الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعز فتى فى قريش وأشد شكيمة، فلما مر بالمولاة- وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته- قالت له: يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقى ابن أخيك محمد آنفا من أبى جهل، وجده هاهنا جالسا فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه، ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وسلم.
فاحتمل حمزة الغضب، لما أراد الله به من كرامته، فخرج يسعى ولم يقف على أحد، معدّا لأبى جهل إذا لقيه أن يوقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا فى القوم، فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضر به بها فشجه شجة منكرة، ثم قال: أنشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول، فرد ذلك على إن استطعت! فقامت رجال من بنى مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقال أبو جهل:
دعوا أبا عمارة، فإنى قد والله سببت ابن أخيه سبّا قبيحا.
ونم حمزة رضى الله عنه على إسلامه، وعلى ما تابع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله.
فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.
31- ما كان بين عتبة والرسول
وحين أسلم حمزة، ورأت قريش أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون، قال عتبة بن ربيعة، وكان سيدا، وهو جالس فى نادى قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فى المسجد وحده: يا معشر
قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء، ويكف عنا؟ فقالوا: بلى يا أبا الوليد، قم إليه فكلمه.
فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يا بن أخى، إنك منا حيث قد علمت من الشرف فى العشيرة، والمكان فى النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع منى أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد، أسمع، قال: يابن أخى، إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد به شرفا سوّدناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد به ملكا ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذى يأتيك رئيا «1» تراه، لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع «2» على الرجل حتى يداوى منه.
حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه، قال:
أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم. قال: فاسمع منى. قال: أفعل. فقال:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ. وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ. ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) الرئى: ما يتراءى للإنسان من الجن.
(2)
التابع: من يتبع من الجن.