته أو غسلته فكله نجس حرام على الطاهرين حلّ للحيض، ومن غسل ميتا نجس سبعة أيام لا يصلي فيها، وهم يغسلون موتاهم ولا يصلون عليهم، ويوجبون إخراج العشر من جميع ما يملك، ولا يجب حتى يبلغ وزنه أو عدده مائة، ولا يخرج العشر إلّا مرّة واحدة، ثم لا يعاد إخراجه، ولا يصح النكاح عندهم إلّا بوليّ وخطبة وثلاثة شهود ومهر مائتي درهم للبكر، ومائة للثيب لا أقل من ذلك، ويحضر عند عقد النكاح كأس خمر وباقة مرسين، فيأخذ الإمام الكأس ويبارك عليه ويخطب خطبة النكاح ثم يدفعه إلى الختن ويقول: قد تزوّجت فلانة بهذه الفضة أو بهذا الذهب وهو خاتم في يده، وبهذا الكأس من الخمر، وبمهر كذا، ويشرب جرعة من الخمر، ثم ينهضون إلى المرأة ويأمرونها أن تأخذ الخاتم والمرسلين والكأس من يد الختن، فإذا أخذت وشربت جرعة وجب عقد النكاح، ويضمن أولياء المرأة البكارة، فإذا زفت إليه وكّل الوليّ من يقف بباب الخلوة وقد فرشت ثياب بيض حتى يشاهد الوكيل الدم، فإن لم توجد بكرا رجمت، ولا يجوز عندهم نكاح الإماء حتى يعتقن، ثم ينكحن، والعبد يعتق بعد خدمته لسنين معلومة، وهي ست سنين، ومنهم من يجوّز بيع صغار أولاده إذا احتاج، ولا يجوّزون الطلاق إلا بفاحشة أو سحر أو رجوع عن الدين، وعلى من طلق خمسة وعشرون درهما للبكر، ونصف ذلك للثيب، وينزل في كتابها طلاقها بعد أن يقول الزوج أنت طالق مني مائة مرّة، ومختلعة مني، وفي سعة أن تتزوّجي من شئت، ولا يقع طلاق الحامل أبدا، نعم، إلّا أن يجوّزوه ويراجع الرجل امرأته ما لم تتزوج، فإن تزوّجت حرّمت عليه إلى الأبد. والخيار بين المتبايعين ما لم ينقل المبيع إلى البائع. والحدود عندهم على خمسة أوجه، حرق ورجم وقتل وتعزير وتغريم، فالحرق على من زنى بأمّ امرأته أو ربيبته أو بامرأة أبيه أو امرأة ابنه، والقتل على من قتل. والرجم على المحصن إذا زنى أو لاط، وعلى المرأة إذا مكنت من نفسها بهيمة. والتعزير «1» على من قذف، والتغريم على من سرق، ويرون أن البينة على المدّعي، واليمين على من أنكر.
وعندهم أنّ من أتى بشيء من سبعة وثلاثين عملا في يوم السبت أو ليلته استحق القتل وهي: كرب الأرض، وزرعها، وحصاد الزرع، وسياقة الماء إلى الزرع، وحلب اللبن، وكسر الحطب، وإشعال النار، وعجن العجين، وخبزه، وخياطة الثوب، وغسله، ونسج