الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعْرِيضُ الْقَاضِي بِالإِْنْكَارِ فِي الْحُدُودِ:
19 -
لِلْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ تَعْرِيضِ الْقَاضِي بِالإِْنْكَارِ لِلْمُقِرِّ بِحَدٍّ، ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
الأَْوَّل: وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْقَوْل الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - كَمَا قَال النَّوَوِيُّ - أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لَدَى الْحَاكِمِ ابْتِدَاءً، أَوْ بَعْدَ دَعْوَى بِمَا يَسْتَوْجِبُ عُقُوبَةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، كَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ، فَإِنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ عَنِ الإِْقْرَارِ. وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى سَبِيل الْجَوَازِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى سَبِيل الاِسْتِحْبَابِ.
وَاحْتَجُّوا لِذَلِكَ بِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمَاعِزٍ لَمَّا أَقَرَّ بِالزِّنَى: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ، أَوْ نَظَرْتَ (1) .
وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ. مَا أَخَالُكَ سَرَقْتَ (2) .
الْقَوْل الثَّانِي: وَهُوَ لِلشَّافِعِيَّةِ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ بِالإِْنْكَارِ فِي ذَلِكَ أَصْلاً.
وَالْقَوْل الثَّالِثُ: وَهُوَ لِلشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا، أَنَّهُ يَعْرِضُ لَهُ بِالرُّجُوعِ إِنْ كَانَ الْمُقِرُّ لَا يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ. فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يَعْرِضُ لَهُ.
أَمَّا التَّصْرِيحُ بِالرُّجُوعِ عَنِ الإِْقْرَارِ بِالْحَدِّ، وَتَلْقِينُ الْمُقِرِّ ذَلِكَ، فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِعَدَمِ جَوَازِهِ.
(1) حديث: " لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت " أخرجه البخاري (الفتح 12 / 135 - ط السلفية) .
(2)
حديث: " ما أخالك سرقت " أخرجه أحمد (5 / 293 - ط الميمنية) وأبو داود (4 / 543 - ط عزت عبيد دعاس) وأعله الخطابي كما في التلخيص لابن حجر (4 / 66 - ط شركة الطباعة الفنية المتحدة) .
قَالُوا: لَا يَقُول لَهُ: " ارْجِعْ عَنْ إِقْرَارِكَ " وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، فَقَالُوا: لَا بَأْسَ بِتَلْقِينِهِ الرُّجُوعَ.
وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ جَوَازُ التَّصْرِيحِ. وَيُؤَيِّدُهُ احْتِجَاجُ صَاحِبِ الْمُغْنِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِمَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ أُتِيَ بِجَارِيَةٍ سَوْدَاءَ قَدْ سَرَقَتْ، فَقَال لَهَا:(أَسَرَقْتِ؟ قُولِي: لَا) فَقَالَتْ: لَا. فَخَلَّى سَبِيلَهَا (1) .
الضَّمَانُ بَعْدَ إِنْكَارِ الْحَقِّ:
20 -
إِذَا أَنْكَرَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ بَعْدَ طَلَبِ رَبِّهَا لَهَا، دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ، فَإِنْ تَلِفَتْ بَعْدَ إِنْكَارِهِ، كَأَنْ كَانَتْ دَابَّةً فَمَاتَتْ، أَوْ دَارًا فَانْهَدَمَتْ، يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا، وَيَضْمَنُهَا بِقِيمَتِهَا؛ لأَِنَّهُ بِإِنْكَارِهِ لَهَا يَكُونُ غَاصِبًا؛ وَلأَِنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِطَلَبِ الْمَالِكِ الْوَدِيعَةَ وَإِنْكَارِ الْمُودِعِ لَهَا؛ لأَِنَّهُ بِإِنْكَارِهِ عَزَل نَفْسَهُ عَنِ الْحِفْظِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَيَبْقَى مَال الْغَيْرِ بِيَدِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَيَكُونُ مَضْمُونًا، فَإِذَا هَلَكَ ضَمِنَهُ.
وَلَوْ أَنَّ الْمُودِعَ عَادَ بَعْدَ إِنْكَارِهِ، فَأَقَرَّ الْوَدِيعَةَ، لَمْ يَزُل عَنْهُ الضَّمَانُ.
وَقَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: لَا يَضْمَنُ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ بِالإِْنْكَارِ، إِلَاّ إِنْ نَقَلَهَا مِنْ مَكَانِهَا الَّذِي كَانَتْ فِيهِ وَقْتَ الإِْنْكَارِ، إِنْ كَانَتْ مِمَّا يُنْقَل، وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ بَعْدَ الْجُحُودِ، فَهَلَكَتْ، لَا يَضْمَنُ.
أَمَّا إِنْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ إِلَى صَاحِبِهَا بَعْدَ الإِْنْكَارِ وَقَبْل
(1) حديث أبي الدرداء: " أتي بجارية سوداء قد سرقت. . . " أخرجه البيهقي في سننه (8 / 276 - ط دائرة المعارف العثمانية) وإسناده حسن وانظر حاشية الدسوقي القليوبي 4 / 196، وتبصرة الحكام 2 / 259، والمغني 8 / 212.