الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غلاما لهما نصرانيّا، يقال، له: عدّاس، فقالا له: خذ قطفا من هذا العنب، فضعه فى هذا الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه. ففعل عداس، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له: كل. فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده قال: باسم الله، ثم أكل، فنظر عداس فى وجهه، ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن أهل أى البلاد أنت يا عداس؟ وما دينك؟ قال: نصرانى، وأنا رجل من أهل نينوى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرية الرجل الصالح يونس بن متى.
فقال له عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك أخى، كان نبيّا وأنا نبى.
فأكب عدّاس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه. فلما جاءهما عداس قالا له:
ويلك يا عداس! مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قالا: يا سيدى، ما فى الأرض شىء خير من هذا، لقد أخبرنى بأمر ما يعلمه إلا نبى. قال له:
ويحك يا عداس! لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه.
48- عرض الرسول نفسه على قبائل مكة
ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وقومه أشد ما كانوا عليه من خلافة وفراق دينه، إلا قليلا مستضعفين، ممن آمن به، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه فى المواسم، إذا كانت، على قبائل العرب يدعوهم إلى الله، ويخبرهم أنه نبى مرسل، ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين لهم الله ما بعثه به.
ويحدث ابن عباس فيقول: إنى لغلام شاب مع أبى بمنى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب، فيقول: يا بنى فلان، إنى رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بى، وتصدقوا بى وتمنعونى، حتى أبين عن الله ما بعثنى به.
قال: وخلفه رجل أحول وضىء، له غديرنان عليه حلة عدنية. فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وما دعا إليه، قال ذلك الرجل: يا بنى فلان، إن هذا يدعوكم أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه.
قال: فقلت لأبى: يا أبت، من هذا الذى يتبعه ويرد عليه ما يقول؟
قال: هذا عمه عبد العزى بن عبد المطلب، أبو لهب.
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى عامر بن صعصعة، فدعاهم إلى الله عز وجل، وعرض عليهم نفسه، فقال له رجل منهم: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء. فقال له: أفنهدف «1» نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه.
فلما صدر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم، قد كانت أدركته السن، حتى لا يقدر أن يوافى معهم المواسم، فكانوا إذا رجعوا إليه حدثوه
(1) تهدف، بالبناء للمجهول: تصير هدفا.