الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَانَهُمْ، أَوْ سَرَقَ مِنْهُمْ، أَوِ اقْتَرَضَ شَيْئًا، وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَ إِلَى أَرْبَابِهِ، فَإِنْ جَاءَ أَرْبَابُهُ إِلَى دَارِ الإِْسْلَامِ بِأَمَانٍ، أَوْ إِيمَانٍ، رَدَّهُ عَلَيْهِمْ، وَإِلَاّ بَعَثَ بِهِ إِلَيْهِمْ؛ لأَِنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى وَجْهٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ، فَلَزِمَهُ رَدُّ مَا أَخَذَ، كَمَا لَوْ أَخَذَهُ مِنْ مَال مُسْلِمٍ. قَال الإِْمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الأُْمِّ (1) : وَمِمَّا يُوَافِقُ التَّنْزِيل وَالسُّنَّةَ وَيَعْقِلُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَيَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، أَنَّ الْحَلَال فِي دَارِ الإِْسْلَامِ حَلَالٌ فِي بِلَادِ الْكُفْرِ، وَالْحَرَامَ فِي دَارِ الإِْسْلَامِ حَرَامٌ فِي بِلَادِ الْكُفْرِ، فَمَنْ أَصَابَ حَرَامًا، فَقَدْ حَدَّهُ اللَّهُ عَلَى مَا شَاءَ مِنْهُ، وَلَا تَضَعُ عَنْهُ بِلَادُ الْكُفْرِ شَيْئًا.
ثَالِثًا: إِتْلَافُ مُمْتَلَكَاتِ أَهْل الْحَرْبِ:
أ -
فِي حَالَةِ الأَْمَانِ أَوِ الْعَهْدِ:
14 -
الْعَهْدُ يَعْصِمُ الدِّمَاءَ وَالأَْمْوَال، وَيُوجِبُ الْكَفَّ عَنْ أَعْمَال الْقِتَال، قَال بَعْضُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ (2) : إِذَا دَخَل الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ تَاجِرًا (بِأَمَانٍ) ، فَلَا يَحِل لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَا مِنْ دِمَائِهِمْ؛ لأَِنَّهُ ضَمِنَ أَلَاّ يَتَعَرَّضَ لَهُمْ بِالاِسْتِئْمَانِ، فَالتَّعَرُّضُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ غَدْرًا وَالْغَدْرُ حَرَامٌ، إِلَاّ إِذَا غَدَرَ بِهِ مَلِكُهُمْ، فَأَخَذَ أَمْوَالَهُ أَوْ حَبَسَهُ، أَوْ فَعَل ذَلِكَ غَيْرُ الْمَلِكِ بِعِلْمِ الْمَلِكِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ؛ لأَِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ، بِخِلَافِ
(1) الأم 4 / 165، 7 / 222، 323.
(2)
الهداية وفتح القدير 4 / 347 وما بعدها.
الأَْسِيرِ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْمَنٍ، فَيُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ لِلْمَال وَالدَّمِ، وَإِنْ أَطْلَقُوهُ طَوْعًا.
ب -
فِي حَالَةِ عَدَمِ الْعَهْدِ وَالأَْمَانِ:
15 -
فِي حَال الْحَرْبِ يَجُوزُ بِالاِتِّفَاقِ إِتْلَافُ أَشْجَارِ الْعَدُوِّ، وَذَبْحُ مَوَاشِيهِمْ، وَإِتْلَافُ سَائِرِ أَمْوَالِهِمْ إِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، كَإِتْلَافِ مَا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ مِنَ الآْلِيَّاتِ وَالْحُصُونِ وَالسِّلَاحِ وَالْخَيْل، وَإِتْلَافِ الشَّجَرِ الَّذِي يَسْتَتِرُونَ بِهِ، أَوْ يَعُوقُ الْعَمَلِيَّاتِ الْحَرْبِيَّةَ، أَوْ يَحْتَاجُ الْمُسْلِمُونَ لِقَطْعِهِ لِتَوْسِيعِ طَرِيقٍ، أَوْ تَمَكُّنٍ مِنْ سَدِّ ثُغْرَةٍ، أَوِ احْتَاجُوا إِلَيْهِ لِلأَْكْل، أَوْ يَكُونُ الْكُفَّارُ يَفْعَلُونَ بِنَا ذَلِكَ، فَنَفْعَل بِهِمْ مِثْلَهُ لِيَنْتَهُوا، فَهَذَا يَجُوزُ بِغَيْرِ خِلَافٍ.
وَأَمَّا إِتْلَافُ ذَلِكَ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ إِلَاّ لِمُغَايَظَةِ الْكُفَّارِ وَالإِْضْرَارِ بِهِمْ وَالإِْفْسَادِ عَلَيْهِمْ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ فِي الأَْشْجَارِ وَالزُّرُوعِ: إِلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} (1) . وقَوْله تَعَالَى {وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} (2)، لَكِنْ قَال ابْنُ الْهُمَامِ: هَذَا إِذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ مَأْخُوذُونَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ، وَأَنَّ الْفَتْحَ بَادٍ (أَيْ ظَاهِرٌ قَرِيبٌ) كُرِهَ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ إِفْسَادٌ فِي غَيْرِ مَحَل الْحَاجَةِ، وَمَا أُبِيحَ إِلَاّ لَهَا.
(1) سورة الحشر / 5.
(2)
سورة التوبة / 120.