الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنَّهُنَّ تَصَدَّقْنَ فَقَبِل صَدَقَتَهُنَّ، وَلَمْ يَسْأَل وَلَمْ يَسْتَفْصِل. (1) وَلِهَذَا جَازَ لَهَا التَّصَرُّفُ بِدُونِ إِذْنٍ لِزَوْجِهَا فِي مَالِهَا، فَلَمْ يَمْلِكِ الْحَجْرَ عَلَيْهَا فِي التَّصَرُّفِ بِجَمِيعِهِ.
وَعِنْدَ الإِْمَامِ مَالِكٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا التَّبَرُّعُ فِي حُدُودِ الثُّلُثِ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا التَّبَرُّعُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ إِلَاّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا. (2)
وَلأَِنَّ لِلْمَرْأَةِ ذِمَّةً مَالِيَّةً مُسْتَقِلَّةً فَقَدْ أَجَازَ الْفُقَهَاءُ لَهَا أَنْ تَضْمَنَ غَيْرَهَا، جَاءَ فِي الْمُغْنِي: يَصِحُّ ضَمَانُ كُل جَائِزِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، سَوَاءٌ كَانَ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً؛ لأَِنَّهُ عَمْدٌ يُقْصَدُ بِهِ الْمَال، فَصَحَّ مِنَ الْمَرْأَةِ كَالْبَيْعِ.
وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ لَهَا التَّبَرُّعَ بِكُل مَالِهَا، أَمَّا مَنْ لَا يُجِيزُ لَهَا التَّبَرُّعَ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ إِلَاّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا، فَإِنَّهُمْ يُجِيزُونَ لَهَا الضَّمَانَ فِي حُدُودِ ثُلُثِ مَالِهَا أَوْ بِزَائِدٍ يَسِيرٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الضَّمَانَ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ، وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الزَّوْجِ. (3)
هـ -
حَقُّ الْعَمَل:
14 -
الأَْصْل أَنَّ وَظِيفَةَ الْمَرْأَةِ الأُْولَى هِيَ إِدَارَةُ بَيْتِهَا وَرِعَايَةُ أُسْرَتِهَا وَتَرْبِيَةُ أَبْنَائِهَا وَحُسْنُ تَبَعُّلِهَا، يَقُول
(1) حديث: " يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 405 - ط السلفية) ومسلم (1 / 86 - ط الحلبي) .
(2)
الاختيار 3 / 91، 92، وجواهر الإكليل 2 / 102، والمجموع 12 / 378، والمغني 4 / 513، 514.
(3)
منح الجليل 3 / 245، والمغني 4 / 598.
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا (1) . وَهِيَ غَيْرُ مُطَالَبَةٍ بِالإِْنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهَا، فَنَفَقَتُهَا وَاجِبَةٌ عَلَى أَبِيهَا أَوْ زَوْجِهَا؛ لِذَلِكَ كَانَ مَجَال عَمَلِهَا هُوَ الْبَيْتُ، وَعَمَلُهَا فِي الْبَيْتِ يُسَاوِي عَمَل الْمُجَاهِدِينَ. (2)
وَمَعَ ذَلِكَ فَالإِْسْلَامُ لَا يَمْنَعُ الْمَرْأَةَ مِنَ الْعَمَل فَلَهَا أَنْ تَبِيعَ وَتَشْتَرِيَ، وَأَنْ تُوَكِّل غَيْرَهَا، وَيُوَكِّلَهَا غَيْرُهَا، وَأَنْ تُتَاجِرَ بِمَالِهَا، وَلَيْسَ لأَِحَدٍ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ مَا دَامَتْ مُرَاعِيَةً أَحْكَامَ الشَّرْعِ وَآدَابَهُ، وَلِذَلِكَ أُبِيحَ لَهَا كَشْفُ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا، قَال الْفُقَهَاءُ: لأَِنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى إِبْرَازِ الْوَجْهِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَإِلَى إِبْرَازِ الْكَفِّ لِلأَْخْذِ وَالإِْعْطَاءِ.
وَفِي الاِخْتِيَارِ: لَا يَنْظُرُ الرَّجُل إِلَى الْحُرَّةِ الأَْجْنَبِيَّةِ إِلَاّ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. .؛ لأَِنَّ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً لِلأَْخْذِ وَالإِْعْطَاءِ وَمَعْرِفَةُ وَجْهِهَا عِنْدَ الْمُعَامَلَةِ مَعَ الأَْجَانِبِ؛ لإِِقَامَةِ مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا لِعَدَمِ مَنْ يَقُومُ بِأَسْبَابِ مَعَاشِهَا. (3)
وَالنُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى جَوَازِ عَمَل الْمَرْأَةِ كَثِيرَةٌ، وَالَّذِي يُمْكِنُ اسْتِخْلَاصُهُ مِنْهَا، أَنَّ لِلْمَرْأَةِ الْحَقَّ فِي الْعَمَل بِشَرْطِ إِذْنِ الزَّوْجِ لِلْخُرُوجِ، إِنِ اسْتَدْعَى عَمَلُهَا الْخُرُوجَ وَكَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ، وَيَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الإِْذْنِ إِذَا امْتَنَعَ عَنِ الإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا.
(1) حديث: " المرأة راعية في بيت زوجها. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 380 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1459 - ط الحلبي) .
(2)
مختصر تفسير ابن كثير 3 / 93، والقرطبي 5 / 32، وابن عابدين 2 / 672، 688.
(3)
المهذب 1 / 71، والمغني 1 / 601، والاختيار 4 / 156.
جَاءَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: إِذَا أَعْسَر الزَّوْجُ بِالنَّفَقَةِ وَتَحَقَّقَ الإِْعْسَارُ فَالأَْظْهَرُ إِمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَهَا الْفَسْخُ صَبِيحَةَ الرَّابِعِ، وَلِلزَّوْجَةِ - وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً - الْخُرُوجُ زَمَنَ الْمُهْلَةِ نَهَارًا لِتَحْصِيل النَّفَقَةِ بِنَحْوِ كَسْبٍ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا لأَِنَّ الْمَنْعَ فِي مُقَابِل النَّفَقَةِ. (1)
وَفِي مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ: إِذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِالنَّفَقَةِ خُيِّرَتِ الزَّوْجَةُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَبَيْنَ الْمُقَامِ مَعَهُ مَعَ مَنْعِ نَفْسِهَا، فَإِنْ لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا مِنْهُ وَمَكَّنَتْهُ مِنَ الاِسْتِمْتَاعِ بِهَا فَلَا يَمْنَعُهَا تَكَسُّبًا، وَلَا يَحْبِسُهَا مَعَ عُسْرَتِهِ إِذَا لَمْ تَفْسَخْ لأَِنَّهُ إِضْرَارٌ بِهَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً؛ لأَِنَّهُ إِنَّمَا يَمْلِكُ حَبْسَهَا إِذَا كَفَاهَا الْمَئُونَةَ وَأَغْنَاهَا عَمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ. (2)
وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْعَمَل مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ. جَاءَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ قَابِلَةً، أَوْ كَانَ لَهَا حَقٌّ عَلَى آخَرَ، أَوْ لآِخَرَ عَلَيْهَا حَقٌّ تَخْرُجُ بِالإِْذْنِ وَبِغَيْرِ الإِْذْنِ، وَمِثْل ذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ سَعْدِي جَلَبِي عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِل. (3) إِلَاّ أَنَّ ابْنَ عَابِدِينَ بَعْدَ أَنْ نَقَل مَا فِي الْفَتْحِ قَال: وَفِي الْبَحْرِ عَنِ الْخَانِيَّةِ تَقْيِيدُ خُرُوجِهَا بِالإِْذْنِ؛ لأَِنَّ حَقَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ. (4)
هَذَا، وَإِذَا كَانَ لَهَا مَالٌ فَلَهَا أَنْ تُتَاجِرَ بِهِ مَعَ غَيْرِهَا، كَأَنْ تُشَارِكَهُ أَوْ تَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً دُونَ إِذْنٍ مِنْ أَحَدٍ. جَاءَ فِي جَوَاهِرِ الإِْكْلِيل: قِرَاضُ الزَّوْجَةِ أَيْ
(1) نهاية المحتاج 7 / 147.
(2)
شرح منتهى الإرادات 3 / 252.
(3)
فتح القدير 4 / 208، وحاشية سعدي جلبي بهامش فتح القدير 4 / 207.
(4)
ابن عابدين 2 / 665.
دَفْعُهَا مَالاً لِمَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ بِبَعْضِ رِبْحِهِ، فَلَا يَحْجُرُ عَلَيْهَا فِيهِ اتِّفَاقًا؛ لأَِنَّهُ مِنَ التِّجَارَةِ. (1)
15 -
ثُمَّ إِنَّهَا لَوْ عَمِلَتْ مَعَ الزَّوْجِ كَانَ كَسْبُهَا لَهَا. جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ: أَفْتَى الْقَاضِي الإِْمَامُ فِي زَوْجَيْنِ سَعَيَا وَحَصَّلَا أَمْوَالاً أَنَّهَا لَهُ؛ لأَِنَّهَا مُعِينَةٌ لَهُ، إِلَاّ إِذَا كَانَ لَهَا كَسْبٌ عَلَى حِدَةٍ فَلَهَا ذَلِكَ. وَفِي الْفَتَاوَى: امْرَأَةٌ مُعَلَّمَةٌ، يُعِينُهَا الزَّوْجُ أَحْيَانًا فَالْحَاصِل لَهَا، وَفِي الْتِقَاطِ السُّنْبُلَةِ إِذَا الْتَقَطَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا. (2)
كَمَا أَنَّ لِلأَْبِ أَنْ يُوَجِّهَ ابْنَتَهُ لِلْعَمَل: جَاءَ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ: لِلأَْبِ أَنْ يَدْفَعَ ابْنَتَهُ لاِمْرَأَةٍ تُعَلِّمُهَا حِرْفَةً كَتَطْرِيزٍ وَخِيَاطَةٍ (3) .
وَإِذَا عَمِلَتِ الْمَرْأَةُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حُدُودٍ لَا تَتَنَافَى مَعَ مَا يَجِبُ مِنْ صِيَانَةِ الْعِرْضِ وَالْعَفَافِ وَالشَّرَفِ. وَيُمْكِنُ تَحْدِيدُ ذَلِكَ بِمَا يَأْتِي:
(1)
أَلَاّ يَكُونَ الْعَمَل مَعْصِيَةً كَالْغِنَاءِ وَاللَّهْوِ، وَأَلَاّ يَكُونَ مَعِيبًا مُزْرِيًا تُعَيَّرُ بِهِ أُسْرَتُهَا. جَاءَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: إِذَا آجَرَتِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا بِمَا يُعَابُ بِهِ كَانَ لأَِهْلِهَا أَنْ يُخْرِجُوهَا مِنْ تِلْكَ الإِْجَارَةِ، وَفِي الْمَثَل السَّائِرِ: تَجُوعُ الْحُرَّةُ وَلَا تَأْكُل بِثَدْيَيْهَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي امْرَأَةٍ نَائِحَةٍ أَوْ صَاحِبِ طَبْلٍ أَوْ مِزْمَارٍ اكْتَسَبَ مَالاً فَهُوَ مَعْصِيَةٌ. (4)
(2)
أَلَاّ يَكُونَ عَمَلُهَا مِمَّا يَكُونُ فِيهِ خَلْوَةٌ
(1) جواهر الإكليل 2 / 102، ومنح الجليل 3 / 281، وحاشية العدوي على الخرشي 6 / 39.
(2)
الفتاوى البزازية بهامش الهندية 5 / 378.
(3)
حاشية ابن عابدين 2 / 671.
(4)
البدائع 4 / 199، والفتاوى الهندية 4 / 461 و 5 / 349، وابن عابدين 5 / 272.