الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُبَاحَةٌ فِي الأَْصْل، وَيَجُوزُ أَخْذُهَا مِنْهُمْ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، فَمَا يَتَجَدَّدُ لَهُمْ أَوْلَى، وَالْوَقْفُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبَاحَ الأَْخْذِ؛ لأَِنَّهُ تَحْبِيسُ الأَْصْل؛ وَلأَِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً فِي ذَاتِهِ، وَعِنْدَ التَّصَرُّفِ، وَالْوَقْفُ عَلَى الْحَرْبِيِّ مَعْصِيَةٌ وَلَيْسَ قُرْبَةً (1) .
ج -
الصَّدَقَةُ عَلَى أَهْل الْحَرْبِ:
18 -
اتَّفَقَ الأَْئِمَّةُ الأَْرْبَعَةُ (2) عَلَى صِحَّةِ الصَّدَقَةِ أَوِ الْهِبَةِ لِلْحَرْبِيِّ؛ لأَِنَّهُ ثَبَتَ فِي السِّيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَهْدَى إِلَى أَبِي سُفْيَانَ تَمْرَ عَجْوَةٍ، حِينَ كَانَ بِمَكَّةَ مُحَارِبًا، وَاسْتَهْدَاهُ أَدَمًا. وَبَعَثَ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى أَهْل مَكَّةَ حِينَ قَحَطُوا لِتُوَزَّعَ بَيْنَ فُقَرَائِهِمْ وَمَسَاكِينِهِمْ (3) .
وَفِي قَوْله تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} (4)(5) . قَال الْحَسَنُ كَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُؤْتَى بِالأَْسِيرِ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَقُول:" أَحْسِنْ إِلَيْهِ " فَيَكُونُ عِنْدَهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، فَيُؤْثِرُ عَلَى نَفْسِهِ. وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ الإِْحْسَانُ إِلَى الْكُفَّارِ فِي دَارِ الإِْسْلَامِ، وَعَنْ قَتَادَةَ: كَانَ أَسِيرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْمُشْرِكَ (6) .
(1) الفتاوى الهندية 2 / 297، والدر المختار 3 / 395، والتاج والإكليل 6 / 24، ومغني المحتاج 2 / 380، والمغني 5 / 589.
(2)
الفتاوى الهندية 4 / 387 وما بعدها، والشرح الصغير 4 / 141، ومغني المحتاج 2 / 397، و 400، والمغني 6 / 104.
(3)
المبسوط 10 / 92، وشرح السير الكبير 1 / 70.
(4)
سورة الدهر / 8 - 10.
(5)
سورة الدهر / 8 - 10.
(6)
تفسير الكشاف للزمخشري 3 / 296، ط الحلبي.
د -
تَوَارُثُ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ:
19 -
يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ اخْتِلَافَ الدَّارَيْنِ لَا يَمْنَعُ مِنَ التَّوَارُثِ بَيْنَ الْكُفَّارِ، وَيَرَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ اخْتِلَافَ الدَّارَيْنِ يَمْنَعُ التَّوَارُثَ (1) . وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ تَقَدَّمَ فِي (إِرْثٍ ج 3) .
هـ -
إِرْثُ الْمُسْلِمِ الْحَرْبِيَّ، وَالْحَرْبِيِّ الْمُسْلِمَ:
20 -
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ كَافِرًا، وَالْكُفَّارُ مُسْلِمًا (2)، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي:(إِرْثٍ) .
و
الاِتِّجَارُ مَعَ أَهْل الْحَرْبِ:
21 -
تَدُل عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ عَلَى جَوَازِ الاِتِّجَارِ مَعَ الْحَرْبِيِّينَ (3) ، فَلِلْمُسْلِمِ أَوِ الذِّمِّيِّ دُخُول دَارِ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ لِلتِّجَارَةِ، وَلِلْحَرْبِيِّ دُخُول دَارِنَا تَاجِرًا بِأَمَانٍ، وَتُؤْخَذُ الْعُشُورُ عَلَى التِّجَارَةِ الْعَابِرَةِ عِنْدَ اجْتِيَازِ حُدُودِ دَارِ الإِْسْلَامِ. وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ إِمْدَادُ الْمُحَارِبِينَ بِمَا يُقَوِّيهِمْ مِنَ السِّلَاحِ وَالآْلَاتِ وَالْمَوَادِّ الَّتِي يُصْنَعُ مِنْهَا السِّلَاحُ، كَمَا لَا يَجُوزُ السَّمَاحُ بِالاِتِّجَارِ بِالْمَحْظُورَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْخُمُورِ وَالْخَنَازِيرِ وَسَائِرِ الْمُنْكَرَاتِ؛ لأَِنَّهَا مَفَاسِدُ مَمْنُوعَةٌ شَرْعًا، وَيَجِبُ
(1) تبيين الحقائق 6 / 240، والدر المختار 3 / 247، والشرح الصغير 2 / 290، والقوانين الفقهية / 394 وما بعدها، والبجيرمي على المنهج 3 / 235، وحاشية الشرقاوي 2 / 188، والأم 4 / 4، ومطالب أولي النهى 4 / 544.
(2)
شرح السراجية ص 21، والقوانين الفقهية / 394، ومغني المحتاج 3 / 24 وما بعدها، والمغني 6 / 294.
(3)
انظر مثلا المبسوط 10 / 91، شرح السير الكبير 3 / 273 - 276، والشرح الصغير 2 / 289، ومغني المحتاج 4 / 237، والمغني 8 / 489، 522.
مُقَاوَمَتُهَا. وَلَيْسَ لِلْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ شِرَاءُ الأَْسْلِحَةِ مِنْ بِلَادِ الإِْسْلَامِ (1) .
وَفِيمَا عَدَا هَذِهِ الْقُيُودِ يَجُوزُ أَنْ تَظَل حُرِّيَّةُ التِّجَارَةِ قَائِمَةً، إِلَاّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ انْفَرَدُوا بِالْقَوْل بِمَنْعِ التَّصْدِيرِ مِنْ بِلَادِنَا، وَمُتَاجَرَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ إِذَا كَانَتْ أَحْكَامُهُمْ تَجْرِي عَلَى التُّجَّارِ؛ لأَِنَّ فِي تَصْدِيرِ أَيِّ شَيْءٍ إِلَيْهِمْ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ وَلأَِنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ مِنَ الإِْقَامَةِ فِي دَارِ الشِّرْكِ، قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُل مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ (2) .
كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَصْدِيرُ الأَْطْعِمَةِ وَنَحْوِهَا إِلَاّ إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ هُدْنَةٌ مَعَ الْعَدُوِّ، أَمَّا فِي غَيْرِ الْهُدْنَةِ فَلَا يَجُوزُ (3) .
وَالأَْدِلَّةُ عَلَى جَوَازِ التَّصْدِيرِ مِنْ بِلَادِنَا مِنْهَا: حَدِيثُ ثُمَامَةَ بْنِ أَثَالٍ الْحَنَفِيِّ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ، فَإِنَّهُ قَال لأَِهْل مَكَّةَ حِينَ قَالُوا لَهُ: صَبَوْتَ؟ فَقَال: " إِنِّي وَاللَّهِ مَا صَبَوْتُ، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ أَسْلَمْتُ،
(1) الخراج لأبي يوسف ص 199، شرح السير الكبير 3 / 177، وحاشية الطحطاوي 2 / 445، وفتح القدير 4 / 347 وما بعدها، والفتاوى الهندية 2 / 215، ومغني المحتاج 4 / 247، والشرح الكبير مع المغني 10 / 408.
(2)
حديث: " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. . . " أخرجه أبو داود (3 / 104 ط عزت عبيد دعاس) والترمذي (4 / 155 ط الحلبي، وقال عبد القادر الأرناؤوط محقق جامع الأصول: رجال إسناده ثقات ولكن صحح البخاري وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والدارقطني إرساله إلى قيس بن أبي حازم، وللحديث شاهد بمعناه (جامع الأصول 4 / 446 نشر مكتبة الحلواني) .
(3)
المدونة 10 / 102، والمقدمات الممهدات 2 / 285، وفتح العلي المالك 1 / 331، ومواهب الجليل 3 / 364، و 379.
وَصَدَّقْتُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَآمَنْتُ بِهِ، وَايْمُ اللَّهِ الَّذِي نَفْسُ ثُمَامَةَ بِيَدِهِ، لَا تَأْتِيكُمْ حَبَّةٌ مِنَ الْيَمَامَةِ - وَكَانَتْ رِيفَ مَكَّةَ - حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَانْصَرَفَ إِلَى بَلَدِهِ، وَمَنَعَ الْحَمْل إِلَى مَكَّةَ، حَتَّى جَهِدَتْ قُرَيْشٌ، فَكَتَبُوا إِلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى ثُمَامَةَ، يَحْمِل إِلَيْهِمُ الطَّعَامَ، فَفَعَل رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " (1) . فَهَذَا يَدُل عَلَى جَوَازِ تَصْدِيرِ الأَْطْعِمَةِ وَنَحْوِهَا إِلَى الأَْعْدَاءِ، حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ حَالَةُ الْحَرْبِ قَائِمَةً مَعَهُمْ.
وَمِنَ الأَْدِلَّةِ أَيْضًا الأَْحَادِيثُ السَّابِقَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي بَحْثِ الصَّدَقَةِ عَلَى أَهْل الْحَرْبِ وَالْوَصِيَّةِ لَهُمْ (قِصَّةُ إِهْدَاءِ التَّمْرِ لأَِبِي سُفْيَانَ، وَصِلَةُ أَسْمَاءَ أُمَّهَا الْمُشْرِكَةَ، وَإِطْعَامُ الْمُسْلِمِينَ الأَْسْرَى) .
أَمَّا الدَّلِيل عَلَى حَظْرِ تَصْدِيرِ الأَْسْلِحَةِ وَنَحْوِهَا، فَمِنْهُ:
حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ (2)، وَالْفِتْنَةُ: الْحُرُوبُ الدَّاخِلِيَّةُ، وَفِتْنَةُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ أَوْلَى أَلَاّ يُبَاعَ لَهُمْ.
وَقَال الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَا يَحِل لِمُسْلِمٍ أَنْ يَحْمِل إِلَى عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ سِلَاحًا يُقَوِّيهِمْ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَا كُرَاعًا، وَلَا مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ (3) .
(1) حديث ثمامة بن آثال الحنفي، أخرج القصة بهذا المعنى البخاري (فتح الباري 8 / 87 ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1386، 1387 ط الحلبي) والبيهقي (6 / 319) .
(2)
حديث عمران بن حصين رضي الله عنه. قال البيهقي عنه: الصواب أنه موقوف (نصب الراية 3 / 391) .
(3)
الخراج لأبي يوسف ص 190.