الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جعلت أمرها إلى أختها أم الفضل، وكانت أم الفضل تحت العباس، فجعلت أم الفضل أمرها إلى العباس، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم.
فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثا، فأتاه حويطب بن عبد العزى فى نفر من قريش، فى اليوم الثالث، وكانت قريش قد وكلته بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فقالوا له: إنه قد انقضى أجلك، فأخرج عنا.
فقال النبى صلى الله عليه وسلم: وما عليكم لو تركتمونى فأعرست بين أظهركم، وصنعنا لكم طعاما فحضرتموه؟ قالوا: لا حاجة لنا فى طعامك، فأخرج عنا.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة، حتى أتاه بها بسرف، فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا لك، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فى ذى الحجة، فأقام بها بقية ذى الحجة، والمحرم وصفر وشهرى ربيع.
85- غزوة مؤتة
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثة إلى مؤتة، فى جمادى الأولى سنة ثمان، واستعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال: إن أصيب زيد فجعفر بن أبى طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس.
فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج، وهم ثلاثة آلاف، فلما حضر خروجهم، ودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلموا عليهم، فلما ودع عبد الله بن رواحة من ودع، من أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، بكى،
فقالوا: ما يبكيك يابن رواحة؟ فقال: أما والله ما بى حب الدنيا ولا صبابة بكم، ولكنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله عز وجل، يذكر فيها النار وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا، فلست أدرى كيف لى بالصدور بعد الورود؟ فقال المسلمون: صحبكم الله ودفع عنكم، وردكم إلينا صالحين. ثم خرج القوم، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعهم، ثم مضوا حتى نزلوا معان، من أرض الشام، فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب، من أرض البلقاء، فى مائة ألف من الروم، وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وبلى، مائة ألف منهم، فلما بلغ ذلك المسلمون أقاموا على معان ليلتين، يفكرون فى أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره، فنمضى له. فشجع الناس عبد الله بن رواحة، وقال: يا قوم، والله إن التى تكرهون، للتى خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما تقاتلهم إلا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هى إحدى الحسنيين: إما ظهور، وإما شهادة. فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحة.
فمضى الناس، حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء، لقيتهم جموع هرقل، من الروم والعرب، بقرية من قرى البلقاء، يقال لها: مشارف، ثم دنا العدو، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها: مؤتة، فالتقى الناس عندها، فتعبأ لهم المسلمون، فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بنى عذرة، يقال له: قطبة بن قتادة، وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار، يقال له: عباية بن مالك، ثم التقى الناس واقتتلوا، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط «1» فى رماح القوم.
(1) شاط: سال دمه فهلك.
ثم أخذها جعفر، فقاتل بها، حتى إذا ألجمه القتال، اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل القوم حتى قتل، فكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر فى الإسلام، أخذ اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قتل رضى الله عنه، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فأثابه الله بذلك جناحين فى الجنة يطير بهما حيث شاء.
فلما قتل جعفر، أخذ عبد الله بن رواحة الراية، ثم تقدم بها، وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه، ويتردد بعض التردد، ثم نزل. فلما نزل أتاه ابن عم له بعرق من لحم، فقال: شد بهذا صلبك، فإنك قد لقيت فى أيامك هذه ما لقيت، فأخذه من يده، ثم انتهش منه نهشة، ثم سمع الحطمة «1» فى ناحية الناس، فقال: وأنت فى الدنيا! ثم ألقاه من يده، ثم أخذ سيفه فتقدم، فقاتل حتى قتل.
ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم، أخو بنى العجلان، فقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت، قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية دافع القوم، وحاشى بهم، ثم انحاز وانحيز عنه، حتى انصرف بالناس.
ولما أصيب القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخذ الراية زيد بن حارثة، فقاتل بها حتى قتل شهيدا، ثم أخذها جعفر، فقاتل بها حتى قتل شهيدا، ثم صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصار، وظنوا أنه قد كان فى عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون، ثم قال:
ثم أخذها عبد الله بن رواحة، فقاتل بها حتى قتل شهيدا، ثم قال: لقد رفعوا إلى فى الجنة، فيما يرى النائم، على سرر من ذهب، فرأيت فى سرير
(1) الحطمة: زحام الناس.