الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ بِقَتْل الْحَرْبِيِّ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا، كَمَا لَا دِيَةَ عَلَيْهِمَا بِقَتْل الْحَرْبِيِّ غَيْرِ الْمُسْتَأْمَنِ؛ بِسَبَبِ وُجُودِ الشُّبْهَةِ فِي إِبَاحَةِ دَمِ الْحَرْبِيِّ، وَلِكَوْنِهِ مُبَاحَ الدَّمِ فِي الأَْصْل. وَشَرْطُ الْقِصَاصِ وَوُجُوبِ الدِّيَةِ: كَوْنُ الْمَقْتُول مَعْصُومَ الدَّمِ أَوْ مَحْقُونَ الدَّمِ، أَيْ يَحْرُمُ الاِعْتِدَاءُ عَلَى حَيَاتِهِ، بَل لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِلُزُومِهَا فِي حَالَةِ قَتْل مُبَاحِ الدَّمِ - كَالْحَرْبِيِّ - قَتْلاً عَمْدًا. (1)
ثَانِيًا: حُصُول الْمُسْلِمِ أَوِ الذِّمِّيِّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَال الْحَرْبِيِّ بِمُعَامَلَةٍ يُحَرِّمُهَا الإِْسْلَامُ:
13 -
إِذَا دَخَل الْمُسْلِمُ أَوِ الذِّمِّيُّ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَعَاقَدَ حَرْبِيًّا عَقْدًا مِثْل الرِّبَا، أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فِي حُكْمِ الإِْسْلَامِ، أَوْ أَخَذَ مَالَهُ بِالْمَيْسِرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا حَرَّمَهُ الإِْسْلَامُ، لَمْ يَحِل لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ. (2)
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ حُرْمَةَ الرِّبَا ثَابِتَةٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ فَظَاهِرٌ؛ لأَِنَّ الْمُسْلِمَ مُلْتَزِمٌ بِأَحْكَامِ الإِْسْلَامِ حَيْثُمَا يَكُونُ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ
(1) وهم الشافعية (مغني المحتاج 4 / 107، المهذب 2 / 217) .
(2)
المبسوط 10 / 95، وشرح السير الكبير 4 فقرة 2903، والرد على سير الأوزاعي لأبي يوسف ص 96، والبدائع 5 / 192، و 7 / 130 - 134، ورد المحتار 3 / 350، والفروق للقرافي 3 / 207، ط الحلبي، والأم 4 / 165، و 7 / 222 - 323 ط الأميرية، وغاية المنتهى 2 / 64، ومطالب أولي النهى 2 / 582، المغني 8 / 458.
لِلْحَرْبِيِّ؛ فَلأَِنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْمُحَرَّمَاتِ، قَال اللَّهُ تَعَالَى:{وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} (1) ، وَآيَاتُ تَحْرِيمِ الرِّبَا، مِثْل قَوْله تَعَالَى:{وَحَرَّمَ الرِّبَا} (2) ، وَسَائِرُ الآْيَاتِ وَالأَْخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا، وَهِيَ عَامَّةٌ تَتَنَاوَل الرِّبَا فِي كُل مَكَانٍ وَزَمَانٍ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ، مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَحِل لَهُ أَخْذُ مَال الْحَرْبِيِّ مِنْ غَيْرِ خِيَانَةٍ وَلَا غَدْرٍ؛ لأَِنَّ الْعِصْمَةَ مُنْتَفِيَةٌ عَنْ مَالِهِ، فَإِتْلَافُهُ مُبَاحٌ، وَفِي عَقْدِ الرِّبَا وَنَحْوِهِ الْمُتَعَاقِدَانِ رَاضِيَانِ، فَلَا غَدْرَ فِيهِ، وَالرِّبَا وَنَحْوُهُ كَإِتْلَافِ الْمَال، وَهُوَ جَائِزٌ. قَال مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: وَإِذَا دَخَل الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ أَمْوَالَهُمْ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ؛ لأَِنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَ الْمُبَاحَ عَلَى وَجْهٍ عَرَا عَنِ الْغَدْرِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ طَيِّبًا مِنْهُ.
وَأَمَّا خِيَانَةُ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ عِنْدَهُمْ فَمُحَرَّمَةٌ؛ لأَِنَّهُمْ إِنَّمَا أَعْطَوُا الأَْمَانَ لِلْمُسْلِمِ أَوِ الذِّمِّيِّ مَشْرُوطًا بِتَرْكِهِ خِيَانَتَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي اللَّفْظِ، فَهُوَ مَعْلُومٌ فِي الْمَعْنَى، وَلِذَلِكَ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ بِأَمَانٍ فَخَانَنَا، كَانَ نَاقِضًا لِعَهْدِهِ. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَمْ تَحِل لِلْمُسْلِمِ خِيَانَةُ الْحَرْبِيِّينَ إِذَا دَخَل دَارَهُمْ بِأَمَانٍ؛ لأَِنَّهُ غَدْرٌ، وَلَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ (3) فَإِنْ
(1) سورة النساء / 161.
(2)
سورة البقرة / 275.
(3)
حديث: " المسلمون عند شروطهم. . . . " أخرجه الترمذي (تحفة الأحوذي 4 / 585 ط السلفية) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وفي تصحيح الترمذي هذا الحديث نظر، فإن في إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وهو ضعيف جدا. وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أحمد (2 / 366) والحاكم (2 / 49) قال الشوكاني بعد أن ذكر طرق الحديث المختلفة: لا يخفى أن الأحاديث المذكورة والطرق يشهد بعضها لبعض، فأقل أحوالها أن يكون المتن الذي اجتمعت عليه حسنا (نيل الأوطار 5 / 378، ط دار الجيل) .