الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي الْقَبْضِ، لَكِنْ إِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ لَمْ يَلْزَمْ وَرَثَتَهُ الإِْقْبَاضُ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: وَهِيَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - إِنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ قَبْل الْقَبْضِ؛ لأَِنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ. (1) أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَصَرَّحُوا بِأَنَّ الرَّهْنَ يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى التَّسْلِيمِ، إِلَاّ أَنْ يَتَرَاخَى الْمُرْتَهِنُ عَنِ الْمُطَالَبَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا يَنْفَسِخُ بِوَفَاةِ الْمُرْتَهِنِ، وَيَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ فِي مُطَالَبَةِ الْمَدِينِ وَقَبْضِ الْمَرْهُونِ، لَكِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَفَلْسِهِ قَبْل حَوْزِهِ وَلَوْ جَدَّ فِيهِ. (2)
أَثَرُ تَغَيُّرِ الأَْهْلِيَّةِ فِي انْفِسَاخِ الْعُقُودِ:
20 -
الأَْهْلِيَّةُ: صَلَاحِيَّةُ الإِْنْسَانِ لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَلِصُدُورِ الْفِعْل مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا (3) . وَتَعْرِضُ لِلأَْهْلِيَّةِ أُمُورٌ تُغَيِّرُهَا وَتُحَدِّدُهَا فَتَتَغَيَّرُ بِهَا الأَْحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
وَتَغَيُّرُ الأَْهْلِيَّةِ بِمَا يَعْرِضُ مِنْ بَعْضِ الْعَوَارِضِ، كَالْجُنُونِ أَوِ الإِْغْمَاءِ أَوِ الاِرْتِدَادِ وَنَحْوِهَا، لَهُ أَثَرٌ فِي انْفِسَاخِ بَعْضِ الْعُقُودِ، فَقَدْ صَرَّحَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) أَنَّ الْعُقُودَ الْجَائِزَةَ: مِثْل الْمُضَارَبَةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْوَكَالَةِ، الْوَدِيعَةِ، وَالْعَارِيَّةِ، تَنْفَسِخُ بِجُنُونِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا (4) .
(1) ابن عابدين 5 / 308، والمغني 4 / 365، ونهاية المحتاج 4 / 251.
(2)
بداية المجتهد 2 / 274، والشرح الصغير 3 / 316.
(3)
التلويح والتوضيح 2 / 161، 162.
(4)
ابن عابدين 3 / 351 و 4 / 417، والبدائع 6 / 38، والوجيز 1 / 187، 225، وقليوبي 3 / 59، 181، ونهاية المحتاج 5 / 55، والمغني 5 / 124، 133، ومطالب أولي النهى 3 / 453.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَعَقْدُ الْمُضَارَبَةِ عِنْدَهُمْ عَقْدٌ لَازِمٌ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَل وَلِهَذَا يُورَثُ، وَكَذَلِكَ عَقْدُ الْعَارِيَّةِ إِذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِأَجَلٍ أَوْ عَمَلٍ، فَلَا يَنْفَسِخَانِ بِالْجُنُونِ.
أَمَّا فِي عَقْدِ الْوَكَالَةِ فَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ جُنُونَ الْوَكِيل لَا يُوجِبُ عَزْلَهُ إِنْ بَرِأَ، وَكَذَا جُنُونُ الْمُوَكِّل وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ، فَإِنْ طَال نَظَرَ السُّلْطَانُ فِي أَمْرِهِ.
وَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ حُكْمُ الشَّرِكَةِ؛ لأَِنَّ الشَّرِيكَ يُعْتَبَرُ وَكِيلاً عَنْ صَاحِبِهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا عَنْهُ، وَكِلَاهُمَا مِنَ الْعُقُودِ غَيْرِ اللَاّزِمَةِ (الْجَائِزَةِ) . (1)
أَمَّا الْعُقُودُ اللَاّزِمَةُ كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ، فَلَا تَنْفَسِخُ بِالْجُنُونِ بَعْدَ تَمَامِهَا عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ. حَتَّى إِنَّ الْحَنَفِيَّةَ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِانْفِسَاخِ الإِْجَارَةِ بِالْمَوْتِ؛ لأَِنَّهَا عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ - وَهِيَ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا - صَرَّحُوا بِعَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِالْجُنُونِ، فَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: الإِْجَارَةُ لَا تَنْفَسِخُ بِجُنُونِ الآْجِرِ أَوِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا بِارْتِدَادِهِمَا، وَإِذَا ارْتَدَّ الآْجِرُ أَوِ الْمُسْتَأْجِرُ فِي مُدَّةِ الإِْجَارَةِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ بَطَلَتِ الإِْجَارَةُ، وَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا إِلَى دَارِ الإِْسْلَامِ فِي مُدَّةِ الإِْجَارَةِ عَادَتِ الإِْجَارَةُ. (2)
وَلَعَل دَلِيل التَّفْرِقَةِ بَيْنَ انْفِسَاخِ الإِْجَارَةِ بِالْمَوْتِ وَعَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِالْجُنُونِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ أَنَّ الْمَوْتَ سَبَبُ نَقْل الْمِلْكِيَّةِ، فَلَوْ أَبْقَيْنَا الْعَقْدَ لَاسْتُوفِيَتِ
(1) بداية المجتهد 2 / 237، 253، 297، ومنح الجليل 3 / 392.
(2)
الفتاوى الهندية 4 / 463، وانظر ابن عابدين 5 / 52.