الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلَاتٌ تُنْظَرُ فِي (إِثْبَاتٍ، وَدَعْوَى، حَلِفٍ، إِقْرَارٍ، نُكُولٍ) .
مَا بِهِ يَتَحَقَّقُ الإِْنْكَارُ:
أَوَّلاً: النُّطْقُ:
8 -
يَتَحَقَّقُ الإِْنْكَارُ بِالنُّطْقِ. وَيُشْتَرَطُ فِي النُّطْقِ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا بِحَيْثُ لَا يُحْتَمَل إِلَاّ الإِْنْكَارَ، كَأَنْ يَقُول لَمْ تُسَلِّفْنِي مَا تَدَّعِيهِ. وَهُنَاكَ أَلْفَاظٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَوْنِهَا صَرِيحَةً أَوْ غَيْرَ صَرِيحَةٍ، كَأَنْ يَقُول: لَا حَقَّ لَهُ عِنْدِي. فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إِنْكَارًا، وَهَذَا هُوَ الْقَوْل الْمُقَدَّمُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْقَاسِمِ، وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ. وَالْقَوْل الآْخَرُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْل الْحَنَابِلَةِ أَنْ يَكُونَ إِنْكَارًا؛ لأَِنَّ نَفْيَ الْمُطْلَقِ يَشْمَل نَفْيَ الْمُقَيَّدِ، فَقَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ نَفْيٌ مُطْلَقٌ لِحَقِّ الْمُدَّعِي، أَيًّا كَانَ سَبَبُهُ، فَيُعْتَبَرُ جَوَابًا كَافِيًا وَإِنْكَارًا مُوجِبًا لِلْحَلِفِ بِشُرُوطِهِ (1) .
ثَانِيًا: الاِمْتِنَاعُ مِنَ الإِْقْرَارِ وَالإِْنْكَارِ:
9 -
لَوْ قَال الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ، فَقَدِ اخْتَلَفَتْ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ امْتِنَاعِهِ هَذَا. فَقَال صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ رحمهم الله: هُوَ إِنْكَارٌ، فَيُسْتَحْلَفُ بَعْدَهُ. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ - إِنَّ قَوْلَهُ لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ بِمَنْزِلَةِ النُّكُول، فَيَقْضِي بِلَا اسْتِحْلَافٍ، كَمَا يَقْضِي عَلَى النَّاكِل عَنِ الْيَمِينِ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ
(1) معين الحكام ص 74، وتبصرة الحكام 1 / 162. والقليوبي 4 / 338، وشرح منتهى الإرادات 3 / 485
يُعْلِمَهُ الْقَاضِي أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ حَكَمَ عَلَيْهِ.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ الْمُقَدَّمُ عِنْدَهُمْ: إِنْ قَال لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ لَا يُسْتَحْلَفُ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يُظْهِرِ الإِْنْكَارَ، وَيُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ وَيُنْكِرَ. وَفِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ يُؤَدِّبُهُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ، فَإِنِ اسْتَمَرَّ عَلَى امْتِنَاعِهِ حَكَمَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ.
وَنَقَل الْكَاسَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ قَوْلَهُ لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ إِقْرَارٌ (1) . وَلَمْ نَرَ لِلشَّافِعِيَّةِ نَصًّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
ثَالِثًا: السُّكُوتُ:
10 -
مَنِ ادَّعَى عَلَيْهِ أَمَامَ الْقَضَاءِ فَسَكَتَ، فَفِي اعْتِبَارِ سُكُوتِهِ إِنْكَارًا أَقْوَالٌ:
الأَْوَّل: إِنَّ سُكُوتَهُ إِنْكَارٌ، وَهَذَا قَوْل أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَهُمْ؛ لأَِنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ. قَال صَاحِبُ الْبَدَائِعِ: لأَِنَّ الدَّعْوَى أَوْجَبَتِ الْجَوَابَ عَلَيْهِ، وَالْجَوَابُ إِمَّا إِقْرَارٌ وَإِمَّا إِنْكَارٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْل السُّكُوتِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالْحَمْل عَلَى الإِْنْكَارِ أَوْلَى؛ لأَِنَّ الْعَاقِل الْمُتَدَيِّنَ لَا يَسْكُتُ عَنْ إِظْهَارِ الْحَقِّ الْمُسْتَحَقِّ لِغَيْرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَكَانَ حَمْل السُّكُوتِ عَلَى الإِْنْكَارِ أَوْلَى، فَكَانَ السُّكُوتُ إِنْكَارًا دَلَالَةً.
وَهَذَا إِنْ كَانَ سُكُوتُهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَمَا لَوْ كَانَ فِي لِسَانِهِ آفَةٌ تَمْنَعُهُ عَنِ التَّكَلُّمِ، أَوْ فِي
(1) ابن عابدين 4 / 423، ومعين الحكام ص 75، ولسان الحكام 1 / 60، وتبصرة الحكام 1 / 163، 299، 301، وشرح المنتهى 3 / 95، والبدائع 8 / 3925.