المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌92- سنة الوفود وهى سنة تسع - الموسوعة القرآنية - جـ ١

[إبراهيم الإبياري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌الباب الأول حياة الرّسول

- ‌1- الجزيرة العربية قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌2- الإرهاصات بمولد الرسول

- ‌3- نصب الرسول

- ‌4- ولاية البيت

- ‌5- ولاية قصى البيت

- ‌6- ولاية هاشم بن عبد مناف الرفادة والسقاية

- ‌7- ولاية المطلب ثم عبد المطلب ما كان يليه هاشم

- ‌8- حفر زمزم

- ‌9- نذر عبد المطلب

- ‌10- زواج عبد الله بآمنة:

- ‌11- ولادته صلى الله عليه وسلم

- ‌12- حديث رضاعه صلى الله عليه وسلم

- ‌13- وفاة أمه وكفالة جده عبد المطلب له

- ‌14- موت عبد المطلب وكفالة عمه أبى طالب

- ‌15- حديث بحيرى الراهب

- ‌16- زواجه صلى الله عليه وسلم من خديجة

- ‌17- خلاف قريش فى بنيان الكعبة

- ‌18- علم اليهود والنصارى بمبعثه صلى الله عليه وسلم

- ‌19- مبعثه صلى الله عليه وسلم

- ‌20- بدء التنزيل

- ‌21- فرض الصلاة

- ‌22- إسلام على بن أبى طالب

- ‌23- إسلام زيد بن حارثة

- ‌24- إسلام أبى بكر

- ‌25- من اسلم بدعوة أبى بكر

- ‌26- من أسلموا بعد ذلك

- ‌27- الجهر بالدعوة

- ‌28- تآمر قريش على المسلمين

- ‌29- ما لقى الرسول من قومه

- ‌30- إسلام حمزة

- ‌31- ما كان بين عتبة والرسول

- ‌32- الرسول واشراف قومه

- ‌33- أول جهر بالقرآن

- ‌34- استماع قريش إلى قراءة الرسول

- ‌35- عدوان قريش على المستضعفين من المسلمين

- ‌36- الهجرة الاولى إلى الحبشة

- ‌37- إسلام عمر بن الخطاب

- ‌38- تحالف الكفار وحديث الصحيفة

- ‌39- ما لقى الرسول من اذى قومه

- ‌40- رجوع مهاجرى الحبشة

- ‌41- ابن مظعون ورده لجوار الوليد

- ‌42- استجارة أبى سلمة بابى طالب

- ‌43- أبو بكر ورده لجوار بن الدغنة

- ‌44- نقض الصحيفة

- ‌45- إسلام الطفيل بن عمرو

- ‌46- الإسراء والمعراج

- ‌47- خروج الرسول إلى الطائف

- ‌48- عرض الرسول نفسه على قبائل مكة

- ‌49- إسلام الانصار

- ‌50- مبايعة الأنصار للرسول

- ‌51- الهجرة إلى المدينة

- ‌52- هجرة الرسول إلى المدينة

- ‌54- مسجد الرسول بالمدينة وبيته

- ‌55- المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

- ‌56- حديث الآذان

- ‌57- الرسول ويهود المدينة

- ‌58- حديث المباهلة

- ‌59- من أخبار منافقى المدينة

- ‌60- غزواته صلى الله عليه وسلم

- ‌61- غزوة بدر

- ‌62- غزوة السويق

- ‌63- غزوة ذى أمر

- ‌64- غزوة الفرع

- ‌65- حديث بنى قينقاع

- ‌66- سرية زيد

- ‌67- مقتل كعب بن الأشرف

- ‌68- غزوة أحد

- ‌69- يوم الرجيح

- ‌70- حديث بئر معونة

- ‌71- إجلاء بنى النضير

- ‌72- غزوة ذات الرقاع

- ‌73- غزوة بدر الآخرة

- ‌74- غزوة دومة الجندل

- ‌75- ثم كانت غزوة الخندق فى شوال سنة خمس

- ‌76- غزوة بنى لحيان

- ‌77- غزوة ذى قرد

- ‌78- غزوة بنى المصطلق

- ‌79- حديث الإفك

- ‌80- حديث الحديبية

- ‌81- بيعة الرضوان

- ‌82- الهدنة

- ‌83- غزوة خيبر

- ‌84- عمرة القضاء

- ‌85- غزوة مؤتة

- ‌86- فتح مكة:

- ‌87- غزوة حنين

- ‌88- غزوة الطائف

- ‌89- غزوة تبوك

- ‌90- إسلام ثقيف

- ‌91- حج أبى بكر بالناس

- ‌92- سنة الوفود وهى سنة تسع

- ‌93- حجة الوداع

- ‌94- مرضه صلى الله عليه وسلم وموته

- ‌95- زوجاته صلى الله عليه وسلم

- ‌96- سراريه صلى الله عليه وسلم

- ‌97- أولاده صلى الله عليه وسلم

- ‌98- أعمامه وعمامته صلى الله عليه وسلم

- ‌99- جداته صلى الله عليه وسلم

- ‌100- أخواته صلى الله عليه وسلم

- ‌101- خدمه صلى الله عليه وسلم

- ‌102- مواليه صلى الله عليه وسلم

- ‌103- كتّابه صلى الله عليه وسلم

- ‌104- مؤذنوه صلى الله عليه وسلم

- ‌105- شعراؤه صلى الله عليه وسلم

- ‌106- سلاحه صلى الله عليه وسلم

- ‌107- دوابه صلى الله عليه وسلم

- ‌108- تلخيص وتعقيب:

- ‌الباب الثانى تأريخ القرآن الكريم

- ‌1- أمية الرسول

- ‌2- نزول الوحى:

- ‌(1) - ترتيب نزول السور كما رواها ابن النديم

- ‌(أ) المكية

- ‌(ب) المدنية

- ‌(2) - ترتيب نزول السور كما رواها البقاعى (أ) المكية

- ‌(ب) المدنية

- ‌3- عدد المكى والمدنى:

- ‌4- عدد الآيات:

- ‌5- ترتيب الآيات

- ‌6- أسماء السور

- ‌7- ترتيب السور

- ‌وهاك جدولا يجمع الترتيب فى هذه المصاحف الخمسة:

- ‌فهذا جزء البقرة

- ‌وهذا جزء آل عمران

- ‌وهذا جزء النساء

- ‌وهذا جزء المائدة

- ‌وهذا جزء الأنعام

- ‌وهذا جزء الأعراف

- ‌وهذا جزء الأنفال

- ‌8- الحكمة فى نزول القرآن منجّما

- ‌9- نزول القرآن على سبعة أحرف

- ‌10- اسم كتاب الله

- ‌11- جمع القرآن

- ‌12- مصحف عثمان

- ‌13- كتب المصاحف

- ‌14- تعقيب على كتب المصاحف

- ‌15- القراءات

- ‌16- القراء

- ‌17- رأى ابن قتيبة فى القراءات

- ‌18- تعقيب على القراءات

- ‌19- رسم المصحف

- ‌20- كتابة المصحف وطبعه

- ‌21- تجزئة المصحف

- ‌22- الناسخ والمنسوخ:

- ‌23- المحكم والمشابه والحروف المقطعة فى أوائل السور

- ‌24- البسملة، والاستعاذة، والسجدة

- ‌25- كتاب المصحف

الفصل: ‌92- سنة الوفود وهى سنة تسع

‌91- حج أبى بكر بالناس

ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شهر رمضان وشوالا وذا القعدة، ثم بعث أبا بكر أميرا على الحج من سنة تسع، ليقيم للمسلمين حجتهم، والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجهم. فخرج أبو بكر رضى الله عنه ومن معه من المسلمين.

ونزلت براءة فى نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد، الذى كان عليه فيما بينه وبينهم: ألا يصد عن البيت أحد جاءه، ولا يخاف أحد فى الشهر الحرام. وكان ذلك عهدا عاما بينه وبين الناس من أهل الشرك.

وكانت بين ذلك عهود بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبائل من العرب خصائص، إلى آجال مسماة، فنزلت فيه وفيمن تخلف من المنافقين عنه فى تبوك، وفى قول من قال منهم، فكشف الله تعالى فيها أسرار أقوام كانوا يستخفون بغير ما يظهرون.

‌92- سنة الوفود وهى سنة تسع

.

وكانت تبوك آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وفرغ من تبوك، وأسلمت ثقيف وبايعت، ضربت إليه وفود العرب من كل وجه. وإنما كانت العرب تربص بالإسلام أمر هذا الحى من قريش، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن قريشا كانوا إمام الناس وهاديهم، وأهل البيت الحرام،

ص: 261

وصريح ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وقادة العرب لا ينكرون ذلك، وكانت قريش هى التى نصبت لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافه. ولما افتتحت مكة، ودانت له قريش، ودوخها الإسلام، وعرفت العرب أنه لا طاقة لها بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عداوته، فدخلوا فى دين الله، كما قال عز وجل، أفواجا، يضربون إليه من كل وجه.

فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفود العرب. فقدم عليه عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمى، فى أشراف بنى تميم.

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بنى عامر، فيهم عامر ابن الطفيل.

فقدم عامر بن الطفيل عدو الله، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يريد الغدر به، وقد قال له قومه: يا عامر، إن الناس قد أسلموا فأسلم.

قال: والله لقد كنت آليت ألا أنتهى حتى تتبع العرب عقبى، فأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش! ثم قال لأربد: إذا قدمنا على الرجل، فإنى سأشغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف.

فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عامر بن الطفيل: يا محمد، خالنى «1» ، قال: لا والله حتى تؤمن بالله وحده. قال: يا محمد، خالنى. وجعل يكلمه وينتظر من أريد ما كان أمره به، فجعل أريد لا يحير شيئا. فلما رأى عامر ما يصنع أربد، قال:

يا محمد، خالنى، قال: لا، حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له. فلما أبى عليه

(1) خالنى: أى تفرد لى خاليا أتحدث معك.

ص: 262

رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا.

فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اكفنى عامر بن الطفيل.

فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عامر لأربد: ويلك يا أربد! أين ما كنت أمرتك به؟ والله ما كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف عندى على نفسى منك، وايم الله لا أخافك بعد اليوم أبدا. قال:

لا أبالك! لا تعجل علىّ، والله ما هممت بالذى أمرتنى به من أمره، إلا دخلت بينى وبين الرجل، ما أرى غيرك، أفأضربك بالسيف؟

وخرجوا راجعين إلى بلادهم، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، بعث الله على عامر بن الطفيل الطاعون فى عنقه، فقتله الله فى بيت امرأة من بنى سلول.

ثم خرج أصحابه، حين واروه، حتى قدموا أرض بنى عامر شاتين، فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا: ما وراءك يا أربد؟ قال: لا شىء والله، لقد دعانا إلى عبادة شىء لوددت أنه عندى الآن، فأرميه بالنبل حتى أقتله، فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين، معه جمل له يتبعه، فأرسل الله تعالى عليه وعلى جمله صاعقة، فأحرقتهما. وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لأمه.

وبعثت بنو سعد بن بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا منهم، يقال له: ضمام بن ثعلبة، وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد، ثم عقله، ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فى أصحابه. وكان ضمام رجلا جلدا أشعر ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أصحابه، فقال:

أيكم ابن عبد المطلب؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا ابن عبد المطلب.

ص: 263

قال: أمحمد؟ قال: نعم، قال: يا بن عبد المطلب، إنى سائلك ومغلظ عليك فى المسألة، فلا تجدن فى نفسك. قال: لا أجد فى نفسى، فسل ما بدا لك. قال:

أنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك، الله بعثك إلينا رسولا؟ قال: اللهم نعم. قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك، الله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده ولا نشرك به شيئا، وأن نخلع هذه الأنداد التى كان آباؤنا يعبدون معه؟ قال: اللهم نعم.

قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك أن نصلى هذه الصلوات الخمس؟ قال: اللهم نعم. قال: ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة: الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها، ينشده عند كل فريضة منها، كما ينشده فى التى قبلها، حتى إذا فرغ قال: فإنى أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، وسأؤدى هذه الفرائض، وأجتنب ما نهيتنى عنه، ثم لا أزيد ولا أنقص. ثم انصرف إلى بعيره راجعا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة.

فأتى بعيره فأطلق عقاله، ثم خرج حتى قدم على قومه، فاجتمعوا إليه، فكان أول ما تكلم به أن قال: بئست اللات والعزى. قالوا: مه يا ضمام! اتق البرص، اتق الجذام، اتق الجنون، قال: ويلكم! إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إن الله قد بعث رسولا، وأنزل كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه، وإنى أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به، وما نهاكم عنه.

فو الله ما أمسى من ذلك اليوم فى حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلما.

ص: 264

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود بن عمرو بن حنش، أخو عبد القيس، ولما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، ودعاه إليه، ورغبه فيه. فقال:

يا محمد، إنى كنت على دين، وإنى تارك دينى لدينك، أفتضمن لى دينى؟

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه. فأسلم وأسلم أصحابه، ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحملان «1» ، فقال: والله ما عندى ما أحملكم عليه. قال: يا رسول الله، فإن بيننا وبين بلادنا ضوال من ضوال الناس، أفنتبلغ عليها إلى بلادنا؟

قال: لا، إياك وإياها فإنما تلك حرقى النار.

فخرج من عنده الجارود راجعا إلى قومه، وكان حسن الإسلام، صلبا على دينه، حتى هلك وقد أدرك الردة. فلما رجع من قومه من كان أسلم منهم إلى دينهم الأول، مع الغرور بن المنذر بن النعمان بن المنذر، قام الجارود فتكلم، فتشهد شهادة الحق، ودعا إلى الإسلام، فقال: أيها الناس، إنى أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأكفر من لم يشهد.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمى قبل فتح مكة إلى المنذر بن ساوى العبدى، فأسلم وحسن إسلامه، ثم هلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل ردة أهل البحرين، والعلاء عنده، أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين.

(1) أى ما يحمله عليه.

ص: 265

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بنى حنيفة، فيهم مسيلمة ابن حبيب الحنفى الكذاب، وكانوا قد خلفوا مسيلمة فى رحالهم، فلما أسلموا ذكروا مكانه، فقالوا: يا رسول الله، إنا قد خلفنا صاحبا لنا فى رحالنا وفى ركابنا يحفظها لنا، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به للقوم، ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءوه بما أعطاه. فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله، وتنبأ وتكذب لهم، وقال: إنى قد أشركت فى الأمر معه. ثم جعل يسجع لهم الأساجيع، وأحل لهم الخمر والزنا، ووضع عنهم الصلاة، وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه نبى.

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طىء، فيهم زيد الخيل، وهو سيدهم، فلما انتهوا إليه كلموه، وعرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، فأسلموا، فحسن إسلامهم.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ذكر لى رجل من العرب بفضل ثم جاءنى إلا رأيته دون ما يقال فيه، إلا زيد الخيل، فإنه لم يبلغ كل ما كان فيه، ثم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: زيد الخير، فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى قومه

، فلما انتهى إلى ماء من مياهه، أصابته الحمى بها فمات.

وأما عدى بن حاتم فكان يقول: ما من رجل من العرب كان أشد كراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به منى، فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته، فقلت لغلام كان لى عربى، وكان راعيا لإبلى: لا أبالك، أعدد لى من إبلى أجمالا ذللا سمانا، فاحتبسها

ص: 266

قريبا منى، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذنى، ففعل. ثم إنه أتانى ذات غداة، فقال: يا عدى، ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد، فاصنعه الآن، فإنى قد رأيت رايات، فسألت عنها فقالوا: هذه جيوش محمد. فقلت: فقرب إلى جمالى، فقربها، فاحتملت بأهلى وولدى، ثم قلت: ألحق بأهل دينى من النصارى بالشام، وخلفت بنتا لحاتم فى الحاضر، فلما قدمت الشام أقمت بها.

وتخالفنى خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتصيب ابنة حاتم، فيمن أصابت، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سبايا من طيئ،

وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربى إلى الشام. قال: فجعلت بنت حاتم فى حظيرة بباب المسجد، كانت السبايا يحبسن فيها، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقامت إليه، وكانت امرأة جزلة، فقالت: يا رسول الله، هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن علىّ منّ الله عليك. قال: ومن وافدك؟ قالت:

عدى بن حاتم. قال: الفار من الله ورسوله؟ قالت: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركنى، حتى إذا كان من الغد مربى، فقلت له مثل ذلك، وقال لى مثل ما قال بالأمس. قالت: حتى إذا كان الغد، مربى، وقد يئست منه، فأشار إلى رجل من خلفه: أن قومى فكلميه، قالت: فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله، هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن علىّ منّ الله عليك. فقال صلى الله عليه وسلم: قد فعلت، فلا تتعجلى بخروج، حتى تجدى من قومك من يكون لك ثقة، حتى يبلغك إلى بلادك، ثم آذنينى. فسألت عن الرجل الذى أشار إلى أن أكلمه، فقيل: على بن أبى طالب رضوان الله عليه، وأقمت حتى قدم ركب من بلى أو قضاعة قالت: وإنما أريد أن آتى أخى بالشام. قالت: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله،

ص: 267

فد قدم رهط من قومى، لى فيهم ثقة وبلاغ. قالت: فكسانى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحملنى وأعطانى نفقة، فخرجت معهم، حتى قدمت الشام.

قال عدى: فو الله إنى لقاعد فى أهلى، إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إلى تؤمنا، فقلت: ابنة حاتم؟ فإذا هى هى. فلما وقفت على، أخذت فى اللوم تقول:

القاطع الظالم، احتملت بأهلك وولدك، وتركت بقية والدك عورتك! قلت:

أى أخية، لا تقولى إلا خيرا، فو الله مالى من عذر، لقد صنعت ما ذكرت.

قال: ثم نزلت فأقامت عندى، فقلت لها، وكانت امرأة حازمة: ماذا ترين فى أمر هذا الرجل؟ قالت: أرى والله أن تلحق به سريعا، فإن يكن الرجل نبيّا، فللسابق إليه فضله، وإن يكن ملكا، فلن تذل فى عز اليمن، وأنت أنت. قال: قلت: والله إن هذا الرأى.

قال: فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فدخلت عليه، وهو فى مسجده، فسلمت عليه، فقال: من الرجل؟ فقلت:

عدى بن حاتم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بى إلى بيته، فو الله إنه لعامد بى إليه، إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة، فاستوقفته، فوقف لها طويلا تكلمه فى حاجتها. قال: قلت فى نفسى: والله ما هذا بملك، قال:

ثم مضى بى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا دخل بى بيته، تناول وسادة من أدم محشوة ليفا، فقذفها إلى، فقال: اجلس على هذه، قلت: بل أنت فاجلس عليها، فقال: بل أنت، فجلست عليها، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض. قال: قلت فى نفسى: والله ما هذا بأمر ملك، ثم قال: إيه يا عدى بن حاتم، ألم تك ركوسيّا «1» ؟ قلت: بلى. قال: أولم

(1) الركوسى، من الركوسية، وهو قوم لهم دين بين دين النصارى والصابئين.

ص: 268

تكن تسير فى قومك بالمرباع؟ قلت: بلى، قال: فإن ذلك لم يكن يحل لك فى دينك؟ قلت: أجل والله. قال: وعرفت أنه نبى مرسل، يعلم مالا تعلم.

ثم قال: لعلك يا عدى إنما يمنعك من دخول فى هذا الدين، ما ترى من حاجتهم، فو الله ليوشكن المال أن يفيض فيهم، حتى لا يوجد من يأخذه، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه، ما ترى من كثرة عدوهم، وقلة عددهم، فو الله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت، لا تخاف، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه، أنك ترى أن الملك والسلطان فى غيرهم، وايم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم، قال: فأسلمت.

وقدم فروة بن مسبك المرادى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مفارقا لملوك كندة، ومباعدا لهم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد كان قبيل الإسلام بين مراد وهمدان وقعة، أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا، حتى أتخنوهم فى يوم كان يقال له: يوم الردم.

فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومى يوم الردم لا يسوءه ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إن ذلك لم يزد قومك فى الإسلام إلا خيرا.

واستعمله النبى صلى الله عليه وسلم على مراد وزبيد ومذحج كلها، وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة، فكان معه فى بلاده، حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 269

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن معديكرب فى أناس من بنى زبيد، فأسلم، وكان عمرو قد قال لقيس بن مكشوح المرادى، حين انتهى إليهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا قيس، إنك سيد قومك، وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز، يقول إنه نبى، فانطلق بنا إليه، حتى نعلم علمه، فإن كان نبيّا كما يقول، فإنه لن يخفى عليك، وإذا لقيناه اتبعناه، وإن كان غير ذلك علمنا علمه.

فأبى عليه قيس ذلك وسفه رأيه، فركب عمرو بن معديكرب حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدقه وآمن به.

فلما بلغ ذلك قيس بن مكشوح أوعد عمرا، واشتد عليه، وقال: خالفنى وترك رأيى. فأقام عمرو بن معديكرب فى قومه من بنى زبيد، وعليهم فروة ابن مسيك. فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد عمرو بن معديكرب.

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشعث بن قيس، فى وفد كندة فى ثمانين راكبا من كندة، فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده، وقد رجلوا جممهم وتكحلوا عليهم جبب الحبرة، وقد كففوها بالحرير.

فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألم تسلموا؟ قالوا: بلى.

قال: فما بال هذا الحرير فى أعناقكم، قال: فشقوه منها، فألقوه.

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد بن عبد الله الأزدى، فأسلم، وحسن إسلامه، فى وفد من الأزد، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 270

على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك، من قبل اليمن.

فخرج صرد بن عبد الله يسير بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نزل بجرش، وهى يومئذ مدينة مغلقة، وبها قبائل من قبائل اليمن، وقد ضمت إليهم خثعم، فدخلوها معهم، حين سمعوا بسير المسلمين إليهم.

فحاصروهم فيها قريبا من شهر، وامتنعوا فيها منه، ثم إنه رجع عنهم قافلا، حتى إذا كان إلى جبل لهم يقال له شكر، ظن أهل جرش أنه إنما ولى عنهم منهزما، فخرجوا فى طلبه، حتى إذا أدركوه، عطف عليهم، فقتلهم قتلا شديدا.

ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد، فى شهر ربيع الآخر أو جمادى الأولى، سنة عشر، إلى بنى الحارث بن كعب بنجران، أمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا، فإن استجابوا فأقبل منهم، وإن لم يفعلوا فقاتلهم. فخرج خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون فى كل وجه، ويدعون إلى الإسلام، ويقولون: أيها الناس، أسلموا تسلموا، فأسلم الناس، ودخلوا فيما دعوا إليه. فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام، وكتاب الله وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم، وبذلك كان أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هم أسلموا ولم يقاتلوا.

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هدنة الحديبية، قبل خيبر، رفاعة بن زيد الجدامى ثم الضبيبى. فأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 271