الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ طَرِيقِ مُخَالَطَتِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَوُقُوفِهِ عَلَى مَحَاسِنِ الدِّينِ، فَهَذَا يَكُونُ عَنْ طَرِيقِ الدَّعْوَةِ لَا عَنْ طَرِيقِ الإِْكْرَاهِ، وَقَدْ قَال اللَّهُ سبحانه وتعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (1)، وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأَِهْل نَجْرَانَ: وَلِنَجْرَانَ وَحَاشِيَتِهَا جِوَارُ اللَّهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ رَسُول اللَّهِ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ وَبِيَعِهِمْ وَكُل مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ. . . (2) وَهَذَا الأَْصْل مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، لَكِنْ هُنَاكَ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ نَذْكُرُهُ فِيمَا يَلِي:
أ -
مَعَابِدُ أَهْل الذِّمَّةِ:
24 -
قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ أَمْصَارَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (3) :
الأَْوَّل: مَا اخْتَطَّهُ الْمُسْلِمُونَ وَأَنْشَئُوهُ كَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ وَوَاسِطَ، فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إِحْدَاثُ كَنِيسَةٍ وَلَا بِيعَةٍ وَلَا مُجْتَمَعٍ لِصَلَاتِهِمْ وَلَا صَوْمَعَةٍ بِإِجْمَاعِ أَهْل الْعِلْمِ، وَلَا يُمَكَّنُونَ فِيهِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَاتِّخَاذِ الْخَنَازِيرِ وَضَرْبِ النَّاقُوسِ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا تُبْنَى كَنِيسَةٌ فِي دَارِ الإِْسْلَامِ، وَلَا يُجَدَّدُ مَا خَرِبَ مِنْهَا (4) وَلأَِنَّ هَذَا الْبَلَدَ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا
(1) سورة البقرة / 256.
(2)
حديث: " كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجران. . . . " أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (5 / 385) نشر دار الكتب العلمية. بيروت سنة 1405 هـ. وفي إسناده جهالة (البداية والنهاية لابن كثير 5 / 48، نشر دار الكتب، بيروت سنة 1405 هـ) .
(3)
الخراج لأبي يوسف ص 72، والبدائع 7 / 113، والدسوقي 2 / 204، وكشاف القناع 3 / 116، 133.
(4)
حديث: " لا تبنى كنيسة في دار الإسلام، ولا يبنى ما خرب منها. . . . " قال الزيلعي في نصب الراية (3 / 154، نشر دار المأمون. بيروت 1357 هـ) : أخرجه ابن عدي في الكامل وقال: سنده ضعيف.
يَجُوزُ أَنْ يَبْنُوا فِيهِ مَجَامِعَ لِلْكُفْرِ، وَلَوْ عَاقَدَهُمُ الإِْمَامُ عَلَى التَّمَكُّنِ مِنْ ذَلِكَ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ (1) .
الثَّانِي: مَا فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً، فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إِحْدَاثُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالاِتِّفَاقِ؛ لأَِنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَا كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ هَل يَجِبُ هَدْمُهُ؟ (2) ؟ قَال الْمَالِكِيَّةُ: وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لَا يَجِبُ هَدْمُهُ؛ لأَِنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم فَتَحُوا كَثِيرًا مِنَ الْبِلَادِ عَنْوَةً فَلَمْ يَهْدِمُوا شَيْئًا مِنَ الْكَنَائِسِ.
وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ هَذَا وُجُودُ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً، وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عُمَّالِهِ: أَلَاّ يَهْدِمُوا بِيعَةً وَلَا كَنِيسَةً وَلَا بَيْتَ نَارٍ.
وَفِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يَجِبُ هَدْمُهُ، فَلَا يَقَرُّونَ عَلَى كَنِيسَةٍ كَانَتْ فِيهِ؛ لأَِنَّهَا بِلَادٌ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ فِيهَا بِيعَةٌ، كَالْبِلَادِ الَّتِي اخْتَطَّهَا الْمُسْلِمُونَ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا لَا تُهْدَمُ، وَلَكِنْ تَبْقَى بِأَيْدِيهِمْ مَسَاكِنَ، وَيُمْنَعُونَ مِنَ اتِّخَاذِهَا لِلْعِبَادَةِ (3) .
(1) فتح القدير 5 / 300، وجواهر الإكليل 1 / 268، ومغني المحتاج 4 / 253، والمغني لابن قدامة 8 / 526.
(2)
المهذب 2 / 256، والدسوقي 2 / 204، وجواهر الإكليل 1 / 268، والمغني لابن قدامة 8 / 527.
(3)
فتح القدير 5 / 300، وابن عابدين 3 / 263 ط بولاق، ومغني المحتاج 4 / 254، وأسنى المطالب 4 / 220، وقليوبي 4 / 234 - 235.