الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليلة، وكان أول يوم من المحرم عام الفيل، يوم الجمعة، وقدم الفيل يوم الأحد لسبع عشرة ليلة خلت من المحرم سنة ثمانمائة واثنتين وثمانين للإسكندر الرومى، وست عشرة ومائتين من تاريخ العرب الذى أوله حجة الغدر، وسنة أربع وأربعين من ملك أنو شروان بن قباذ ملك العجم.
وولد صلى الله عليه وسلم لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول، وقيل لاثنتى عشرة ليلة خلت منه. والصحيح أن ولادته كانت يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول، كما حقق ذلك المرحوم محمود حمدى الفلكى فى رسالته، وهذا اليوم يوافق العشرين من أبريل سنة 571 م، وكانت ولادته صلى الله عليه وسلم بالدار التى عند الصفا، والتى كانت بعد لمحمد بن يوسف أخى الحجاج، فصيرتها الخيزران، زوج المهدى، مسجدا.
وكانت قابلته التى نزل على يديها الشفاء، أم عبد الرحمن بن عوف.
فلما وضعته أمه صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى جده عبد المطلب: أنه قد ولد لك غلام، فأته فانظر إليه، فأتاه فنظر إليه، وحدثته بما رأت حين حملت به، وما قيل لها فيه، وما أمرت به أن تسميه.
12- حديث رضاعه صلى الله عليه وسلم
فأخذه عبد المطلب فدخل به الكعبة، فقام يدعو الله ويشكر له ما أعطاه، ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها، والتمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم المراضع، فاسترضع له امرأة من بنى سعد بن بكر، يقال لها: حليمة بنت أبى ذؤيب.
واسم أبيه الذى أرضعه صلى الله عليه وسلم: الحارث بن عبد العزى.
وإخوته من الرضاعة، عبد الله بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وحذافة بنت الحارث، وهى الشيماء، غلب ذلك على اسمها فلا تعرف فى قومها إلا به، وهم لحليمة بنت أبى ذؤيب.
وكانت حليمة بنت أبى ذؤيب تحدث أنها خرجت من بلدها- مع زوجها وابن لها صغير ترضعه- وفى نسوة من بنى سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء.
وذلك فى سنة شهباء لم تبق شيئا.
قالت: فخرجت على أتان لى قمراء «1» ، معنا شارف «2» ، والله ما تبض بقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذى معنا، من بكائه من الجوع، ما فى ثديى ما يغنيه، وما فى شارفنا ما يغذيه، ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج.
فخرجت على أتانى تلك حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، إذا قيل لها إنه يتيم، وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبى الصبى فكنا نقول: يتيم، وما عسى أن تصنع أمه وجده! فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معى إلا أخذت رضيعا غيرى.
فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبى: والله إنى لا أكره أن أرجع من بين صواحبى، ولم آخذ رضيعا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه. قال:
لا عليك أن تفعلى، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة.
قالت: فذهبت إليه فأخذته، وما حملنى على أخذه إلا أنى لم أجد غيره، فلما أخذته رجعت به إلى رحلى، فلما وضعته فى حجرى أقبل عليه ثدياى بما شاء من لبن، فشرب حتى روى، وشرب معه أخوه حتى روى، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك. وقام زوجى إلى شارفنا تلك، فإذا هى حافل، فحلب منها ما شرب، وشربت معه، حتى انتهينا ريّا وشبعنا، فبتنا بخير ليلة.
(1) تمراء فى لونها خضرة.
(2)
الشارف الناقة المسمنة.
قالت: يقول صاحبى حين أصبحنا: اعلمى والله يا حليمة، لقد أخذت نسمة مباركة. فقلت: والله إنى لأرجو ذلك.
قالت: ثم خرجنا. وركبت أنا أتانى، وحملته عليها معى، فو الله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شىء من حمرهم، حتى إن صواحبى ليقلن لى:
يا ابنة أبى ذؤيب، ويحك! وأربعى «1» علينا، أليست هذه أتانك التى كنت خرجت عليها، فأقول لهن: بلى والله، إنها لهى هى. فيقلن: والله إن لها لشأنا.
قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بنى سعد، وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمى تروح على حين قدمنا به شباعا لبنا، فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها فى ضرع، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم! اسرحوا حيث يسرح راعى بنت أبى ذؤيب.
فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمى شباعا لبنا.
فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا «2» .
قالت: فقدمنا به على أمه، ونحن أحرص شىء على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته، فكلمنا أمه وقلت لها: لو تركت بنى عندى حتى يغلظ، فإنى أخشى عليه وباء مكة.
قالت: فلم نزل بها حتى ردته معنا، فرجعنا به.
وبعد أشهر حملته حليمة إلى أمه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع
(1) اربعى: انتظرى.
(2)
جفرا: شديدا.