الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَسْبَابُ الاِنْفِسَاخِ غَيْرُ الاِخْتِيَارِيَّةِ:
أَوَّلاً: تَلَفُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ:
تَلَفُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَهُ أَثَرٌ فِي انْفِسَاخِ بَعْضِ الْعُقُودِ، وَالْعُقُودُ نَوْعَانِ:
12 -
الأَْوَّل: الْعُقُودُ الْفَوْرِيَّةُ: وَهِيَ الَّتِي لَا يَحْتَاجُ تَنْفِيذُهَا إِلَى زَمَنٍ مُمْتَدٍّ يَشْغَلُهُ بِاسْتِمْرَارٍ، بَل يَتِمُّ تَنْفِيذُهَا فَوْرًا دَفْعَةً وَاحِدَةً فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الْعَاقِدَانِ، كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَالصُّلْحِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا.
وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْعُقُودِ لَا يَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إِذَا تَمَّ قَبْضُهُ. فَعَقْدُ الْبَيْعِ مَثَلاً يَتِمُّ بِالإِْيجَابِ وَالْقَبُول، وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَهَلَكَ بِيَدِهِ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ؛ لأَِنَّ الْهَالِكَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي، وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَحَمَّل تَبِعَةَ الْهَالِكِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ. (1)
أَمَّا إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول وَقَبْل الْقَبْضِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَبَيَانٌ: فَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ - وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْحَنَابِلَةِ - أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ لِمُشْتَرِيهِ، وَهُوَ الْمَال الْمِثْلِيُّ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ، يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِالتَّلَفِ وَالضَّمَانِ عَلَى الْبَائِعِ. أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُعَيَّنًا وَكَانَ عَقَارًا، أَوْ مِنَ الأَْمْوَال الْقِيَمِيَّةِ الَّتِي لَيْسَ لِمُشْتَرِيهَا حَقُّ تَوْفِيَةٍ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِالتَّلَفِ، وَيَنْتَقِل الضَّمَانُ إِلَى الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ اللَاّزِمِ. (2)
(1) الشرح الصغير للدردير 3 / 195، والمغني 3 / 569، وتحفة الفقهاء للسمرقندي 5 / 54، والقليوبي 2 / 201، والإقناع لحل ألفاظ أبي شجاع ص 72.
(2)
الشرح الصغير للدردير 3 / 195، 196، والمغني 3 / 569.
وَأَطْلَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ الْقَوْل بِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْل قَبْضِهِ. قَال السَّمَرْقَنْدِيُّ: وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْل التَّسْلِيمِ فَالْهَلَاكُ يَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ، يَعْنِي يَسْقُطُ الثَّمَنُ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ. (1) وَمِثْلُهُ مَا جَاءَ فِي الْقَلْيُوبِيِّ: الْمَبِيعُ قَبْل قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، فَإِنْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي. (2)
13 -
وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ، أَمَّا إِذَا تَلِفَ الثَّمَنُ، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ غَيْرَهُمَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَبِيعِ، لَوْ تَلِفَ انْفَسَخَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا هَلَكَ الثَّمَنُ قَبْل الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ؛ لأَِنَّهُ يُمْكِنُ تَسْلِيمُ مِثْلِهِ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لأَِنَّهُ عَيْنٌ وَلِلنَّاسِ أَغْرَاضٌ فِي الأَْعْيَانِ. أَمَّا إِنْ هَلَكَ الثَّمَنُ وَلَيْسَ لَهُ مِثْلٌ فِي الْحَال فَفِيهِ خِلَافٌ. وَلَا أَثَرَ لِتَلَفِ الثَّمَنِ فِي الاِنْفِسَاخِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَيْنًا بِأَنْ كَانَ نَقْدًا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ (3) ؛ وَلأَِنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ.
هَذَا، وَأَمَّا إِتْلَافُ الْمَبِيعِ قَبْل الْقَبْضِ إِنْ كَانَ مِنْ قِبَل الْبَائِعِ يَنْفَسِخُ بِهِ الْعَقْدُ بِلَا خِلَافٍ. وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَل الْمُشْتَرِي يُعْتَبَرُ قَبْضًا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ. (4)
(1) تحفة الفقهاء للسمرقندي الحنفي 2 / 56، انظر ابن عابدين 4 / 46.
(2)
القليوبي 2 / 210، 211.
(3)
القليوبي 2 / 13، وتحفة الفقهاء 2 / 54 - 56.
(4)
القليوبي 2 / 211، وابن عابدين 4 / 46، والمغني 3 / 569.