الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِمَعْرِفَةِ تَأْثِيرِ الْغَصْبِ فِي انْفِسَاخِ الْعُقُودِ الأُْخْرَى يَرْجِعُ إِلَى هَذِهِ الْعُقُودِ وَإِلَى مُصْطَلَحِ (غَصْبٌ) .
26 -
هَذَا وَهُنَاكَ أَنْوَاعٌ أُخْرَى مِنَ التَّعَذُّرِ تُوجِبُ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ، أَوْ تُعْطِي لِلْعَاقِدِ خِيَارَ الْفَسْخِ، مِنْهَا مَا يَلِي:
أَوَّلاً: عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنِ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِ الْعَقْدِ شَرْعًا، بِأَنْ كَانَ الْمُضِيُّ فِيهِ حَرَامًا، كَمَا إِذَا اسْتَأْجَرَ شَخْصًا عَلَى قَلْعِ الضِّرْسِ إِذَا اشْتَكَتْ ثُمَّ سَكَنَتْ، أَوْ عَلَى قَطْعِ الْيَدِ الْمُتَآكِلَةِ إِذَا بَرَأَتْ، أَوِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ إِذَا سَقَطَ بِالْعَفْوِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَاتِ تَنْفَسِخُ الإِْجَارَةُ بِنَفْسِهَا. (1)
ثَانِيًا: تَضَمُّنُ الضَّرَرِ بِأَنْ كَانَ الْمُضِيُّ فِي مُوجِبِ الْعَقْدِ غَيْرَ مُمْكِنٍ إِلَاّ بِتَحَمُّل ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِالْعَقْدِ، كَمَا إِذَا اسْتَأْجَرَ الطَّبَّاخَ لِلْوَلِيمَةِ ثُمَّ خَالَعَ الْمَرْأَةَ، أَوِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا فَفَاتَهُ وَقْتُ الْحَجِّ أَوْ مَرِضَ، أَوِ اسْتَأْجَرَ ظِئْرًا فَحَبِلَتْ، فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَأَمْثَالِهَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ قَائِلٍ بِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِنَفْسِهِ، وَقَائِلٍ بِاسْتِحْقَاقِ الْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارَ فِي الْفَسْخِ. (2)
ثَالِثًا: زَوَال الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا، كَدَارٍ انْهَدَمَتْ وَأَرْضٍ غَرِقَتْ وَانْقَطَعَ مَاؤُهَا. فَهَذِهِ الصُّوَرُ إِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهَا نَفْعٌ أَصْلاً فَهِيَ كَالتَّالِفَةِ يَنْفَسِخُ بِهَا الْعَقْدُ، كَمَا سَبَقَ. وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا نَفْعٌ غَيْرَ مَا اسْتَأْجَرَهَا لَهُ، مِثْل أَنْ يُمْكِنَهُ الاِنْتِفَاعُ بِعَرْصَةِ الدَّارِ، وَالأَْرْضِ بِوَضْعِ حَطَبٍ فِيهَا، أَوْ نَصْبِ خَيْمَةٍ
(1) البدائع 4 / 200، والحطاب 4 / 433، ونهاية المحتاج 5 / 312، والوجيز 1 / 239، والمغني 5 / 469.
(2)
الزيلعي 5 / 145، 146، والبدائع 4 / 200، والحطاب 4 / 433، والقليوبي 3 / 84، والمغني 5 / 448.
فِي أَرْضٍ اسْتَأْجَرَهَا لِلزِّرَاعَةِ، انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِمَا عِنْدَ الْبَعْضِ لِزَوَال الاِسْمِ؛ وَلأَِنَّ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ تَلِفَتْ، وَلَا تَنْفَسِخُ عِنْدَ الآْخَرِينَ؛ لأَِنَّ الْمَنْفَعَةَ لَمْ تَبْطُل جُمْلَةً، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَقَصَ نَفْعُهَا مَعَ بَقَائِهَا. فَعَلَى هَذَا يُخَيَّرُ الْمُسْتَأْجَرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإِْمْضَاءِ. (1)
الاِنْفِسَاخُ فِي الْجُزْءِ وَأَثَرُهُ فِي الْكُل:
27 -
انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي جُزْءٍ مِنَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ مِنَ الأَْسْبَابِ يُؤَدِّي فِي بَعْضِ الأَْحْوَال إِلَى الاِنْفِسَاخِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كُلِّهِ. وَهَذَا إِنْ لَمْ يَكُنِ الْجُزْءُ الَّذِي يَنْفَسِخُ فِيهِ الْعَقْدُ قَدْ قُدِّرَ نَصِيبُهُ مِنَ الْعِوَضِ، أَوْ كَانَ فِي تَجْزِئَةِ الْعَقْدِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لأَِحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، أَوْ يَجْمَعُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بَيْنَ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ، وَهَذَا مَا يُعَبِّرُ عَنْهُ الْفُقَهَاءُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
فَإِذَا جَمَعَ فِي الْعَقْدِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَجُوزُ يَبْطُل فِيمَا لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَهَل يَبْطُل فِي الْبَاقِي، يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْعُقُودِ، وَإِمْكَانِ التَّجْزِئَةِ وَالاِجْتِنَابِ عَنْ إِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ. وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ:(تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ) .
28 -
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيل مَا ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْمَسَائِل الآْتِيَةِ:
أ - إِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَتَلِفَ بَعْضُهُ قَبْل قَبْضِهِ لَمْ يَنْفَسِخِ الْعَقْدُ فِي الْبَاقِي، وَيَأْخُذُ
(1) البدائع 5 / 196، والزيلعي 5 / 145، 146، والمغني 5 / 454، والشرح الصغير 4 / 49، والحطاب 4 / 433.