الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذَا قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي السَّرِقَةِ خَاصَّةً (1) . الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ قَالَهُ أَشْهَبُ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّ الرُّجُوعَ لَا يُقْبَل إِلَاّ بِأَمْرٍ يُعْذَرُ بِهِ الْمُقِرُّ - لَا مُطْلَقًا - وَمِثَال مَا يُعْذَرُ بِهِ الْمُقِرُّ أَنْ يَقُول وَطِئْتُ زَوْجَتِي أَوْ أَمَتِي وَهِيَ حَائِضٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ زِنًى (2) .
ب -
الإِْنْكَارُ بَعْدَ الإِْقْرَارِ فِيمَا هُوَ حَقٌّ لِلْعِبَادِ:
23 -
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: حُقُوقُ الآْدَمِيِّينَ وَحُقُوقُ اللَّهِ الَّتِي لَا تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ لَا يُقْبَل رُجُوعُهُ عَنْ إِقْرَارِهِ بِهَا. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا (3) .
حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهَا ثَبَتَ الْمَال؛ لأَِنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ، وَسَقَطَ الْقَطْعُ؛ لأَِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ. غَيْرَ أَنَّ الشُّبْهَةَ الَّتِي عَرَضَتْ مِنَ احْتِمَال أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي رُجُوعِهِ عَنْ إِقْرَارِهِ، دَعَتْ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَقُولُوا إِنَّ الْقَاضِيَ، إِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ فِي إِقْرَارٍ، لَا يَقْضِي عَلَيْهِ إِلَاّ بَعْدَ اسْتِحْلَافِ خَصْمِهِ أَنَّ الإِْقْرَارَ لَمْ يَكُنْ بَاطِلاً.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَهَبَ وَأَقْبَضَ الْهِبَةَ، أَوْ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَبِيعَ، أَوْ آجَرَ الْمُسْتَأْجِرُ، ثُمَّ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَسَأَل إِحْلَافَ خَصْمِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لأَِنَّ دَعْوَاهُ تَكْذِيبٌ لإِِقْرَارِهِ؛ وَلأَِنَّ الإِْقْرَارَ أَقْوَى مِنَ الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ فَقَال: حَلِّفُوهُ لِي مَعَ بَيِّنَتِهِ لَمْ يُسْتَحْلَفْ. فَكَذَلِكَ هُنَا.
قَال: وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يُسْتَحْلَفُ وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛
(1) حاشية شرح المنهاج 4 / 196، ونهاية المحتاج 7 / 441.
(2)
الزرقاني 8 / 81.
(3)
المغني لابن قدامة 5 / 151 ط ثالثة.
لأَِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِالإِْقْرَارِ قَبْل الْقَبْضِ، فَيُحْتَمَل صِحَّةُ مَا قَالَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحْلَفَ خَصْمُهُ لِنَفْيِ الاِحْتِمَال (1) .
أَثَرُ جُحُودِ الْعُقُودِ فِي انْفِسَاخِهَا:
24 -
إِذَا جَحَدَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْبَيْعَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْعُقُودِ اللَاّزِمَةِ - غَيْرَ النِّكَاحِ - لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى إِنْكَارِهِ لَهُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ، وَكَانَ لِلآْخَرِ التَّمَسُّكُ بِالْعَقْدِ، وَلَهُ بَعْدَ الإِْثْبَاتِ الْمُطَالَبَةُ بِتَنْفِيذِهِ. لَكِنْ إِنْ رَضِيَ هَذَا الآْخَرُ بِالْفَسْخِ قَوْلاً، أَوْ بِتَرْكِهِ الْخُصُومَةَ مَعَ فِعْلٍ يَدُل عَلَى الرِّضَى بِالْفَسْخِ، كَنَقْلِهِ الْمَبِيعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ. فَلَوْ قَال الْمَالِكُ: اشْتَرَيْتُ مِنِّي هَذِهِ الدَّابَّةَ، وَأَنْكَرَ الآْخَرُ الشِّرَاءَ، فَرَضِيَ الْبَائِعُ، انْفَسَخَ الْبَيْعُ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ، وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ ادَّعَى الشِّرَاءَ بَعْدَ رِضَى الْبَائِعِ بِالْفَسْخِ لَا يُقْبَل؛ لاِنْفِسَاخِ الْعَقْدِ.
أَمَّا النِّكَاحُ فَلَوْ جَحَدَ الرَّجُل أَنَّهُ تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ، ثُمَّ ادَّعَى الزَّوَاجَ وَبَرْهَنَ، يُقْبَل مِنْهُ بُرْهَانُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِل الْفَسْخَ بِسَائِرِ الأَْسْبَابِ فَكَذَا بِهَذَا السَّبَبِ (2) .
وَيُوَافِقُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الْحَنَفِيَّةَ عَلَى أَنَّ إِنْكَارَ الزَّوْجِ النِّكَاحَ لَا يَكُونُ فَسْخًا، وَلَيْسَ هُوَ أَيْضًا طَلَاقًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَلَوْ نَوَاهُ؛ لأَِنَّ الْجُحُودَ هُنَا لِعَقْدِ النِّكَاحِ، لَا لِكَوْنِهَا امْرَأَتَهُ. بِخِلَافِ مَا لَوْ قَال: لَيْسَتْ هِيَ
(1) المغني 5 / 196 - ثالثة، ورد المحتار 4 / 458، وتبصرة الحكام 2 / 30.
(2)
الدر المختار 4 / 363، وفتح القدير مع حواشيه 6 / 418.