الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُنْكِرَ وُجُودَهُ حَتَّى يَثْبُتَهُ الْمُشْتَرِي، وَيَرُدَّهُ إِلَيْهِ لِيَتَمَكَّنَ بِدَوْرِهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى مَنْ بَاعَهُ إِيَّاهُ.
الثَّانِيَةُ: لِوَصِيِّ الْمُتَوَفَّى أَنْ يُنْكِرَ دَيْنَ الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ.
هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي دُرَرِ الْحُكَّامِ. وَفِي شَرْحِ الأَْتَاسِيِّ عَلَى الْمَجَلَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَسُوغُ لَهُ الإِْنْكَارُ إِنْ تَحَقَّقَتْ حَاجَتُهُ إِلَى الْبَيِّنَةِ. قَال: وَهَذَا فِي مَسَائِل مِنْهَا: اسْتَحَقَّ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يُعْذَرُ فِي الإِْنْكَارِ، وَإِنْ عَلِمَ صِدْقَ الْمُدَّعِي، إِذْ لَوْ أَقَرَّ هُوَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى بَائِعِهِ بِالْيَمِينِ (1) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا نَصَبَ الْقَاضِي مُسَخَّرًا (أَيْ مُمَثِّلاً لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ) يُنْكِرُ عَنِ الْبَائِعِ جَازَ لِلْمُسَخِّرِ الإِْنْكَارُ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا. وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِالْمَصْلَحَةِ (2) . وَلَعَلَّهُمْ يَقْصِدُونَ مَصْلَحَةَ تَمْكِينِ الْمُدَّعِي مِنْ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِتَكُونَ الْبَيِّنَةُ بِنَاءً عَلَى إِنْكَارِ مُنْكِرٍ.
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجُوزُ الإِْنْكَارُ فِي حَال الْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ أَوِ الْمَال، وَجَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ بَابِ الإِْكْرَاهِ. قَالُوا: إِذَا اسْتَخْفَى الرَّجُل عِنْدَ الرَّجُل مِنَ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ الَّذِي يُرِيدُ دَمَهُ أَوْ مَالَهُ، فَسَأَلَهُ السُّلْطَانُ عَنْهُ، فَسَتَرَ عَلَيْهِ، وَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ، فَقَال لَهُ: احْلِفْ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَك، فَحَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي؛ لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَدَمِهِ، أَوْ مَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ. أَمَّا إِنْ كَانَ آمِنًا عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَقِيَهُ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أُجِرَ فِيمَا فَعَل، وَلَزِمَهُ الْحِنْثُ فِيمَا حَلَفَ.
(1) درر الحكام شرح المجلة 4 / 574 م 1817، وشرح المجلة للآتاسي 6 / 96.
(2)
القليوبي 4 / 308.
قَالُوا: وَكَذَلِكَ فَعَل مَالِكٌ فِي هَذَا بِعَيْنِهِ. أَمَّا التَّخَلُّصُ مِنْ مِثْل هَذَا الْمَأْزِقِ بِالتَّأْوِيل وَالتَّوْرِيَةِ فَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (تَوْرِيَةٌ)(1) .
جَحَدَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ كَذِبًا، إِنْ كَانَ الآْخَرُ جَاحِدًا لِحَقِّهِ:
18 -
ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْحَدَهُ حَتَّى فِي حَالَةِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ قِبَل الْمُدَّعِي، وَكَانَ الْمُدَّعِي قَدْ جَحَدَهُ، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَدِّ الأَْمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ (2) .
وَلأَِنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ دَيْنِهِ، كَأَنْ يَكُونَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا ذَهَبًا وَدَيْنُ الآْخَرِ فِضَّةً، فَإِنَّ الْجَحْدَ هُنَا يَكُونُ كَبَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَلَوْ تَرَاضَيَا. وَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيل الْمُقَاصَّةِ، وَهِيَ لَا تَجُوزُ إِلَاّ بِالتَّرَاضِي. إِذَنْ لَيْسَ لَهُ تَعْيِينُ حَقِّهِ بِغَيْرِ صَاحِبِهِ.
وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ لِلْمَدِينِ جَحْدُ دَيْنِ مَنْ جَحَدَ دَيْنَهُ، إِذَا كَانَ عَلَى الْجَاحِدِ مِثْل مَا لَهُ عَلَيْهِ، أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ، فَتَحْصُل الْمُقَاصَّةُ بَيْنَ الدَّيْنَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ شُرُوطُهَا لِلضَّرُورَةِ. فَإِنْ كَانَ لَهُ دُونَ مَا لِلآْخَرِ جَحَدَ مِنْ حَقَّةِ بِقَدْرِهِ (3) .
وَلَمْ نَجِدْ لِلْحَنَفِيَّةِ تَعَرُّضًا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
(1) تبصرة الحكام 1 / 300، 2 / 180، وانظر شرح المنتهى 3 / 491، والقليوبي 4 / 341.
(2)
حديث: " أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك ". أخرجه أبو داود (3 / 805 - ط عزت عبيد دعاس) والحاكم (2 / 46 - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
(3)
شرح الإقناع 6 / 358، وشرح المنتهى 3 / 503 والوجيز للغزالي 2 / 260، وتحفة المحتاج بحاشية الشرواني 10 / 292 ط الميمنية، والمدونة 15 / 160.