الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 وَأَصْل الْخِلَافِ 4 يَرْجِعُ إِلَى تَكْيِيفِ الإِْجَارَةِ فِي نَقْل الْمَنَافِعِ. فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الإِْجَارَةَ إِذَا تَمَّتْ وَكَانَتْ عَلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنَافِعَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا إِلَى الْمُدَّةِ، وَيَكُونُ حُدُوثُهَا عَلَى مِلْكِهِ. وَكَذَلِكَ الْمُؤَجِّرُ يَمْلِكُ الأُْجْرَةَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا التَّأْجِيل، كَمَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ بِالْبَيْعِ. فَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ وَقَبْل انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يَقُومُ الْوَرَثَةُ مَقَامَ الْمُتَوَفَّى وَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ. (1)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الإِْجَارَةِ الْمَنْفَعَةُ، وَالأُْجْرَةُ تُسْتَحَقُّ بِاسْتِيفَائِهَا أَوْ بِاشْتِرَاطِ التَّعْجِيل. وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ لَدَى الْعَقْدِ؛ لأَِنَّهَا تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَهِيَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَتَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فَلَا تَجِبُ الأُْجْرَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، فَإِذَا اسْتَوْفَى الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ اسْتَحَقَّ الأُْجْرَةَ عَمَلاً بِالْمُسَاوَاةِ. (2)
وَقَوْل الْجُمْهُورِ بِعَدَمِ انْفِسَاخِ عَقْدِ الإِْجَارَةِ بِمَوْتِ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَعْنِي أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ فِي الاِنْفِسَاخِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ. فَقَدْ صَرَّحُوا: أَنَّ عَقْدَ الإِْجَارَةِ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الأَْجِيرِ الْمُعَيَّنِ، وَبِمَوْتِ الْمُرْضِعَةِ، وَمَوْتِ الصَّبِيِّ الْمُسْتَأْجِرِ لِتَعْلِيمِهِ وَعَلَى رَضَاعِهِ. وَقَدْ نُقِل عَنِ الشَّافِعِيَّةِ فِي مَوْتِ الصَّبِيِّ الْمُتَعَلِّمِ أَوِ الْمُرْتَضِعِ قَوْلٌ آخَرُ بِعَدَمِ الاِنْفِسَاخِ. (3)
(1) المغني 5 / 442 - 443، والشرح الصغير 4 / 49، 50، والقليوبي 3 / 84.
(2)
الاختيار 2 / 55.
(3)
الحطاب 4 / 432، والمغني 5 / 499، والإقناع لحل ألفاظ أبي شجاع 2 / 72، والمهذب 1 / 412 - 413، والوجيز للغزالي 1 / 239.
ب -
الاِنْفِسَاخُ بِالْمَوْتِ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللَاّزِمَةِ:
17 -
الْعُقُودُ غَيْرُ اللَاّزِمَةِ (الْجَائِزَةُ) هِيَ مَا يَسْتَبِدُّ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ بِفَسْخِهَا كَالْعَارِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا.
وَهَذِهِ الْعُقُودُ تَنْفَسِخُ بِوَفَاةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا؛ لأَِنَّهَا عُقُودٌ جَائِزَةٌ يَجُوزُ لِكُل وَاحِدٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ فَسْخُهَا فِي حَيَاتِهِ، فَإِذَا مَا تُوُفِّيَ فَقَدْ ذَهَبَتْ إِرَادَتُهُ، وَانْتَهَتْ رَغْبَتُهُ، فَبَطَلَتْ آثَارُ هَذِهِ الْعُقُودِ الَّتِي كَانَتْ تَسْتَمِرُّ بِاسْتِمْرَارِ إِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ، وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْجُمْلَةِ.
فَعَقْدُ الإِْعَارَةِ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُعِيرِ أَوِ الْمُسْتَعِيرِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) ؛ لأَِنَّهَا عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَهِيَ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَيَتَجَدَّدُ الْعَقْدُ حَسَبَ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ بَعْدَ وَفَاةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، كَمَا عَلَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ؛ (1) وَلأَِنَّ الْعَارِيَّةَ إِبَاحَةُ الْمَنَافِعِ، وَهِيَ تَحْتَاجُ إِلَى الإِْذْنِ، وَقَدْ بَطَل بِالْمَوْتِ، فَانْفَسَخَتِ الإِْعَارَةُ، كَمَا عَلَّلَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. (2)
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَالْعَارِيَّةُ عِنْدَهُمْ عَقْدٌ لَازِمٌ، إِذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِأَجَلٍ أَوْ عَمَلٍ، فَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُعِيرِ أَوِ الْمُسْتَعِيرِ، وَتَدُومُ إِلَى أَنْ تَتِمَّ الْمُدَّةُ، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً فَفِي انْفِسَاخِهَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رِوَايَتَانِ ظَاهِرُهُمَا عَدَمُ الاِنْفِسَاخِ إِلَى الْعَمَل أَوِ الزَّمَنِ الْمُعْتَادِ. (3)
وَكَذَلِكَ عَقْدُ الْوَكَالَةِ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْوَكِيل أَوِ الْمُوَكِّل عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ يَنْفَسِخُ
(1) الزيلعي 5 / 84، وابن عابدين 4 / 507.
(2)
نهاية المحتاج 5 / 130، والمغني 5 / 225.
(3)
المدونة 15 / 167، وجواهر الإكليل 2 / 146.