الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها، فزوجه إياها، وأصدقها أربعمائة درهم.
79- حديث الإفك
وتقول عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيهن خرج سهمها خرج بها معه، فلما كانت غزوة بنى المصطلق أقرع بين نسائه كما كان يصنع، فخرج سهمى عليهن معه، فخرج بى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت إذا رحل لى بعيرى، جلست فى هودجى، ثم يأتى القوم الذين يرحلون لى ويحملوننى، فيأخذون بأسفل الهودج، فيرفعونه، فيضعونه على ظهر البعير، فيشدونه بحباله، ثم يأخذون برأس البعير، فينطلقون به. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك، رجع قافلا، حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا، فبات به بعض الليل، ثم أذن فى الناس بالرحيل، فارتحل الناس، وخرجت لبعض حاجتى، وفى عنقى عقد لى، فيه جزع ظفار «1» ، فلما فرغت انسل من عنقى ولا أدرى، فلما رجعت إلى الرحل، ذهبت ألتمسه فى عنقى، فلم أجده، وقد أخذ الناس فى الرحيل، فرجعت إلى مكانى الذى ذهبت إليه، فالتمسته حتى وجدته، وجاء القوم خلافى، الذين كانوا يرحلون لى البعير، وقد فرغوا من رحلته، فأخذوا الهودج، وهم يظنون أنى فيه، كما كنت أصنع، فاحتملوه، فشدوه على البعير، ولم يشكوا أنى فيه، ثم أخذوا برأس البعير، فانطلقوا به، فرجعت إلى العسكر وما فيه من داع ولا مجيب. قد انطلق الناس.
(1) ظفار: مدينة باليمن.
فتلففت بجلبابى، ثم اضطجعت فى مكانى، وعرفت أن لو قد افتقدت لرجع إلى، فو الله إنى لمضطجعة إذ مر بى صفوان بن المعطل السلمى، وقد كان تخلف عن العسكر لبعض حاجته، فلم يبت مع الناس، فرأى سوادى، فأقبل حتى وقف علىّ- وقد كان برانى قبل أن يضرب علينا الحجاب- فلما رآنى قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا متلففة فى ثيابى، قال: ما خلفك برحمك الله؟ قالت: فما كلمته، ثم قرب البعير، فقال: اركبى، واستأخر عنى. قالت: فركبت، وأخذ برأس البعير، فانطلق سريعا، يطلب الناس، فو الله ما أدركنا الناس، وما اقتقدت حتى أصبحت. ونزل الناس، فلما اطمأنوا طلع الرجل بقود بى البعير، فقال أهل الإفك ما قالوا، فاضطرب العسكر، ووالله ما أعلم بشىء من ذلك.
ثم قدمنا المدينة، فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة، ولا يبلغنى من ذلك شىء، وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى أبوى، لا يذكرون لى منه قليلا ولا كثيرا، إلا أنى قد أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لطفه بى، كنت إذا اشتكيت رحمنى، ولطف بى، فلم يفعل ذلك بى فى شكواى تلك، فأنكرت ذلك منه، كان إذا دخل علىّ وعندى أمى تمرضنى، قال: كيف تيكم، لا يزيد على ذلك، حتى وجدت فى نفسى، فقلت: يا رسول الله، حين رأيت ما رأيت من جفائه لى: لو أذنت لى فانتقلت إلى أمى، فمرضتنى؟ قال: لا عليك. فانتقلت إلى أمى، ولا علم لى بشىء مما كان، حتى نقهت من وجعى بعد بضع وعشرين ليلة. وكنا قوما عربا، لاتتخذ فى بيوتنا هذه الكنف التى تتخذها الأعاجم، نعاقها ونكرهها، إنما كنا نذهب فى فسح المدينة، وإنما كانت النساء يخرجن
كل ليلة فى حوائجهن، فخرجت ليلة لبعض حاجتى، ومعى أم مسطح بنت أبى رهم بن المطلب بن عبد مناف، وكانت أمها خالة أبى بكر الصديق رضى الله عنه، فو الله إنها لتمشى معى إذ عثرت فى مرطها، فقالت: تعس مسطح، قلت:
بئس لعمر الله ما قلت لرجل من المهاجرين قد شهد بدرا، قالت: أو ما بلغك الخير يا بنت أبى بكر؟ قلت: وما الخبر؟ فأخبرتنى بالذى كان من قول أهل الإفك، قالت: قلت: أو قد كان هذا؟ قالت: نعم والله لقد كان. قالت:
فو الله ما قدرت على أن أقضى حاجتى، ورجعت. فو الله ما زلت أبكى حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدى، وقلت لأمى: يغفر الله لك، تحدث الناس بما تحدثوا به، ولا تذكرين لى من ذلك شيئا. قالت: أى بنية، خففى عليك الشأن، فو الله لقلما كانت امرأة حسناء، عند رجل يحبها. لها ضرائر، إلا كثرن وكثر الناس عليها. قالت:
وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الناس يخطبهم ولا أعلم بذلك، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، ما بال رجال يؤذوننى فى أهلى، ويقولون عليهم غير الحق، والله ما علمت منهم إلا خيرا، ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلا خيرا، وما يدخل بيتا من بيوتى إلا وهو معى.
وكان كبر ذلك عند عبد الله بن أبىّ بن سلول، فى رجال من الخزرج، مع الذى قال مسطح وحمنة بنت جحش، وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تكن من نسائه امرأة تناصبنى «1» فى المنزلة عنده غيرها، فأما زينب فعصمها الله تعالى بدينها، فلم تقل إلا خيرا، وأما حمنة بنت جحش، فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضادنى لأختها، فشقيت بذلك.
(1) تناصبنى: تساوينى.
فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة، قال أسيد بن حضير:
يا رسول الله، إن يكونوا من الأوس نكفكهم، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج، فمرنا بأمرك، فو الله إنهم لأهل أن نضرب أعناقهم، قالت: فقام سعد بن عبادة- وكان قبل ذلك يرى رجلا صالحا- فقال: كذبت لعمر الله، لا نضرب أعناقهم، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا. فقال أسيد: كذبت لعمر الله، ولكنك منافق، تجادل عن المنافقين، وتساور الناس، حتى كاد يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شر. ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل على. فدعا على بن أبى طالب رضوان الله عليه، وأسامة بن زيد، فاستشارهما، فأما أسامة فأثنى علىّ خيرا وقاله، ثم قال: يا رسول الله، أهلك ولا نعلم منهم إلا خيرا، وهذا الكذب والباطل.
وأما علىّ فإنه قال: يا رسول الله، إن النساء لكثير، وإنك لقادر على أن تستخلف، وسل الجارية، فإنها ستصدقك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة ليسألها، قالت: فقام إليها على بن أبى طالب، فضربها ضربا شديدا، ويقول: اصدقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فتقول: والله ما أعلم إلا خيرا، وما كنت أعيب على عائشة شيئا، إلا أنى كنت أعجن عجينى، فآمرها أن تحفظه، فتنام عنه، فتأتى الشاة فتأكله.
ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندى أبواى، وعندى امرأة من الأنصار، وأنا أبكى، وهى تبكى معى، فجلس، فحمدالله، وأثنى عليه، ثم قال: يا عائشة، إنه قد كان ما قد بلغك من قول الناس، فاتقى الله، وإن كنت قد فارفت سوءا
مما يقول الناس، فتوبى إلى الله فإن الله يقبل التوبة عن عباده، فو الله ما هو إلا أن قال لى ذلك، فقلص دمعى، حتى ما أحس منه شيئا، وانتظرت أبواى أن يجيبا عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يتكلما.
قالت: وايم الله، لأنا كنت أحقر فى نفسى، وأصغر شأنا من أن ينزل الله فى قرآنا يقرأ به فى المساجد، ويصلى به، ولكنى قد كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نومه شيئا، يكذب به الله عنى، لما يعلم من براءتى، أو يخبر خبرا، فأما قرآن ينزل فىّ، فو الله لنفسى كانت أحقر عندى من ذلك. قالت: فلما لم أر أبواى يتكلمان، قلت لهما: ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالا: والله ما ندرى بماذا نجيبه! قالت: والله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبى بكر، فى تلك الأيام، فلما أن استعجما علىّ، استعبرت فبكيت، ثم قلت: والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبدا، والله إنى لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس، والله يعلم أنى منه بريئة، لأقولن ما لم يكن، ولئن أنا أنكرت ما يقولون لا تصدقوننى، ثم ألتمست اسم يعقوب فما أذكره، فقلت: ولكن سأقول كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ.
فو الله ما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه حتى تغشاه من الله ما تغشاه، فسجى بثوبه، ووضعت له وسادة من أدم تحت رأسه، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت، فو الله ما فزعت ولا باليت، قد عرفت أنى بريئة، وأن الله عز وجل غير ظالمى، وأما أبواى، فو الذى نفس عائشة بيده. ما سرى عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننت لتخرجن أنفسهما، فرقا من أن يأتى من الله تحقيق ما قال الناس.
ثم سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس، وإنه ليتحدر منه مثل الجمان فى يوم شات، فجعل يسمح العرق عن جبينه، ويقول: أبشرى يا عائشة، فقد أنزل الله براءتك، قالت: قلت: بحمد الله. ثم خرج إلى الناس، فخطبهم، وتلا عليهم ما أنزل الله عليه من القرآن فى ذلك، ثم أمر بمسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة، فضربوا حدهم.
فلما نزل هذا فى عائشة، وفيمن قال لها ما قال، قال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته وحاجته: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا، ولا أنفعه بنفع أبدا، بعد الذى قال لعائشة، وأدخل علينا، فأنزل الله فى ذلك: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» .
فقال أبو بكر: بلى والله: إنى لأحب أن يغفر الله لى، فرجع إلى مسطح نفقته التى كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبدا.
وكانت عائشة تقول: لقد سئل عن أبى المعطل فوجدوه رجلا حصورا، ما يأتى النساء، ثم قتل بعد ذلك شهيدا.
(1) سورة النور: 22.